القتال الاهلي بدارفور.. أذرع “البشير” تعبث بسلمية الثورة السودانية
تقرير: 15 مايو 2020م
تحصد الصراعات الاهلية القاتلة في اقليم دارفور غربي السودان بإستمرار مئات الأرواح وتتسبب في نزوح الآلاف علاوة على حرق القرى ونهب الممتلكات بالرغم من مرور عام على نجاح الثورة السودانية التي أزاحت نظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، الذي كان له دوراً كبيراً في تاجيج الصراعات الاهلية عبر تسليح بعض القبائل واستخدامها بطرق اثنية في التصدي للحركات المسلحة التي حملت السلاح ضد نظامه في العام ٢٠٠٣.
مما جعل الصراع الأهلي أكثر فتكاً، فضلا عن استخدامها في الكسب السياسي بتحويل الكيانات القبيلة إلى جزء من منظوماته السياسية وإبعادها عن دورها الاساسي في حفظ الامن واستقرار.
عناصر تحرك الصراع
وشهدت ولاية جنوب دارفور صراع اهلي بين قبيلتي “الرزيقات” و”الفلاتة” الاسبوع الماضي أدى الى مقتل اكثر من (٣٦) مواطنا ونزوح سكان أكثر من (٩) بلدات، وتعود اسبابه لخلافات فردية بين أفراد القبيلتين اتسعت دائرته حتى تحول الى قتال بين القبيلتين وتمدد في يوم واحد الى (٤) محليات بالولاية في سابقة هي الاولى من نوعها، مما رجح فرضية وجود عناصر تحريك الصراعات الاهلية بالخفاء بهدف تحقق مكاسب سياسية عبر زعزعة الامن في دارفور، و لتشتيت تركيز الحكومة الانتقالية، وكان ذلك واضحاً في اتهام اللواء هاشم خالد محمود والي ولاية جنوب دارفور لقيادات سياسية ومجموعات أهلية ذات صلة بالنظام البائد تسعى لفرض نفوذها في النظام الجديد.
ويقول هاشم في مقابلة مع (عاين)، ان بعض الاحزاب السياسية تسعى للكسب السياسي عبر المجموعات الاهلية والوصول للسلطة عبر الاستخدام غير الاخلاقي للقبائل. وقال ” هذا فعل انتهى مع النظام البائد”.
وياتي الصراع بين قبيلتي “الرزيقات” و”الفلاتة” بعد خمسة اشهر فقط على صراع اهلي مماثل بين قبيلتي “الرزيقات” و”المساليت” في مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور ادى الى مقتل نحو (١٠٠) مواطن وحرق مخيمين للنازحين تتبع للمساليت، وتعود اسباب النزاع لاحساس احد المجموعتين بالغبن لجهة ان من ينازعونهم كانوا سندا لنظام البشير الذي تسبب في نزوحهم من بلداتهم وعندما نجحت الثورة في ازاحة نظام البشير، شعرت هذه المجموعة بأنها جزء من النظام البائد وتم ابعادهم من الأجسام الثورية خاصة لجان المقاومة.
تصنيفات قبلية
وتطورت عوامل الصراعات الاهلية عبر اتهامات متبادلة وتصنيف القبائل الى قبائل عربية وغير عربية، حيث يتهم كل منهما الآخر بالسعي للاستيلاء على المنطقة وابعاد الآخر منها، وهناك قبائل تسمي نفسها بالقبائل الكبرى التي تحصلت على اعداد كبيرة من السلاح من نظام البشير من خلال مشاركتها في الحرب ضد التمرد والآن تستخدم السلاح لبسط سيطرتها.
يقول مدير معهد دراسات السلام بجامعة نيالا، سعد الدين آدم، إن الصراعات موجوده بشكل محدود في اقليم دارفور لكنها تطورت بشكل كبير بسبب سياسات نظام الرئيس المعزول عمر البشير الذي خلق تنافس بين القبائل في ادارة الولايات والمحليات والوصول الى السلطة التنفيذية والتشريعية عبر المجموعات القبلية دون مراعاة الحقوق السياسية للاقليات الاهلية الاخرى في المشاركة.
واشار آدم لـ(عاين)، إلى ان سياسات التقسيم الاداري الجديد للإقليم حركت المشاكل الكامنة بين المكونات الاهلية الخاصة بما يسمى بالحواكير أوالديار ” نطاق جغرافي للقبيلة” حيث ان اعادة تقسيم كل اقليم لعدد من الولايات والولاية لعدد من المحليات افقد الكثير من الاثنيات بعض من مناطقها سيطرتها الجغرافية والادارية التي تنتمي إليها، وحلت الحسابات العنصرية والجهوية مكان الانتماء للكيان الوطني السوداني.
التغيرات البيئية
ويرى آدم، ان عامل التغيرات البيئية التي شهدها اقليم دارفور مؤخراً أدت الى نزوح بعض القبائل من ديارها التقليدية الى ديار اخرى الامر الذي غير في الخارطة السكانية واخل بالنظام القبلي القديم ونتجت عنه الصراع على الموارد الى جانب ظهور مفاهيم حديثة كالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات على أساس المواطنة، ولكن القبائل التي تمتلك الحواكير لم تستجيب لهذه المتغيرات وتمسكت بحقها القيادي والسياسي والخدمي في الارض وترفض مبدأ مشاركة الآخرين الامر الذي يقود في كثير من الاحيان الى خلافات تؤدي لصراع دام بين المكونات الاهلية.
طموح القيادات الاهلية
“الانظمة السياسية السابقة اعطت زعماء القبائل الحق في ترشيح القيادات التنفيذية والتشريعية والسياسية الامر الذي زاد من أطماع القيادات القبلية وتفكيرهم في الوصول الى السلطة عبر السلطة الاهلية، لجهة انهم أصبحوا قيادات سياسية تحمل سياسات وافكار السابق ويسهل استخدامهم ضد مشروع التغيير”. هذا ما يفيد به (عاين)، عضو تحالف الحرية والتغيير بولاية جنوب دارفور، شمس الدين احمد صالح، ويقول “النظام البائد يسعى لإستغلال المشاكل القبلية وتوظيفها لصالحه مرة أخرى”.
ويشير شمس الدين، الى ان عودة الصراعات الاهلية المسلحة في اقليم دارفور مرة اخرى بالرغم من التغيرات التي شهدتها الساحة السياسية السودانية يستدعى ضرورة استكمال هياكل السلطة الانتقالية بكل مستوياتها وفرض هيبة الدولة حتى لاتترك الفرصة لعناصر النظام البائد استغلال القبائل مرة في العمل السياسي، علاوة على ضرورة الوصول الى سلام شامل مع حركات الكفاح المسلح.
وثائق صلح خاسرة
وتنامت مؤخراً مخاوف في اقليم دارفور من استخدام الكيانات القبلية مرة اخرة في زعزعة الاستقرار وشل مجهودات حكومة الثورة خاصة وان قيادات هذه التكوينات الاهلية لا تخفى ولائها لنظام الرئيس المخلوع الذي دعمها مالياً.
وتقدر احصائية لمجلس المصالحات القبلية بدارفور تحصلت عليها (عاين) حول النزاعات تفيد بأن (٧٣٠) صراعا أهليا شهده اقليم دارفور خلال الثلاثة عقود الماضية تختلف مسبباتها لكن عنصر الصراع حول الارض والموارد والسيطرة عليها هو القاسم المشترك في اسباب الصراعات.
ويقول رئيس مجلس المصالحات ابراهيم محمد لـ(عاين)، إن ٩٠% ميثاق للصلح الاهلي لم تحقق السلام المطلوب بل سرعان ما يتجدد الصراع مرة، لافتاُ إلى ان مؤتمرات الصلح لم تخل من تأثيرات السلطة في الضغط على الاطراف لتوقيع وثيقة الصلح غير ملبية لإرضاء المواطنين، وتابع “تنفيذ حكم القانون والعدالة هي اهم وسائل ايقاف الحروب الاهلية في دارفور”.