ماذا يعني توغل الدعم السريع وسط السودان عسكريًا واقتصاديًا؟
عاين- 26 ديسمبر 2023
فرضت سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة وسط السودان واقعا جديدا على الحرب في البلاد، وتشير تقديرات أولية إلى أن توسع القتال وارتفاع المخاوف من استمرار الهجمات العسكرية على ولايتي سنار والقضارف قد يضع مصير (11) مليون شخص على المحك خاصة في الحصول على الغذاء والمأوى.
وخلال شهرين فقط تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على نحو ثماني وحدات عسكرية رئيسية تابعة للجيش في كردفان ودارفور والجزيرة.
خنق الجيش
“هدفت قوات الدعم السريع من تقدمها إلى ولاية الجزيرة السيطرة على “كبري حنتوب” الذي يربط ولايات الجزيرة والقضارف وسنار والبحر الأحمر وكسلا مع مناطق الصادرات في إقليم كردفان وإقليم دارفور”. يقول الضابط المتقاعد من الجيش السوداني عمر أرباب لـ(عاين).
ويضيف: “سيطرة الدعم السريع على كبري حنتوب يعني السيطرة على طرق رئيسية حيوية لنقل الصادرات إلى موانئ بورتسودان وهو بمثابة خط إستراتيجي كان يقع تحت سيطرة القوات المسلحة“.
ويرى أرباب، أن تقدم الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة الغرض منه التقدم لولايات أخرى والوصول إلى المواقع الاستراتيجية وهي ولايات غنية بالموانئ وخطوط الإمداد للجيش من الدول المجاورة. ويرجح كذلك توسع قوات الدعم السريع للاستيلاء على طريق “شريان الشمال” شمالي البلاد لخنق الجيش وإيقاف الحياة عامة في تلك الولايات.
ويقول: “لقد رأينا إغلاق سوق المحاصيل في القضارف شرق البلاد وهو أكبر سوق اقتصادي في مناطق سيطرة الجيش بالتالي تجفيف موارد القوات المسلحة اقتصاديا“.
أرقام وخسائر اقتصادية
في شهر أكتوبر 2023 انخفضت الإيرادات في ميزان الصادر بموانئ بورتسودان شرق البلاد للمنتجات الزراعية والحيوانية إلى (30) مليون دولار شهريا من (150) مليون دولار شهريا قبل الحرب و(400) مليون دولار قبل عامين، وتأثرت حركة التجارة بتوقف شحنات الماشية والمحاصيل من مناطق الإنتاج خاصة ولايات كردفان ودارفور.
ويقول عضو شعبة تجارة المحاصيل بولاية شمال كردفان غربي البلاد، محمد فضل مشكاة في حديث لـ(عاين) إن “توسع نطاق الحرب في إقليم كردفان ودارفور الشهور الماضية أدى إلى تقلص شحنات الماشية والمحاصيل“.
وأردف: “بينما كان يمكن إحصاء مئات الشاحنات يوميا في بورصة الأبيض بولاية شمال كردفان والواقعة حتى الآن تحت سيطرة الجيش، الآن لا توجد شحنات قادمة كل شيء توقف.. الناس يخافون من قوات الدعم السريع والعصابات المسلحة المنتشرة في الطرقات“.
ويتابع: “أعتقد أن توسع هذه القوات لن يؤدي إلى فرض الأمن وفرض مستوى إداري، لقد تحولت الطرقات إلى إقطاعيات هناك شكل من أشكال فرض الرسوم الباهظة أو مصادرة الشاحنات أو قتل السائقين والركاب“.
ويعتقد فضل، أن إغلاق الطريق بسبب القتال بين إقليم كردفان وموانئ بورتسودان يعني خسارة البلاد شهريا نحو (250) مليون دولار من عائدات الصادر، وهذا يعني أيضا إرسال المجتمعات للأطفال والشباب إلى التجنيد ضمن الدعم السريع؛ لأنهم مضطرون للبحث عن المال.
“توسع رقعة القتال والمخاوف التي تمتد إلى مدن الأبيض وكوستي وسنار وربك والمناقل وصولا إلى سنار أدت إلى عزل هذه المدن تماما من النشاط التجاري المعتاد ووقوع خسائر اقتصادية كبيرة أثرت في حياة المواطنين”. يقول فضل لـ(عاين).
ويضيف: “نقل شاحنة وقود إلى الأسواق في هذه المدن أصبح مكلفا، وفي بعض الأحيان شركات الشحن لا تفضل المخاطرة بالحركة في مناطق خاضعة لسيطرة الدعم السريع.
وزاد: “سيطرة الدعم السريع على الولايات المجاورة للعاصمة السودانية سيكون أثرها واضحاً جدًا في حياة المواطنين من خلال إلحاق أكبر ضرر بالاقتصاد وإيقاف حركة الأسواق“.
“توسع المعارك يؤثر حتى على الولايات التي لا تزال تحت سيطرة الجيش بإيقاف الحياة العامة والأسواق التي أغلقت بسبب الخوف من عمليات النهب حال وصول قوات الدعم السريع.. وهناك معلومات عن نقل التجار السلع إلى مواقع سرية خوفا من النهب”. يقول ويقول المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي- شهاب الطيب لـ(عاين).
ويضيف: “التعبئة العامة والمظاهر العسكرية أصبحت تسود الحياة في مناطق سيطرة الجيش، وهذا يعني انعكاس توسع الدعم السريع على هذه الولايات التي تأوي ملايين النازحين وملايين السكان أيضا في وضع اقتصادي وإنساني أقرب إلى الانهيار“.
ويرى الطيب، إن الحياة في الولايات المهددة بالاجتياح البري لقوات الدعم السريع أصبحت في وضع سيئ للغاية وهناك الملايين في حالة البحث عن الغذاء والمأوى إلى جانب الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع في المناطق التي سيطرت عليها، وأجبر السكان على النزوح والضغط على الولايات المجاورة“.
الجيش وإدارة المعارك بالنفس الطويل
“يجد الجيش نفسه مضطرا لإدارة عملياته الحربية بسياسة النفس الطويل في أرض المعارك المأهولة بالسكان، وهذا يجعله يبحث عن حليف دولي قد يظهر في أي وقت لإمداده بالأسلحة، لذلك يحاول الدعم السريع التوسع في الولايات الآمنة لفرض خيارات التفاوض وهو متقدم ميدانيا، وفي ذات الوقت العودة إلى السلطة بواجهة الحكم المدني، وهذا ما حدث بعد وقوع ودمدني تحت قبضته قوات دقلو الرأي العام أصبح يفضل الخيار السلمي طلبا للنجاة من المحرقة التي يشاهدها يوميا”. يقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية محمد عباس لـ(عاين).
ويرى عباس، أن قوات الدعم السريع لديها إمكانيات كبيرة للتقدم نحو ولاية القضارف الحدودية مع دولة إثيوبيا خاصة وأنها على تحالف مع حكومة آبي أحمد، وقد تجعل من الحدود مركزا للإمداد، لكن ربما لا توافق إثيوبيا على هذا الخيار؛ لأن هناك ملايين اللاجئين يقيمون في السودان في مخيمات إلى جانب توتراتها مع إرتريا“.
يُسمي عباس عمليات الدعم السريع في شهر ديسمبر بمثابة “عزل المركز” عن الولايات؛ لأن خطوط الإمداد قد تتوقف بالنسبة لمواقع الجيش في العاصمة السودانية بالتالي الانهيار ووقوعها تحت سيطرة قوات حميدتي.
“الجيش ربما يجري تغييرات ملموسة على العمليات العسكرية إذا استمرت الحرب لفترة طويلة، وانهارت جهود وقف إطلاق النار ولا يستبعد تدخل عسكري مصري مباشر لحماية مصالحها في السودان بما في ذلك ولايات الشرق والشمال؛ لأن الملف السوداني يثير التوترات بين القاهرة وأبوظبي“.
تجاهل دولي
لا يستبعد المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية محمد كمبال، وجود “تغاضي دولي” عن تقدم قوات الدعم السريع إلى الولايات التي يتمركز بها “عتاة الإسلاميين” المتحالفين مع الجيش.
ويرى كمبال في مقابلة مع (عاين) أن الجيش وُضِع تماما تحت أوامر رجال النظام الإسلامي في السودان لذلك غير قادر على القبول بالعملية التفاوضية بالتالي هناك أطراف دولية تعتقد أنه حان الوقت لتحطيم الإسلاميين في السودان.
وأردف كمبال: “الولايات المتحدة وإسرائيل تعتقد أن الإسلاميين على استعداد مجددا للعودة إلى السلطة ودعم حركة حماس بالأسلحة كما فعلوا السنوات الماضية لذلك يريدون التخلص منهم للأبد”. ويرى، أن هذه المؤشرات تجعل الدعم السريع يتقدم نحو الولايات الآمنة خاصة إذا لم يتوصل (البرهان- وحميدتي) في الاجتماع المرتقب بحسب ما نقلت -وكالات أنباء – إلى اتفاق وقف إطلاق النار“.