حرب السودان تدفع بالأمهات والأطفال فاقدي السند إلى جحيم مضاعف
عاين- 2 فبراير 2024
يُعرِّض الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حياة المدنيين لمخاطر كبرى، والنساء والأطفال أكثر فئات المجتمع تضرراً من الحروب؛ لكن المخاطر تصير مضاعفةً عندما يتعلق الأمر بالنساء فاقدات السند الأسري وأطفالهن، حيث تواجه بعضهن مشكلة مركَّبة تتعلق بإنجابهن أطفالاً فاقدي سند.
بحسب مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية سليمى إسحق، فإنه ليس هنالك دور إيواء مخصصة للسيدات والفتيات فاقدات السند الأسري بولايات السودان، ما عدا ولاية الخرطوم التي أُغلقت أبواب دور الإيواء فيها إبَّان الحرب.
صاحبة العشرين عاماً وفاء محمد (اسم مستعار) خلال حديثها لـ (عاين) ينبئ صوتها المتسرَّب عبر سماعة الهاتف عن مخاوفها الكبرى من عدم عثورها على مكان يؤويها مع طفلها الرضيع بعدما نزحوا إلى ولاية القضارف شرقي السودان.
انعدام دور الإيواء بالولايات الآمنة، بجانب غياب الحماية الحكومية يضع هؤلاء السيدات في مواجهة مآسي النزوح ومخاوف اللفظ المجتمعي.
مشاكل متنامية
في تصريح لـ(عاين) قالت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية سليمى إسحق، أن “المشاكل التي كانت موجودة من قبل قد تنامت مع اندلاع الحرب، لأن المؤسسات الخدمية كانت تُعاني مشاكل كثيرة، والآن انهارت وتوقَّفت أعمالها تماماً، واضطرت مآوي النساء الواقعة في مناطق الصراع أن تُغلق أبوابها”.
وتشير (عاين) إلى هنالك عدد من منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية بالعاصمة الخرطوم كانت تنشط في قضايا النساء قبل اندلاع الحرب عبر تقديم المساعدة بتوفير مآوي متخصصة، لكن ظروف النزاع الحالية تسببت في توقف هذه الأنشطة.
يُجمل الناشط الاجتماعي متوكل إبراهيم، المخاطر التي يمكن أن تواجهها النساء فاقدات السند الأسري خلال الحرب في التبعات التي تترتب على النزوح من ضعف الرعاية الصحية بجانب انعدام الغذاء، وعدم توفر المآوي المناسبة لهن وأطفالهن، بالإضافة للمضايقات النابعة من تحفظات المجتمع عليهن.
ويؤكد إبراهيم على أن كل المساعي الرامية لتوفير الاحتياجات لهن ضئيلة. ويقول:” حاولنا التواصل مع عدد من الجهات الرسمية والمدنية لكي نُوجِد حلولاً لأزمة هؤلاء السيدات مع أطفالهن، كما ظللنا نقدم كل ما يمكننا تقديمه، لكن كل هذه الجهود ضعيفة مقارنة بالحاجات التي تتضاعف يوماً بعد يوم “.
مستقبل ضبابي
وفقاً لتقرير صادر من منظمة يونسيف، فإن هنالك طفلاً واحداً يتعرض للموت أو الإصابة مع مرور كل ساعة؛ بسبب الحرب في السودان، ويشير التقرير إلى أن أكثر من ٢٥٠٠ طفل لقوا حتفهم خلال الاشتباكات منذ بدء القتال.
يرى الناشط الاجتماعي متوكل إبراهيم، أن الأطفال فاقدي السند الأسري يواجهون مثل أمهاتهم مستقبلاً ضبابياً في ظل غياب دور الدولة ووصمة العار التي يطاردهم بها المجتمع، ويضيف في حديثه لـ (عاين):” إنهم مُعرَّضون للأمراض والموت والحرمان من حقوقهم الصحية، فضلاً عن حرمانهم من حق التعليم وحق النمو الطبيعي بصحة نفسية جيدة ومستقرة “.
المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية أحمد المنظري كان قد صرح في ديسمبر الماضي بأنهم يشعرون بالقلق بسبب التدهور السريع للموقف في السودان الذي يشهد أكبر موجة نزوح للأطفال في العالم “.
وفي ديسمبر ٢٠٢٤ تم إجلاء ٢٥٣ رضيعاً وطفلاً من مدينة ود مدني، بعد اندلاع القتال بولاية الجزيرة، وتعتبر هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها إجلاؤهم، بعدما أُجلوا من دار أيتام (المايقوما) بالخرطوم.
وتؤكد القانونية رحاب المبارك، على أن أطفال السودان حالياً عرضة للتشرد والحرمان من حقوقهم في التعليم والخدمات الصحية، وتلفت النظر إلى أن هنالك عمليات تجنيد إجباري تنتهك طفولتهم، وهذا يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية لحقوق الإنسان.
وكان الجيش السوداني قد أطلق سراح ٣٠ طفلاً مجنداً في سبتمبر ٢٠٢٣، وسلمهم للجنة الدولية للصليب الأحمر، هؤلاء الأطفال كانوا مجندين من بين ٢٣٠ طفلاً أُسروا في معارك مع الدعم السريع.
كما أوضحت صور حديثة وجود أطفال ضمن حملات الاستنفار الشعبي للقتال في صف الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.
عدم استمرار
يقول متوكل إبراهيم:” فترة الحرب تزيد الأمهات فاقدات السند الأسري تشريداً فوق تشريدهن “، وتوافقه الرأي النازحة بولاية القضارف وفاء محمد التي ذكرت أنها ومنذ وفاة مربيتها ظلت تعاني مشاكل السكن والمعيشة، مما أجبرها على أن تتنقل من مأوى لآخر، إلى أن وضعت مولودها، وظل هو كذلك يعاني التشرد.
في إفادتها لـ (عاين) قالت مديرة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل سليمى إسحق إلى أن النزوح وتبعاته يجعل النساء في وضع ضعيف، فقد يتعرضن للاغتصاب والتحرش والاستغلال الجنسي، بجانب التنمُّر والإفقار “.
وترى أن هؤلاء السيدات يلجأن إلى دُور إيواء النازحين، وذلك لما توفره لهن من أمان نسبي وخدمات.
وأوضحت أن هنالك بعض الجهود التي يقومون بها في وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل خلال الحرب مع شركائهم، مثل مشروع (ركن الثقة السري) الذي يعمل على استلام الفتيات دون سن ١٨، وحملن خارج منظومة الزواج، لتلقي الرعاية وإيجاد حلول جذرية للأطفال بعد ولادتهم، حيث يُقَدَّم التأهيل النفسي كجزء أساسي من هذا البرنامج.
لكن تُبدي سليمى تخوفها من عدم استمرار المشروع لعدة أسباب، ذكرت منها أن الوضع الأمني المعقد، وتمدد الحرب نحو كل الولايات الآمنة؛ مما يهدد استمرارية العمل، وأكدت أنه في حالة وصول الصراع لمكان عمل المشروع، فإن الفئات المستهدفة من المحتمل أن تبدأ رحلات نزوح جديدة.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فقد نزح أكثر من 10 ملايين شخص داخل السودان وخارجه منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في ١٥ أبريل ٢٠٢٣.
وتؤكد سليمى إسحق أن أكبر القضايا التي يواجهونها هي قضايا العنف الجنسي المتصل بالنزاع، مبديةً أسفها على أن هناك حالات حمل غير شرعي في أواسط النساء بمناطق النزاع، قائلةً:” للأسف في المستقبل القريب ستتزايد أعداد الولادات الناتجة عن الاغتصاب “.
تنتقد القانونية رحاب المبارك ضعف الأدوار القانونية في مجال حماية فاقدي السند الأسري بقولها:” المساهمات في حماية الأطفال والنساء ضعيفة جداً “، وتشير إلى أن النساء اللواتي لجأن إلى دول الجوار يواجهن الآن مشاكل في إجراءات الهجرة ومشاكل في السكن والاستقرار؛ مما جعلهن يعملن في أعمال هامشية لتغطية تكلفة الاحتياجات اليومية، وهذا ما يمكن أن يجعلهن عرضة لكل أشكال الاستغلال “.
ما هي الحلول؟
يفترض الناشط المجتمعي متوكل إبراهيم، أن الجهات الرسمية مقصرة في أدوارها تجاه الأمهات فاقدات السند الأسري، ويناشد بأن تقوم هذه الجهات بأدوارها في معسكرات إيواء النازحين بتوفير الوجبات والمساكن الملائمة والآمنة لهؤلاء النساء، مع مراعاة حاجاتهن الصحية المختلفة، ويضيف:” يجب التركيز على واجب الحماية، فبعض الولايات ما تزال تحت التهديد ومحفوفة بمخاطر انتقال النزاع إليها “.
من جهتها تعتقد مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل سليمى إسحق، أن أول الحلول لعلاج قضايا فاقدي السند الأسري تكمن في التوعية، وإشراك المجتمع في حل هذه المشاكل، وتقول:” في ولاية النيل الأبيض على سبيل المثال؛ أنشئت لجان تسمى باللجان التصالحية، وهي لجان أهلية تم تدريبها وتأهيلها لتعمل مع الأجهزة العدلية، وتحرص على المصالح العليا للنساء والأطفال “.
وتشير إلى أنه وبالرغم من انعدام المأوى في ولايات السودان التي تشهد أماناً نسبياً، إلا أن هنالك نظام الأسرة البديلة، حيث يتم إنشاء ملف خاص بفاقد السند في مجلس الطفولة والرعاية الاجتماعية، وبالتالي تتم عملية التبنِّي من قبل أسر بديلة تقوم بمهام الاحتواء والرعاية.
أما في حال وجود سيدات تعرضن للاغتصاب، فإنه يجب توفير المساعدات الطبية اللازمة في التوقيت المناسب، حتى لا يحدث حمل.
أما من وجهة نظر القانونية رحاب المبارك، فإن الحل الجذري لجملة المشاكل التي تواجهها النساء والأطفال فاقدي السند هو توقُّف الحرب.