السودان: دفن 4 آلاف جثة مجهولة الهوية.. هل ستوارى الحقيقة الثرى؟

18 سبتمبر 2022

مجدداً، يثير المضي قدماً في تنفيذ قرار دفن نحو أكثر من (4) آلاف جثة مجهولة الهوية في مشارح العاصمة السودانية الخرطوم، مخاوف أسر المفقودين وجهات حقوقية تشتبه أن من بين هذه الجثث مفقودين ومختفيين قسرياً تتعمد السلطات السودانية اخفاء معالم جرائم ارتكبتها بحق المتظاهرين السلميين.

وفي أبريل الماضي عادت قضية الجثامين المكدسة في المشارح للمشهد السوداني بعد صدور قرار من مجلس السيادة السوداني، بدفن جميع المجهولين وتكوين لجنة لدفن الجثث المتراكمة في المشارح. ونص القرار على أن مهام واختصاصات اللجنة اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والعدلية والإدارية المتعلقة بالطب الشرعي ودفن الجثث مجهولة الهوية.

وأعادت قضية دفن الجثامين مجهولة الهوية في مشارح العاصمة إلى الأذهان حادثة الثائر “ودعكر” الذي عثر عليه جثمانه في إحدى المشارح بعد بحث استمر لأكثر من شهر .

وكان محمد إسماعيل “ود عكر” احد ضحايا الاختفاء القسري في الخرطوم بعد مشاركته في وقفة احتجاجية في 3 أبريل 2021 لإحياء ذكرى شهداء الثورة.

وعُثر على جثمان “ود عكر” في أواخر مايو من ذات العام  بعد ان علم ذويه أن ابنهم كان في مشرحة مستشفى التمييز، احدى المشارح التي كانت تشهد تكدساً للجثث مجهولة الهوية، وتم الكشف عن سبب الوفاة بعد إصرار أسرته على تشريحه حيث تم ضربه بأداة حادة وتعذيبه حتى الموت  .

تشكيك

وتصر لجنة المفقودين والمخفيين قسرياً على أن تتم عمليات التشريح وإجراءات دفن الجثث تحت اشراف دولي وتمثيل للمنظمات الاممية لضمان حقوق الضحايا، وتشكك اللجنة في مجموعة الطب العدلي الموجودة حالياً.

لجنة المفقودين: مجموعة الطب العدلي الموجودة حاليا ليست مصدر ثقة لأهالي الضحايا

 وقال عضو اللجنة، عثمان البصري: “إن مجموعة الطب العدلي الموجودة حاليا ليست مصدر ثقة لأهالي الضحايا.. ومطلبنا الاساسي ان تتم عمليات التشريح عبر فريق دولي، خاصة وان بعض أفراد الطب العدلي مفتوحة ضدهم بلاغات جنائية وبعضهم يدلي بمعلومات كاذبة ومضللة”.

وأضاف البصري في مقابلة مع (عاين):” اذا لم تتم العملية بواسطة خبراء دوليين يمكن الاستعانة بخبراء سودانيين في الطب العدلي لم يعملوا في عهد النظام البائد مع تمثيل الجهات صاحبة المصلحة”.

فض الاعتصام

من جهته، يستبعد رئيس لجنة التحقيق في حادثة فض اعتصام القيادة العامة في السودان، المحامي، نبيل أديب، أي تقاطعات للجنته مع عمل لجنة دفن الجثث مجهولة الهوية.

وفي يونيو من العام  2019 فض مسلحون يرتدون زياً عسكرياً، اعتصاماً اقامه محتجون سودانيون اطاح بنظام الرئيس السابق عمر البشير أمام القيادة العامة للجيش بالعاصمة الخرطوم والمدن الاخرى راح ضحيته قتلى ومفقودين .

مظاهرات مناوئة للجنة التحقيق في "مجزرة القيادة" ورئيسها يشكك في نوايا المحتجين
من تظاهرات سابقة لسودانيين أمام مقر لجنة التحقيق الوطنية في أحداث فض اعتصام القيادة العامة، وسط العاصمة الخرطوم

وتصاعد الجدل حول دفن الجثث الموجودة بمشارح الخرطوم والولايات في نوفمبر 2019، عندما أصدرت النيابة العامة قراراً بمنع دفن الجثث مجهولة الهوية من دون تحقيق، وتخصيص مقابر للمجهولين الذين يشتبه ان يكون بينهم مفقودين من مجزرة القيادة العامة ومابعدها .

وفي أغسطس الماضي قرر النائب العام المكلف خليفة أحمد خليفة، دفن ثلاث آلاف جثة بمشارح العاصمة الخرطوم، بعد تشريحها ، ولكن الخطوة واجهت مناهضة من قبل الأجسام والمبادرات المعنية والمفقودين والمختفين قسرياً  سيما مجزرة القيادة العامة .

نبيل أديب: أخطرنا لجنة دفن الجثث بعدم اعتراضنا على الدفن بشرط  أخذ العينات من الجثامين ومعرفة ظروف الوفاة

وقال رئيس لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة نبيل أديب لـ(عاين)، ” أخطرنا لجنة دفن الجثث بعدم اعتراضنا على الدفن بشرط  أخذ العينات من الجثامين والبصمة الوراثية ومعرفة ظروف الوفاة الخاصة بكل جثة”.

 وأضاف أديب ” نحن لسنا طرفاً في عمل اللجنة”.

قرار متأخر

وتعتبر لجنة التعامل مع الجثث مجهولة الهوية بالخرطوم، ان  قرار الدفن جاء متأخراً بعد تراكم الجثث في مشارح الخرطوم حتى وصلت الى اكثر من (4000) جثة، ويقول عضو اللجنة د. عادل عبدالغني “هذه الجثث تم تكديسها في كافة نواحي المشارح حتى امتلأت بها الردهات والمكاتب وساحات المشارح في ظروف بيئية قاسية ودرجات حرارة مرتفعة، إذ تبلغ كل سعة مشارح الخرطوم حوالي (100) جثة ، بجانب أن هذه الثلاجات ذات السعة المتدنية جميعها معطلة ما أدى إلى وضع بيئي سيئ وطبي عدلي اسوأ والجثث بدأت تتداخل في بعضها البعض نتيجة الاهتراء ونتيجة التآكل و التفسخ والتحلل .

ويشدد عبد الغني في مقابلة مع (عاين)، على ان القرار كان يجب أن يُتخذ من قبل لأن تأخره كان نتيجة عدم قدرة على اتخاذ موقف، وأضاف: “سيتم التشريح وتحديد هوية لما تبقى من كل جثة، وسنضع قاعدة بيانات لهذه الجثث تحوي البصمة الوراثية ويتم تكفينها وبعد ذلك يدفن حسب الإجراءات في مقبرة تأخذ رقم معين حتى يتمكن اقرباء الشخص المعين بعد عشرات السنين من التعرف عليه والاطلاع على معلومات المكان وأسباب الوفاة ان اتضحت، رغم انه من الصعوبة أن تتضح سيما الذين توفوا نتيجة الطعن الذي أصاب الاماكن الرخوة في الجسم”.

ويحمل عضو لجنة التعامل مع الجثث المجهولة الهوية، لجنة المفقودين خطأ تأخير دفن الجثث بما فيها الأطفال حديثي الولادة الذين لا يتعلق موتهم بفض الاعتصام او التظاهر او التحركات السياسية، وقال: ” جرى وقف دفن جثث تم العثور عليها حديثاً وفي اوقات لم تكن فيها اي حركات تظاهر او اعتصامات”.