“قهوة فكري”.. جبهة وعي ومقاومة أقصى شمال السودان
عاين- 11 أغسطس 2023
يحتضن مبنى متواضع في سوق منطقة عبري أقصى شمال السودان، قهوة صغيرة لصاحبها “فكري حسن طه” تقدم المشروبات الساخنة، لكنها بالمقابل كانت جبهة استنارة ينشر روادها الوعي والانخراط المباشر في أعمال المقاومة بدءً بمقاومة السدود، ومشاركة المنطقة في ثورة ديسمبر، ومحاولات تلافي تأثيرات الحرب الحالية.
يرتاد العديد من سكان منطقة عبري وضواحيها قهوة “فكري” لأغراض متعددة، الأمر الذي حوّلها لبؤرة نشاط مقاوم سياسي واجتماعي وثقافي أو كما يطلق عليها البعض “برلمان المثقفين، أو قهوة المعارضة” إبان حكم الرئيس المعزول عمر البشير.
قاوم سكان شمال السودان خلال عهد النظام البائد بناء سدي دال وكجبار على نهر النيل، ومقاومة السكان الشرسة في المنطقة مردها إلى أن إنشاء السدين من شأنه إغراق المنطقة النوبية بالكامل في شمال البلاد.
“من قال لا للسد يشرب قهوة وشاي مجانا”، هذا الشعار رفعه صاحب القهوة فكري حسن صالح، للفت انتباه الرواد بخطورة بناء السدود في المنطقة قبل أن تتحول القهوة إلى مركز لترتيب العمل الجماهيري المقاوم للسدود.
الذي دفع صاحب القهوة “فكري طه” للانخراط في العمل المقاوم للسدود اعتقاده القاطع بأن السلطة حينها كانت تريد القضاء على المنطقة النوبية بالكامل. ويقول في مقابلة مع (عاين): ” كانت المشكلة كيف نقاوم هذه السدود.. كان لابد من وعي وعمل جماعي للنوبيين لتلافي هذا خطر وكنا أمام تحد – نكون أو لا نكون”.
بالفعل، وبعد التداول اليومي بين الرواد ولقاءتهم المستمرة بالقهوة، بدأت تعقد وبشكل دوري اجتماعات ترتيب العمل المقاوم – بحسب صلاح عبد الرحمن- أحد سكان منطقة عبري.
“كل الاجتماعات التي كانت تتم للجنة التمهيدية لمقاومة سد دال تم التنسيق لها من هذه القهوة إلى أن عُقدت جمعيات عمومية وتكونت لجان لتنظيم المقاومة انتهت بنا إلى النتيجة المعروفة للسودانيين بإجبار سلطة البشير للتخلي عن بناء السدود في المنطقة النوبية”. يقول صلاح عبد الرحمن لـ(عاين).
ويشير عبد الرحمن إلى أنه عندما تم افتتاح القهوة لعب صاحبها فكري حسن صالح دورا كبيرا في توحيد الناس وجمعهم حول مناقشة القضايا التي تهم أهل المنطقة بحسن إدارته وتعامله الجيد مع الجميع.
ويعتقد صلاح، أن الذي يميز القهوة هو جمعها لرواد من خلفيات متباينة سياسية ومناطقية، لكنهم كانوا متفقين على الحد الأدني. مع دخول البلاد مرحلة جديدة بانطلاق ثورة ديسمبر من العام 2018، لجأ شبان لجان المقاومة إلى هذه القهوة ايضا وانخرطوا في تنظيم أعمالهم المقاومة للسلطة حينها.
” كنا نعتبر القهوة مقرا رئيسيا لتنظيم العمل الجماهيري وكل المسيرات التي خرجت ضد نظام البشير كانت تخرج من هنا”. يقول عضو لجان مقاومة عبري أحمد المصطفى أحمد.
عمل صاحب القهوة فكري حسن طه على توثيق الكثير من الأحداث المهمة في مسيرة ثورة ديسمبر 2018 الشعبية التي أطاحت بالرئيس البشير، وذلك عبر كتابة تسلسل تواريخ أحداث مهمة على حوائط مبنى القهوة. ويتذكر فكري كتابته لتواريخ المواكب، والمجازر التي ارتكبتها السلطات بحق المتظاهرين، وكذلك الشعارات الثورية الملهمة.
هذا الجهد التوثيقي المتواضع استهدفته السلطات المحلية وعملت على مسح هذه الذاكرة المرئية بحجة ضرورة تجديد طلاء حوائط القهوة- وفقا لـ فكري.
“في إيام التضييق الأمني لم نكن نستطيع تداول ونقاش الشأن العام بشكل جماعي في البلاد إلا داخل هذه القهوة، ومرات عديدة داهمت السلطات مقر القهوة واعتقلت العديد من المقاومين”. يقول كمال وهو أحد سكان المنطقة. رواد القهوة وبعد سقوط نظام البشير واصلو عملهم المقاوم وعملوا على مناقشة الكثير من قضايا الفترة الانتقالية عبر ندوات جماهيرية- يقول صلاح عبد الرحمن.
ويضيف: “بعد اندلاع الحرب في السودان، جرى نقاش الكثير من قضايا ومتطلبات ما بعد الحرب المتعلقة بتأثير الحرب من نزوح وغيره على مناحي الحياة ومحاولات نقاش جماعي وفهم مجريات المعارك”.