سودانيون يواجهون تحدي الحصول على أوراق الهوية لغير المسلمين
2 مارس 2022
تتطلع الأقليات الدينية في السودان لتوافر أجواء من العدالة والديمقراطية تراعي توجهاتهم الدينية وتحفظ لهم حقوقهم كافة لاسيما المتعلقة بإستخراج أوراق الهوية الرسمية.
الوصول إلى وثائق الهوية الوطنية لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا لغير المسلمين، مما يؤثر بشكل خطير على قدرتهم على العمل والسفر والوصول إلى الخدمات داخل البلاد وفق ما توصلت إليه دراسة استقصائية أجريت مؤخرًا بين الأقليات الدينية في السودان.
في 11 ابريل 2019 أسقطت الثورة الشعبية في السودان نظام البشير، وعرف هذا النظام بأنه أكثر الأنظمة الشمولية انتهاكاً للحقوق الأساسية، وأسهمت سياساته العدوانية بزج اسم السودان في القوائم السوداء، بينها قائمة الدول التي تشكل قلقاً بما يتعلق بحرية الأديان جراء سياسات الانتهاك ضد الإنسانية كانت باسم الدين.
وما زال السودانيون غير المسلمين يتعرضون لانتهاكات بإسم الدين، حتى على صعيد السياسات داخل أروقة المؤسسات الخدمية من بينها السجلات المدنية ومجمعات خدمات الجمهور المعنية باستخراج إثبات الشخصية والجواز، والبطاقات القومية، مما يكلفهم عناء التصحيح والمراجعة، أو الاستغناء عنها على أسوأ الفروض.
كثيراً ما تتقاطع قضايا الدين والهوية التي تشكل عنصراً مهماً للتعاملات اليومية، كما أن عدم امتلاكها قد يضيع الكثير من الفرص كما يحدد مساحة التحرك لدى الأشخاص مما يقلل فرصهم في الحصول على عمل أو السفر أو ممارسة حقوقهم الشخصية في الحد الأدنى من الافتراضات.
استبيان اجرته (عاين): 44%من الأقليات الدينية، تعرضوا لانتهاك بإسم الدين حتى بعد سقوط نظام الحركة الإسلامية، 66% منهم حدثت لهم اخطاء عند استخراج أوراقهم الثبوتية، و66% منهم واجهتهم صعوبات في استخراج الهوية.
بحسب استبيان أجرته (عاين) تم توزيعه على فئة محدودة، فإن 44%من الأقليات الدينية، تعرضوا لانتهاك بإسم الدين حتى بعد سقوط نظام الحركة الإسلامية الحاكم، و66% منهم حدثت لهم اخطاء عند استخراج أوراقهم الثبوتية، و66% منهم واجهتهم صعوبات في استخراج الهوية السودانية، وعبر بعضهم عن عدم رضاهم عن أداء الحكومة الانتقالية لجهة أنه لم يحدث أي اختراق حقيقي في قضايا الدين، وانتقد بعضهم تعميم الديانة الإسلامية في كافة الأوراق الثبوتية.
النكران
تروي فائزة سعيد، 30 عاماً تراجيديا قصتها مع ضابطة بالسجل المدني والتي رفضت تصحيح أخطاء وردت في خانة الديانة التي تم استخراجها بمسلمة وهي لا تعتنق الإسلام. وقالت فائزة “بإسم الدين” ما أحزنني أنها رفضت تصحيح الخطأ الوارد في الجنسية رغم اني طلبت منها ذلك بلطف، وما أحزنني أكثر شعورها أنها سترتكب خطيئة اذا ساعدتني في تغييره.
وأضافت :”لكني لم استسلم وذهبت لإحدى المسجلات أعلى سلطة هي التي ساعدتني في تصحيح الأخطاء، وتركت تلك التي رفضت التعامل معي لكوني مسيحية”.
حلم الانتماء
يتجرع الكثير من السودانيين المسيحيين، مرارات انفصال جنوب السودان عن شماله من بينهم “دومينيك اوليلا نقموي”، الشاب ذو الـ”29 عاماً”، وهو من أب شمالي وأم جنوبية، قدر لهما الفراق جراء انفصال الدولتين بموجب استفتاء شعبي في يناير 2011م. وعلى باحة الكنيسة “الخمسينية” يجلس “نقموي” متأملاً التقلبات السياسية، للوطن المتهالك، فهو يشعر بالانتماء لهذا الوطن إلا أن السودان لم يمنحه حق هذا الانتماء.
فمنذ وفاة والده، احتضنته أسرته الجنوبية، وعندما عاد للسودان لإستخراج هوية سودانية من نسب أبيه الشمالي، واجهته المصاعب والمتاعب في أروقة السجلات المدنية مطالبين بإشهاد شرعي يوثق حقيقة أنه ينتمي لهذه الأسرة.
لم ينسَ “نقموي” نظرات ضابط السجل المدني الذي رفض التعامل معه لكونه مسيحي، وقال له بامتعاض “لا يمكنني التحري معك اذهب للعميد في الطابق العلوي”. لم يتمكن “نقموي” من الحصول على أحد يشهد له شرعياً أنه ينتمي لأسرة محمد احمد الشمالية، لأن جميع إخوته يصغرونه سناً كما أن عائلته من جهة الأب رفضت تماماً التعامل معه لكونه مسيحي، كما أنها اقترحت عليه تغيير الاسم لخالد وساومته كثيراً على ذلك”.
وعبر “نقموي” عن حاجته للهوية السودانية في أنها تعتبر الشيء الوحيد الذي يعبر عن أصله، وهي التي ستساعده على توفير الاستقرار لأسرته، مبيناً أنه يتطلع للعمل داخل الخرطوم. وأشار إلى أن عدم امتلاكه للهوية السودانية، خصم من حياته الكثير وأضاع عليه الكثير من الفرص وأنها ستشكل تأثيراً واضحاً على مستوى الاستقرار النفسي في حال الحصول عليها.
أسوأ الفروض
وعلى الضفة الأخرى تقف “ترانيم أحمد” والتي لا تختلف قصتها كثيراً عن “نقموي” لكن المؤسف أنها فقدت الأمل في استخراج هوية سودانية تمكنها من ممارسة حقوقها كمواطنة سودانية.
”ترنيم” فتاة سودانية كانت تعتنق الدين الإسلامي، ومن ثم اعتنقت المسيحية بكامل ارادتها، لكنها لم تستطع تغيير الديانة في أوراقها الثبوتية
كانت ترنيم تعتنق الدين الإسلامي، ومن ثم اعتنقت المسيحية بكامل إرادتها، لكنها لم تستطع تغيير الديانة في أوراقها الثبوتية، وقالت : “ذهبت للسجل المدني أكثر من سبع مرات لإستخراج هويتي السودانية ببيانتها، الجديدة، لكني لا استطيع استكمال إجراءاتي ودائماً يأتي الرد بأن القبيلة غير معروفة”.
وألغت الحكومة الانتقالية في يوليو من العام 2020 ضمن تعديلات أجرتها على القانون الجنائي لعام 1991، مادة الردة واستبدالها بمادة تجرّم التكفير وتعاقب مرتكبها بالسجن 10 سنوات. ترانيم” استهجنت هذا التعامل وأشارت أنه لا علاقة للقبيلة بالديانة أو بالتوجه وأكدت أنها فقدت الأمل في استخراج هوية سودانية ببياناتها الجديدة، وتغيير اسمها الذي كان في الأصل عائشة أحمد.
مواقف مناوئة
الباحث الحقوقي الصادق علي حسن، يرى أن مسألة الهوية السودانية ليست مسألة إدارية، إنما هي تعتبر قضية نسب لأسرة ولجماعة معينة. وأكد أنه لا يمكن أن تتساهل الحكومة السودانية في قضية الهوية واستخراجها لأي شخص بحسب البيانات التي يطلبها الشخص ولا بد للجهات ذات الصلة التحري في نسب هذا الشخص والتأكد من أنه ينتمي فعلياً للأسرة المعنية.
وأشار الصادق في مقابلة مع (عاين) إلى أن مرحلة الإشهاد الشرعي هي الضامن الوحيد لتأكيد نسب الشخص واستخراج هويته، وإذا تعذرت يمكن اللجوء للمحكمة وتقديم دفوعات مقنعة ومن ثم ستتعامل المحكمة مع القضية وفق القانون.
طابع إسلامي
بينما الناشط الكنسي جاكوب بولس يعول كثيراً على التغيير الذي حدث بالبلاد، ويتطلع كذلك لمزيد من الحريات لتتمتع بها الأقليات الدينية. وقال جاكوب، إن السودان في حوجة ماسة لأن تكون فيه أجواء ديمقراطية حقيقية، تنال من خلالها الأقليات الدينية حقوقها التي يكفلها الدستور.
وأشار أن الدولة السودانية في سياستها دائماً ما تعتمد في تعاملاتها مع الجمهور الإسلام، لكنها لا تراعي لخصوصية تلك الأقليات. وأفاد أن الأقليات الدينية ما زالت تعاني في استخراج الهوية السودانية من دون الرجوع لتصحيحها أو تعديلها، ولفت أن الدولة في تنظيمها لا تأبه لهذه الأقلية، وأشار الى أن طابع الأوراق الثبوتية في الدولة على أساس إسلامي مستبعدين بذلك أي دين آخر.
إيجابية التغيير
أما وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق نصر الدين مفرح والذي تم تعيينه بعد ثورة ديسمبر 2018، قد أكد أن الوزارة تسعى لبسط الحريات الدينية في السودان مع مراعاة تنوع السكان في أديانهم ومعتقداتهم وأكد أن الوزارة تدعم هذا الجانب تبعاً للوثيقة الدستورية التي أكدت على ذلك.
وأقر مفرح في مقابلة مع (عاين)، أن النظام البائد قد اتسم بالظلم، وهضم حقوق الأقليات الدينية، خاصة المسيحيين منهم، الشيء الذي أدرجهم في قوائم الإرهاب لأكثر من 27 عاماً، مما أثر على الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني والعلاقات الخارجية للبلاد.
وأشار أنه بعد الثورة كان لابد من مراعاة العدل، وطرد الظلم، الذي وقع على الناس، ولا بد للعالم أن يحس بتنوعنا وعاداتنا في هذه القضايا. وأكد أن الوزارة قد لعبت أدواراً كثيرة، لإعادة الأمور إلى نصابها، وقد قامت كذلك بإجراء إصلاحات تشريعية تسمح للمواطنين بإقامة شعائرهم التعبدية بحرية تامة، كما أن الوزارة قد قامت بعمل مشترك مع وزارة العدل بإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات العامة الأقليات الدينية.
تراجع كارثي.. ما الأسباب؟!!
بعد الانقلاب العسكري الأخير الذي غيّر نتائج معادلات الثورة السودانية، فإن الأخيرة قد خسرت كثيرا من المكتسبات التي حققتها، من أهمها التراجع في قضايا الحريات الدينية بعد الفارق الكبير الذي أحدثته الثورة. الباحث الحقوقي والناشط الكنسي شمبانقو عوض، وصف الوضع الحالي للتعامل مع قضايا الدين في السودان وصفه بمثابة العودة للمربع الأول الذي عاشته الأقليات الدينية في عهد حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير.
محامي: إجراءات عديدة تقوم تشكل تراجعا واضحا في مجال الحريات الدينية واعادة القمع الممنهج ومحاكمة جميع المواطنين وفق نظام إسلامي
وأكد أنه بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي قامت السلطات باعتقال عدد من المسيحيين في إقليم دارفور بواسطة جهاز المخابرات بعد إعادة صلاحياته من قبل قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان. كما أشار، إلى انه أنه تم تدوين بلاغات ضد أحد المسيحيين تحت بند “الزنا” وهي أحد القضايا التي يقوم بمتابعتها المحامي شمبانقو، وأكد أن هذا الإجراءات تشير إلى أن هناك تراجعا واضحا في مجال الحريات الدينية واعادة القمع الممنهج ومحاكمة جميع المواطنين وفق نظام إسلامي.
أما فيما يخص الهوية السودانية فقد أكد “شمبانقو” في مقابلة مع (عاين)، أن هذه القضايا متعلقة ببعضها البعض. وأشار أنه طالما أن الدولة تتعامل بنظام إسلامي كامل هذا ايضا سيؤثر على المسيحيين خاصة في المواقف التي تتطلب كشف للديانة. وأضاف:”أن السؤال عن الديانة في حد ذاته يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان، وتابع: أن الدولة تحتاج للعمل بكثافة للتخلص من التمييز بأسم الدين في كافة المجالات، ودعا كذلك المواطنين العاديين أن يكونوا على وعي تام بقضايا الحريات الدينية، وأشار إلى أن الانتهاك يأتي احيانا من المواطنين، ويكون ضد بعضهم البعض.
ويعيش السودان فترة انتقالية معقدة كان من المقرر أن تمتد 39 شهراً، يتشاطرها شركاء الحكم بموجب وثيقة دستورية تم التوقيع عليها في 17 أغسطس 2019 على أن تجري انتخابات في نهاية الفترة، إلا أن المكون العسكري قد انقض على هذه الشراكة بتنفيذه انقلابا عسكريا، في 25 اكتوبر 2021 علق بموجبه العمل بالوثيقة الدستورية.
ويذكر أنه تم وضع السودان في قائمة الدول التي تشكل قلقا فيما يتعلق بحرية الأديان في العام 1993 على خلفية إيواء جماعات تنصفها الإدارة الأمريكية ” جماعات إرهابية”، بينها تنظيم القاعدة وداعش، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله اللبناني ، وتم إزاحة السودان من هذه القائمة في العام قبل الماضي 2020 بجهود يقودها المدنيون في حكومة الفترة الانتقالية.
وفي العام 2015 جاء السودان في قائمة أسوأ الدول التي تنتهك الحريات الدينية في العالم ذلك بحسب تقرير اللجنة الأمريكية للحرية الدينية uscirf الصادر في 30 أبريل 2015.
تم إنتاج هذه القصة بدعم من المركز الدولي للصحفيين ICFJ و Code of Africa