صرخات استغاثة أطفال يتامى في السودان.. “البرد وشبح الموت”
عاين- 13 فبراير 2024
من على بناية مجاورة لجبل توتيل في مدينة كسلا شرقي السودان، تصدر أصوات استغاثة عالية لبكاء أطفال يتامى “فاقدي السند” بسبب أمواج البرد القارص والموت الذي ظل يحصدهم على الدوام، بينما لا تجد تلك الصيحات من يسمعها.
“يجسد واقع الأطفال الحالي أبشع صور المعاناة، فهم ينامون تحت الأشجار، يفترشون الأرض في ظل انخفاض درجات الحرارة، وبعضهم يأوي إلى بنايات متهالكة لن تستطيع حمايتهم من البرد أو أشعة الشمس، ويصاحب ذلك نقص مستمر في الرعاية الصحية ومستلزمات الطفولة كافة.”بحسب ما نقله مشرفون بمركز الإيواء لـ(عاين).
اضراب الامهات المرضعات
ماسٍ يتوقع تفاقمها مع دخول الأمهات المرضعات والعاملين في دور إيواء الأطفال اليتامى في كسلا في اضراب مفتوح عن العمل اعتباراً من اليوم الثلاثاء، وذلك اعتراضاً على عدم تلقيهن مكافأتهن المالية لشهري يناير وفبراير من منظمة اليونسيف، بجانب تردي الأوضاع الإنسانية في مركز الإيواء، كما يطالبن بترحيل الأطفال إلى مدينة بورتسودان؛ نظراً للإهمال الذي يواجهونه.
وتبنت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة يونسيف الأطفال اليتامى في مركز المايقوما بالعاصمة الخرطوم من سن الخامسة فما دون، لكن مستوى الرعاية ضعيف للغاية، وليس بالصورة المطلوبة -بحسب عاملين بمركز الإيواء، بينما لا يجد من هم فوق الخامسة من يوفر لهم الرعاية، ويعتمدون فقط على مساعد شحيحة تصلهم من الخيرين.
وفيات وتنديد بالمعاناة
ونفذت المرضعات والمشرفات والكوادر الطبية وقفة احتجاجية داخل مركز الإيواء ينددن بالوضع الذي يعشهن الآن، ورفعن لافتات تعلن توقفهن عن العمل، لكن في الوقت ذاته يؤكدن أنهن لن يدعن الأطفال يموتون بالجوع والمرض.
ودفع الأطفال اليتامى فاتورة باهظة للقتال المحتدم بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي بعدما واجهوا مصير النزوح المزدوج من الخرطوم إلى ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، ومنها إلى مدينة كسلا شرقي السودان في رحلات شاقة.
وبحسب مصدر في دار الإيواء تحدث لـ(عاين): فإن ” 85 من الأطفال اليتامى توفوا منذ بداية الحرب في منتصف أبريل الماضي نتيجة الإهمال والتنقل المستمر من مدينة لأخرى، وما تزال الأزمة متواصلة والموت يواصل حصدهم، فخلال الأسبوعين الماضيين توفي 3 أطفال في مخيمهم في ولاية كسلا.”
ويشير إلى أن عدد الأطفال اليتامى في دار المايقوما بالخرطوم مع بداية الحرب كان 420 طفلاً، وعندما وصلوا إلى مدينة ود مدني بولاية تقلص عددهم إلى 303 طفلا بعد حدوث وفيات وكفالة لبعضهم، وعندما نزحوا إلى كسلا انخفض عددهم مجدداً، وأصبحوا 180 طفلاً فقط حالياً للسبب نفسه، وهذا العدد أيضا معرض للتناقص نتيجة استمرار الإهمال.
ويقول مشرف بمركز إيواء الأطفال اليتامى لـ(عاين): إن “الأطفال ينامون تحت الأشجار، وفي خيام مؤقتة داخل المركز، بعد أن قامت مديرة الرعاية الاجتماعية في كسلا بتخصيص الغرف إلى باحثين اجتماعيين، في حين كان الأحق أن تُمنح لهؤلاء الصغار، فالوضع مزر للغاية، وينذر بفاجعة إنسانية وشيكة حال لم تتم تدخلات قوية وعاجلة”.
ترحيل الأطفال
ويطالب المشرف الذي فضل عدم ذكر اسمه، بضرورة ترحيل عاجل للأطفال من ولاية كسلا إلى مدينة بورتسودان، حتى يكونوا تحت سمع وبصر السلطة المركزية، وحتى يتسنى لهم الحصول على الرعاية اللازمة، فالسطات المختصة في كسلا لم تظهر الاهتمام الكافي بهذا الملف، وينبغي نزعه منها بأعجل ما تسير.
ويرى ضرورة وقف عمليات الكفالة والتبني للأطفال اليتامى في الوقت الراهن؛ نظرا لظروف الحرب التي تغيب فيها معظم أجهزة الدولة المختصة، والتي تقوم بالإجراءات القانونية والرسمية في الكفالة لضمان حق الأطفال، ولكن تحت هذه الأوضاع ربما يقع الأطفال –حسب تقديره، ضحية لانتهاكات جسيمة لا سيما، وأن ولاية كسلا تشتهر بأنشطة الاتجار بالبشر وغيرها من الجرائم المماثلة.
وفي السياق ذاته، تشير إحدى الأمهات المرضعات لـ(عاين) إنهن اضطررن للدخول في إضراب عن العمل اليوم اعتراضا على الوضع السيء في المركز والتعامل غير اللائق من مديرة الرعاية الاجتماعية بكسلا زكية موسى محمد، معهن، كما ظلت تماطل في مستحقاتهن القادمة من منظمة يونسيف.
وتضيف: “خلال شهري يناير وفبراير لم نتسلم مستحقاتنا فنحن لنا أسر وأبناء ينتظروننا. نقوم بأعمال شاقة، وننام في أسطح المباني، ويمنحوننا وحبتين فقط في اليوم، مع خبزتين وفي بعض الأوقات خبزة واحدة رغم البرد، نحن متطوعات في الأصل، ولكن لدينا عائلات تعتمد بشكل رئيسي على المكافآت التي نحصل عليها”.