مدارس سودانية.. رفض ممنهج لتدريس التربية المسيحية
13 مارس 2022
يتلقى الطالب رمضان 14 عاما دروس التربية المسيحية بواسطة اساتذة متطوعين في مدرسة حكومية بحي طرفي بمدينة أم درمان في العاصمة السودانية.
يعجز رمضان في مرات عديدة من الذهاب للمدرسة بسبب التوقيت المتأخر للدروس ومرات أخرى لعدم انتظام الأساتذة المتطوعين الذي يدرسونه التربية المسيحيين لارتباطهم بأشغال اخرى.
ويقول رمضان لـ(عاين)، انه كان يتمنى أن يتلقى دروس التربية المسيحية داخل فصله بمدرسته -ذات النطاقين- غير أنه لا يفهم أسباب عدم وجود أساتذة للتدريس بمدرسته الحالية أسوة باصدقائه التلاميذ المسلمين الذين يدرسون التربية الإسلامية داخل الفصل .
لا يوجد في مدرسة ذات النطاقين الاساسية بامدرمان أستاذ متخصص لدراسة التربية المسيحية اسوة بمدارس حكومية أخرى في السودان رغم وجود عدد من التلاميذ المسيحيين. وتقول مديرة المدرسة رميساء حسن، ” لم نحظ ابدا بأستاذ لمادة التربية المسيحية في المدرسة.”
وأضافت حسن في مقابلة مع (عاين)، “لا يتم تدريس التربية المسيحية في المدرسة ولا نضع المادة في جدول التدريس لأنه لا يوجد معلمين سواء كانوا معينين أو متطوعين”. وأشارت إلى أن التلاميذ المسيحيين في المدرسة يذهبون إلى مراكز لدراسة المادة والجلوس للامتحانات من هناك.
ورغم وجود الآف الطلاب المسيحيين في الخرطوم وولايات السودان في المدارس الحكومية إلا أن حكم نظام الرئيس المخلوع عمر البشير الذي استمر لاكثر 30 عاما رفض الاعتراف بحقوق المسيحيين بل عمل على اضطهادهم بصورة أكبر عقب انفصال جنوب السودان ذات الاغلبية المسيحية- بحسب قساوسة.
يتلقى معظم الطلاب المسيحيين دروس التربية المسيحية في مراكز متخصصة على يد متطوعين.
يذهب الطلاب المسيحيين في المدارس الحكومية الى مراكز وكنائس للدراسة مادة التربية المسيحية على يد متطوعين غير أن تلك المراكز هي الأخرى تعاني ايضا من مشاكل جمة فضلا عن مشاكل في المنهج نفسه .
وبحسب الاستاذ بجامعة شندي، وسيم سمير كوامي أنه فضلا عن عدم وجود منهج مواكب للتربية المسيحية فإنه لا توجد ايضا اماكن مخصصة للتدريس وغالبا ما يتم التدريس في مراكز تتمثل في الكنائس ودور العبادة وهي غير مهيأة للتدريس اصلا “.
ويشير كوامي، إلى ان المراكز لا تستطيع إلزام الاستاذة بدوام بوقت معين لان اغلبهم متطوعين ويمكن أن يفقدهم الطالب في أي ظرف.
ورأى ان عدم وجود الاستاذ المختص “لا يضمن إيصال مفاهيم المنهج بالطريقة المرجوة مما يؤثر على المخرج النهائي ليكون هشا وطبعا هذا ممنهج و متعمد”.
وبحسب وسيم فان “قضية منهج التربية المسيحية وتعيين الاساتذة هي قضية قديمة متجددة ولها تشعبات كثيرة تفنن نظام (البشير ) البائد في وضع العراقيل”.
وأضاف “عندما جاءت حكومة الثورة استبشرنا خيرا في ظل شعارات الحرية والثورة فكنا ننتظر إحقاقا للعدالة وجبرا للضرر الذي لحق بالطلاب المسيحيين عبر الحكومات المتعاقبة” .
وتابع هذه القضية كانت بمثابة اختبار لحكومة الثورة لكنها فشلت فى تعيين الاساتذة رغم وجود كل متطلبات التعيين ( الشهادات الجامعية وشهادات الخبرة والتدريب)”.
الثورة لم تغيير شيئاً
بينما قال رئيس الكنيسة المشيخية بالخرطوم, القس يحي نالو لـ(عاين):” كنا نتوقع تغيير سريع واعترافا بحقوق المسيحيين بصورة عملية بعد سقوط نظام البشير وفي الفترة الانتقالية ولكن لا زال المعاناة مستمرة.
حسب القس نالو : ” إن أعدادا من الطلاب والتلاميذ المسيحيين يتركون الدراسة باحصائيات مخيفة خاصة في الولايات المكتظة بالطلاب المسيحيين كولاية جنوب كردفان . ومضى ليقول : ” هؤلاء يتركون المدارس بسبب شعورهم بأن الدولة غير معترفة بدينهم وأنه يشعر بأن الأفق مسدود أمامهم “.
رئيس المركز القومي للمناهج السابق بوزارة التربية والتعليم عمر القراي، قال في حديث لـ(عاين)، انه ابان فترة ادارته تم وضع منهج التربية المسيحية بواسطة قسم التربية بالمعهد القومي بعد أخذهم ملاحظات مجمع الكنائس لكنه تم ايقاف طباعته بعد استقالته من منصبه.
ويضيف القراي: ” كما عطلت خطتنا لتعيين 4 اخصائيين في التربية المسيحية وعدد من المعلمين لتدريسها ” .
القراي دفع باستقالته العام الماضي بعد نحو 15 شهرا من تعيينه عقب تجميد رئيس الوزراء الانتقالي عبدالله حمدوك تعديلات مقترحة على المناهج الدراسية وتكوينه لجنة لمراجعة التعديلات التي اعتبرها جوهرية .
ودافع القراي، في استقالته عن التعديلات المقترحة لتنقيح المناهج وقال انها ضمت نحو 64 من التربويين المتخصصين والمعلمين المشهود لهم بالكفاءة.
واعتبر القراي في حديثه لـ(عاين) أن أهم التحديات التى تواجه التعليم في السودان، تتمثل في غياب الارادة السياسية التي تؤمن بدعم بالتعليم ورفع حصته في الميزانية .
ويقول تقرير دولي حديث الصدور أن حكومة الفترة الانتقالية، اتخذت خطوات إيجابية لتحسين الحريات الدينية؛ غير أن التقرير أظهر خشيته من أن الانقلاب العسكري الذي حدث في 25 أكتوبر 2021 ربما يتسبب في التراجع عن تلك الخطوات.
ونوه التقرير أن الانقلاب العسكري في السودان يهدد التقدم التاريخي الذي حققته الحكومة التي يقودها المدنيون للنهوض بقضايا حقوق الإنسان بما فيها الحريات الدينية لجميع السودانيين”.
اكاديمي: رفض الاهتمام بالتربية المسيحية يعود الى تأصيل الديانة الوحيدة والتي ترفض الاعتراف بالتعدد
الاكاديمي، وسيم كومي، يشير إلى إن تهميش مادة التربية المسيحية، ورفض تعيين الاساتذة يعود في الأساس إلى فكرة ” تأصيل الديانة الوحيدة والتي ترفض الاعتراف بالتعدد الديني وبالتالي اي اتجاه لتعيين اساتذة يعني الاعتراف الضمني بالتعددية الدينية”.
فضلا عن” فوبيا المسؤولية من المساهمة في ما يسمى بالتنصير التى اعتبرتها الحكومة البائدة جريمة ضد كل من ينادي بها وبحقوق معتنقيها بالاضافة إلى نظرية التكفير ضد المسيحيين” بحسب كوامي.
قس: الحل الوحيد هو اعتراف الدولة بالتعدد الديني الموجود بشكل عملي
بينما شدد القس نالو ، على أن الحل الوحيد هو اعتراف الدولة بالتعدد الديني الموجود ليس بشكل نظري فقط بل عملي وتقوم بتعيين معلمين متخصصين لتدريس التربية المسيحية”.
واضاف:”من حق هؤلاء الطلاب والتلاميذ تدريسهم مادة دينهم في مدارسهم وهذا حقوقهم الاساسية” .
تم إنتاج هذه القصة بدعم من المركز الدولي للصحفيين ICFJ و Code of Africa