من يثير الفوضى في الخرطوم؟
13 يونيو 2021
تعالى صوت سيدة عند الثالثة فجراً من يوم السبت الماضي وهي تطلب النجدة من سكان الحي بعد أن اقتحم لص منزلها بمنطقة الحلة الجديدة وسط العاصمة السودانية الخرطوم التي شهدت مواجهة انفلات أمني وتعديات غير مسبوقة على مساكن المواطنين في أعقاب إعلان الحكومة الانتقالية التحرير الكامل لأسعار الوقود.
وبحسب رواية “سمية خالد” فإن اللص الذي تسلل الى بيتها يعلم جيداً انها تبقى وحيدة في المنزل مع اطفالها وان زوجها غير موجود في معظم الأيام حيث يتطلب عمله السفر الى الولايات، وقالت خالد لـ(عاين)، لحظة استيقاظها كان اللص يحاول إغتصاب طفلتها التى تبلغ من العمر (11) عاما ولكن بعد صراخها وحضور سكان الحي تمكن من الهرب تاركاً وراءه بعض ممتلكاته.
في حي كافوري شمال العاصمة السودانية اقتحمت مجموعة من الشبان سيارة تقودها السيدة مها عبد الله عبد الرحمن وسرقة هاتفها بمداهمة سيارتها من مجموعة أشخاص تتراوح أعمار بين 12 إلى 25 عاما قرب مصنع ويتا بالخرطوم بحري عصر الأربعاء الماضي وروت عبد الله لـ(عاين) ملابسات الحادث بالقول إن المجموعة ظهرت أمامها بشكل مفاجئ ولم تكن تدري ما تفعله في تلك اللحظات سوى طلب الاستغاثة من قوة شرطية كانت تحرس محطة وقود قرب الشارع لكن شرطيا استفسرها عن نوع هاتفها واكتفى بذلك.
لجأت هذه السيدة الى قسم شرطة مربع 11 في حي كافوري الذي عرض مجموعة هواتف مسروقة في نفس اليوم من أنحاء متفرقة ومن بين الموقوفين بواسطة الشرطة المجموعة التي داهمت سيارتها لكن الشرطة لم تعثر على الهاتف- تقول مها.
– توقيف مجموعات متفلتة
واتهمت لجنة أمن ولاية الخرطوم برئاسة الوالي ايمن نمر في بيان صدر مساء السبت النظام البائد بافتعال الفوضى والانفلات الأمني في أول رد فعل حكومي على الأحداث التي وقعت في بعض مناطق العاصمة والتي شملت الخرطوم بحري وأم درمان والخرطوم.
من جهته أوضح مصدر رفيع من قوات الشرطة تحدث مع (عاين) مشترطا حجب هويته لعدم التخويل له بالتصريح في شأن ولاية الخرطوم أوضح أن الموقوفين على ذمة أحداث العنف التي وقعت اليوميين الماضيين حوالي (40) شخصا من الخرطوم بحري وام درمان قائلا إنهم يخضعون إلى تحقيقات عن أعمال النهب التي ارتكبت خلال الخميس الماضي وحتى صباح السبت 11 يونيو 2021.
وأضاف : “الإحصائيات الأولية تؤكد أن 20 سيارة تعرضت الى تهشيم الزجاج والتلفيات وتهديد سائقيها بالأسلحة البيضاء من مجموعات خارجة عن القانون بعضهم مطلوب في جرائم أخرى”.
وأردف: “وردت ثلاثة بلاغات إلى قسم الشرطة بالخرطوم بحري من حي كافوري وشمبات عن نهب مجموعة المواطنين من داخل المنازل في الساعة الخامسة صباحا الخميس الماضي”.
وانتشرت مساء السبت قوات الشرطة ومكافحة الشغب في شوارع رئيسية بالعاصمة السودانية ترافقها الجرافات لإزالة المتاريس التي شيدها المحتجون ورفعت الشرطة درجة الاستعداد الأمني الى 100% فيما بدت بوادر انقسام سياسي بين بين أعضاء المقاومة السلمية حول آليات الاحتجاج وجرت نقاشات مكثفة على مواقع التواصل الإجتماعي عن جدوى تشييد المتاريس في الشوارع القريبة من الأحياء في ظل كفالة حرية التعبير وعدم وجود مخاوف أمنية من سحق الاحتجاجات على خلفية تواجد عناصر تنهب المواطنين في مناطق شيدت فيها متاريس وهي الحواجز التي درج المحتجون على تشييدها من الكاتل والحجارة لحماية أنفسهم من ملاحقات قوات الأمن في عهد الرئيس المعزول والمجلس العسكري العام 2019.
لكن المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين وليد علي أحمد يرفض في حديث لـ(عاين) وصف الاختلافات حول آليات الاحتجاج بالانقسام السياسي بين قوى الثورة قائلا إن جميع الأطراف متوحدة حول أهداف الانتقال وهو التحول الديمقراطي وتشكيل المجلس التشريعي وإلغاء مجلس شركاء الفترة الانتقالية أو التراجع عن سياسات صندوق النقد الدولي التي تفقر السودانيين عبر وسائل سلمية متعددة ما بين المتاريس والمشاورات السياسية المباشرة.
وأضاف: “تجمع المهنيين السودانيين لديه مشاورات مع لجان المقاومة حول أهمية حماية المتاريس من العناصر الوافدة التي ترشق السيارات بالحجارة وتنهب المواطنين”.
وتابع أحمد : “تلقى تجمع المهنيين معلومات مؤكدة عن وجود عناصر وافدة من أحياء أخرى إلى الأحياء المجاورة والوقوف في الشوارع التي تسلكها السيارات لتجنب المتاريس ونهبهم تحت تهديد السلاح او محاصرة السيارات بعد رشقها بالحجارة وإجبار السائق على الاستسلام ونزع مقتنياته”.
– ملثمون بدراجات نارية
وأردف: “هناك معلومات جديدة عن ظهور أشخاص ملثمين يقودون دراجات نارية في الشوارع التي شهدت الاحتجاجات وندعو الشرطة الى التحقيق حول هذه الظاهرة التي عادت مرة أخرى”.
ويدعو متحدث تجمع المهنيين السودانيين الشرطة إلى التحريات المكثفة حول العناصر الوافدة التي أثارت التفلتات الأمنية في أحياء واسعة بالعاصمة لأن حركة نقل هذه العناصر تؤكد أن جهات داخل السلطة او خارجها تقف ورائها وتمولها.
وزاد: “لديها قدرة كبيرة على الانتقال من منطقة إلى أخرى ولا يمكنها ذلك دون الحصول على التمويل بالتالي هناك جهات تقف ورائها لتحقيق أجندة تقويض الحكم المدني وتعطيل أهداف الانتقال وتشويه الاحتجاجات السلمية أي ان هذه العناصر أداة سياسية وليست مجرد عصابات للنهب بدافع السرقة”.
– اجتماع طارئ
ووضع اجتماع جرى بين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير ووزراء القطاع الاقتصادي السبت حزمة إجراءات حكومية لمقابلة الآثار الناتجة عن زيادة أسعار الوقود وخطة التقشف الاقتصادي المزمع تنفيذها خلال شهر يوليو بزيادة تعرفة الجمارك والكهرباء.
كما ناقش الاجتماع التدابير الأمنية على ضوء التقارير التي وردت من مدير المخابرات ووزير الداخلية حول الأحداث التي وقعت في بعض المناطق بالعاصمة السودانية وركز رئيس الوزراء على أهمية المعالجة الاجتماعية والأمنية للتدابير الاقتصادية وتخفيف وطأتها على الشبكات الإجتماعية.
– تواطؤ الشرطة
ويلقي الخبير الأمني والضابط المتقاعد من التحقيقات الجنائية عمر عثمان في حديث لـ(عاين) باللوم على الشرطة بعدم اتخاذ إجراءات استباقية قبل صدور قرار زيادة أسعار الوقود.
ويوضح عثمان، أن الشرطة كان ينبغي عليها أن تقدر الموقف الأمني بالتزامن مع إصدار قرارات الوقود لكنها تأخرت جدا في الاستجابة لنداءات الاستغاثة التي أطلقها المواطنون من أنحاء متفرقة من العاصمة وبعض المدن بالولايات.
خبير أمني: “إذا كانت الشرطة تتذرع بحجة كفالة حرية التعبير فإن الاحتجاجات السلمية مشروعة وهي الاخرى تحتاج إلى حماية من الشرطة لأن المحتجين السلميين أنفسهم تعرضوا إلى العنف من هذه العصابات”.
ويشدد عمر عثمان، على أن الشرطة بإمكانها منع الانفلات الأمني الذي وقع في بعض أحياء العاصمة السودانية اليوميين الماضيين لأن مهمة الشرطة منع وقوع الجريمة أولا وشاهدنا انتشار العصابات بشكل كبير وهم يشعرون أنهم غير ملاحقين.
قيادى في مجلس السيادة الانتقالي فضل حجب اسمه، يكشف عن ما سماه بـ”عمل منظم لإشاعة الفوضى في البلاد”. ويشير إلى أن معظم التخريب واعمال العنف تتم بواسطة مجموعات تتبع للنظام البائد. ولفت إلى رصد جزء كبير منهم كما تم القبض على الجزء الآخر.
وأكد عضو مجلس السيادة لـ(عاين) رصد اجتماعات لمنسوبي النظام البائد وحزب المؤتمر الوطني المحلول في الخرطوم وشرق النيل والريف الشمالي لمدينة بحري، وتم إنزال خلايا مرتبة للقيام بالتخريب وتخويف المواطنين وخلق الفوضى ولكن بعد مواجهتها الآن انحسرت التصعيدات.
– توقعات فرض الطوارئ
الخبير العسكري اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، يقول إن ما يجرى في الخرطوم هو “سيولة أمنية” استغلتها مجموعات اجرامية سوى كانت اجرامية جنائية او اجرامية سياسية او حتى إجرامية اجتماعية حيث توجد مجموعات اجتماعية تترصد المجتمع السوداني لديها أجندتها الخفية وهنالك مجموعات سياسية لديها أجندتها ضد الثورة والحكومة الإنتقالية وهنالك مجموعات اجرامية جنائية تريد السرقة وترويع المواطنين والحصول على الأموال.
خبير عسكري: استمرار حالة السيولة الأمنية قد تؤدي إلى فرض حالة الطوارئ وتستلم القوات المسلحة إدارة كل الأجهزة الأمنية
وبحسب مجذوب، ان هذه السيولة اذا استمرت قد تؤدي الى فرض حالة الطوارئ التى تفرض عندما تعجز قوات الشرطة عن مجابهة التفلتات الامنية وتطلب مساعدة القوات المسلحة ويتم إعلان حالة الطوارئ وتستلم القوات المسلحة إدارة كل الأجهزة الأمنية في البلاد حتى إخماد الاضطرابات المعينة أي كان نوعها والسلطة المدنية تكون موجودة في محلها ترجع الامور الى ما كانت عليه.
– رصد الإسلاميين
وتواصلت (عاين) مع عضو في المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير، شارك في الاجتماع الذي انعقد أمس السبت بين رئيس الوزراء والمجلس المركزي لـ”قحت” وناقش التدابير الأمنية والاقتصادية على خلفية زيادة أسعار الوقود.
رئيس الوزراء: قرار رفع الدعم عن المحروقات اتخذ لأنه لا بديل سوى مغادرة محطة دعم الوقود
وأوضح عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير رافضا نشر اسمه أن المجلس المركزي استفسر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عن إصدار قرارات اقتصادية قاسية دون حمايتها بالتدابير الاجتماعية والحكومية والأمنية.
وأضاف المصدر: “رد رئيس الوزراء إن القرار اتخذ لأنه لا بديل سوى مغادرة محطة دعم الوقود وفي الناحية الأمنية أصدر قرارات بنشر الشرطة لحماية الأحياء من الانفلات الأمني وكفالة حرية التعبير السلمي”.
وتابع المصدر: “تقرير أمني جرى تلاوته في الاجتماع أشار إلى أن الإجراءات الاقتصادية أشدة وطأة في الولايات وما يحدث من انفلات أمني يعكس السياسات الاقتصادية التي تؤدي الى مثل أعمال العنف والنهب”.
وأردف: “التقرير الأمني ايضا أعلن عن وجود تحركات للحركة الاسلامية لاثارة العنف والفوضى ورصد اجتماعات لأعضاء الحركة وجرى تسليم المعلومات لجهات عليا في الدولة للتعامل مع هذه التحركات”.
ويقول المصدر إن وفد المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أبلغ رئيس الوزراء أن الإجراءات الاقتصادية جاءت خالية من اية تدابير حكومية وأحصى وفد المجلس المركزي امام حمدوك عشرة تدابير لم ينفذ منها سوى 10%.
وأضاف: “على سبيل في برنامج ثمرات لم يحصل سوى 700ألف شخص من جملة 32 مليون مستهدف على الإعانات المالية أما في قطاع المواصلات لا يمكن ترك الامر هكذا دون تدخل حكومي هذه الازمة خطيرة وقد تعرقل الانتقال الديمقراطي ما لم تحصل على حماية كافية من الحكومة.