“بالأقدام والدواب”.. قتال (بابنوسة) يضطر المدنيين لرحلات نزوح قاسية
عاي–27 يناير 2024
أجبرت المعارك الضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان آلاف السكان المدنيين على المغادرة في رحلات نزوح قاسية بقطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام وبعضهم بالدواب من أجل الوصول لمناطق آمنة.
وبحسب مصادر محلية تحدثت مع (عاين) فإن ما لا يقل عن ألفي شخص وصلوا مدن، المجلد، وأم جاك، غبيش، والفولة، قادمين من بابنوسة تحت ظروف إنسانية سيئة، إذ تعرضوا إلى عمليات نهب واسعة على الطريق من قبل جماعات مسلحة أخذت كل ما بحوزتهم من مقتنيات بما في ذلك المبالغ النقدية والهواتف النقالة والسيارات.
وتعيش المدينة وضعاً إنسانيًا صعباً في ظل انعدام الرعاية الصحية ونقص الغذاء، وانقطاع تام في خدمة الاتصالات والإنترنت، ويجد البعض فرصة لتواصل محدود عبر خدمة الإنترنت الفضائي، بينما أصبح الخروج من بابنوسة مهمة صعبة نتيجة لغياب وسائل النقل والمخاطر الأمنية الواسعة.
وبدأت الاشتباكات المسلحة في بابنوسة التي تضم رئاسة الفرقة 22 مشاة أكبر حامية عسكرية للجيش في ولاية غرب كردفان، في يوم الثلاثاء الماضي بعد أن هاجمت قوات الدعم السريع المدينة في محاولة للسيطرة عليها، وخلفت المواجهات 32 قتيلاً من السكان المدنيين، ووفق آخر حصيلة أصدرتها غرفة طوارئ بابنوسة.
ووقتها، قال الجيش في بيان إنه “تصدى لهجوم من الدعم السريع على بابنوسة، وأن قواته تمركزت في مدينة تقع بمنطقة قد تسمح بمرور إمدادات قوات الدعم السريع”.
وضع كارثي
وبعد خمسة أيام من القتال بين الجيش والدعم السريع الذي استخدمت فيه مختلف الأسلحة بما في ذلك الطيران والمدفعية الثقيلة وفق شهود، ما زال الغموض يكتف الموقف العسكري في مدينة بابنوسة وسط تضارب الأنباء بشأن الذي يحكم سيطرته عليها في الوقت الحالي.
ويقول عضو غرفة طواري مدينة بابنوسة عمار صلاح التجاني في مقابلة مع (عاين): إن “الوضع في بابنوسة وصل إلى مرحلة كارثية مع استمرار المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع وسقوط المقذوفات المتفجرة عشوائيا داخل الأحياء السكنية ما يؤدي إلى مزيد من الضحايا وسط المدنيين”.
ويكشف صلاح عن وضع إنساني سيئ في المدينة حيث أغلقت كافة المستشفيات والمراكز الطبية والأسواق بما في ذلك المتاجر داخل الأحياء السكنية، وليس هناك أي مصدر قريب للحصول على الغذاء والرعاية الطبية، ويشير إلى أن المواطنين يجدون صعوبة بالغة في إجلاء المصابين إلى خارج بابنوسة لتلقي العلاج نتيجة استمرار الاشتباكات وانعدام تام في وسائل المواصلات.
ويضيف: “بعض الأسر وصلت يوم أمس إلى المجلد سيرا على الأقدام وآخرين على ظهور الدواب، وقطعوا مسافة تصل نحو 45 كلم، وقد تم فتح المدارس لإيواء جميع النازحين من الحرب في المناطق المختلفة من الولاية”.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قال في بيان الثلاثاء الماضي إن موجة نزوح واسعة النطاق من أحياء وبلدات بابنوسة في ولاية غرب كردفان مع استمرار القتال.
ويشير المكتب الأممي إلى أن الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع وقعت في المقر العسكري الرئيسي للجيش في أحياء “النصر” و”أبو إسماعيل” في بابنوسة، وأنه لم يتأكد بعد من عدد النازحين فيما لا يزال الوضع متوتراً، ولا يمكن التنبؤ به.
نهب واسع
وقال مصدر محلي من بابنوسة لـ(عاين): إن “المدينة شهدت عمليات نهب واسعة للمحال التجارية وسيارات المواطنين”. وأشار إلى أن عائلات خرجت بعرباتها الخاصة قامت مجموعات مسلحة بقطع طريقها ونهبها، وكل ما بحوزة العائلات، وتركهم في فناء مقطوع، واضطروا إلى مواصلة رحلة الهروب بأقدامهم، ووصلوا بصعوبة إلى مدينة المجلد”.
وتابع المصدر “غالبية الأسر اضطرت للبقاء داخل منازلها، رغم استمرار القصف وسقوط المقذوفات المتفجرة عشوائيا وسط الأحياء السكنية، لأن طريق النزوح أصبح غير آمن، وفيه مخاطر كبيرة، أيضا هناك انعدام تام لوسائل النقل، لذلك استسلم الناس في بيوتهم وجرحاهم يتألمون أمام أعينهم بسبب انعدام الرعاية الطبية”.
ويتقاسم الجيش وقوات الدعم السريع السيطرة على إقليم كردفان، حيث يحتفظ الجيش بمدينتي الفولة والنهود وبابنوسة في غرب كردفان، والأبيض في شمال كردفان إلى جانب مدن كادوقلي والدلنح في جنوب كردفان.
فيما يسيطر الدعم السريع على الجزء الجنوبي والغربي من غرب كردفان مثل المجلد غبيش وأبو زبد، إلى جانب هبيلا والدبيبات بولاية جنوب كردفان، وجزء من شمال كردفان.
خط دفاع
وتتميز بابنوسة بأهمية استراتيجية، فهي تضم أكبر حامية للجيش السوداني في ولاية غرب كردفان، ونتيجة لموقعها الجغرافي تشكل منفذاً إلى إقليم دارفور غرباً، وإلى ليبيا شمالا وجنوب السودان جنوبا.
وقال عبد المنان الشريف وهو قائد لكتيبة الشهيد عثمان مكاوي المستنفرة للقتال إلى جانب الجيش في النهود: إن “بابنوسة تشهد هدوءاً كبيراً اليوم بحسب متابعاته مع عسكريين هناك، وأن قوات الدعم السريع انسحبت باتجاه الغرب، وأصبح الجيش مسيطراً على الوضع تماماً”.
ويضيف الشريف في مقابلة مع (عاين) “لا ينبغي التفريط في بابنوسة؛ لأن سقوطها سيجعل ظهر الفولة والنهود وحتى الأبيض مكشوفاً تماماً فهي خط دفاع رئيسي من الاتجاه الغربي عن تلك المدن، وتمنح الذي يسيطر عليها وضعية مريحة نتيجة موقعها الجغرافي”.
وتابع: “ستؤثر الاضطرابات في بابنوسة على الموقف الغذائي في بقية المدن فهي حلقة وصل بين شمال وجنوب ولاية غرب كردفان ومركز تجاري رئيسي لحركة البضائع القادمة من جنوب السودان والمزروب شمالاً، لذلك نأمل أن يعود الاستقرار سريعا إلى هذه المدينة”.