نساء السودان في حجر “كورونا”.. اعتداءات قاتلة وضحايا يتجنبن القانون
عاين – 23-يونيو2020
“مع إعلان الحجر الصحي المنزلي للحد من انتشار وباء كورونا في السودان، كنا نتوقع ازدياد حالات العنف المنزلي ضد النساء، لكننا لم نتوقع ان يصل هذا العنف لحد القتل”، هذا ما تفيد به (عاين) المسؤولة الحكومية، ورئيسية وحدة العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي بولاية جنوب دارفور، فاطمة أبكر، وتضيف ” نعم القتل.. وثقنا خمسة حالات قتل لسيدات على يد أزواجهن خلال فترة الحجر المنزلي..هذا مؤسف”.
الكثير من السودانيات المُعنفات داخل المنازل لا سيما اثناء فرض الحظر الصحي لمجابهة “كورونا” راغبات في نقل معاناتهم إلى سوح القضاء، لكن هذا الطريق بدأ شائكاً وتحفه مخاطر جمة بينها القيود المجتمعية ونقص قوانين الحماية ومع ذلك تواجه النساء تزايد العنف المنزلي فى هذه الفترة تحديداً وفقاً لما رصدته (عاين) بعد إجراء مقابلات مع ذو ضحايا ومسؤولين حكوميين ومنظمات مختصة.
“افرزت جائحة كورونا واقعاً نفسياً قاسياً ومايزيد الوضع تعقيداً الظروف المعيشية التي يضيق خناقه فى فترة الحظر الشامل”، يقول استشاري الطب النفسي والصحة النفسية بروفسيور علي بلدو لـ(عاين) ويضيف “طول الحظر ولَد عوامل نفسية صعبة، واهم هذه العوامل زيادة فى معدل التوتر والقلق والانفعالات وعدم القدرة على السيطرة فى النقاشات وهذا ادى الى تولد الطاقة السلبية والشعور بعدم الارتياح وتدني الحالة المزاجية”.
ويتابع بلدو، بأن الكثيرون وجدوا أنفسهم فجأة فى المنازل بجانب الضغوط المعيشية والإقتصادية فى ظل تقاعس الدولة عن تقديم الخدمات الاساسية، والعناء المتواصل فى الصفوف والخدمات بالتالي ادى الى زيادة فى معدلات التنمر فى الاسر وارتفاع وتيرة العنف اللفظي جنباً الى جنب مع العنف المنزلي الضرب والعنف بكافة اشكاله الذي قد يصل الى القتل ولم يسلم منه الأطفال، واضاف بلدو “الحظر خلق واقع نفسي غير مواتي ولابد من تقديم الدعم النفسي وفتح الخطوط الساخنة وإيجاد برامج توعوية حقيقية حتى نتجاوز جميعاً هذه المرحلة الخطرة”.
المُعتدي والضحية في مكان واحد
(40) حالة عنف منزلي ضد النساء رصدتها وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل بوزارة العمل والرعاية الاجتماعية معظمها يتركز في العاصمة الخرطوم، وكل هذه الحالات الموثقة تقول عنها مديرة الوحدة الحكومية، د. سليمي اسحاق، انه جرى تقديم الدعم النفسي لها، لكن بالتأكيد بالنسبة لنا هذا ليس كافياً.
وترى سليمي، ان تصحب هذا الدعم اجراءات قانونية، لكن توقف النيابات والمحاكم عن العمل فى فترة الحظر الشامل أعاق وصول عدد من المعنفات. وتقول لـ(عاين)، “بالفعل قامت بعض النساء المعنفات بفتح بلاغات فى قسم الشرطة ضد المعتدين ولكنهم يخرجون بالضمان العادي مايزيد الخطر على المعنفه بوجود المعتدي عليها فى مكان واحد”. وتضيف “نحرص على توجيه الحالات الى شرطة حماية الأسرة والطفل لانها متخصصه اكثر من الشرطة العامة”. وفي ابريل الماضي اطلقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية السودانية خدمة الخط الساخن لتلقي شكاوى العنف المنزلي والعنف المبني على النوع .
ضرب حتى الموت
في بلدة بلبل دلال العنقرة بمحلية السلام جنوبي اقليم دارفور، قلت احدى السيدة “م- أ” على يد زوجها إبان فترة الحجر المنزلي، ويقول ابن عم الضحية، الدومة آدم لـ(عاين)، ان “حادثة القتل وقعت عندما نشب خلاف بينها وزوجها وذهبت على اثره إلى منزل قريبة لها في بلدة مجاورة قبل ان يلحق بها زوجها القاتل طالبا منها العودة الى منزلها لينهال عليها ضرباً بآلة حادة بعد ان رفضت العودة لتفارق الحياة نتيجة هذا العنف ويسلم الجاني نفسه بعد ذلك لقسم الشرطة التي قامت بحبسه على ذمة القضية”.
“ان تضرب زوجتك بآلة حادة حتى الموت.. هذا شيء غريب جداً لم نعهده في بلدتنا” يقول الدومة لـ(عاين)، ويضيف ” تقع الخلافات بين الازواج في مرات كثيرة لكنه من غير المعتاد ان يصل العنف لحد القتل”.
ورغم صدمة الجريمة، تنقسم عائلة الضحية بين من يفضل الحل الأهلي، وآخرون يفضلون المسار القانوني. ويقول الدومة “نعم تم فتح البلاغ وحبس المتهم ولكن هناك وساطات للحل من قبل الاهل والادارات الاهلية، وجزء من الاسرة رافض مسألة الحل العرفي، ويرى بعضهم ان الحل بالمحكمة يعمق الخلاف بين الاهل”.
مسارات العرف والقانون
في مثل هذه الحالة فإن العنف وصل حد القتل، وهذا مسار قانوني واضح في القانون الجنائي السوداني، لكنه في حالات العنف المنزلي الامر يختلف كثيراً، وتقول مديرة وحدة العنف ضد المرأة بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، سليمى اسحق لـ(عاين)، ان الوحدة بصدد سن قانون جديد يحمي المعنفات وهو فى مراحله الاخيرة وسيقدم للجهات المعنية لإجازته فى اقرب فرصه بإعتبار ان القوانين الموجودة فعلياً لا تحوي مواد تجرم مرتكبي العنف المنزلي .
وقالت سليمى، بعض الحالات يرغبن فى تصعيد القضية قانونياً بعد عودة النيابات والمحاكم للعمل بعد إنقضاء فترة الحظر الشامل فيما فضلت معظمهن الإكتفاء بالدعم النفسي لتعقيدات اجتماعية بحتة فيما تم توصيل الراغبات فى اللجوء للقضاء بمحامين فى الخرطوم والولايات ، واضافت ” قدمنا الدعم النفسي للأربعين حالة وبحثنا فكرة البيوت الآمنة ولكنها غير مجدية خاصة ان المعنفات قد ينتمين الى اسر متزمتة وقد تقع بعض الإعتداءات على النزيلات.
هذا الاتجاه القانوني تسنده منظمات مدنية في السودان، بينها شبكة نساء القرن الأفريقي التي دفعت بمذكرة مطلبية للنائب العام قبل اسابيع قليلة لردع العنف المبني على أساس النوع في السودان ولم يتم الرد عليها .
وأعربت المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (صيحة)، وشركاؤها قلقها تجاه أوضاع النساء والفتيات وما يتعرضن له من عنف اثناء فترة الحجر المنزلي، وتزايد الاعتداءات على النساء والفتيات مع غياب الدعم القانوني، والتمست المذكرة من النائب العام التدخل السريع لتنفيذ تلك المطالب .
“العنف على اساس النوع اصلاً موجود وهو أمر غير مقبول وتزايد فى فترة الحظر الشامل دون وجود تصدي” وفقاً للمديرة الإقليمية لـ”صيحة” هالة الكارب، وقالت الكارب لـ(عاين) شبكة صيحة قدمت مذكرة طالبت فيها بخطوات رادعة للعنف ضد النساء والفتيات وننتظر الرد عليها.
وقالت الكارب، انشاء نيابات متخصصة فى العنف ضد النوع سيجعل الإجراءات سهلة وسريعة ويسهم فى الحد من العنف القائم على اساس النوع، وطالبت بتوفير منازل آمنة للمعنفات، تشرف عليها مؤسسات الحكومة ليتمكن من الحصول على حقوقهن القانونية بأمان، واضافت، ” إلغاء القوانين المميزة ضد النساء ووضع قوانين جديدة تكفل للمعتدى عليهن الحصول على الحقوق القانونية”.
دارفور..عنف بلا حدود
بين مدينة نيالا ثاني أكبر مدن السودان واريافها وداخل معسكرات النازحين توزعت جثث 5 من ضحايا العنف القائم على النوع، تقول رئيسة وحدة العنف القائم على اساس النوع الاجتماعي بولاية جنوب دارفور، فاطمة أبكر، في مقابلة مع (عاين)، “مع بداية الحظر المنزلي نشطنا في حملات توعية لاسيما وان الوحدة الحكومية تعمل مع مكون مدني ممثل في عدد من المنظمات المدنية، ونفذنا عدد من الحملات للحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال جائحة كورونا وسلطنا الضوء على مظاهر العنف التي يمكن ان يقع خلال اجراءات الحجر المنزلي وما يصاحبها من انعكاسات ترفع مع انتشار العنف علي النساء تحديدا، ومن خلال عملنا تواتر معلومات عن مقتل نساء من قبل الازواج، ووثقنا نحو (٥) حالات واحدة في محلية السلام واخرى بقرى محلية تلس وثلاثة داخل نيالا وواحدة في معسكر للنازحين وقمنا بمسح لتاكيد المعلومات وتوصلنا لثلاثة وهناك تستر على كشف هذه الجرائم من اسر الضحايا انفسهم.
وترد أبكر على سؤال (عاين)، بان هذا النوع من العنف معتاد قبل فترة الحجر الصحي، وتقل “نعم هناك حالات ولكنها لم تكن كثيرة مقارنة بفترة الحجر الصحي لان الوضع الذي مرت به الاسر خلال فترة الجائحة حرج ولم يحدث من قبل لذا كان من المتوقع ان يكون له تأثيره على حياة الناس، والحالات قبل جائحة كورونا ممكن ان تصل حد الأذى الجسيم”
وترجع المسؤولة الحكومة عملية التستر التي تقوم بها العائلات في مثل هذا النوع من العنف، للعادات والتقاليد السائدة في مجتمع دارفور، وفي كثير من الحالات الجرائم داخل الاسر والمجتمع الواحد يتم تسويتها ولا يفضلون الوصول للقضاء وتتم عادة عن طريق التسويات (ديات)، حتى حالات العنف المسببة للاذى الجسيم وهي لا تحصى في دارفور لكن تتم تسويتها بشكل غير مقبول وبها ظلم كبير للمرأة وهي دائما الضحية.
وحول دور وحدتها الحكومية في مثل هذه الحالات، تقول “نحن لانستطيع ان نتدخل قضائيا أو بأي شكل آخر لطبيعة عمل وحدة العنف، ولكن يمكن ان نكثف من برامجنا التوعوية للرجال والنساء للحد من تزايد حالات العنف، ولكن لدينا خطوط اتصال لمساعدة الناجيات من العنف لتقديم الخدمات الصحية والنفسية لتخفيف آثار العنف على الضحية”.
وفي ردها على سؤال عاين حول موقف الوحدة الحكومية، وهل تدعم الجانب القضائي أم العرف الاهلي؟ ترد فاطمة ” من خلال تواصلنا مع احد اسر الضحايا والمهتمين بهذه القضايا الاجتماعية علمنا بوصول احد هذه الحالات للقضاء وسنواصل دعمنا واهتمامنا لذلك لان في حلها قضائيا يمكن ان يحد من ارتكاب مثل هذه الجرائم، بالتأكيد نحن مع الحل القضائي لان الاعراف في دارفور ليست في صالح المرأة وبها ظلم كبير عليها”.
ومن ولاية شمال دارفور، تكشف مديرة مديرة إدارة المرأة والأسرة بوزارة الصحة والتنمية الاجتماعية نضال سنين لـ(عاين)، عن تزايد حالات العنف القائم على اساس النوع في ظل جائحة كورونا دون تحديد لعدد الضحايا، ولكنها اكدت على ارتفاعها لا سيما في المحليات ومخيمات النزوح.
وتشير نضال، إلى واضافت بان ادارتها وضعت خطة للتعامل مع الضحايا في ظل جائحة كورونا وان لديهم عدد من الباحثين الاجتماعيين في المحليات تم توفير اجهزة الاتصالات لهم وتسهيل المهام للوصول الي الضحايا وربطهن بالجهات القانونية للاستشارات القانونية في فتح البلاغات لصالح الضحايا.
ومؤخراً، نظمت إدارة المرأة والاسرة بوزارة الصحة والتنمية الإجتماعية بولاية شمال دارفور بالتنسيق والتعاون مع مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان بالولاية جلسة تنويرية حول “العنف القائم على النوع الاجتماعي والدعم القانوني والنفسي ونظام الاحالة أثناء جائحة كورونا ” وذلك بمشاركة عدد سبعة عشر شرطي وشرطية من العاملين بوحدات حماية الاسرة والطفل بالفاشر والمحليات.
وقالت نضال انهم يعملون بكامل جهدهم لتنفيذ خطتهم السنوية في الفترة القادمة علاوة على الخطة الاستثنائية لمجابهة الوضع في ظل هذه الجائحة وتقديم العون القانوني للمجتمعات والادارات الاهلية.