حمى الضنك تهدد صحة الوافدين إلى مدينة بورتسودان

عاين- 26 نوفمبر 2023
بعد أيام من وصوله إلى مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر شرقي البلاد، بدأت أعراض الإعياء تظهر على (أحمد عماد، ٢٦ عاما) بعد شعوره بالحمى، ومعاناته من الصداع الحاد وآلام المفاصل والظهر. حينها اعتقد أن هذه الأعراض ظهرت لديه نتيجة للإرهاق الذي مرَّ به خلال رحلة سفره إلى بورتسودان.
لكن في صبيحة اليوم الخامس لم يستطع أحمد النهوض من نومه، فاضطر أقاربه إلى إسعافه للمستشفى، وأوضحت الفحوصات إصابته بحمى الضنك التي تعافى منها بعد تلقيه العلاجات والرعاية الصحية اللازمة.
بيئة خصبة
تنتشر أنواع مختلفة من الحُمِّيات في ولايات السودان الشرقية في مواسم مختلفة من العام، وأكثرها انتشاراً حمى الشكونغونيا المعروفة محلياً باسم حمى ”الكنكشة“، وحمى الضنك، بجانب الملاريا.
القاسم المشترك بين كل هذه الحميات أن وسيطها الناقل هو البعوض الذي يعمل على نقل دم المرضى إلى أجساد الأصحَّاء ليُصابوا بعدها بالمرض.
في مقابلة أجرتها (عاين) مع اختصاصية أمراض الأحياء الدقيقة والأمراض المعدية ومكافحة العدوى د. أريج صالح، أوضحت أن حمى الضنك تُصنف على أنها من الحميات الفيروسية، وتنقلها بعوضة نهارية تسمى بـ (الزَّاعجة المصرية) تضع بيضها في المياه العذبة، وتكمن خطورتها في أن البيوض يمكن أن تبقى في مكان جاف لمدة عام كامل في حالة خمول، وما أن تغمرها المياه حتى تنشط وتبدأ دورة حياة البعوضة.
مياه الامطار في مخيم ايواء نازحي الحرب بأحد احياء مدينة بورتسودان
وكانت مدينة بورتسودان قد شهدت هطول أمطار بمعدلات عالية خلال شهر أكتوبر الماضي؛ مما تسبب في تراكم المياه في الشوارع والساحات والأسواق منتجةً بذلك بيئة خصبة لتوالد البعوض وحشرات الخريف.
أعراض المرض
وفقاً لحديث د. أريج صالح، فإن جميع الحميات الفيروسية تتسم بسمات عامة مثل الحمى العالية والصداع وآلام الجسم، لكن توجد أعراض أخرى يمكن من خلالها التفريق بين أنواع الحميات، ففي حالة حمى الضنك فإن المريض يشتكي من صداع حاد مضافاً إليه آلام خلف العينين، وفي حالات متقدمة يمكن أن تحدث للمريض مضاعفات تؤدي إلى نزيف من فتحات الجسم مثل الأنف والفم.
وتعزي د. أريج السبب الأساسي للنزيف تكسر الصفائح الدموية للمريض مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة السيولة في الدم.
انتشار 
مع الانتشار الواسع للأمراض الموسمية في شريط السودان الشرقي نشطت عدد من الخدمات الصحية لتقديم الرعاية الطبية، وتقدم مؤسسة ”الاسبتالية“ خدمات الرعاية الصحية لمرضى المدينة، قابلنا مسؤولها الإعلامي د. النجومي صالح للوقوف على ملاحظاتهم حول انتشار الحميات بمدينة بورتسودان، حيث أوضح بأن متوسط عدد الحالات التي كانت تصلهم خلال الشهرين الماضيين حوالي ثلاث حالات يومياً، أي ستين حالة خلال الشهر، وتضاعف هذا الرقم خلال شهر أكتوبر ليصل إلى حوالي ست حالات يومياً برقم بلغ مائة وثمانين حالة خلال الشهر.
ويضيف د. النجومي أن هذه الإحصائيات صادرة فقط عن مؤسسة صحية واحدة، ويؤكد أن أعداد المصابين الذين يزورون المستشفيات والمراكز الصحية يومياً أكبر بكثير من هذا الرقم.
وقد صرَّحت عضو نقابة الأطباء السودانيين سيرين عبد المنعم، لوسائل إعلامية بأن عدد المصابين بحمى الضنك في ولاية البحر الأحمر لا يقل عن ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف، وأضافت بأن هنالك حوالي ألفي طفل مصابين بالحميات في مدينة بورتسودان منهم ستمائة على الأقل شُخِّصُوا بأنهم مصابون بحمى الضنك.
وبعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم وولايات السودان الغربية شهدت الولايات الآمنة موجات نزوح كبيرة، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى نزوح حوالي ٥.٢٥ مليون مواطن إلى الولايات والمدن الآمنة، ومن ضمن المدن التي تأوي أعداداً كبيرة من النازحين مدينة بورتسودان.
مياه الامطار في مخيم ايواء نازحي الحرب بأحد احياء مدينة بورتسودان
الضغط السكاني الهائل في ظل تدنِّي الخدمات الصحية يجعل سيطرة السلطات الصحية على تفشي الحميات أمراً عسيراً، ويرى د. النجومي صالح أن المسؤولية الأساسية في محاربة الوبائيات تقع على عاتق السلطات الرسمية التي يجب أن تسخر كل جهودها في تهيئة البيئة وتوفير ما يلزم من علاجات.
مستويات إصابة
وبحسب مصادر طبية، فإن الحميات الفيروسية ليس لديها علاج، وإنما تُعَالَج الأعراض. وتقول د. المختصة في الأحياء الدقيقة د. أريج صالح، إن علاج أعراض حمى الضنك يتمثل في إعطاء المريض أكبر كميات من السوائل عن طريق الفم مثل العصائر والمياه، أو عن طريق المحاليل الوريدية، بجانب تعاطي مسكن البندول لتخفيف آلام الرأس والمفاصل.
تقول د. أريج، إن هنالك ثلاث مستويات للإصابة بحمى الضنك، فالمستوى الأول يسمى بـ (الضنك الكلاسيكي) وهي أعراض عادية سرعان ما تزول بمجرد تعاطي المسكنات، أما المستوى الأوسط، فيصاحبه نزيف وتكسر في الصفائح الدموية، وفي المرحلة الأخيرة من الإصابة التي تسمى بـ (صدمة الضنك) فإنها تأتي نتيجة للنزيف المستمر للمصاب فيصِل إلى مرحلة صدمة دموية التي في أسوأ فروضها قد تتسبب في الوفاة.
وتستبعد د. أريج، وصول كل حالات الإصابة لمرحلة الصدمة؛ لأن الإصابة بالحمى لمرة واحدة تعطي الشخص مناعةً، لكنها تستطرد قائلة: “هنالك أربعة أنواع من فيروس حمى الضنك والإصابة تعطي مناعة تجاه النوع فقط، وليس باقي الأنواع الأخرى”.