القتال الأهلي في السودان.. من يؤججه وماذا يريد؟
26 يونيو 2022
سمع سكان حي “مكرام” ذات الأغلبية من أهلية “البني عامر” بمدينة كسلا شرق السودان أصوات الرصاص الصادرة من فوهات بنادق قوات الأمن والتي أردت ثلاثة قتلى من شبان الحي مساء منتصف شهر يونيو الجاري.
عززت قوات الأمن تواجدها بين أحياء مكرام ذات الأغلبية من إثنية “البني عامر” و” حي كادقلي الذي تقطنه إثنية “النوبة” للفصل بين المجموعتين وبررت إطلاق النار لتفريق حشود قبلية.
هذه الأحداث التي جرت في مدينة كسلا كانت واحدة من احداث مشابهة شهدها الشهر الحالي والاشهر السابقة وأودت بأرواح العشرات من السودانيين في غرب وشرق البلاد.
إضعاف المدنيين
الاشتباكات القبلية في السودان وضعت الحكومة الانتقالية السابقة برئاسة عبد الله حمدوك التي أطاح بها الإنقلاب العسكري في أكتوبر الماضي أمام اختبار صعب للحفاظ على السلم الاجتماعي في هذا البلد الذي ينتشر فيه السلاح في أيدي المدنيين إلى جانب تأثيرات خارجية على المناطق الحدودية.
وفي المقابلات التي أجرتها (عاين)، رسم مختصون صورة قاتمة لمستقبل التعايش السلمي بين المجتمعات في السودان خاصة التي تخوض نزاعات مسلحة في اقليم دارفور غربا وفي شرق البلاد حيث مناطق الموانئ الرئيسية على ساحل البحر الأحمر.
قال أحمد كومي وهو مهتم بالمصالحة القبلية في كسلا لـ(عاين)، إن التوترات بين إثنية “البني عامر” و “النوبة” من الأمور الغريبة على ولاية كسلا وشرق السودان ولم يستبعد وجود “أجندة خارجية” تغذي هذا الصراع.
ولا تبتعد أصابع الاتهام من خلال استطلاعات مع نشطاء المجتمع المدني من تورط النظام الحاكم الذي يحكم السودان منذ ثمانية أشهر عبر الانقلاب السكري بإشعال التوترات القبلية.
ذكر أحمد شاهين وهو ناشط في منظمة طوعية بمدينة كسلا، أن الرصاصات التي قتلت ضحايا التوترات الإثنية في أحياء مكرام وكادقلي جاءت بدقة عالية ما يعني مشاركة قوات الأمن في هذه العملية لأنه عادة في الصراع القبلي لا يمكن أن يتم القتل بهذه الطريقة المنظمة والدقيقة واشعال الوضع بالتزامن مع الحراك السلمي بين الحين والآخر.
وتابع شاهين في مقابلة مع (عاين):”قوات الأمن لديها سجل سيء في الانتهاكات وحدثت في أكتوبر 2020 بمقتل خمسة متظاهرين بمدينة كسلا أثناء احتجاجات شعبية رافضة لإقالة حاكم الولاية الاسبق صالح عمار”.
وأردف شاهين: “أنا لا أستبعد ضلوع بلدان في الصراع الذي يحدث في شرق السودان بين بعض المكونات الإجتماعية لأسباب متفاوتة متعلقة بالموانئ وتقويض الحكم المدني والاستيلاء على الموارد”.
ويضيف شاهين: “من الواضح أن التوترات القبلية ظهرت في العامين الأخيرين خاصة شرق السودان وهذا لم يأت صدفة لأن المجتمعات هنا تعايشت لسنوات طويلة ولم تلجأ إلى العنف وحتى الآن هذه التوترات تحدث لوجود أطراف تحرض رجال القبائل على التسلح”.
خلق جيوش موازية
خلال شهر يونيو حرق رجال قبائل مسلحون 11 قرية بمحلية كلبس بولاية غرب دارفور في هجمات قبلية زادت حدتها في الشهور الأخيرة في إقليم دارفور خاصة مع صعود قوات الدعم السريع لتوسيع نفوذها غربا حتى تشاد.
وتعهد قائد قوات الدعم السريع “المليشيات ذات النواة العشائرية” محمد حمدان دقلو الملقب بـ حميدتي والذي يزور هذه الايام ولايات دارفور بعدم العودة إلى العاصمة السودانية دون وضع حد للصراعات الإثنية في الإقليم. وسط اتهامات له بانه طرف في الأزمة بإغراء الزعماء الأهليين بالخدمات والحصص الاقتصادية من موارد الذهب مقابل توطيد أركان نصيبه في السلطة.
“حزب المؤتمر الوطني المخلوع ابتدع منح العطايا والأموال لزعماء القبائل مقابل الولاء للحزب الحاكم وأصدر في هذا الصدد مراسيم دستورية بلا مواربة”. يقول المحلل السياسي بشير مكين لـ(عاين)، ويضيف “يحاول حميدتي وراثة هذا الوضع في اقليم دارفور وأقاليم أخرى مثل شرق السودان بـشراء المصالح مقابل الصعود إلى أعلى سلم السلطة”.
ولفت مكين، إلى أن الدولة نفسها ضالعة في صراع القبائل باستخدامها للأهداف السياسية سواء من الزعماء السياسيين أو العسكريين أو الحكوميين.
خلال المعارك القبلية في السودان بين عامي 2020 و2021 قتل نحو 1300 شخص حسب إحصائيات غير رسمية ولم تضع الحكومة السودانية خططا بعيدة المدى لإنهاء هذه التوترات إذ ان التوترات بين المدنيين والعسكريين وقتها كانت سببا في تدخل بعض الجنرالات لحث زعماء بعض القبائل على عرقلة جهود المدنيين.
تقويض الديمقراطية
من خلال متابعة تطورات الوضع السياسي يمكن الملاحظة وبوضوح كيف أن زعماء قبائل كانوا سببا في إضعاف الحكومة المدنية والميل إلى جانب العسكريين علنا ففي العام الماضي اشترط زعيم نظارات البجا محمد الأمين في خطاب لأنصاره الاطاحة بالحكومة المدنية وأغلق الموانئ السودانية على ساحل البحر الأحمر 45 يوما.
كما أغلق مسلحون من رجال القبائل بعض حقول النفط غربي البلاد واشترطوا حل الحكومة المدنية و يقول المدنيين المشاركين في الحكم وقتها، ان التحركات القبلية جاءت بتحريض من بعض الجنرالات لتقويض السلطة المدنية.
خلال شهر أبريل الماضي احتشد الآلاف من مسلحي القبائل العربية خارج منطقة كرينك الواقعة في ولاية غرب دارفور خلال ثلاثة ساعات نفذوا هجوما مسلحا أودى بحياة (200) شخصا وحرق المنازل والمحلات التجارية ونزوح الآلاف إلى المرافق العامة.
قال شيخ من سكان كرينك لـ(عاين)، إن المسلحين كانوا يمتطون الدراجات النارية والخيول والشاحنات العسكرية التي لها علاقة بقوات الدعم السريع وفي غضون ساعات حولوا المنطقة إلى ركام وحطام وقتل وتشريد لم يكن بمقدورنا أن نفعل أكثر مما فعلناه بالركض خارجها.
بعد خارجي
وتتخذ الاضطرابات الاجتماعية في السودان خاصة في المناطق التي عانت من الحرب الأهلية بعدا خارجيا ينعكس على السلم الاجتماعي من خلال سباق دولي على موارد هذا البلد. و يتمظهر ذلك في السباق الروسي الفرنسي في منطقة الغرب الأفريقي ودور في التوترات الإثنية بالسودان خاصة غربي البلاد.
ويرى المتخصص في النزاعات القبلية في اقليم دارفور سالم النو، في حديث لـ(عاين)، إن موجات النزوح الكبيرة من أفريقيا هربا من هجمات “السيلكا” حولت ولاية جنوب دارفور إلى منطقة اكتظاظ سكاني ووضعها في قلب الصراع على الأرض والموارد.
“إنهاء بعض النزاعات الأهلية بدارفور يتطلب وضع حد للعصابات الروسية وسيطرة الدولة على موارد الذهب” سالم النو
وينوه إلى ضرورة أن يكون السودان مهتما باستقرار الوضع في افريقيا الوسطى وتشاد البلدين الجارين لاقليم دارفور لأن التوترات فيهما تنعكس مباشرة على الوضع في دارفور وترتفع وتيرة النزاعات القبلية.
إلى جانب ذلك يحمل النو مسؤولية استمرار الصراع إلى وضع حزب المؤتمر الوطني المخلوع قوانين الحكم المحلي على مقاس بعض القبائل وإنشاء المحليات والولايات لتوزيع المناصب على زعماء القبائل.
وأشار النو، إلى أن إنهاء بعض النزاعات الأهلية بدارفور يتطلب وضع حد للعصابات الروسية وسيطرة الدولة على موارد الذهب ودعم استقرار دولة افريقيا الوسطى وتغيير قوانين الحكم المحلي.
تمويل تسليح القبائل
في إقليم دارفور تواجه الحكومة المركزية صعوبة في إطفاء النزاع الأهلي خاصة مع انتشار السلاح والصراع على الموارد وظهور احتياطات الذهب واليورانيوم.
ويقول الباحث في النزاعات القبلية عبد المنعم عبد الرحمن لـ(عاين)، إن تسليح مؤسسات الدولة لبعض القبائل خطوة أدت إلى تآكل المؤسسات الرسمية ويستدل على ذلك بتسليح بعض القبائل في إقليم دارفور وخلق قوات الدعم السريع وتحصينها بالقانون والمناصب الدستورية.
“لا يمكن إنهاء النزاعات القبلية دون إيجاد حل للجماعات المسلحة بما فيها الدعم السريع لأنها تستخدم ذات الأسلحة في الصراعات القبلية” عبد المنعم عبد الرحمن.
وأضاف : “المؤسسة العسكرية ضالعة في تسليح القبائل لدرجة تأسيس قوات موالية لها وفي نهاية المطاف أصبحت البلاد على حافة الانهيار بسبب تزايد طموحات الدعم السريع ذات الطبيعية العشائرية للصعود إلى السلطة”.
وقال عبد الرحمن، “لا يمكن إنهاء النزاعات القبلية دون إيجاد حل للجماعات المسلحة بما فيها الدعم السريع لأنها تستخدم ذات الأسلحة في الصراعات القبلية وتستخدم نفوذها في مؤسسات الدولة في شراء ولاء زعماء القبائل”.