هل يحدد حسم معركة (الفاشر) مستقبل خارطة السودان؟
أُنتج هذا التقرير بالتعاون مع صحيفة درافور24
عاين- 26 ديسمبر 2024
في خضم تقاطعات مصالح إقليمية وسياسية واقتصادية تخوض الأطراف المتحاربة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور حربا بلا هوادة، وتُصر قوات الدعم السريع التي تحاصر المدينة منذ نحو 8 أشهر على دخول المدينة الإستراتيجية وبسط سيطرتها على كامل الإقليم.
سعى الدعم السريع للسيطرة على إقليم دارفور غربي السودان، توازيه تحركات سياسية مضت قدما في تشكيل حكومة مرتقبة في مناطق سيطرته التي تشمل 10 ولايات كلياً وجزئيا منها سيطرة كاملة على أربع ولايات بدارفور، بجانب تقارير صحفية تتحدث عن دعم عسكري إماراتي متزايد للاستيلاء على الفاشر.
بالمقابل، يقاتل الجيش في الفاشر بالتحالف مع القوات المشتركة، والتي تتشكل من حركات مسلحة وقعت اتفاق السلام مع الحكومة في العام 2020 أبرزها حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، إلى جانب المتطوعين في القتال مع القوات المسلحة.
نفوذ اقتصادي
اقتصاديا، إقليم دارفور الغني بالثروات يغري حلفاء الدعم السريع الإقليميين لا سيما دولة الإمارات الحليف الأبرز لهذه القوات. فـ”المسؤولون في أبوظبي يعتقدون أن مصالح هذا البلد الخليجي لا يمكن التراجع عنها في السودان، ومن بينها قضية إقليم دارفور وعما إذا كان سيكون ضمن السودان أو دولة منفصلة”. يقول الخبير في شؤون النزاعات عيسى قسم الله لـ(عاين، ودارفور 24). ويتابع: “هذه النقاشات مطروحة داخل أروقة المجتمع الإقليمي والدولي مستدلا على ذلك بالتفاهمات التي تعرضها بعض الدول الكبرى على الطرفين على شاكلة (أترك الخرطوم لتحصل على الفاشر)”.
وبعد نحو عامين من الحرب، يتمدد نفوذ الدعم السريع اقتصاديا، وسيطرته بالكامل على موارد الذهب وأهم المحصولات الزراعية النقدية كالصمغ العربي والسمسم والفول السوداني والكركدي بجانب الثروة الحيوانية.
مؤخرا، ارتفعت أسعار شراء الذهب في المناجم الرئيسية بدارفور؛ بسبب تجار جُدد معظمهم من قادة الدعم السريع إلى الأسواق. ويقول شاهد من منجم قمبيلة بمنطقة “سنغو” جنوب دارفور، لـ(عاين، ودارفور 24): “أسعار جرام الذهب ارتفعت من مئة وستين ألف جنيه سوداني إلى مئتين وعشرين ألف جنيه سوداني ديسمبر الحالي”. وبرر أسباب الارتفاع إلى زيادة الطلب ودخول تجار من خارج مناطق التعدين الأهلي يشترون الذهب بالمناجم، وشراء الحجر كخام قبل طحنه واستخراج الذهب، فيما أكد تاجر ذهب سابق بمدينة نيالا، له صلة بمناجم التعدين الأهلي في سنغو، انسحاب جميع تجار الذهب من السوق؛ بسبب المضايقات من قبل عناصر قوات الدعم السريع.
ويشير تاجر الذهب أبو إبراهيم، إلى وجود عمليات تجميع أسبوعية للذهب من التجار بمدينة نيالا ومناجم الذهب من بعض الأشخاص يشترون الذهب من المحلات بأسعار فائدة 20 الف جنيه للجرام.
ويقول في مقابلة مع (دارفور 24 وعاين): إن “هذه الظاهرة انتشرت منذ سبتمبر الماضي في مدينة كأس ونيالا ومناجم سنغو ومنجم صولبا شمال نيالا، والدخول إلى الأسواق برؤوس أموال كبيرة ولا أعلم بالمكان الذي يتم فيه تسويق الذهب الذي يتم شراؤه”.
ووفقا لتجار، تُؤَمَّن عمليات نقل الذهب إلى مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، عبر مسلحين من قوات الدعم السريع لوجود عصابات النهب المسلح في الطريق بين الردوم ونيالا.
الذهب ليس وحده
المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور وكردفان تعد من أغنى مناطق السودان إنتاجا لمحاصيل زراعية مهمة وثروة حيوانية، ولتعزيز نفوذها الاقتصادي في مناطق سيطرتها والضغط السياسي والاقتصادي على الجيش السوداني، منعت الدعم السريع أكتوبر الماضي، تصدير منتجات مناطق سيطرتها إلى مناطق الجيش؛ وبالتالي منع التصدير إلى دولة مصر في أعقاب الاتهام الصريح لقائد هذه القوات لمصر بمساندة الجيش السوداني.
ورغم الهدف المعلن من هذه القوات بمنع وصول هذه السلع إلى باقي مناطق السودان ومصر لجأت الدعم السريع إلى أسواق بديلة عبر رؤوس أموال لمجموعات تجارية مقربة منها.
الإدارة المدنية التابعة للدعم السريع، في ولاية وسط دارفور، انخرطت في عملية تنشيط أسواق الحدود لتصدير المنتجات المحلية، وتفعيل الأسواق والإيرادات والتحكم في الصادر والوارد. وهذا ما تقوم به إدارات الدعم السريع ببقية الولايات التي تسيطر عليها بدارفور.
فيما يفيد مصدر من محلية مكجر يعمل ضابط إدارياً فضل حجب اسمه (دارفور 24، وعاين) بأن وحدة دمار الإدارية كانت تعتبر أكبر مصدر لتصدير الصمغ العربي حيث توجد مخازن للشركة السودانية للصمغ العربي، وكانت تجمع كميات كبيرةَ من الصمغ العربي في موسم الشتاء، وترحل إلى الخرطوم، لكن بعد الحرب سيطرت قوات الدعم السريع على السوق، وصارت تصدر الصمغ إلى مدينة نيالا بمعدل ٢٥ الف طن أسبوعياً ترحل عبر شاحنات إلى نيالا.
وأشار المصدر، لأنه لا يدري إلى أين تصدر قوات الدعم السريع، الصمغ العربي، لكن المواطنين ما زالوا يسوقون صمغهم في سوق “دمار” وتُنْقَل إلى نيالا بالشاحنات.
وعلى الرغم من أن بعض السلع والمحاصيل وجدت طريقها بريا إلى دول الجوار إلا أن تشغيل قوات الدعم السريع لمطار نيالا يثير الشكوك حول عمليات تصدير خارجية.
وكانت هذه القوات، أعادت تشغيل مطار نيالا بعد تركيبها أجهزة تشويش لحمايته من الغارات الجوية التي يشنها الجيش السوداني، وفق مصادر مطلعة لـ(عاين، ودارفور 24). ودخل المطار إلى الخدمة منذ سبتمبر الماضي حيث استقبل وقتها أول طائرة شحن عملاقة هبطت به ليلًا، واستمرت بالمدرج لنحو ساعة قبل أن تقلع إلى وجه مجهولة.
ومنذ ذلك الحين استقبل المطار عدد 12 رحلة طيران جميعها تهبط ليلًا، وتمكث وقتلًا لا يزيد عن الساعة والساعة ونصف الساعة، وفق ما تحققت منه (دارفور 24 وعاين). ولا يعرف بالضبط ماذا تنقل هذه الطائرات عند هبوطها أو مغادرتها، لكن مصادر بقوات الدعم السريع، أكدت، أن بعض الطائرات أقلت جرحى من قوات الدعم السريع.
هل تتهاوى الترسانة العسكرية؟
ورغم حفاظ التحالف العسكري بقيادة الجيش السوداني، على مدينة الفاشر إلا أن تدفق الأسلحة بغزارة إلى قوات “حميدتي” أغرى الأخير بالبقاء على جبهة الفاشر إلى حين السيطرة عليها، وهذا ما يعتبره المحلل السياسي أحمد حمدان “قادم لا محالة، لجهة أن كل المؤشرات تؤكد سقوط مدينة الفاشر على يد قوات الدعم السريع ما يعني أن هناك مشهداً قادماً يتشكل في الطريق بوجود حكومتين تتنافسان على الشرعية الأولى بقيادة البرهان، والثانية بقيادة “حميدتي” التي تعتزم اتخاذ إقليم دارفور مقرا لها.
ويلفت حمدان، إلى تطورات في الخلاف بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وحاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي.
يعضد هذا الحديث الباحث في شؤون إقليم دارفور ضرار آدم ضرار، والذي يشير في مقابلة مع (عاين، ودارفور 24) إلى أن المكون العسكري الذي يسيطر على مجلس السيادة لا يجتمع على رؤية موحدة حول الفاشر والتحالف مع القوات المشتركة.
وحسب ضرار لا يتحمس البرهان لهذا التحالف، وفي ذات الوقت نجد عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش ياسر العطا أكثر قربا من مناوي وجبريل إبراهيم، ويساهم في تمرير المساعدات العسكرية إلى القوات المشتركة يضيف ضرار.
ويقول ضرار: إن “الوضع الميداني هو الذي يحدد مستقبل الفاشر سياسيا وعسكريا واستراتيجيا، وعلى المدى المتوسط ستتمكن القوات المشتركة من الصمود في وجه قوات الدعم السريع خاصة مع زيادة عدد المقاتلين وتخزين إمدادات عسكرية كبيرة”.
ويرى ضرار، أن قوات الدعم السريع تريد وضع كامل إقليم دارفور تحت إدارتها سياسيا وعسكريا بالتزامن مع دعوات تشكيل حكومة تحت ذريعة تصريف شؤون المواطنين، ومن الصعب تحقيق هذا الأمر؛ نظرا لمعطيات الواقع على الأرض.
تحالف غير قابل للتصدع
بينما ينفي وزير الثقافة والإعلام في حكومة إقليم دارفور عبد العزيز سليمان أروي وجود صفقة دولية تخيّر الجيش والدعم السريع بين الخرطوم والفاشر، ويرى سليمان أوري في حديث لـ(عاين، ودارفور 24) ردا على سؤال عما إذا كان المجتمع الدولي يساند سقوط الفاشر على يد الدعم السريع، يقول: “تحالف القوات المسلحة والمشتركة لن يكون من السهل النيل منه مهما روج البعض”.
وأردف: “سواء خطط المجتمع الدولي لذلك أم لا الأمر يعتمد على ماذا نريد نحن في السودان وهو الذي سيتحقق في نهاية المطاف”. ويعتقد أروي أن الحديث عن صفقة دولية بخروج الدعم السريع من العاصمة السودانية وود مدني بولاية الجزيرة مقابل انسحاب الجيش من الفاشر حديث استهلاكي غير صحيح.
ويتابع أروي: إن “القوات المسلحة لديها 30 ألف جندي في الفاشر يقاتلون مع القوات المشتركة والوضع الميداني يوما بعد يوم في تحسن مستمر وتكاد القوات تقترب من إنهاء معاناة المدنيين هناك بتوسيع نطاق المناطق الآمنة”.
وأضاف: “تُصر قوات الدعم السريع على الفاشر حتى تسيطر على إقليم دافور بالكامل، وتتفاوض وفق هذه التطورات مع الحكومة السودانية، كما أنها تخطط أيضا ضمن الخيارات لحكم الإقليم بشكل منفصل عن الدولة السودانية حال تعذر الوصول إلى اتفاق مع الحكومة، رغم عجزها في السيطرة على أربع ولايات تقع تحت سيطرتها في الإقليم وتحويلها إلى حالة من الفوضى”.
ولا تزال مدينة الفاشر تحت سيطرة القوات المسلحة وحلفائها من القوات المشتركة والمتطوعين والمجموعات القتالية القبلية فيما تحشد قوات حميدتي المقاتلين من خارج الحدود والولايات القريبة من المجتمعات التي تشكل هذه القوات في سباق الأمتار الأخيرة نحو المدينة الرئيسية في إقليم دارفور.
وإذا ما سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر فإن الجيش سيودع آخر معاقله في إقليم دارفور ليضع حميدتي خمس ولايات تحت إدارته الكاملة في إقليم يعادل دولة مساحة فرنسا لتبدأ مرحلة جديدة من ملامح هذا البلد وعما إذا سيكون موحدا أم مفككا إلى دولتين فاشلتين تخوضان حرب طويلة.