السودان: الناجون من المعارك تحاصرهم أزمة الغذاء وغلاء الأسعار
عاين- 29 يوليو 2023
بعد أكثر من مائة يوم على اندلاع الحرب في السودان، نفدت سلع غذائية رئيسية عن المتاجر في مختلف أنحاء العاصمة السودانية الخرطوم، بينما ارتفعت أسعار مجمل المواد التموينية بمعدل قياسي خلّف معاناة بالغة لدى السكان.
ويضطر المواطنون العالقون في الخرطوم الى الذهاب للأسواق في أطراف العاصمة السودانية للحصول على احتياجاتهم من المواد الغذائية وسط احتدام المعارك العسكرية مما يهدد حياتهم، وفق ما نقله سكان لـ(عاين).
ولم تتوقف أزمة الغذاء عند العاصمة الخرطوم، لكنها امتدت إلى عدد من الولايات السودانية خاصة كردفان ودارفور، فيما لجأت الأقاليم الواقعة وسط وجنوب وشرق السودان الى تغطية العجز الغذائي باستيراد السلع من دول الجوار.
ويروي “طارق مهدي” وهو من سكان منطقة مايو جنوبي الخرطوم لـ(عاين) قصة معاناتهم في الحصول على السلع الاستهلاكية في ظل الارتفاع الشديد في أسعارها مع توقف كامل لاشغالهم ومصادر دخلهم.
ويقول:”كنا نعمل ونحصل على احتياجاتنا من السوق المركزي الخرطوم، لكنه تحول لاحقاً الى منطقة عمليات عسكرية الشيء الذي أجبر التجار على نقل نشاطهم الى منطقة عد حسين التي تبعده بضع كيلومترات جنوباً وهي بعيدة نسبياً ونجد صعوبة في الوصول إليها بسبب استمرار المعارك وانتشار المجموعات المسلحة”.
“غالبية المتاجر داخل حينا السكني الذي غادره معظم السكان أغلقت أبوابها، بينما التي تعمل منها نفدت السلع الأساسية منها مثل الصابون والدقيق وزيوت الطعام وغيرها”. يضيف مهدي.
غلاء
ويُقدر تاجر في أمدرمان تحدث لـ(عاين) نسبة ارتفاع الأسعار منذ اندلاع الحرب بـ300 بالمئة لغالبية السلع الغذائية، باستثناء اللحوم الحمراء زادت بنسبة 100 بالمئة وذلك بسبب انخفاض الطلب عليها.
ويقول:”هناك عجز كبير في الامداد وقد لجأ بعض التجار من ضعاف النفوس إلى تغذية متاجرهم بالسلع المسروقة من المخازن وبيعها للسكان، بينما فضل آخرين الإغلاق التام بعد نفاد البضائع”.
وتشكل العاصمة الخرطوم مركز رئيسي للتصنيع الغذائي تعتمد عليها كل الأقاليم السودانية، ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف ابريل الماضي توقف الإمداد بشكل كامل، وكان السكان يعتمدون على المخزون المحدود المتوفر في المتاجر داخل الأحياء السكنية والأسواق الطرفية في العاصمة.
وكانت الأسواق الكبرى في العاصمة السودانية تعرضت لأعمال نهب وحرق واسعة قضت على كامل مخزونها لا سيما من المواد الغذائية، وحدث الشيء نفسه مع الشركات والمصانع الخاصة بالمواد التموينية التي شهدت بدورها تخريب ونهب.
ونقل “محمد مفرح” لـ(عاين) صورة مأساوية لسكان غرب أمدرمان تجلت في نفاد السلع الأساسية وإغلاق المخابز أبوابها، ويقول “هناك وفرة في السلع شمال المدينة وهو الجزء الذي يسيطر عليه الجيش ولكن الوصول إليها صعبا للغاية نسبة لانتشار عصابات النهب التي ستأخذ كل شيء من المواطنين”.
ويشير مفرح إلى أن سوق صابرين الذي يقع أقصى شمال مدينة أمدرمان صار المركز الوحيد الذي تتوفر فيه السلع والمواد الغذائية، ولكن الوصول اليه يعتبر شبه مستحيل ويعرض حياة الناس الى الخطر.
ويضيف محمد، أنه يبحث في طرق لمغادرة العاصمة الخرطوم لأن الوضع المعيشي متردي للغاية وأنه يخشى ان يصبح الغد ولا يجد ما يأكله مع عائلته، هذا فضلاً عن ارتفاع وتيرة القتال والعنف.
قيود الحركة
تقييد القوات المتحاربة حركة الدخول الى العاصمة الخرطوم من كافة المعابر. ويقول سائق لـ(عاين) إن التجار يخشون المغامرة بإرسال بضائع الى العاصمة الخرطوم في ظل عدم وجود ممرات واغلاق الجسور النيلية مما دفعهم الى تحويل أنشطتهم الى الولايات الآمنة.
ويقول:”هناك عمليات شحن البضائع المستوردة في منطقة سوبا جنوبي الخرطوم إلى الولايات عبر طريق مدني، ولكن لا توجد أي شاحنات تزود العاصمة بالبضائع منذ اندلاع الحرب”.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أنه ما يزال نحو 6 ملايين عالقين في العاصمة السودانية الخرطوم، بينما تمكن نحو 3 ملايين من الفرار الى الولايات الآمنة ودول الجوار، ولم يتسن توزيع شحنات الإغاثة التي وصلت بورتسودان الى مستحقيها بعد أكثر من ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
تمركز المصانع في الخرطوم ألقى بتأثيراته على الإمداد الغذائي في الأقاليم السودانية. وتقول رحاب محمد من مدينة كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان لـ(عاين):”هناك نقص ملحوظ في السلع بجانب غلاء طاحن فاقم معاناة المواطنين بالمدينة التي فشلت قوافل البضائع من الوصول إليها بسبب انتشار العصابات والمجموعات المسلحة على الطرق المؤدية إليها”.
فيما لجأت الولايات الواقعة وسط وشرق البلاد من تغطية العجز الغذائي بالاستيراد من دول الجوار. ويقول سيف الدين عبد الله من سنار لـ(عاين) “امتلأت أسواقنا المحلية بالبضائع والمنتجات الاثيوبية خاصة الصابون والمشروبات الغازية والبسكويت والحلويات بينما وصلنا السكر والدقيق من مصر”.
ويضيف: “ليست لدينا أي شح في المواد التموينية المختلفة، فهناك وفرة كبيرة ولكن الأسعار مرتفع بشكل خرافي مقارنة بالمنتجات التي كان تصلنا من العاصمة الخرطوم قبل اندلاع الحرب، فصرنا نشتري الصابون على سبيل المثال بثلاثة أضعاف سعره السابق”.