(قُيدت ضد مجهول).. ماذا وراء اغتيالات ضباط القوات النظامية بدارفور؟
11 أبريل 2023
رغم العتاد العسكري والإمكانات الأمنية التي تحيط بمسرح الجريمة، وجدت عائلة الضابط في الجيش السوداني أحمد محمد علي بخيت الذي قُتل بمدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور الخميس الماضي، نفسها مجبرة لتقييد دعوى جنائية ضد مجهول.
لم يحمل جنرلات الجيش والأجهزة الأمنية الذين جاءوا إلى سرادق العزاء المقام في مدينة أمدرمان غربي العاصمة، أي إجابات على سؤال رئيسي لدى أبناء الضابط القتيل “احمد بخيت” وعددهم 6 من الأولاد والبنات “من قتل والدنا؟”. وبحسب شهود من عائلة الضابط تحدثوا مع (عاين) فإن المعزين من المؤسسة العسكريين اكتفوا بالدعاء للقتيل بالرحمة والمغفرة دون الإشارة للجناة وسبل تعقبهم.
يقول محمود عمر بخيت، ابن عم الضابط القتيل احمد علي بخيت في مقابلة مع (عاين) إنهم “في سياق حفظ الحق الخاص لأولياء الدم قاموا بتقييد دعوى جنائية بدائرة الاختصاص في مدينة زالنجي ضد مجهولين وتم مسح مسرح الجريمة وعمل كل الإجراءات القانونية اللازمة، وأنهم في انتظار ما ستسفر عنه التحريات”.
وبعد مضي 5 أيام على مقتل بخيت ونهب سيارته العسكرية، ما تزال الرؤية ضبابية بالنسبة لعائلته وليس بمقدورها توجيه أصابع الاتهام لأي جهة فقط تستمع لروايات من هنا وهناك ولكن لا دليل موثوق حتى اللحظة يُستند عليه في إطلاق أي حديث. بحسب محمود بخيت.
سلسلة أحداث
جاءت حادثة المقدم بخيت، بعد أربع أيام فقط من مقتل العقيد الركن عبد العظيم موسى مصطفى على أيدي مجهولين أطلقوا عليه الرصاص الحي في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور غربي البلاد. ويقود بخيت وهو من ضباط الفرقة 21 مشاة متحرك للعمليات الحربية بوسط دارفور.
وبالتزامن مع تلك الأحداث قتل ضابط برتبة ملازم أول في قوات الدعم السريع يدعى الطاهر رابح في منطقة ام روقات، نحو 20 كم غربي مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور برصاص عصابة نهب، وسبق ذلك مقتل 4 من أفراد الشرطة في منطقة مومو بولاية وسط دارفور اثناء تعقبهم عصابة نهب، وهو ما يشير الى اختلاف هذه الحوادث عن الخاصة بضباط الجيش والتي يغلب عليها طابع السرقة والنهب ولم تكن مرتبة وفق مهتمين.
وتأتي هذه التطورات بعد أشهر من التوتر بين قيادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أعقاب توقيع الاتفاق الإطاري وما تلاه من خلافات حول عملية الدمج والقيادة قوات الموحدة.
اكتفى الجيش السوداني بنعي الضابطين عبد العظيم موسى وأحمد بخيت في بيان رسمي، دون التطرق للجناة وعمليات تعقبهم وتوقيفهم، مكتفياً بعبارة أن الفقيدين “استشهدا بأيادي الغدر والخيانة”، لكن مصدر عسكري قال لـ(عاين):”ربما تكون هناك مؤامرة وجهة ما تقف وراء هذه التصفيات، لكن الجيش لا يرغب في التحدث عنها في الوقت الحالي، فقد تم تدوين بلاغات جنائية ضد مجهولين وهناك تحقيقات متواصلة”.
نقطة توقف
ويشكل صمت القوات المسلحة إزاء اغتيال الضابطين نقطة توقف بالنسبة للخبير العسكري خليل محمد سليمان الذي يعتقد جازماً أن الجيش يعلم بالجهة التي تقوم بهذه الاغتيالات ولا يرغب في التصريح بها لأن إعلانها للرأي العام يعني تحديد موقف وهو الشيء الذي يهرب منه الجيش.
خبير عسكري: ما يحدث من اغتيالات لضباط القوات النظامية بدارفور مرتبط بالخلافات حول إصلاح المؤسسة العسكرية وهو عمل ممنهج والمواجهة بعينها التي يحاول الجميع الهرب منها.
ويقول سليمان في مقابلة مع (عاين) إن “ما يحدث ليس معزولاً عن ما يدور في المشهد الكلي مرتبط بشكل وثيق بنقاشات الدمج وإصلاح المؤسسة العسكرية فهو عمل ممنهج ومقدمة لما ستسفر عنه مقبل الأيام .. ما يجري على الأرض بدارفور يعتبر المواجهة بعينها والتي يحاول الجميع الهروب منها”.
لكن مقاربات خليل لسياق هذه الاغتيالات وربطها ضميناً بالصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع، تختلف كلياً عن ما ذهب إليه الأكاديمي المهتم بالشأن الأمني والعسكري السوداني، والذي بدأ على يقين بأن هذه التصفيات تأتي ضمن خطة للاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات تهدف إلى تعبئة منسوبي القوات المسلحة وتجهيزهم لخوض حرب محتملة قادمة.
ويقول الأكاديمي المهتم بالشأن الأمني والعسكري- طلب عدم ذكر اسمه- إن “الجيش كان يستخدم المليشيات في كل حروبه السابقة، ولكن هذه المرة سيخوض الحرب ضد المليشيات نفسها سواء الدعم السريع او غيره، فليس امامه خيار غير تعبئة منسوبيه بمثل هذه الاغتيالات واثارة عواطفهم للمشاركة بروح عالية في القتال القادم”.
أكاديمي مهتم بالشأن الأمني: العقل المدبر لهذه الاغتيالات في الخرطوم ودارفور هو واحد والقاتل توفر جهة نظامية له الحماية.
“هذه الممارسات موجودة في أدبيات الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن التي يدين منسوبيها بالولاء الصارم للحركة الإسلامية، خلال الوقت القريب تم اغتيال قائد شرطة الإحتياطي المركزي العميد حامد بريمة من نفس هذه الأجهزة وكان الهدف منها اثار غضب الشرطة تجاه المتظاهرين السلميين وقمعهم بشكل مفرط وقتلهم، وكذا الحال تم اغتيال رقيب الاستخبارات بالخرطوم”. يضيف الأكاديمي المهتم بالشأن الأمني والعسكري.
وتابع “العقل المدبر لهذه الاغتيالات في الخرطوم ودارفور هو واحد مع اختلاف الأغراض، فالقاتل الآن في مأمن فهناك جهة نظامية توفر له الحماية وتحول دون توقيفه بواسطة أجهزة الدولة، فغالبية الجرائم المماثلة التي حدثت في دارفور من خطف ونهب سيارات منظمات إنسانية تم استردادها وتوقيف الجناة بنفس الأجهزة القائمة، فلماذا لم يتم القاء القبض على قتلة الضابطين؟”.
وسبقت هذه الحوادث عمليات تجنيد مكثفة ينشط فيها الجيش والدعم السريع في دارفور واستهدفت بشكل أساسي أبناء القبائل العربية، وذلك في إطار الصراع المحتدم بينها ومحاولة كل طرف تعزيز وموقف قواته بجنود جدد.
سيناريو مستبعد
يستبعد الخبير العسكري عمر أرباب معرفة المؤسسة العسكرية ودوائرها بالجناة في هذه الجرائم، ويفسر تقيد الدعوى الجنائية ضد مجهول بأنه نتاج لفشل وعجز الأجهزة الأمنية بالفعل في الوصول الى الجناة والقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة كما ينبغي، كما عجزت حتى عن الإشارة واحتمالية من يقف وراء هذه الاغتيالات وهي النقطة الأسوأ في تلك الواقعة.
ويقول في مقابلة مع (عاين) إن هذه الظاهرة يجب قراءتها من عدة جوانب نظراً لوجود عدة مؤشرات لها، فالجانب الأول أنها تعكس حالة الهشاشة الأمنية والقابلية للانفلات الأمني في تلك المناطق وهو أمر بالغ الخطورة وإمكانية خروج الأوضاع بإقليم دارفور عن السيطرة، والقدرة على تنفيذ مزيد من الاغتيالات.
أما الجانب الثاني وفق تحليل أرباب، فإن هذه الحوادث تعكس عدم اتخاذ الاحتياطات والاحترازات اللازمة من قبل الضابط في هذه المناطق من ناحية التأمين والحماية والحراسات فهناك نوع من التهاون والتساهل وعدم التقييم الصحيح للحالة الأمنية وضعف حاسة الحصول على المعلومات الاستخباراتية بشأن حدوث مثل هذه الأحداث تجاه المواطنين والضباط على حد سواء.
وفي نفس المنحى تسيطر نظرية المؤامرة على الضابط المتقاعد بالجيش السوداني الفريق خليل محمد الصادق في تفسيره لحادثة اغتيال الضابطين إذ يعتقد أنها تأتي في إطار حملة استهداف القوات المسلحة التي تقودها عدة جهات.
“هذه الاغتيالات الهدف منها إظهار القوات المسلحة في موقف الضعف عند المواطنين وإنها عاجزة عن حماية نفسها ناهيك عن الوطن بأثره، وهذا لا ينفصل عن الحراك الجاري ضد الجيش والذي تقوده جهات لها مصلحة في إضعاف هذه المؤسسة”، يقول الصادق في مقابلة مع (عاين).
جر القوات للحرب
يذهب المحلل السياسي الجميل الفاضل، إلى أن أي أحداث حتى لو أخذت طابع جنائي فهي مقدمة لتطورات سياسية محتملة، فمقتل الضابطين لا ينفصل عن حالة الصراع على السلطة والتي تحولت من صراع مدني عسكري، الى عسكري – عسكري.
محلل سياسي: لا استبعد وجود جهة تعمل على تعبئة وسط القوات العسكرية وجرها إلى حرب، فالطرف الوحيد الذي له مصلحة في قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي في السودان هو الحركة الإسلامية.
ويقول الفاضل في مقابلة مع (عاين) “لا استبعد وجود جهة تعمل على تعبئة وسط القوات العسكرية التي بينها خلاف وبالتحديد الجيش والدعم السريع وجرها إلى حرب، فالطرف الوحيد الذي له مصلحة في قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي في السودان هو الحركة الإسلامية البائدة والتي يبدو أنها قررت الدخول في معركة كسر العظم والتي سوف تستخدم فيها الأسلحة المشروعة والمحرمة”.
ويضيف “في سرادق العزاء الخاص بالضابط احمد بخيت تحدث الفريق محمد حمدان حميدتي عن ان ضابطا من قوات الدعم السريع أيضا تم اغتياله بنفس الطريقة في شرق دارفور في محاولة منه لإبعاد شبهة هذه الاغتيالات عن قواته، ولكن الفريق عبد الفتاح البرهان الذي تحدث في نفس السرادق تجاهل ذكر ضابط الدعم السريع القتيل واكتفى بالحديث عن ضابطي الجيش وهذا فيه رسالة مبطنة”.
وتابع “لكن في تقديري ان الطرف الثالث في هذه القضية هو عناصر النظام القديم التي تحاول جر القوات العسكرية الى معركة وحرب ضارية تفرض خلالها حالة الطوارئ ولا يعلو فيها صوت على الذخيرة والسلاح وبهذا يكونوا قد حققوا هدفهم من خلق مشهد فوضوي تتوقف معه مسيرة التحول الديمقراطي في السودان”.
ويرى الجميل الفاضل، أن هذه الأحداث تختلف كلياً عن سابقاتها فعصابات النهب التي ظهرت في دارفور تسعينيات القرن الماضي وحتى مطلع الألفية الثانية كانوا يستهدفون المدنية وليس لهم جرأة في مهاجمة مركبات عسكرية على متنها كبار الضباط مثل ما حدث الآن وهو ما يؤكد فرضية وجود طرف يرغب في تأجيج الوضع وسط العسكريين.
فيما قلل الخبير العسكري خليل محمد سليمان، من احتمالية نشوء حرب جديدة، لكن حملة التصفيات وسط ضباط الجيش حسب تقديره الهدف منها فرض معادلة جديدة في توازن القوى لصالح جهة منافسة للقوات المسلحة في الاستحواذ على مقاليد السلطة في البلاد.
ويقول:”بشهادة ضباط في الخدمة أن الجيش هو الحلقة الأضعف في المعادلة حيث القوة وإعداد الجنود العاملين، فأي مواجهة مع أي طرف سيفقد كل محطاته في دارفور بوجه الخصوص، فقد قامت القوات المسلحة بسحب العديد من الجنود الى الخرطوم الشيء الذي أدى لإضعاف الوحدات في الإقليم الغربي”.