كيف قضى البشير ايامه الاخيرة قبل السقوط 

تقرير: عاين 3 سبتمبر 2019م

تحكي الكثير من الروايات العالمية والمسرحيات والأشعار، لحظة سماع الديكتاتوريين لهتافات الكادحين الغاضبة قبل لحظات من انهيارها وفقدانهم السلطة. هذه اللحظات قفزت من كتب التاريخ إلى الواقع السوداني الذي حاصر البشير منذ يوم ستة أبريل داخل فناء قصره داخل القيادة العامة، وهو يستمع لهتافات الجماهير الغاضبة حول القيادة العامة في اخر لحظات حكمه الضروس الذي استمر لثلاثين عاما. 

أيقن الجميع أن البشير الذي انهارت معنوياته في الأيام الاخيرة سيجبر على التخلي عن كرسي الحكم لا محالة، وبقيت مهمة اقناعه واقالته رهينة وجود شجاع من حوله، لكن الجماهير تكفلت بالمهمة. أمر البشير أسرته بالرحيل عدا أخ واحد، بات يجئ بالأنباء للرئيس المنهار من فوق سطح القصر ويبلغه أن الساحة مليئة بالغاضبين من نظام حكمه ذو الثلاثين عاما. 

كيف قضي البشير ايامه الاخيرة قبل السقوط

6 أبريل يوم فارق 

لحظة دخول ملايين السودانيين الى محيط القيادة العامة للجيش في 6 أبريل الماضي، كان الرئيس المخلوع البشير يجلس على كرسي ومن حوله مجموعة اخرى من الكراسي الفارغة في فناء داره داخل القيادة العامة بعد هجرانه القصر الرئاسي المطل على النيل الازرق مع اشتداد التظاهرات المناوئة لحكمه.

يبدد الرئيس البشير حدة توتره في تلك اللحظة بتقطيع خيوط تناثرت من طاقيته-غطاء رأس- قبل ان يدخل عليه ثلاثة من معاونيه في القصر الرئاسي. وبعد إلقائهم التحية عليه التي ردها بصعوبة وكست ملامحه حالة من التوتر طلب منهم التفضل بالجلوس. صمت الجميع لفترة امتدت لدقائق، وتجنبا للحرج وبحسب ما يروي شاهد لـ(عاين)، بادر أحد القادمين بالتعليق على طاقية الرئيس وانها مزركشة الألوان وهذه هي المرة الأولى التي تلبس فيها هذا النوع يا سيادة الرئيس من هذه الطواقي. رد البشير ابتسامة فاترة.. دي موضه الايام دي الشباب بلبسوها كتير، قبل ان يجيب السائل بضحكة مجلجلة لكنها مصطنعة اراد بها تلطيف أجواء المكان ” نعم نعم.. سيدي الرئيس”.

الطريق الذي سلكه معاوني الرئيس الثلاثة من القصر الرئاسي ناحية بيت الضيافة مقر اقامة الرئيس البشير، كان شاقا بالنسبة لهم، من ناحية كثافة المتظاهرين الزاحفين نحو القيادة العامة للجيش، وما شكله لهم من هزيمة معنوية برؤيتهم للملايين تهدر في الشوارع رافضة لنظام حكمهم. ويقينهم ان مشوارهم هذا أملته الضرورة الاجتماعية ليس إلا فهم مساعدون مقربون من البشير في القصر وواجب عليهم البقاء الى جانبه في هذه اللحظات العصيبة وفق ما افاد (عاين) أحدهم مفضلا حجب اسمه.

طريق شائك 

تتخفي سيارتهم المظللة في ازقة وسط الخرطوم وهدفها الوصول الى مقر البشير، لكن مع هدير المواكب تتحطم آمالهم شيئا فشيئا في البقاء حاكمين اقوياء، الدهشة كانت سيدة الموقف الحشود فوق تصورهم، والمسافة على قصرها من القصر الرئاسي الى بيت الضيافة مكان اقامة البشير استطالت وتصورها بعضهم أنها سكة النهاية بالضبط لنظام حكم استمر ثلاثين عاما. بينما يأمل آخر من الثلاثة الذين هم بداخل السيارة بان عليهم ان يطردوا الإحباط، قائلا” بنهاية مشوارنا الى مقر الرئيس ربما نجد الحل اليقين”. 

وهناك داخل مقر الرئيس، الذي وصلوه في الخامسة عصرا من يوم 6 أبريل، لم يكن هناك أحد بجوار الرئيس سوى حراسه الذين توزعوا متأهبين على المداخل وفي حالة استعداد تامة تشي بان هناك هجوما ما قد يقع على منزل الرئيس خلال الساعات القادمة.وكل ما حاول معاوني الرئيس البشير تبديد الأجواء المشحونة والمتوترة داخل منزله، سقطت قنبلة غاز مسيل للدموع أو دوى صوت قنبلة صوتية في المكان من قبل القوات الامنية التي تحاول في يأس تفريق الملايين امام مقر القيادة هذا الى جانب ان البشير ظل يسمع بوضوح هتافات الجماهير خارج مقر إقامته.    

خيانة

كيف قضي البشير ايامه الاخيرة قبل السقوط
من بين الأحاديث تظهر مؤشرات الخيانة الامنية وربما تهاون القوات الامنية في حسم التظاهرات قبل وصولها الى القيادة العامة للجيش وتذهب في هذا الاتجاه أصابع الاتهام مباشرة الى رئيس المخابرات صلاح قوش.

ومن بين هذه الأحاديث تظهر مؤشرات الخيانة الامنية وربما تهاون القوات الامنية في حسم التظاهرات قبل وصولها الى القيادة العامة للجيش وتذهب في هذا الاتجاه أصابع الاتهام مباشرة الى رئيس المخابرات صلاح قوش.وشاهد آخر تحدثت إليه (عاين)، ينحو بشكل كبير إلى ان رئيس جهاز الامن والمخابرات صلاح قوش خان نظام البشير، ويربط ذلك من خلال طريقة التقرير الشفهي الأولي الذي قدمه قوش الى الرئيس البشير قبل مغيب شمس 6 ابريل والذي ذكر من الشاهد نصا بأن قوش قال للرئيس البشير بلغة دارجة “والله ياسيادة الرئيس الجماعة ديل جو جنب بيتك واهو بنضارب فيهم عايزين نرجعهم”.

تلقى الرئيس البشير، هذا التقرير بكثير من الغضب الذي يقول الشاهد أنه ظهر في ملامح وجهه ولم يترجمه الى كلام مفضلا الصمت قبل أن يطلب مغادرة الجميع عدا قوش، الذي قال الشاهد إنه خرج بعد دقائق ووقف في بهو  بيت الرئيس وأخرج صندوق سجائر ماركة “المارلبورو” واشعل سيجارة وأخذ يتحدث الى من يجاوره وهو يتبسم وغير مهتم بـ الأجواء المتوترة من حوله وغير آبه حتى بتوتر رئيسه البشير.

ويمضي، الشاهد الذي فضل حجب اسمه، في تعضيد ما ذهب إليه من تواطؤ لمدير جهاز الامن والمخابرات السابق صلاح قوش، الى أنه وفي تقرير قدمه لقيادة الحكومة دخل في عراك لفظي حاد مع رئيس البرلمان الأسبق ابراهيم احمد عمر  الذي اتهمه بقتل المتظاهرين لتأجيج الثورة والاطاحة بنظام البشير. وكان قوش في التقرير المعني خاطب الرئيس مباشرة قائلا “يا سيد الرئيس والشباب والشابات الفي الشارع وقايدين الثورة ضدنا يتمتعوا ببسالة متناهية ومصرين على التظاهر”.

كيف قضي البشير ايامه الاخيرة قبل السقوط

أشقاء البشير …. 7 أبريل 

شقيق الرئيس عبد الله البشير يظهر مع عدد من الحراس الشخصيين للبشير، وبعد القاء التحية همس في أذن الرئيس ونادى على الحراس الذين رافقوه بأن عليهم العودة الى مكانهم، واتضح انه كان يرافقهم الى سطح مبنى القصر الجديد داخل القيادة العامة للجيش والذي كان يتابع منه اعداد الجماهير بالخارج وينقل مشاهداته الى شقيقه الرئيس. وهذا المشهد مثل لاحد معاوني الرئيس ان البشير اليوم في أضعف حالاته و معنوياته منهارة تماما وفي باله السطوة والحراسة الأمنية التي تمنع عنه الهواء على حد وصف الشاهد الذي كان قريبا من هذه المشاهد.بعد ابلاغ الرئيس البشير بأن قرار اللجنة الامنية هو فض الاعتصام من أمام مقر القيادة العامة للجيش في يوم 7 أبريل، جمع البشير عائلته وأبلغهم بالقرار وطلب من أشقائه وأقاربه المتواجدين معه ببيت الضيافة مغادرة المكان وأمر شقيقه الأصغر مصعب بالبقاء معه فقط.

ومع اقتراب ساعة الصفر لتنفيذ العملية الامنية لفض الاعتصام فجر السابع من ابريل صعد مصعب ومعه آخرون مجددا الى سطح القصر لرؤية العملية والكيفية التي تتم بها، وكان برفقة مصعب عدد من حراس الرئيس وضباط أمن، ومع دوي اطلاق النار جهة الاعتصام غادر شقيق البشير مع حراسه مكانهم، ولم يكن معلوما لديهم مصادر الرصاص، قبل ان يعلموا بعد لحظات ان قوة من الجيش انحازت للثورة وتبادلت إطلاق النار مع  قوات الأمن وبل صدتهم ليبقى الاعتصام مستمرا.كان هذا الواقع مؤلما لمن خططوا لفض الاعتصام وانتظروا ساعة النصر ليعودا من اعلى بنايتهم مباشرة الى ابلاغ الرئيس بأن العملية قد تمت بنجاح، لكنهم عادوا إليه بحقيقة فشل فض الاعتصام.