«بُــــرّي».. ضاحية سودانية يقاوم سكانها الحرب من على خطوط النار
عاين- 29 يناير 2024
“تطبيع مع الحرب وتصالح مع الموت”، أبرز ملامح ومشاهد الحياة اليومية في ضاحية بري شرقي العاصمة السودانية بعد مضي أكثر من تسعة أشهر على اندلاع الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ورغم نيران الحرب التي تحيط بهم من كل الاتجاهات، إلا أن سكان بري يكافحون من أجل عيش حياتهم بصورة طبيعة من خلال فعاليات اجتماعية ورياضية، إلى جانب تأسيس مراكز جديدة للتعليم الابتدائي والمتوسط وعيادات لتلقي العلاج، وفق ما نقله خالد حسن وهو متطوع في تقديم الخدمات بالمنطقة لـ(عاين).
وبحسب حسن، فإن غالبية مواطني بري آثروا عدم مغادرتها نسبة تكاليف الحياة العالية في الولايات، وكذلك السفر إلى الخارج، وحتى الذين نزحوا خلال الأشهر الأولى من الحرب نتيجة عمليات القصف العشوائي وسقوط المقذوفات المتفجرة “دانات” بدأوا في العودة إلى منازلهم خاصة عقب انتقال الصراع المسلح إلى ولاية الجزيرة وسط البلاد.
وتقع ضاحية بري بمحاذاة مع القيادة العامة للجيش السوداني، ويجاورها مطار الخرطوم الدولي، وتقرب أيضاً من سلاح الإشارة والقصر الرئاسي، وجميعها مواقع تشهد معارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي استخدمت خلالها مختلف الأسلحة الفتاكة بما في ذلك المدفعية الثقيلة والطيران الحربي وغيرها.
تاريخ مقاومة
وتحظ بري بـ”رمزية نضالية” لجهة الدور الكبير الذي لعبه سكانها خلال الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير في ديسمبر 2018 والحراك الجماهيري اللاحق بعد الانقلاب العسكري الخامس والعشرين من اكتوبر 2012، فكانت نقطة دائمة لانطلاق الاحتجاجات السلمية والصمود في وجه القمع الشديد من جانب الأجهزة الأمنية بحق المتظاهرين السلميين، وقدمت عشرات الشهداء.
وبذات الصمود يواجه مواطنو ضاحية بري محنة الحرب بكل معطياتها القاسية، والتي تتجلى في نقص الغذاء والرعاية الصحية المطلوبة والمخاوف الأمنية المستمرة بطبيعة الحال.
ويقول خالد حسن وهو متطوع ضمن مجموعة شبابية في ضاحية بري خلال مقابلة مع (عاين): إن “جهود المتطوعين والخيرين أسهمت في تخفيف وطأة الحرب، ومن بين الأعمال المهمة مبادرة المطبخ، والتي نقوم من خلالها بتوزيع وجبات جاهزة للأسر في كل أحياء بري، بواقع وجبتين إلى ثلاث وجبات في اليوم حسب المتاح”.
وهي مبادرة مستمرة بحسب خالد يساهم فيها أبناء بري في الخارج، ويشير إلى أنهم بفضل هذه المساندة تمكنوا من تشغيل عيادة طبية ساهم في قيامها الأطباء بالمنطقة وهي الآن تقدم الخدمة للمرضى،
وامتدت جهود المتطوعين بإجراء معالجة لأزمة مياه الشرب عبر وضع صهاريج على الطرق داخل الأحياء السكنية وملئها من الخطوط التي ما تزال تعمل؛ ومن ثم يأتي السكان لأخذ حاجتهم من المياه، كما تعمل فرق متطوعة من شباب بري على إصلاح أعطال التيار الكهربائي؛ مما خلق استقراراً كبيرًا في خدمات الكهرباء والاتصالات، وفق خالد حسن.
ويشير حسن كذلك إلى عقد شراكة مع يونيسف بغرض التعليم عن بعد، وقد بدأوا في تنفيذ المشروع، وتم تعزيز ذلك بفتح مركزين للتعليم الابتدائي والمتوسط، ويستمر التدريس فيها حالياً، ويخططون لتوسعتها لاستيعاب جميع التلاميذ في المنطقة.
خوف مستمر
رغم ملامح الحياة الطبيعية التي بدت تخيم على المشهد العام في ضاحية بري، إلا أن الخوف والقلق يسيطران بشكل متواصل على السكان هناك وهو ما ترويه سارة سليمان خلال مقابلة مع (عاين).
وتقول سليمان التي ما تزال مقيمة مع أسرتها في بري: “تكثر النشاطات الاجتماعية من كرة قدم وخماسيات ووجبات مجانية توزع، أيضا الوصول إلى السوق ليس صعبا فهناك مواصلات إلى منطقة الحاج يوسف شرق الخرطوم، أخرى إلى السوق المركزي جنوب الخرطوم، وتوجد بعض المراكز التجارية في بري، ومع ذلك لا أستطيع أن أنسى الأيام الصعبة التي عشناها. أريد أن تمحى هذه السنة من ذاكرتي، أنها مليئة بالخوف والقلق والفقد”.
وتشير سليمان، إلى أن هذه الأنشطة خففت مآسي الحرب على سكان بري، وجلعت حياتهم شبه طبيعية، فهناك أيضا تحسن في الحالة الأمنية مقارنة بالأشهر الأولى لاندلاع الحرب، وقد بدأ السكان الذين نزحوا بسبب القصف العشوائي بالعودة إلى منازلهم مجدداً، ونأمل أن تتوقف هذه الحرب.
واندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في يوم 15 أبريل بالعاصمة الخرطوم، وتوسع نطاقها سريعا لتشمل إقليمي دارفور وكردفان غربي البلاد والجزيرة والنيل الأبيض وسنار أواسط السودان.
وخلف الصراع المسلح نحو 12 ألف قتيل من المدنيين ونزوح ما يقارب 10 ملايين شخص وفق آخر حصيلة أممية، بينما توقف نحو 70% من المرافق الصحية في مناطق التي تشهد أعمال قتالية، ويواجه ثلثي سكان البلاد انعدام الرعاية، وسط تحذيرات دولية من مجاعة محتملة في هذا البلد، وبعد 9 أشهر من القتال الضاري تغيب أفق الحل السياسي لهذه الحرب وسط جهود دولية وإقليمية لجمع قائدي الجيش والدعم السريع لبحث تسوية سلمية للنزاع.