«لن يعودوا للمدارس».. الحرب تدفع الأطفال إلى سوق العمل بدارفور
عاين- 10 ديسمبر 2023
في وقت مبكر من كل يوم، يغادر “حسن محمد علي” منزله برفقة طفلتيه الاثنتين إلى سوق مدينة الضعين الكبير للعمل باعة جائلين لتوفير احتياجات العائلة المكونة من (11) فرداً، بعد أن توقفت دراستهم بسبب الحرب التي أجبرتهم على الفرار من العاصمة الخرطوم إلى ولاية شرق دارفور غربي السودان.
بعد نحو ثمانية أشهر على القتال المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع، اضطرت آلاف الأسر السودانية خاصة في دارفور إلى الدفع بأطفالهم لسوق العمل بعد أن توقف مدارسهم، وهم يعملون مع أسرهم في مهن متعددة، فيما تلاحق تداعيات الحرب آلاف الأطفال الفارين مع عائلاهم إلى معسكرات اللجوء والإيواء.
وتقول منظمة يونسيف في آخر تعميم صحفي لها صدر في السادس من نوفمبر الماضي، إن 3 ملايين طفل فروا من العنف واسع النطاق بحثًا عن الأمان والغذاء والمأوى والرعاية الصحية – معظمهم داخل السودان – بينما لجأ مئات الآلاف إلى مخيمات مؤقتة مترامية الأطراف في الدول المجاورة.
والد طفلتين تعملان بالسوق:
أدرك المخاطر، لكن لا خيار أمامي غير الاعتماد على مساعدتهن
وتشير المنظمة الدولية، إلى أنه “لا يزال الأطفال يتحملون العبء الأكبر من العنف. وهناك حوالي 14 مليون طفل في السودان بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة، ويعيش العديد منهم في حالة من الخوف الدائم – الخوف من التعرض للقتل أو الإصابة أو التجنيد أو الاستخدام من قبل الجهات المسلحة.
وبحسب – يونسيف- لم يتمكن أي من أطفال السودان من العودة إلى المدرسة، وأصبح مستقبل جيل كامل على المحك الآن. هناك 19 مليون طفل في السودان غير قادرين على العودة إلى الفصول الدراسية، مما يجعلها إحدى أسوأ الأزمات التعليمية في العالم.
آلاف العائلات في إقليم دارفور فقدت مصادر دخلها بسبب الحرب، واضطرت إلى الدفع بأطفالها للعمل في الأعمال التجارية الصغيرة بالأسواق.
اضطر “حسن” للسماح لابنتيه اللتين يبلغن من العمر 10 و13 عاماً للعمل معه، رغم أنه يدرك حجم مخاطر وجودهن في السوق، لكنه يقول في مقابلة مع (عاين): “لا خيار أمامي غير الاعتماد على مساعدتهن.. عملي وحدي لا يكفي توفير الاحتياجات الضرورية للعائلة”.
وتواجه فئات الأطفال والنساء في إقليم دارفور تبعات الحرب التي اندلعت في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، إضافة إلى تداعيات حرب أهلية ظل يعانيها سكان الإقليم قبل اندلاع الحرب الجارية. ويعيش أطفال الإقليم خاصة ظروفا إنسانية في غاية الصعوبة، أبرزها حرمانهم من حقوقهم في الحماية والتعليم والعيش بسلام.
لا يهتم حسن الذي يبلغ من العمر (51) عاماً، بالمخاطر التي تواجه طفلتيه جراء العمل لجهة أن الحرب في السودان وضعتهم أمام مهمة واحدة، وهي توفير مصدر العيش للأسرة- حسب قوله.
سمير- 15 عامًا:
أعمل في السوق لمدة 10 ساعات بعد إصابة والدتي في الحرب وعجزها عن العمل الذي كانت تقوم به في السابق لتوفير احتياجاتنا
يعمل الطفل اليتيم، سمير محمود (15) عاماً، لمدة عشر ساعات على الأقل في اليوم بائعًا لصابون الغسيل في سوق الجبل شرق مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور لمساعدة والدته العاجزة عن الحركة نتيجة إصابتها بعيار ناري في أثناء اشتباكات بين الجيش والدعم السريع في مايو الماضي.
يقول سمير لـ(عاين): “بدأت عملي في السوق بعد إصابة والدتي وعجزها عن العمل الذي كانت تقوم به في السابق لتوفير احتياجاتنا”.
ينسحب وضع طفلتي “حسن” و”سمير” على آلاف الأسر في إقليم دارفور، لا سيما الموظفين الذين فقدوا وظائفهم، واضطرتهم ظروف الحرب إلى الدفع بأطفالهم للعمل في الأعمال التجارية الصغيرة في الأسواق، وكعمال يقودون حمالات بضائع يدوية “درداقات”، وبيع المياه، بجانب الأعمال الشاقة في المزارع لمساعدة ذويهم في توفير احتياجاتهم الأسرية.
لن يعودوا إلى المدارس
وحول المخاطر المترتبة على دخول الأطفال لسوق العمل، يقول مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية بولاية جنوب دارفور، عبدالغفار محمد لـ(عاين): إن “الأطفال هم أكثر شرائح المجتمع التي تدفع فاتورة الحرب الجارية في المستقبل القريب، ووجودهم خارج فصول الدراسة يعرضهم لخطر الوقوع في فراغ سيهدد مستقبل جيل بأكمله”.
مسؤول حكومي: عائلات كثيرة في دارفور فقدت السيطرة على سلوك أطفالها نتيجة وجودهم لفترة طويلة خارج فصول الدراسة، وهم عرضة للانخراط في القتال.
ويشير المسؤول الحكومي، إلى أن عائلات كثيرة في دارفور فقدت السيطرة على سلوك أطفالها نتيجة وجودهم لفترة طويلة خارج فصول الدراسة من جهة، وظروف أسرهم المعيشية التي لم تمكنهم من توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم من جهة أخرى.
ويرى عبد الغفار، أن هذه العوامل تجعلهم عرضة للانخراط في صفوف القتال، خاصة في ظل انتشار ثقافة الحرب السائدة وسط المجتمع. أما الذين شقوا طريقهم للعمل في الأسواق، فهؤلاء تصعب عودتهم إلى المدرسة.
ولفت المدير العام للوزارة، أن الحرب أنتجت ظروفاً قاهرة في دارفور، وتسببت في توقف صرف رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص لأكثر من سبعة أشهر، الأمر الذي انعكس سلباً على الوضع المعيشي لغالبية الأسر، مما عرض حياة حوالي (6) مليون طفل في ولايات دارفور الخمس إلى المخاطر المباشرة.
وبالتزامن مع إعلان بعض ولايات السودان المستقرة فتح المدارس حاولت الحكومات القائمة في ولايات دارفور بشتى السبل فتح المدارس، إلا أنها فشلت نتيجة غياب النظام الحكومي وعدم صرف رواتب المعلمين بجانب تعرض المدارس والمؤسسات الحكومية للتخريب والنهب.
وفي محاولة من وزارات التربية في ولايات دارفور، بالشراكة مع المنظمات الإنسانية طرحت مشروع معالجة لتوقف الدراسة عبر نظام الحلقات لتلاميذ المرحلة الابتدائية، لكن تعقيدات وصول المنظمات الإنسانية إلى مناطق الحرب حالت دون تنفيذ المشروع الذي كان بإمكانه أن يساعد على استمرار عملية التعلُم.
وتحاول بعض الأسر في ولايات دارفور العودة إلى نظام الخلاوي التقليدية لتحفيظ القرآن، بجانب المدارس القرآنية التي تركز على الدراسات الإسلامية، علاوة على دورات معاهد اللغة الإنجليزية، إلا أنها مبادرات محدودة.
وحتى قبل اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل الماضي، فإن إحصائيات يونسيف في سبتمبر 2022 تشير إلى أن نحو 6.9 مليون طفل سوداني، أي طفل من كل ثلاثة أطفال في سن الدراسة، غير ملتحقين بالعملية الدراسية.
وقبل أشهر من اندلاع الحرب، أشارت دراسة أجرتها وزارة الرعاية الاجتماعية في ولاية غرب دارفور إلى وجود أكثر من 30% من الأطفال بالولاية خارج مقاعد الدراسة الابتدائية معظمهم من أبناء النازحين في إقليم دارفور، وذلك قبل اندلاع الحرب الجديدة، التي شردت المعلمين والتلاميذ، وحولت معظمهم إلى عمالة في الأسواق.