الكوليرا تحصد حياة العشرات في بلدات فقيرة شمال السودان
عاين- 16 سبتمبر 2024
بضعة أشخاص يحملون طفلا هزيل الجسد إلى مستشفى حكومي يتوسط قرى منطقة المناصير وهي بلدات فقيرة تشكلت جراء تعويض السكان من آثار سد مروي شمالي البلاد قبل عشرة أعوام ويعتمد سكانها على زراعة محدودة ومهن اضطرارية.
في المستشفى الرئيسي ذات المباني المتهالكة والمعينات البدائية لم يكن ممكنا تنويم مصابي الكوليرا في العنابر العامة، وإلى حين توفير مركز العزل وُضِع المصابين على الأرض تحت ظلال الأشجار والممرات.
“كان بعض المرضى يصرخون طلبا للمياه جراء فقدان الأجساد كمية كبيرة من السوائل”- حسب المتطوعة سلام حسن، فيما كان المرافقون يوفرون بعض العلاجات التلطيفية، ويساعدون على نقل المصابين من المنازل إلى المستشفى عبر شاحنات قديمة غير مهيأة لنقل المصابين.
غياب حكومي
خلال الصراع المسلح في السودان صعدت الأوبئة إلى السطح، وأودت بحياة المئات مع غياب الرعاية الصحية الأولية وفق ما يقول محمد إدريس العامل في منظمة إنسانية مهتمة بالشأن الصحي لـ(عاين).
أصيب نحو ألفي شخص بوباء الكوليرا في مدينة الدامر وقرى المناصر في محلية البحيرة بولاية نهر النيل شمال السودان، وعجزت السلطات الصحية عن تدارك الأزمة نتيجة نقص التمويل الحكومي- وفق نشطاء في غرف الطوارئ.
والكوليرا وباء تفاقم إثر سيول وفيضانات ضربت هذه الولاية الواقعة شمال البلاد على غير العادة، والتي خلفت آثار بيئية وصفت بالخطيرة كما جرفت المياه عشرات القرى، ويتخذ آلاف المواطنين العراء مسكنا لهم.
في المستشفى العام بمنطقة المناصير اضطر المصابون بالكوليرا بالنوم على الأرض بين الأشجار والردهات في انتظار التدخل الطبي، وبينما انهمكت الكوادر الطبية في توصيل المحاليل الوريدية إلى أجسادهم لتعويض الفقدان الناتج عن القيء والإسهال الشديد فيما كان آخرون يودعون الحياة بينهم أطفال.
متطوعون يوفرون المحاليل
وأطلق المتطوعون مناشدة على شبكات التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات بغرض شراء المحاليل الوريدية حيث يواجه المستشفى الرئيسي في المنطقة نقصا كبيرا.
وقالت المتطوعة سلام حسن لـ(عاين): إن “هناك القرية 2 و6 في منطقة المناصير تعرضتا إلى إصابات بإحصائيات كبيرة بوباء الكوليرا في منطقة المناصير، واُحتجز العشرات في مركز عزل وفرة المتطوعين كما نشتري المحاليل الوريدية عبر المناشدات، ويرسلها المتطوعون من عطبرة إلى المستشفى لسد النقص؛ لأن حالات الوفاة نتجت عن فقدان السوائل وتوقف الكلى عن العمل”.
وأردفت: “توفي ثلاثة أشخاص يوم الأحد الماضي من سكان القرية 2 و6 بالمستشفى العام نتيجة فقدان الجسم السوائل؛ بسبب القيء المتواصل لساعات مع الإسهال وصعوبة التدخل الطبي لمرضى ينقلون من مسافات بعيدة في ظروف قاسية”.
وتقول المتطوعة الإنسانية، إن قرى المناصير التي يقطنها التي يقطنها آلاف النازحين تضررت من قنوات مياه تعتمد عليها في مياه الشرب؛ لأن محطة المياه لا تُجري معالجات الترسيب على المياه وضخها مباشرة إلى خط النقل للاستهلاك اليومي.
في قريتين فقط أصيب 170 شخصاً توفي منهم 29 شخصا
متطوعة
وأشارت إسلام حسن، إلى أن المتطوعين ومواطنين من القرى المنكوبة في منطقة المناصير اجتمعوا مع وزيرة الصحة بولاية نهر النيل، ووافقت على إقامة مركز عزل بالمستشفى، والذي يأوي بعض النازحين الفارين من الحرب في العاصمة السودانية وأثناء مناقشة ترتيب مأوى بديل أصابت الكوليرا 170 شخصاً توفي منهم 29 شخصا.
الفقر يفاقم الكوليرا
“في تلك القرى الواقعة في المناطق القاحلة تنقل القنوات الطينية المياه إلى السكان للاستهلاك لأغراض الشرب والطهي دون المرور عبر أحواض التنقية والترسيب”. وفق ما يقول محمد عيوبة أحد مواطني المنطقة لـ(عاين).
ويرى عيوبة، أن الكوليرا ضربت القرى في منطقة المناصير والدامر لطبيعة البيئة التي عانت الإهمال، وغابت عنها عمليات النظافة الدورية بواسطة الفرق الحكومية.
الكوليرا تصيب الفقراء؛ لأنهم لا يملكون رفاهية اختيار الغذاء ومياه الشرب
طبيب
إلى جانب الكوليرا، فإن السكان يعيشون وضعا معيشيا قاسيا انعكس هو الآخر على غياب العناصر الغذائية الفعالة في مثل هذه الأوقات التي تضرب فيها الأوبئة وفق محمد عجيبة.
غالبا ما تظهر أعراض المرض بشكل مفاجئ، وتتشابه مع أمراض معوية أخرى، إذ تبدأ الأمر بإسهال حاد سائل غالبا مع قيء قد يكون دمويا. وتكمن الخطورة هنا في أن الإسهال الحاد يؤدي إلى فقدان الجسم لكمية كبيرة من السوائل الأمر الذي قد يؤدي إلى الوفاة ما لم يُتَدَارَك بسرعة.
وسط صراع مسلح يمزق السودان ضربت البلاد كوليرا، وأشار المركز الحكومي لرصد الوبائيات تحديث هذا الأسبوع أن الوباء أصاب نحو سبعة آلاف شخص في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش شمال وشرق البلاد، وتوفي منهم حوالي 240 شخصاً، وهذه الإحصائيات لا تشمل مناطق سيطرة الدعم السريع.
وفي أغسطس الماضي أعلنت وزارة الصحة السودانية تفشي وباء الكوليرا رسميا في البلاد، لكن في ذات الوقت لم تعلن حالة الطوارئ القصوى.
بيئة خصبة للوباء
ويقول الطبيب محمد كمال من مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، إن “الوباء ينتشر في بيئة خصبة النمو مع اجتياح الفيضانات والأمطار هذا العام.. من المؤكد أن الكوليرا لن تتردد في الانتشار مع تراجع التعامل مع صحة البيئة والنظافة العامة”.
ويصف كمال الكوليرا بـ”مرض الفقراء” وقال إن التدابير الشخصية قد تقلل من الإصابة، لكن مع تفشي الفقر وسط المجتمعات خاصة النازحين وسكان القرى لا يمكن التأكد من صلاحية الطعام ومياه الشرب أي أن العديد من الأشخاص ليس أمامهم خيارات لاختيار الغذاء المناسب.
وتابع محمد في مقابلة مع (عاين): “التدابير الممكنة في قرى المناصير والدامر وجميع المناطق الموبوءة بالكوليرا في نهر النيل إنشاء مركز العزل والسلطات الصحية متجاوبة مع الوباء، وتبذل جهود كبيرة، لكن التمويل الحكومي شحيح جدا والأجهزة العامة تعمل في ظروف بالغة التعقيد”.
ويعتقد كمال، أن الوباء يتطلب إطلاق مناشدة دولية وأممية للمساعدة على المكافحة وطلب العون؛ لأن الحكومة الاتحادية منشغلة بالصراع المسلح، ولا يمكن توفير تمويل مالي كاف لمقابلة المصروفات في القطاع الصحي.