طيران الجيش يكثف غاراته بدارفور.. ضحايا مدنيون  

عاين- 10 سبتمبر 2024

كثف طيران الجيش السوداني، غاراته الجوية على مختلف أنحاء إقليم دارفور غربي البلاد، وخلال الفترة من 19 أغسطس حتى 5 سبتمبر الجاري، حصد القصف أرواح 53 مدنياً من المواطنين في مناطق متفرقة، وجرح العشرات من المدنيين وفق إحصاء أجراه مراسل لـ(عاين) في الإقليم.

ويدور قتال ضاري منذ شهر مايو الماضي في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وآخر معاقل القوات المسلحة في الإقليم بين قوات الدعم السريع، والجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه، والتي تستميت في الدفاع عن العاصمة التاريخية لإقليم دارفور من السقوط في يد الدعم السريع، الذي أحكم سيطرته على 4 ولايات من أصل 5 ولايات.

ومع تصاعد وتيرة القصف الجوي على عدة مناطق في إقليم دارفور في مسعى للدفاع عن الفاشر، تستخدم قوات الدعم السريع القصف المدفعي والعشوائي والطائرات المسيرة، والتي يسقط على أثرها ضحايا وسط المدنيين دوما.

براميل متفجرة

وبحسب شهود عيان تحدثوا لـ(عاين) أن (13) مدنياً على الأقل معظمهم من الأطفال والنساء سقطوا خلال غارة جوية من طيران الجيش استهدفت تجمعات لقوات الدعم السريع بالقرب من سوق أسبوعي في بلدة “قرقف” والتي تبعد نحو (15) كيلومتراً شمال شرق الفاشر.

ويقول محمد حامد علي وهو أحد سكان بلدة قرقف لـ(عاين): “في يوم الاثنين الماضي أسقطت طائرة من طراز أنتنوف ثلاثة براميل متفجرة استهدفت السوق الأسبوعي للمنطقة بصورة مأساوية، بالإضافة إلى تجمع مزارعين كانوا في محيط المنطقة في صباح اليوم التالي، مما أدى إلى وقوع ضحايا آخرين، واستمرت الضربات الجوية في مناطق متفرقة شرق وشمال مدينة الفاشر”.

ونفذ الطيران الحربي في 20 أغسطس الماضي، غارات جوية على مستشفى الضعين بولاية شرق دارفور، في ذات اليوم الذي ضرب فيه الفاشر، ومدينتي مليط والطويشة في ولاية شمال دارفور.

وفي اليوم التالي، واصل طيران الجيش ضرب مدن كبكابية، مليط، الكُومة والفاشر بشمال دارفور، كما نفذ غارات جوية على مدينة الضعين وسوق محلية شعيرية في ولاية شرق دارفور، قبل أن يعود ويستأنف الهجمات الجوية على مليط مرة أخرى وقرية فشار في شمال دارفور، ومدينة زالنجي في ولاية وسط دارفور، وبلدة كرينك والجنينة بغرب دارفور.

ووفق مصادر طبية تحدثت لـ(عاين) فإن القصف الجوي على مستشفى الضعين تسبب في مقتل (16) مدنياً وجرح (21) آخرين، بينما أدت غارات الطيران على الطويشة إلى مقتل (5) مواطنين، وحرق بعض المنازل.

رد فعل

ويرى الناشط الحقوقي محمد الدومة أن قصف الطيران المكثف على إقليم دارفور يأتي كرد فعل من الجيش على الهجمات العسكرية التي تقودها قوات الدعم السريع في ولايات الخرطوم، وسنار، والنيل الأبيض وغيرها من المناطق.

وشدد الدومة في مقابلة مع (عاين) أن ما يجري من عمليات قصف بالطيران والقصف المدفعي ليس له مبرر خاصة وأنه يستهدف المواطنين العزل، وهو جريمة مكتملة الأركان يتحمل مسؤوليتها طرفي الحرب في الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

قصف للطيران الحربي بمدينة نيالا – اكتوبر 2023- الصورة من مواقع التواصل الاجتماعي

وقال:”يجب على المنظمات الدولية ومجلس الأمن الدولي أن يتبنى قرارات تمنع القصف بشكل عاجل، وذلك بغرض حماية المدنيين الذين يسقطون ضحايا لهذه الأعمال”.

وأثار القصف المكثف بالطيران غضب سكان دارفور، ودفع البعض للمطالبة بفرض حظر طيران شامل، كما يتخوفون من تكرار سيناريو الحرب التي دارت بين الجيش والحركات المسلحة، والتي اندلعت 2003م واستمرت لأكثر من 17 عاماُ، استخدم فيها نظام الرئيس المخلوع “سياسة الأرض المحروقة” والتي محى عبرها مناطق من الوجود في عمليات إبادة جماعية وجرائم حرب موثقة.

من جهتها، أعلنت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، مقتل (5) من النازحين وإصابة (6) آخرين في غارة جوية استهدفت مخيم “خمس دقائق” في 31 أغسطس المنصرم، وهي أول غارة جوية على مدينة زالنجي منذ اندلاع القتال، وذلك في أثناء محاولة طائرة من نوع “أنتنوف” ضرب موقع لقوات الدعم السريع.

وبحسب إحصائية غرفة الطوارئ في محلية “مليط” التي تبعد نحو (75) كيلومتراً شمال مدينة الفاشر أن (14) مدنياً قتلوا بجانب إصابة (26) آخرين في سلسلة غارات متتالية على المدينة خلال الأسبوعين الماضين، إذ أسقطت طائرة أنتنوف (15) عبوة متفجرة في فترة وجيزة، كما نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً وأسماء للقتلى والجرحى، بجانب الأضرار التي لحقت بالمساكن والمحال التجارية والمؤسسات جراء آخر غارة على المدينة السبت الماضي.

مدافع ومسيرات

وفي المقابل، تنفذ قوات الدعم السريع قصفاً مدفعي بصورة يومية بالمدفعية الثقيلة، والطائرات المسيرة دون مراعاة للتجمعات السكنية، الأمر الذي تسبب في مقتل عشرات المدنيين في الأحياء المجاورة للفرقة السادسة التي تتوسط المدينة، بجانب مخيمات النازحين، ومراكز الإيواء والمستشفيات، مما أجبر المواطنين على النزوح، وبعضهم عمل ملاجئ في باطن الأرض.

واتهمت البعثة الأممية لتقصي الحقائق في السودان في تقرير صدر الأسبوع الماضي، طرفي الصراع بارتكاب “انتهاكات حقوقية مروعة قد ترقى إلى جرائم حرب”، داعية إلى نشر قوة محايدة سريعا لحماية المدنيين في البلاد، وتوسيع حظر السلاح المفروض على دارفور ليشمل كل أنحاء السودان.

الجيش استخدم طائرات النقل أنتونوف في معظم الضربات الجوية على إقليم دارفور، وهي غير دقيقة، وتلقي البراميل المتفجرة الفتاكة عشوائيا

خبير عسكري

ويشير الخبير العسكري اللواء معاش محمد علي إلى أن الجيش استخدم طائرات النقل أنتونوف في معظم الضربات الجوية على إقليم دارفور، وهي غير دقيقة، وتلقي البراميل المتفجرة الفتاكة عشوائيا، مما يؤدي إلى سقوط عدد كبير من المدنيين.

ويقول في مقابلة مع (عاين): إن “الجيش استطاع أن يحقق مكاسب بهذا النوع من الطائرات رغم تأخرها، حيث تمكن من إحباط هجمات قوات الدعم السريع على قاعدتيه في الفاشر وبابنوسة، وتقديم إسناد قوي لقواته على الأرض؛ مما أدى إلى الحيلولة دون سقوطها، بخلاف ما حدث مع نيالا وزالنجي، والضعين والتي سقطت في يد الدعم السريع، بعدما فشل الجيش وقتها في توفير غطاء جوي لقواته”.

وشدد أن الجيش لا يستطيع في الوقت الحالي استخدام طائرات متطورة في العمليات الحربية في دارفور لتقليل الخسائر وسط المدنيين، لعدة أسباب منها بُعد منطقة دارفور من المطارات والقواعد الجوية، بجانب التكاليف العالية لمقذوفات هذه الطائرات.

وأضاف الخبير العسكري: “بالرغم أن الجيش خسر عدداً كبيراً من طائراته والمطارات الاستراتيجية منذ بداية الحرب، إلا أنه بدأ مؤخراً في تعزيز قدراته في سلاح الجو، وظهرت خلال أغسطس الماضي بعد حصوله على دعم خارجي”.

وكانت منظمة العفو الدولية، طالبت في يوليو الماضي، بفرض حظر تسلح على السودان، يشمل كل أنحاء البلاد، وألا يقتصر على دارفور، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1591 عام 2005، ودعت المجتمع الإنساني لتوقيع عريضة للمطالبة بحظر السلاح في السودان، من أجل حماية المدنيين في البلاد.

حظر الطيران

ويثير دخول سلاح الطيران في الحرب بكثافة لمخاوف من ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، على الرغم من قلة عدد الطائرات المقاتلة الفاعلة التي يملكها الجيش، لأن الطائرات لن تستطيع التمييز بين العناصر التابعة لقوات الدعم السريع والمدنيين، وذلك من شأنه أن يوقع الجيش في أزمة داخلية وخارجية.

ولا يزال المشهد في السودان بعد أكثر من (500) يوم من الحرب ضبابياً، فلم يحقق طرفاً انتصار كاسحاً على الأرض، كما أن الوضع لم يتغير كثيراً، رغم كثرة المبادرات التي طرحت للتوصل إلى حل سلمي للأزمة العسكرية التي طالت معظم ولايات البلاد.

فالدعم السريع الذي يعلن دوماً استجابته لمبادرات التفاوض، يواجه في الوقت نفسه اتهامات موثقة بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرته، أو تلك التي يهاجمها.

أما الجيش الذي يتفوق في سلاح الطيران يتمسك بشروط محددة للجلوس إلى طاولة التفاوض أبرزها تنفيذ إعلان جدة الموقع في مايو الماضي، وهو ما يجعل من خيار تسوية الصراع المسلح في السودان سلميا، غاية في الصعوبة.

وتقود دول غربية بينها بريطانيا تحركات في مجلس الأمن الدولي، لتوسيع قرار حظر السلاح الخاص بإقليم دارفور، ليشمل كل السودان، في خطوات أبدت الحكومة السودانية التي يسيطر عليها الجيش، رفضها القاطع لها، كما يرجح دعم الغرب لتوصيات بعثة تقصي الحقائق فيما يتصل بإرسال قوة محايدة إلى البلاد دون تأخير بغرض حماية المدنيين الذين يتعرضون إلى انتهاكات واسعة من طرفي الحرب.