“كورونا”.. الوباء يتسرب للسودان في غفلة الحكومة
عاين – 8 ابريل 2020
عاد الشاب سمير عبد الغني29 عاماً، إلى حياته الطبيعية في قريته الصغيرة بولاية نهر النيل بعد أن قدم إليها عبر التهريب من داخل الأراضي المصرية التي كان يعمل بداخلها في التنقيب التقليدي عن الذهب وتنقل بين عدة مدن مصرية حدودية مع السودان ابان تفشي فيروس كورونا .
“عبد الغني”، يقول لـ(عاين)، انه من بين مجموعة كبيرة من السودانيين تمكنوا من إقناع مهربين بتهريبهم إلى الأراضي السودانية عبر مناطق خلوية بعد أن أغلقت السلطات السودانية المعابر الرئيسية بين البلدين، ويضيف “وصلت بعد سفر استمر ثلاثة ايام إلى منطقة قريبة من مدينة بورتسودان ومنها غادرت الى عطبرة إلى أن وصلت بلدتي”. ويرد عبد الغني- وهو اسم مستعار له- على سؤال حول إي إجراءات قد قام بها لسلامته الصحية من وباء كورونا ويجيب ضاحكاً “انا بخير أمضيت قرابة عشرة أيام ولا اشعر باي اعراض”.
وحالة تسلل الشاب “سمير عبد الغني” واحدة من بين مئات الحالات التي تسربت إلى داخل الأراضي السودانية من دول مجاورة بالنظر إلى حدود السودان المفتوحة مع عدد من الدول سيما مصر وإقليم دارفور الذي يتاخم ما لا يقل عن خمس دول افريقية وتحرى على هذه الحدود عمليات تهريب موثقة.
تسلل جماعي
معبر (قباتيت) الحدودي مع مصر، والذي يقع بولاية البحر الأحمر شرقي السودان، اصبح من اهم المنافذ التي يتسلل عبرها السودانيين الراغبين في العودة من مصر بواسطة المهربين، وذلك بعد الإغلاق الرسمي للمعابر الأخرى.وذكر شهود من محلية اوسيف التي يقع على ارضها المعبر، أن العشرات تمكنوا من التسلل إلى الأراضي السودانية، في ظل ضعف انتشار القوات الأمنية على الحدود، وأن السلطات الصحية بولاية البحر الأحمر شرعت في إفتتاح مركز للحجر الصحي بالمحلية لكن ما تزال امكانياته محدودة.
وبحسب معلومات تحصلت عليها (عاين) من مصادر طبية، فإن عدد الذين تم حجزهم في المركز قد بلغ 66 شخصاً، تم ترحيل 47 منهم إلى مدينة بورتسودان عبر مجموعتين، بينما لايزال 19 منهم في المركز.وأكدت المصادر أن جميع المتسللين الذين سلموا انفسهم للسلطات الأمنية هم من السودانيين، ولايوجد بينهم أجانب عدا إمراة واحدة من دولة جنوب السودان.
ووفقاً لشهود من محلية اوسيف فإن إغلاق المعابر الأخرى التي تربط بين السودان ومصر، ساهم في ازدهار نشاط التهريب بطرق غير رسمية، عبر مجموعات تنقل الراغبين في العودة للسودان من معظم المدن المصرية لاسيما العاصمة القاهرة مقابل مبالغ مالية ضخمة، على ان تنتهي مهمتهم بإيصالهم للأراضي السودان.
ويخشى أهالي المحلية من انتشار فيروس (كورونا) في المحلية، رغم تأكيد السلطات الصحية بعدم تسجيل حالات بالإصابة حتى الآن، وما يزيد من مخاوف الأهالي بحسب ماذكروا هو تسلل مجموعات كبيرة من المعدنين التقليديين من ولايتي الشمالية ونهر النيل، بعد قرار السلطات السودانية منع السفر بين الولايات وذلك في محاولة للوصول لمدينة بورتسودان عبر اوسيف.
تهريب تحت أنظار الحكومة
ويؤكد، مصدر مسؤول في اللجنة السودانية لمتابعة اوضاع السودانيين العالقين بجمهورية مصر العربية بسبب إغلاق المعابر البرية والجوية وجود حالات تهريب وسط العالقين عبر منطقتي (شلاتين وحلايب) الحدوديتين حيث بلغ عدد الذين لم يتمكنوا من دخول السودان (1315) عالق ، بلغت تكاليفهم المعيشية التي تتكفل بها حكومة السودان (150) ألف دولار .
وقال ذات المصدر الذي تحدثت عبر الهاتف مع (عاين) من العاصمة المصرية القاهرة “تم القبض على 13 سودانياً بمنطقة شلاتين الاسبوع الماضي كانوا يحاولون الدخول بالتهريب الى الأراضي السودانية”. محذرا في ذات الوقت من دخول العالقين عن طريق التهريب لعدم توفر الضمانات الصحية سيما أنهم لا يخضعون للإجراءات الصحية الفحص والحجر .
وأضاف ” كنا قد انتقدنا قرار إغلاق المعابر المفاجئ لعدم تمكن العالقين من توفيق اوضاعهم ومغادرة الأراضي المصرية، تبع ذلك قرار بفتح المجال لعودة العالقين لمدة يومين استثنى القرار بوضوح جمهورية مصر العربية وذلك في ١٩ مارس ٢٠٢٠م ، واستجابت اللجنة العليا لإدخال العالقين الذين استغلوا الباصات في طريقهم للمعبر قبل صدور قرار الإغلاق بساعات، سمح للباصات السياحية بتاريخ ١٦ مارس ٢٠٢٠م وعددها ١٤ بص سياحي استثناء حاملة بداخلها عددية من العالقين بالدخول عبر المعبر للسودان ، شريطة أن يتوجهوا للحجر الصحي ، وحدث أن عدد من العائدين تركوا جوازاتهم وأمتعتهم هربا من إجراء الحجر ، حتى من دخل الحجر الصحي خرج جزء كبير منهم دون الالتزام بضوابط الحجر الصحي، مما أوجد يقينا بان القرار كانت إيجابياته اقل من سلبياته”.
وأكد عودة حوالي ١١٠٠ عالق من منطقة السباعية، وكانت العودة تدريجية بدأت بالمرضى المقتنعين بعدم جدوى البقاء ، حيث تكونت لجان للتسكين والإعاشة ولجنة اعلامية ولجنة إشراف عام ، وكانت هذه اللجان تعمل تحت مظلة السفارة السودانية والتي تسلمت مبلغ مائة ألف دولار أمريكي من اللجنة العليا للطوارئ بالسودان بعد أن تعذر فتح المعابر ، توالت ارتال العودة من العالقين ، حتى ابتعثت السفارة وفد من القنصل العام وبعض الاهليين لإقناع المتبقي والممانع للعودة للقاهرة ورغبتهم للذهاب للمعبر وإجبار الحكومة السودانية بادخالهم للسودان، تم إقناع الكل بضمانات الاعاشة والتكفل بمصاريف العودة لهم للسودان، يشار إلى ان هنالك عدد من العالقين يقدر بمائة وخمسين فردا تكفلت بهم الحكومة فى أسوان.
شكاوي وعجز حكومي
ويشكو المصدر الحكومي، من مشاكل عديدة تواجه العالقين في العاصمة المصرية القاهرة أمام عجز السفارة واللجان الأهلية لتدارك المشاكل لأنه لا توجد خطة واضحة للعمل من حيث المبالغ المتوقع الحصول عليها والمدة الزمنية للبقاء بمصر ، ويضيف “سيظل العالقين قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اي وقت”.
وتجنبا لهذا الانفجار، يقول “اقترحنا على اللجنة العليا للطوارئ حصر العدد الراغب في العودة للسودان براً وجواً علما بأن هنالك عدد آخر يقدر بمائتي وخمسة عشر عالق تم ارجاعهم من المطار إبان قرار إغلاق الحدود وهؤلاء كانوا ينوون العودة بالطيران، و اقترحنا كذلك التنسيق مع وزارة الصحة المصرية لإجراء فحوصات الكورونا لكل العالقين والراغبين في العودة بإشراف القنصلية الطبية للسفارة السودانية، وفتح معبر أرقين الحدودي لدخول العالقين دفعة واحدة بكونفوي لمدة يوم فقط، والتأكيد على حصر الدخول للخالين من فيروس كورونا.
ويشير المسؤول الحكومي، حصلنا على تعهد كل العالقين بالبقاء في معسكر حدودي داخل الاراضي السودانية لمدة (14) يوم فترة الحضانة للفايروس، تتم حراسة المعسكر من قبل الأجهزة الأمنية حتى لا يتم تسرب اي فرد ، سيما ان هذه الحلول تراعي الجدوى الاقتصادية والصحية لبقاء العالقين بمصر .
دارفور.. حدود ممتدة ومخاطر
في ولايات دارفور تترى الشكاوي بالنظر إلى متاخمتها عدد من الدول الافريقية بحدود مفتوحة تماماً وهي الأطول مع خمس دول أفريقية ويشكل ذلك هاجساً للسلطات الصحية في هذه الولايات، ويتردى السلطات في هذه الولايات مخاوف من تجاوزات في عملية دخول وخروج أجانب وسودانيين بطريقة غير شرعية وتجاوز قرار إغلاق الحدود.
ويقول “بابكر آدم الحسين” المواطن بمدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور، إن الجنينة تعتبر واحدة من أهم البوابات التجارية النشطة بين تشاد والسودان وتستقبل بضائع ومواطنين من النيجر ومالي عبر دولة تشاد. ولفت الحسين في حديثه لـ(عاين) الى ان الحركة التجارية مستمرة وبطرق غير شرعية الي جانب تسرب أعداد كبيرة من التجار والمواطنين بين تشاد والسودان ويعود ذلك إلى أن الحدود الممتدة التي عادة ما تحتاج الى كميات كبيرة من القوات الأمنية ومبالغ مالية طائلة يصعب توفيرها من وزارة المالية علاوة العلاقات الاجتماعية التي تربط المواطنين بين تشاد والسودان.
ويحذر الأطباء في الولاية من إستمرار دخول المرضى التشاديين للعلاج من الامراض المختلفة بمستشفيات دارفور عبر التهريب، وكشفت لجنة الأطباء بغرب دارفور عن استمرار دخول المرضى التشاديين الى مشافي مدينة الجنينة رغم قرار إغلاق الحدود بين السودان وتشاد. وقالت اللجنة إن غرب دارفور ستكون أكبر الثغرات التي قد يضرب منها فيروس “كورونا” البلاد. وطبقاً لبيان لجنة أطباء غرب دارفور التي تحصلت(عاين) على نسخته ان السلطات لم تغلق المعابر مع دولة تشاد لجهة أن اللجنة سجلت حالات دخول لمرضى تشاديين يوم السبت قبل الماضي، ونبهت اللجنة الى استمرار تجمعات المواطنين وعدم الالتزام بحظر التجوال، وذكرت أن مشكلة تواجد النازحين في مراكز الإيواء لم تحل حتى اللحظة حتى يعودوا الى مساكنهم.
حدود بلا استعدادات طبية
وفي ولاية جنوب دارفور، ذات الحدود الممتدة مع دولتي أفريقيا الوسطى وجنوب السودان، سارعت في الولاية بنشر قوات أمنية بشكل كبير لإغلاق حدودها خاصة مع افريقيا الوسطى إلا أن هذه القوات غير كافية لمنع عمليات تهريب مواطنين والبضائع بين الدولتين خاصة بعد أن أصبح تهريب المواطنين والأجانب بين الدولتين يحقق دخل مالي كبير للمهربين في ظل توقف السفر بالطرق القانونية بعد إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا هذا ما أكده عبدالباسط عبدالله المدير التنفيذي لمحلية أم دافوق الحدودية مع أفريقيا الوسطى. وأشار عبدالباسط في تصريح لـ(عاين)، الى انهم يواجهون تحدي تهريب المسافرين بين الدولتين الذي يشكل خطرا صحيا على حياة المواطنين داعيا القوات الأمنية تكثيف دورياتها على الحدود الغربية.
من جهته، يقر مدير عام وزارة الصحة بالولاية محمد ادريس بتدني كبير في الخدمات الصحية والعلاجية في المحليات الأمر الذي سيؤدي الى كارثة حال ظهور أي حالات اشتباه بفيروس كورونا وتابع إدريس في تصريح لـ(عاين)، “التحوطات الصحية بالمناطق الحدودية تكاد تكون معدومة والمطلوب رفع الإستعداد الأمني في قفل الحدود بشكل كلي لحين تجاوز فترة توقعات ذروة الانتشار” .
ومن ولاية شمال دارفور، يقول الطبيب بالفاشر علي احمد، لـ(عاين)، ان المحليات الحدودية في الولاية تنقصها جميع الاحتياطات التي من شأنها مجابهة الفيروس وأن المستشفيات تعاني من نقص في الكوادر الطبية والمعدات مع افتقار وانعدام سيارات الإسعاف بمحليات شمال دارفور .وأضاف علي “الحدود مع دول الجوار يصعب اغلاقها والتعامل مع الحالات المشتبه بها بالمحليات الحدودية إن وجدت يكون أمر غاية في الصعوبة”