أوان السلام.. المدنيون بدارفور مازالوا في انتظار الحماية
17 يونيو 2021
على غير المتوقع، ارتفعت مستويات انعدام الأمن والنزوح في إقليم دارفور غربي السودان في ظل الحكومة الانتقالية التي استمرت في تجاهل تعهداتها بحماية المدنيين في الإقليم الذي دارت فيه حرباً استمرت لسنوات. وشهدت مناطق مختلفة في الإقليم خلال الفترة الاخيرة أعمال عنف جاءت متزامنة مع انهاء عمل البعثة المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لحفظ السلام بدارفور “يوناميد”.
ومع انتهاء مهام “يوناميد” في دارفور استقبلت البلاد بعثة “يونيتامس”، التي أنشأتها الأمم المتحدة بطلب من الحكومة السودانية للمساعدة في عملية الانتقال السياسي و التحضير لإجراء الإحصاء والانتخابات والعملية الدستورية؛ ودعم عملية السلام وترسيخ اتفاقيات السلام بما في ذلك بالدرجة الأولى اتفاق جوبا للسلام؛ والمساعدة في بناء السلام وحماية المدنيين وسيادة القانون؛ ودعم حشد المساعدات الاقتصادية والإنمائية للسودان.
تعهدات حكومية
وتعهدات الحكومة الانتقالية في البلاد عقب مغادرة اليوناميد بنشر آلاف الجنود لحماية المدنيين في الإقليم تنفيذا لبند الترتيبات الأمنية في اتفاق سلام جوبا الموقع بين الحكومة والحركات المسلحة التي قاتلت حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير بدارفور.
ونص الاتفاق الأمني على تشكيل قوة مشتركة قوامها (12) الف جندي تقوم بدور حماية المدنيين وتتشكل من قوات الأمن السودانية الممثلة في شرطة، القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، مناصفة مع قوات حركات الكفاح المسلح الموقعة على إتفاقية السلام. لكن الحكومة ووفقا لعضو الوفد الحكومي لمفاوضات سلام جوبا محمد حسن التعايشي فإن فجوات التمويل والاستعدادات التدريبية أدت إلى تأخير تشكيل القوة. واشار التعايشي خلال تصريحات صحفية في أبريل الماضي، أن قوة مشتركة من 3000 إلى 5000 سيتم تشكيلها في نفس الشهر ولكن هذا لم يحدث.
وقد كان اختبار قدرات القوات السودانية في حماية المدنيين في الإقليم المضطرب تم خلال أحداث عنف عديدة وقعت في الأقليم لاسيما أحداث مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور والتي أسفرت عن مقتل نحو (220) مدنيا ونزوح (40) ألف آخرين مطلع يناير الماضي- بحسب الأمم المتحدة- معظمهم من النازحين. الا ان تصديها للأحداث من أجل حفظ الأمن وحقن الدماء فشل بحسب عديدون من الإقليم التقتهم (عاين).
روايات متعددة جمعتها (عاين) لشهود من دارفور حول فشل القوات السودانية المختلفة في حماية المدنيين، وتقول النازحة بمخيم عطاش شمال مدينة نيالا، فاطمة عبدالمكرم علي، في مقابلة مع (عاين)، ان الأوضاع الأمنية في مخيمها سيئة لاسيما بعد خروج قوات يوناميد، وتشير إلى أن القوة الأممية كانت توفر حماية للنساء أثناء خروجهن للاحتطاب- جمع الاخشاب واشعالها للطهو- ، بجانب قيامها بالطواف الليلي داخل المخيم مما يقلل من ارتكاب الجرائم.
وتزيد عبد المكرم، في مقارنتها بين القوات السودانية والأممية، إلى أن بعثة اليوناميد كانت تقدم مساعدات مختلفة منها الدعم النفسي والقانوني والصحي للنساء اللائي واجهن عمليات اغتصاب، وقالت “جرى الإبلاغ عن أكثر من حالة إغتصاب داخل مخيم عطاش ولم تتدخل قوات الشرطة المسؤولة من حماية النازحين”.
وعلى غرار الصراع الذي دار في مدينة الجنينة شهدت بلدات متفرقة من ولاية جنوب دارفور أعمال عنف مماثلة تسببت في مقتل المئات ونزوح عكسي لآلاف العائدين من بلدات العودة الطوعية غرب وجنوب مدينة “نيالا” للمخيمات مرة آخرى، بسبب عدم الأمان. وأيضاً ما يقرب من خمسة أضعاف عدد النازحين في دارفور في الأشهر الأولى من عام 2021 مقارنة بعام 2020 بأكمله يوجد حاليًا 237000 نازح جديد في عام 2021″ وفقا للأمم المتحدة.
الحكومات المحلية في ولايات دارفور الخمس تقول انها عملت على نشر قوات مشتركة من الشرطة والجيش في محاولة منها لسد الفراغ الناتج عن خروج بعثة يوناميد وعدم وصول القوات القومية لحماية المدنيين في الإقليم، لكن بعض هذه القوات لم تجد ترحيبا في مخيمات النازحين لاسيما مخيم “كلمة” الذي يضم نحو (100) ألف نازح لجهة ضمها عناصر من قوات الدعم السريع باعتبارها طرف رئيس للازمة في الاقليم وهي القوة شبه العسكرية الحكومية التي مازالت مستمره في ارتكاب جرائم عنيفة مع الإفلات من العقاب.
وفي ديسمبر الفائت، نظم الآلاف من النازحين في كلمة اعتصامًا احتجاجًا على رحيل اليوناميد وتشكيل قوة أمن وطنية تتألف من عناصر الدعم السريع. و قال أحد قادة الاحتجاج في معسكر كلمة بولاية جنوب دارفور (في ذلك الوقت)”لا يمكن أن يُعهد بحماية النازحين إلى أولئك الذين قتلونا”.
ويقول مدير شرطة ولاية جنوب دارفور، اللواء علي حسب الرسول، لـ(عاين)، أن لجنة أمن الولاية شكلت قوات عسكرية مشتركة من القوات المسلحة والشرطة والدعم السريع قوامها (2800) فرد تم نشرها في مهمة حماية المدنيين، فضلا عن مهمة تأمين خروج البعثة لحين وصول قوات حماية المدنيين القومية، لكنه يعود ويقول “القوات منتشرة في مواقع الهشاشة الأمنية فقط”.
وإعلان الحكومة المحلية بجنوب دارفور حول نشر القوات في المناطق الضعيفة امنياَ تكذبه افادات المسؤول الإداري في بلدة “قُصة جمة” إسماعيل يعقوب، الذي يكشف لـ(عاين) تعرض (4) من قرى العودة الطوعية أبريل الماضي لعمليات نهب ومقتل (4) من العائدين من قبل مليشيات أهلية مسلحة كانت تقاتل الى جانب نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
“شرطي بدارفور: الوحدة التي اعمل بها تمتلك (4) قطع سلاح فقط بينما يتفوق المسلحين المهاجمين في عدد الافراد ونوع التسليح ووسائل الحركة“. |
ويشير إسماعيل، الى فتح أكثر من (40) بلاغا جنائيا في مواجهة المعتدين، إلا أن الشرطة لا تستطيع توقيفهم بسبب ضعف إمكانياتها مقارنة مع إمكانيات المليشيات المسلحة، ولفت الى إرسال قوات عسكرية للمنطقة لكنها جاءت بعد نزوح المدنيين. وأضاف “سرعان ما جرى سحبها من قبل الحكومة قبل إستقرار الأوضاع كما تفعل كالمعتاد”.
ويقول اسماعيل عبدالرحمن، وهو أحد أفراد مركز شرطة “قٌصة جمة” أن أعدادا كبيرة من المسلحين هاجموا البلدة ليلا وتمكنوا من نهب ممتلكات المواطنين بصورة كاملة، وعزا عبدالرحمن في مقابلة مع (عاين) عدم تمكن قوات الشرطة من صد الهجوم بسبب قلة أفراد الشرطة وعدم وجود التسليح الكافي، مشيرا إلى امتلاكهم (4) قطع سلاح فقط بجانب عدد (17ـ 20) قطعة من الذخيرة للسلاح الواحد، بينما يتفوق المسلحين المهاجمين في عدد الأفراد ونوع التسليح ووسائل الحركة.
وإزاء هذا، يقول رئيس هيئة محامي دارفور، آدم شرف، إن البعثة خرجت من دارفور ولاتوجد جهة تقوم بحماية المدنيين و أن الحكومة لم تراع الاوضاع على الارض لجهة أن الواقع يحتم بقاء قوات حفظ سلام لفترة أطول. وأضاف “أن أجهزة الدولة متعطلة في دارفور منذ العام 2003 ولا توجد مؤسسات عدلية مستقلة لإنفاذ القانون” واستدل بعدم تحرك القوات الحكومية في ملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة في الأحداث التي شهدتها ولايات دارفور مؤخرا.
انتقادات تشكيل القوات
وحول تشكيل قوات حماية المدنيين بدارفور، يرى شريف في مقابلة مع (عاين) أن تشكيل قوات مشتركة لحماية المدنيين تضم قوات الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح أمر غير منطقي وسيسهم في إنفلات أمني بشكل أوسع في دارفور. موضحا ان قوات الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح بشكلها الحالي متأثرة بالروح القبلية والاثنية ولا يمكن أن تصلح كقوات حماية للمدنيين لجهة أن الكثير من ضحايا حرب دارفور يتهمونها بأنها جزء من الصراع.
“هيئة محاميي دارفور: تشكيل قوات مشتركة لحماية المدنيين تضم قوات الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح أمر غير منطقي وسيسهم في إنفلات أمني بشكل أوسع في دارفور“. |
ويعتبر آدم شريف، أن القوات المسلحة وقوات الشرطة هي الأقرب لأن تقوم بدور الحماية في الوقت الحالي من أي قوات أخرى، لحين إعادة تأهيل ودمج قوات الدعم السريع والحركات حتى تصبح مؤهلة وتخضع لقانون القوات المسلحة والشرطة. مشيرا الى مطالبة المدنيين خلال أحداث العنف بالجنينة بطرد قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة من المدينة وتحويل الحماية للقوات المسلحة.
“خطر آخر” – بحسب وصف رئيس الشباب بمخيم عطاش للنازحين، مدثر آدم اسحق- يتمثل في الانتشار العسكري لقوات الحركات المسلحة والمليشيات، والانفلاتات التي تحدث من هذه القوات العسكرية من وقت لآخر الأمر الذي يزعزع ثقتها في أي قوات حكومية أو قوات حركات مسلحة تتولى دور حمايتهم.
مسؤولية مشتركة
“أحداث العنف التي تشهدها ولايات دارفور مؤخرا وضعت الحكومة وشركاء السلام أمام مسؤولية تاريخية بضرورة تشكيل قوات حماية المدنيين التي نصت عليها اتفاقية سلام السودان”، يقول سليمان صندل حقار، مسؤول الترتيبات الامنية بحركة العدل والمساواة ويضيف لـ(عاين)، منتقدا الحكومة الانتقالية أنها تعجلت في إنهاء بعثة يوناميد قبل تأهيل قوات بديلة الأمر الذي أحدث فراغا أمنيا كبيرا في مدن وبلدات دارفور، قبل أن يتهم جهات -لم يسمها- بانها صاحبة أجندة سياسية وراء خروج البعثة.
“العدل والمساواة: تواجه الحركات المسلحة في أعداد عناصرها للمشاركة في قوات حماية المدنيين لاسيما فيما يتعلق بتأهيل القوات لتصبح جاهزة للتعامل مع المدنيين“. |
ويقر حقار بتحديات تواجه الحركات المسلحة في أعداد عناصرها للمشاركة في قوات حماية المدنيين لاسيما فيما يتعلق بتأهيل القوات لتصبح جاهزة للتعامل مع المدنيين، فضلا عن حاجتهم لوقت طويل وأموال كثيرة لتمويل عمليات تجميع وتأهيل ودمج القوات.
رئيس البعثة الأممية في السودان “يونتامس، فولكر بيرتس، هو الآخر قلق إزاء “عدم تنفيذ أو التأخير في تنفيذ” فقرات مهمة في اتفاق جوبا للسلام، لاسيّما الأمنية، على حد تعبيره خلال مؤتمر صحفي في جوبا الاثنين الفائت، بما في ذلك إنشاء قوات مشتركة لحفظ الأمن، تشارك فيها القوات المسلحة والشرطة السودانية وقوات الدعم السريع والتنظيمات المسلحة.