السودان: منع سيدات عن العمل بـ(ود مدني) يثير الغضب
عاين- 4 أغسطس 2023
صُدمت أوساط حقوقية في السودان، بموقف أمانة حكومة ولاية الجزيرة بعد رفضها طلب تقدمت به أجسام مدنية وحقوقية بشأن وقف الاعتداء على بائعات الشاي والسماح لهن بممارسة عملهن بمدينة ود مدني بدعوى عدم الاختصاص.
والإثنين الماضي، قامت قوة مكونة من ضابطين إداريين، وعدد من أفراد الشرطة ومجموعة أخرى تحمل العصي بزي مدني بالتعدي على بائعات الشاي بشارع النيل في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة.
ونزح الآلاف إلى المدينة الواقعة وسط السودان بعد اندلاع الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم، ولجأت سيدات للعمل في مهنة بيع الأطعمة والشاي بالمدينة.
الأربعاء الفائت، جددت السلطات الحكومية بولاية الجزيرة منع بائعات الشاي من مزاولة أعمالهن بواسطة شرطة القسم الأوسط المواجه لشارع النيل بمدينة ود مدني.
وكانت كل من مبادرة لا لقهر النساء، وتجمع الأجسام المطلبية، ومحاميات من أجل التغيير، والاتحاد النسائي السوداني، ولجنة الدعم القانوني بالجبهة الديمقراطية، و السيدات المتضررات من أمر المنع عن العمل بالتماس يهدف لحث السلطات الحكومية بولاية الجزيرة السماح لبائعات الشاي بمزاولة أعمالهن.
حق دستوري
وبحسب الالتماس الذي تقدم به المحامي عثمان البصري، وتحصلت (عاين) على نسخة منه، فإن القوة قامت بمصادرة أدوات عمل السيدات إلى جهة غير معلومة، دون أن يوضح مسؤول الحملة أسباب منعهن من ممارسة حقهن الدستوري في العمل.
كما أشار الالتماس إلى أن ظروف الحرب الدائرة في الخرطوم التي أجبرت العديد من المواطنين والمواطنات للنزوح من ولاية الخرطوم بعد انقطاع مصادر الرزق التي يقتاتون منها.
ورداً على الالتماس القانوني الرسمي الذي قدمته منظمات المجتمع المدني، لحكومة الولاية، أبدى أمين أمانة حكومة ولاية الجزيرة رفضه الاستجابة له بدعوى عدم الاختصاص.
واستهجن مقدمو الطلب رد أمانة الحكومة الرافض لقبول الالتماس القانوني، الذي استند على أن عمل المحليات ليس من اختصاصها، وأكد مقدمو الطلب أن أمانة الحكومة الولائية هي الجهة العليا التي تدير عمل المحليات وتحدد المهام وتصدر الأوامر والسياسات الادارية.
وقال المحامي عثمان البصري، في حديث لـ(عاين): أن “السلطات المحلية، بولاية الجزيرة خالفت القانون بعدم اتخاذها الإجراءات القانونية السليمة عندما قامت بأخذ أدوات عمل السيدات بائعات الشاي بمدينة ود مدني دون توضيح”.
وأوضح البصري، أن الأوامر المحلية التي تنظم عمل بائعات الشاي والباعة المتجولين عندما تتخذ هذا الإجراء يتحتم عليها حصر أدوات العمل في قسم الشرطة وعمل إستمارة بلاغ ثم الذهاب للمحكمة، لضمان عودة هذه الأدوات كاملة لملاكها، وهو الأمر الذي لم يحدث في هذه الحالة مما يعد أمراً مخالفاً للقانون.
وأدان البصري، تعامل السلطات المحلية الوحشي تجاه هؤلاء السيدات ولفت إلى أن إجراء منع ممارسة العمل ضدهن تم دون مراعاة للظروف التي تمر بالبلاد. وأشار إلى أن هؤلاء النازحات فقدن أموالهن وأعمالهن ومقتنياتهن، مما أضطرهن لممارسة هذه المهن.
وأوضح بأنهم قدموا مذكرة إلى أمين أمانة حكومة الولاية بصفته المسؤول عن العمل التنفيذي بالمحليات إلا أنه رد بأن أن موضوع المذكرة يعد من إختصاص المحلية. ولفت إلى أنهم لجأوا إلى تقديم مذكرة أخرى إلى رئيس النيابة العامة الذي بدوره تفهم الموضوع ووعد بمناقشته مع جهات الاختصاص المعنية، لكنهم لم يحصلوا على رد منه حتى الآن.
وأشار البصري، إلى أن إحدى ضحايا سلطات المحلية، خضعت للحبس عندما طالبت بإرجاع أدوات عملها، إلا أن السلطات قادتها إلى قسم الشرطة برفقة طفليها، أحدهما رضيع، وتم حبسها دون فتح بلاغ مدون في مواجهتها.
ولفت إلى أن بائعات الشاي شكين من أحد الأشخاص يدّعِي أن مكان بيع الشاي الواقع على شارع النيل ملك له ويعمل على أخذ إيجارات منهن. وأكد البصري أنهم بصدد تقديم مذكرة أخرى لمحلية ود مدني الكبرى بخصوص السماح لبائعات الشاي بمزاولة أعمالهن.
حصار الفقراء
من جهته، أفاد عضو تجمع الأجسام المطلبية، خالد محمد طه في حديث لـ(عاين): بأن استهداف بائعات الشاي والأطعمة والفريشة والباعة المتجولين في كل ولايات السودان، من قبل السلطات المحلية أحد الموضوعات الحقوقية المهمة في السودان.
ولفت طه، إلى أن السلطات المحلية درجت على ارتكاب انتهاكات متكررة ضد الفئات المجتمعية التي تعد الأكثر فقراً من بين شرائح أخرى في السودان. وبحسب طه، يرتقي استهداف هذه الفئات إلى جريمة الحرمان من الحق في الحياة عبر المنع من العمل وهو الأمر الذي تترتب عليه مشكلات تأخذ أبعاداً اجتماعية تترك مردود سالب.
وأوضح عضو التجمع، أن ما حدث في مدينة ود مدني يعد استمراراً لحصار ومحاربة هذه الفئة الفقيرة، وتهديداً لإمكانية حصولها على سبل العيش الكريم. ولفت أن عنف السلطات ضد هذه الفئات المجتمعية يأتي متزامناً مع حالة الحرب الدائرة حتى الآن.
وأشار طه، إلى أن جزء من النازحات والنازحين انخرط في ممارسة هذه المهن البسيطة لتوفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة في ظل الأوضاع المأساوية التي خلفتها الحرب. وأكد أن التضامن ينشأ من منطلق حقهم في الحصول على عمل كريم، وهو الأمر الذي يوجب على السلطات الحكومية وضع وتنفيذ ومتابعة خطط وبرامج تنظيم الأسواق.
واستغرب طه، رد أمانة حكومة ولاية الجزيرة الرافض لقبول الالتماس القانوني الذي تم تقديمه لها بدعوى أنها ليست جهة الاختصاص. ويرى أن أمانة الحكومة الولائية هي جهة الاختصاص الوحيدة في هذا الوقت، خاصة أن المحليات تتبع لها، كما أن مسألة إدارة معاش الناس في زمن الحرب يعتبر جزءاً من مسؤولياتها الآنية الأكثر أهمية.
ولفت إلى أن طبيعة المرحلة الحالية لا تجعل أمر التحصيل المالي من النازحات والنازحين أولوية في هذا الظرف، ودعا طه حكومة ولاية الجزيرة الكف عن فرض الجبايات من المواطنين والابتعاد عن مضاعفة الأعباء المعيشية على الفئات المسحوقة اصلاً.