السودان: لماذا تجددت أحداث النيل الأزرق؟

7 سبتمبر 2022

أدى سوء التقدير الحكومي، إلى تجدد الاشتباكات القبلية، في إقليم النيل الأزرق، عندما شرعت لجنة حكومية في إرجاع مئات النازحين إلى مناطقهم، دون أن تضع في الإعتبار تعقيدات الواقع القبلي على الأرض في أعقاب أحداث الاقتتال التي شهدها الإقليم منتصف يوليو الماضي.

والخميس والجمعة الماضيين قتل 21 شخصاً وأصيب آخرين، عندما تجددت أحداث العنف القبلي في  كل من قنيص شرق بمدينة الروصيرص بمجمع طيبة الإسلامي ثم انتقل القتال إلى أم درفا بمحلية ودالماحي شمال مدينة الدمازين.

وأفادت مصادر متطابقة (عاين) أن تجدد الأحداث مرده إلى أن لجنة المصالحات شرعت في تنوير سكان حي قنيص شرق من الهوسا بوثيقة وقف العدائيات التي تم التوقيع عليها مؤخراً بين أطراف النزاع.

وتفيد المصادر إلى أن اللجنة استصحبت معها عدد من نازحي قبيلة الهوسا بهدف إعادتهم لمنازلهم بذات الحي، الأمر الذي إعتبره سكان قنيص استفزازاً لهم، مما قاد إلى نشوب الاقتتال القبلي للمرة الثانية خلال شهرين.

وجددت لجنة أمن إقليم النيل الأزرق، إعادة حظر التجوال بمدينتي الدمازين والروصيرص إعتباراً  من الساعة الثامنة مساءً وحتى الساعة الخامسة صباحاً مع منع التجمعات، وأعلنت عن تشكيل لجنة للتحقيق حول أسباب تجدد القتال تضم في عضويتها الأجهزة الأمنية والعسكرية والنيابة العامة.

 

وتحكم الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار وفقاً لإتفاق جوبا لسلام السودان إقليم النيل الأزرق بواسطة الحاكم أحمد العمدة بادي.

والأثنين، طالب حاكم إقليم النيل الأزرق ورئيس لجنة الأمن بالإقليم، أثناء زيارته لمنطقة أم درفا بمحلية ود الماحي، المواطنين عامة عامة والإدارات الأهلية بصفة خاصة بنبذ الحرب والاستجابة لصوت السلام وتوحيد الصفوف والعمل على معالجة تحديات الاستقرار بالمنطقة.

وأعلن حاكم النيل الأزرق، استمرار الجهود لتجريد المواطنين من الأسلحة وتسليمها للقوات المسلحة.

وناشد الحاكم بضرورة وقف خطاب الكراهية والإقتتال القبلي بكافة أطراف الإقليم، ودعا محافظي المحافظات للاضطلاع بمهامهم وسلطاتهم في دعم الاستقرار وفرض هيبة الدولة وسيادة حكم القانون.

من جانبه أكد محافظ ودالماحي، عبد العزيز الأمين إلتزام المحلية بالبدء الفوري في إعادة النازحين لمنازلهم وفتح الطرق والمشارع النيلية وترسيخ دعائم الأمن في المحافظة.

كما دعا الإدارة الأهلية والمواطنين الى ضرورة الإلتزام بقيم التعايش السلمي ، كما دعا لتوجيه المنظمات بتقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين المتأثرين بالأحداث الأخيرة .

وفي منتصف يوليو الماضي إندلعت اشتباكات دامية في ثلاثة محليات بإقليم النيل الأزرق، بين مجموعتي الأنقسنا والهوسا.

وترفض قبائل الأنقسنا منح الهوسا إدارة أهلية لأنهم ليسو من أصحاب الأرض، الأمر الذي قاد لارتفاع الأصوات التي تنادي بترحيلهم من الإقليم.

وأدت الأحداث وقتها لمقتل العشرات، فيما نزح أكثر من31 ألف بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الصادر أغسطس الماضي.

يُقدر مكتب الأمم المتحدة عدد النازحين الذين لجأوا إلى مدينة الدمازين وخارجها بحوالي 12,600 نازح.

وبحسب التقرير فقد وصل 12,800 شخص إضافي إلى ولاية سنار و4,500 شخص إلى ولاية النيل الأبيض، كما وصل نحو 1,220 شخصاً إلى ولاية الجزيرة.

وبحسب مفوضية العون الانساني بإقليم النيل الأزرق  فإن النزاعات القبلية الأخيرة تسببت في نزوح أكثر من 4000 شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

كما أن أحداث الأخيرة، أدت إلى موجة جديدة من النزوح خارج إقليم النيل الأزرق، مع إستمرار المناشدات بتقديم الغذاء والمأوى للنازحين.

وفي الرابع من أغسطس الماضي وقعت الأطراف المتنازعة وثيقة هدنة لوقف العدائيات بين أطراف النزاع بإقليم النيل الأزرق، رعته قوات الدعم السريع بالتعاون مع مبادرة هيئة شورى رفاعة وكنانة.

هدنة لوقف العدائيات:

ونصت الوثيقة على وقف خطاب الكراهية وبث الطمأنينة في نفوس سكان الإقليم وقيام مؤتمر الصلح والمساهمة في حفظ الأمن وأرواح المواطنين وممتلكاتهم دون تمييز فضلاً عن دعم الاستقرار والسلام والتعايش السلمي بالتعاون مع أجهزة الدولة والإدارات الأهلية من الطرفين لتحقيق السلام وفتح الطرق وموارد المياه والأسواق والمزارع وفرض هيبة الدولة في كل أرجاء النيل الأزرق.

وطالبت الوثيقة حكومة النيل الأزرق بنشر قوات مشتركة من القوات المسلحة والشرطة وقوات الدعم السريع وجهاز المخابرات العامة بمناطق النزاعات التي تحتاج إلى تأمين.

ونصت الوثيقة على ضرورة السعي والعمل الجاد لعقد مؤتمر الصلح بين الأطراف المتنازعة لمعالجة تداعيات الأحداث في فترة أقصاها الأول من ديسمبر 2022. مع المطالبة بتكوين لجنة لحصر الأضرار في الأرواح والممتلكات.

ونصت الوثيقة على عودة جميع سكان الحي الغربي بقنيص شرق مع وجود قوات أمنية مشتركة حفظ الأمن بين الطرفين.

ونصت على عودة المواطنين إلى منازلهم عدا أحياء اللعوتة والله كريم. كما نصت على تكوين لجان مشتركة من لجنة المصالحات بقوات الدعم السريع ومبادرة هيئة شورى رفاعة وكنانة وآلية طرفي النزاع لطواف والتبشير بوقف العدائيات.

الوثيقة أيضاً نصت على أن ما تم التوقيع عليه يُعتبر خطوة أولى لصيقة أخرى أكبر وأشمل، يتم التوقيع عليها في مؤتمر الصلح.

شاهد: السلطات استعجلت عودة النازحين إلى مناطقهم دون تهيئة الواقع المحتقن على الأرض بسبب الأحداث

وقال محمد وهو موظف بإحدى المنظمات ومقيم بمدينة الدمازين أن السلطات استعجلت عودة النازحين إلى مناطقهم دون تهيئة الواقع المحتقن على الأرض بسبب الأحداث الدامية التي جرت منتصف يوليو الماضي بإقليم النيل الأزرق.

وأشار في حديثه لـ(عاين) إلى أن المناطق التي عملت السلطات لإعادة النازحين لها، لم تكن مهيأة لاستقبالهم، مع إستمرار حالة الاحتقان في تلك المناطق.

ولفت إلى أن وثيقة وقف العدائيات، توجب عليها الإستمرار في المشاورات بين أطراف النزاع والإعلان عن إتفاق شامل بحلول ديسمبر القادم، وهو الأمر الذي لم يحدث. ودعا لضرورة وجود حل شامل يعالج الأزمة من جذورها عن طريق معرفة أسبابها ومعالجتها.

من جانبه، يرى المحامي والناشط بمنظمات المجتمع المدني، حافظ الشائب أنه وبعد التوقيع على وثيقة وقف العدائيات بين أطراف النزاع التي نصت على عدم التصعيد وإيقاف خطاب الكراهية فإن الإقليم شهد هدوءاً نسبياً في المناطق التي شهدت أحداث الاقتتال.

يتواجد أغلب نازحي الاقتتال القبلي في عدد من المدارس الحكومية بمدينة الدمازين وفي سنار وسنجة والنيل الأبيض.

وأشار الشائب في حديثه لـ(عاين) إلى أن الوضع كان مستقراً بالنسبة للنازحين إلى أن رأت حكومة النيل الأزرق  إخلاء النازحين من المدارس التي يمكثون بها، خاصة مع قرب بداية العام الدراسي .

ولفت الشائب، إلى أن لجنة المصالحات عندما جلست مع أهالي منطقة قنيص لتنويرهم بوثيقة وقف العدائيات، أبدوا رفضهم لعودة النازحين في الوقت الحاضر، معللين ذلك بإستمرار الإحتقان الذي جاء كنتيجة للأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة.

وأوضح أن الخميس الماضي بدأت عودة بعض النازحين إلى منطقة قنيص الأمر الذي قاد إلى وقوع الاشتباكات بين الطرفين.

وأشار إلى أن أحداث الأقتتال أدت إلى رجوع النازحين للمدارس التي تم تخصيصها لهم في وقت سابق، فيما غادر البعض إقليم النيل الأزرق.

ولفت إلى أن سكان النيل الأزرق يعيبون على حكومة الإقليم عدم ترتيبها لعودة النازحين بالطريقة التي تضمن سلامة الجميع، مشيراً إلى أن سوء التقدير الحكومي أدى لانتقال الاقتتال إلى مناطق أخرى بالإقليم.

محامي: وثيقة وقف العدائيات لم تعمل على مخاطبة جذور الأزمة وهناك ضرورة للتعمق في الأسباب التي قادت لنشوب الصراع وإيجاد حلول لها.

ويرى خبير إدارة الأزمات والتفاوض، أمين إسماعيل مجذوب، أن تجدد الاقتتال بإقليم النيل الأزرق مرده إلى أن وثيقة وقف العدائيات التي تم التوقيع عليها في أغسطس الماضي، لم تعمل على مخاطبة جذور الأزمة.

وأشار في حديثه لـ(عاين) إلى أن جذور الأزمة تتمثل في أن قبيلة الهوسا تطالب بإمارة في إقليم النيل الأزرق. ولفت مجذوب إلى أن عدم تعامل حكومة النيل الأزرق مع الاقتتال القبلي بالطرق السليمة أدى إلى تجدد الإقتتال مرة أخرى.

وأوضح أنه ومع  إقتراب بدء العام الدراسي طُلب من النازحين إخلاء المدارس التي تأويهم ومطالبتهم بالعودة إلى مناطقهم، لافتاً أن قرار عودتهم لم يكون سليماً خاصة وأن تلك المناطق تعاني من آثار النزاع الدامي الذي جرى منتصف يوليو الماضي.

وإعتبر مجذوب أن هناك بعض الجهات التنفيذية، ترغب في الإستفادة من التعداد السكاني الكبير لقبيلة الهوسا وإستمالتهم بالوعود بمنحهم أراضي أو أمارة، الأمر الذي ترفضه قبائل الهمج والفونج والبرتا.

وأشار إلى أن النظام السابق عمل على إقحام الإدارات الأهلية في السياسية، لافتاً إلى أن الإدارة الأهلية باتت تبحث عن مكاسب سياسية لكل القبائل دون فرز، كما تحاول إدخال بعض أبناء القبائل في بند الترتيبات الأمنية بواسطة عمليات التجنيد.

خبير: حكومة إقليم النيل الأزرق، عليها إدراك تعقيدات الإدارة الأهلية في المنطقة، لأفتاً إلى أن الحكومة هناك تحاول إيجاد موطئ قدم لها بجنوب النيل الأزرق.

 وأشار مجذوب إلى وجود جهات تعمل على زيادة أعداد مقاتليها مع إقتراب موعد الإنتخابات وبدء الترتيبات الأمنية، موضحاً أن هذه التداعيات قادت لحدوث الإحتقان القبلي في الفترة الماضية.

ودعا الدولة لعقد مؤتمر الإدارة الأهلية الذي كان من المفترض عقده في سبتمبر العام الماضي، لتوضيح قوانين الحكم المركزي ووضع حدود للأقاليم والمحافظات وعلاج قضايا الحواكير والفصل بين القبائل وإنهاء الصراعات القبلية المزعجة.

وأكد مجذوب على أنه في حالة عدم حسم قانون الإدارة الأهلية فستظل الصراعات القبلية موجودة، مما يؤثر على النسيج الإجتماعي السوداني.

كما عاب مجذوب بطء الحكومتين الإقليمية والمركزية في التعامل مع الأزمة الناشبة في إقليم النيل الأزرق.

ارتفاع أعداد النازحين

وقال رئيس البعثة الفرعية للجنة الدولية للصليب الأحمر بالنيل الأزرق، الطيب أحمد زايد، لـ(عاين) أن أعداد النازحين الذين لجأؤا للمدارس تناقصت، فمن حوالي 4000 ألف نازح  تقلصت لنحو 700، أما البقية نزحوا إلى مدينة سنار.

وبحسب زايد فقد إرتفع مجموع عدد النازحين، على أثر الاقتتال القبلي الذي شهدته عدة مناطق بالنيل الأزرق حوالي 42150 ألف.

ولفت زايد، إلى أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها أم درفا بمحلية ود الماحي شمال مدينة الدمازين أدت إلى موجة نزوح جديدة، بعدما قرر السكان الخروج من المنطقة في أعقاب أحداث العنف الأخيرة.

جانب من احداث ولاية النيل الازرق 15 يوليو 2022- الصورة من موقع التواصل الاجتماعي ففيس بوك

وأشار إلى أن هناك مطالبات بخروج النازحين من المدارس، أدى محاولة الحكومة عودتهم لمناطقهم يوم الخميس الماضي، إلا أن هذه المحاولة أدت لنشوب الصدام القبلي الأخير.

وأوضح أن المجتمعات المحلية رفضت إستقبال العائدين، مشيراً إلى أن أعداد كبيرة من المنازل دُمرت ولم تَعُد مهيأة لاستقبالهم من جديد.

وحول كيفية التعامل مع الأعداد الكبيرة للنازحين، أشار زايد إلى أنهم تناقشوا مع مفوضية العون الإنساني، من أجل وضع الخطة اللازمة لتقديم المساعدات الممكنة.

وأوضح زايد إلى أن مفوضية العون الإنساني إعتبرت أن الوضع الماثل للنازحين هو وضع “طارئ”. وبحسب زايد فإن المفوضية قالت أنها ستعمل مع الجهات المختصة لتأمين القرى لضمان العودة الآمنة للنازحين، وأيقاف نزوح الآخرين، خاصة وأن أعدادهم كبيرة، الأمر الذي يجعل إخلائهم للإقليم والذهاب للولايات المجاورة أمر في غاية الصعوبة.

وأشار إلى أن الحكومة وضعت نقاط تأمين إلا أنها لم تكن كافية، وهو الأمر الذي يؤكد وقوع الأحداث الأخيرة في منطقة أم درفا والذي نجم عنه عدد من القتلى والمصابين.

وأشار إلى أن الأحداث الأخيرة أدت لمزيد من الشعور بإنعدام الأمن، مشيراً إلى أن  معظم الأسر قررت الخروج إلى ولاية الجزيرة، لافتاً إلى أن هذه الأسر النازحة ستحتاج لتوفير الدعم اللازم.