العصيان المدني… سلاح فتاك يُهز ترسانة العسكر
تقرير: عاين 18 يونيو 2019م
بين ثنايا حالة الشلل شبه التامة التي تعيشها البلاد منذ وقت، اطلت براسها ازمات ندرة وعدم توفر العديد من المواد الغذائية الحيوية بجانب الوقود والغاز في بعض المناطق، فيما ارتفعت أسعار العديد من هذه المواد وسط شكاوى المواطنين من الزيادات غير المبررة وشبة حالة الانفلات في الأسواق التي بدأت ملاحظة على ايام العصيان الذي نفذته المعارضة.
شهدت شوارع العاصمة الخرطوم، طوابير الخبز واصطفاف أمام المحلات التجارية لشراء المواد الغذائية الضرورية خلال الأيام الفائتة. الغاية منها كان استعدادا للعصيان المدني المعلن في البلاد، الذي نُفذ بدعوى من قوى الحرية والتغيير؛ قبل أن تطلب ذات القوى رفعه بعد اعلانه العصيان المدني المفتوح والشامل. استجابة للوساطة الاثوبية التي طالبت بعدم التصعيد وكانت بنسبة نجاح التي رصدتها (عاين) عالية على مستوى الشارع السوداني بإغلاق شبه الكامل للمحلات التجارية؛ في الأسواق الكبرى في العاصمة الخرطوم وعدد من مدن الولايات. مما يؤكد أن الترسانة العسكرية التي يتربع على ظهرها المجلس العسكري السوداني يمكن أن تخرس أصواتها مقابل سلاح العصيان المدني الذي أوقف الحياة لمدة ايام لولا تدخل الوساطة الافريقية التي طالبت برفعه، وعدم التصعيد.
وقود وخبز
كانت الخرطوم قد شهدت الى جانب أزمات الخبز والتزاحم على شراء المواد الغذائية اصطفت طوابير اخرى من السيارات أمام طلمبات الوقود في أحياء الخرطوم. في ضاحية جبرة جنوبي الخرطوم، يقول محمد التوم صاحب متجر ضخم للمواد الغذائية ان الاقبال على الشراء خلال الأيام الماضية كان كبيرا. ويضيف لـ(عاين)، “معظم سكان المنطقة تزودوا بالمواد الاساسية أقدموا على الشراء بكميات كبيرة تحسبا لأي نقص قد ينجم عن العصيان المدني المعلن.
ويزيد التوم “كانوا محقين في ذلك لأنه وقبل يوم من دخول السودانيين في العصيان توقفت سيارات الشركات الغذائية الكبيرة التي تمدنا بالمواد الاستهلاكية تماما.. منذ يوم السبت لم تأتي سيارات الشركات التى تجلب الدقيق أو السكر او الزيت امام متجري.. اتصالاتنا المباشرة مع الشركات يقول بعضهم إن الموظفين الأساسيين في هذه الشركات متوقفين عن العمل و مستجيبين للعصيان المعلن من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير في البلاد تنديدا بفض اعتصام القيادة العامة وما تلاه من انتهاكات بحق المحتجين السلميين“.
ندرة الخضروات
كانت شبكة (عاين) قد قامت بجولة لمحال بيع الخضروات في العاصمة، فلاحظت ندرة بعض الخضروات الضرورية وارتفاع أسعار بعضها، حيث وصل سعر كيلو الطماطم الى( 150) جنيها. قال باعة في السوق المركزي للخضار بالخرطوم “ارتفعت بعض أسعار الخضروات وانعدمت اخرى تماما لجهة أن البعض مستجيبين للعصيان المعلن في البلاد وعدم تمكن السيارات التي تنقل الخضروات من مناطق الإنتاج إلى الاسواق الكبرى في الخرطوم، وبعضهم الآخر يمنعه العصيان ايضا من العمل بشكل أو بآخر لجهة أن انعدام الجازولين في طلمبات الولايات وعدم قدرة ناقلات الوقود في الوصول الى هذه المحطات بالولايات”.
وارتفعت بشكل جنوني لأسعار اللحوم الحمراء، وقفز سعر كيلو اللحم العجالي الى (400 ) جنيها في بعض المحلات بدلا عن( 300) ، وقفز سعر كيلو اللحم الضان الى (500 ) جنيها بدلا عن( 350 )جنيها. وقال صاحب ملحمة في حي الصافة بالخرطوم لـ(عاين)، لا اعلم اسباب لهذه الزيادة.. لكنها ماثلة ومقلقة بدرجة كبيرة”.
انضمام الولايات
مدن ولايات السودان الاخرى ليست احسن حالا من العاصمة الخرطوم، شهدت مدينة بورتسودان شرقي البلاد والتي استمر فيها إضراب الميناء الرئيسي لأيام قبل أن يعاود العمل تدريجيا، أزمات متعددة وتغلق المحلات التجارية أبوابها بالكامل أمام حركة التسوق الا القليل. ويقول سيد الطيب، المواطن في المدينة، منذ أيام اعتمدنا صناعة الوجبات التقليدية في المنزل بسبب ندرة الخبز في المدينة وإغلاق المحلات التجارية التي تبيع الدقيق والخضروات وبعض الضروريات.
وزاد ” المدينة التي عاشت حالة شلل تامة خلال الأيام الماضية بسبب العصيان المعلن في البلاد بدأت تعود بنسبة كبيرة فيها الحياة لكنها لم تصل بعد لما كانت عليه قبل العصيان.. المدينة تعتمد على الميناء في حركتها عموما وكذلك حركة السوق في الميناء لأيام متوقف عن العمل والمدينة خالية حتى من الحركة في شوارعها.. المواطنون استجابوا للعصيان وملتزمون بمساكنهم”.
أزمات في الولايات
يتوقع الطيب، اشتداد ازمة المحروقات والخبز والسلع الضرورية خلال الأيام المقبلة مع زيادة في أسعار هذه السلع إذا توفرت. ويبرر ذلك بأن هناك تجار يخزنون بعضها ويعملون على زيادتها هذا الى جانب ندرة بعضها بسبب العصيان المنفذ بنسبة عالية في المدينة.
وفي مدينة عطبرة شمال السودان، تطل منذ ايام أزمة الخبز والوقود، ويضطر سكان المدينة الوقوف فى وقت مبكر من الصباح للحصول على حصتهم من الخبز التي ينفذ في مرات عديدة قبل حصولهم عليه. ويقول احمد ابراهيم لـ(عاين)، “نقف لساعات امام المخابز وفي مرات كثيرة لا نحصل على حصتنا من الخبز”.
واضاف “اما الوقود في الطلمبات في المدينة معظمها مغلقة والاخرى لا يتوفر فيها الوقود وكذلك محلات بيع الغاز معظمها لا توجد بها الاسطوانات”.
تزايد الأسعار
في مدينة حلفا الجديدة، سيطرت ازمة الخبز والوقود وارتفع سعر قطعة الخبز إلى( 15 ) جنيها فى الاسواق السوداء حيث يشكو السكان من بيع المخابز للمنتج الى تجار التجزئة بإتفاق مبطن بين الطرفين.
وتشرف وحدات من الجيش على توزيع الدقيق في حلفا الجديدة بولاية كسلا منذ سقوط البشير. وقال مصدر عسكري فضل حجب اسمه إن توزيع شحنات الدقيق معقد للغاية بسبب السوق السوداء وتلاعب المخابز ببيع كمية قليلة بالسعر المدعوم ورفع السعر كلما تراخت الرقابة العسكرية، وأشار المصدر العسكري انه بعد عامين من ازمة الدقيق في حلفا الجديدة دخل العديد من تجار التجزئة والمخابز قائمة الأثرياء بالمنطقة على خلفية سوق سوداء شرسة لا ترحم سكان المنطقة.
وسيلة ضغط ناجعة
ويضطر السكان الى الانتظار قرب المخابز في الساعات الاولى من الصباح ومنتصف الليل لشراء الخبز وحجز موقع متقدم في الطوابير بينما لا يجد العديد من السكان مفرا من الإعتماد على شراء الدقيق زنة( 50 )كيلو من السوق السوداء بقيمة (2 )ألف جنيه لصناعة الخبز في المنزل.
وقال مسؤول محلي إن « شحنات الدقيق والوقود الى ولاية كسلا عموما تتعرض للتخفيض لمخاوف التهريب إلى دول الجوار » مشيرا الى ان “الحكومة المحلية حاولت ضبط الحدود لكن التكلفة الامنية كبيرة ولا يمكن أن تستمر لأطول فترة”.
تعتبر حلفا الجديدة مدينة الطوابير من المخابز الى محطات الوقود تصطف السيارات يوميا لتعبئة الوقود بسداد قيمة بطاقة صادرة من الحكومة المحلية تخصص فيها الكوتة الاسبوعية ومع ذلك لا نجاة للسائقين من الطوابير واحيانا دفع الرشاوى عمال المحطات لملء خزان الوقود . ومع المتغيرات التي طرأت على الساحة في الأيام الفائتة لم يتبقى على قوى إعلان الحرية والتغيير الى استخدام وسائل الضغط الشعبوي والتي يجيء من ضمنها العصيان المدني لهز ترسانة العسكر.