غضب في السودان بعد اغتيال حاكم غرب دارفور
15 يونيو 2023
فجرت عملية اغتيال والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر بمدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور أمس الأربعاء، موجة غضب واسعة على المستويين المحلي والدولي، لما تخللها من بشاعة وسط مخاوف من مرحلة سيئة سيدخلها الصراع المسلح في السودان نتيجة لهذه الحادثة المروّعة.
وبعد لحظات من اطلاقه نداء عبر فضائية “الحدث” لإغاثة لمواطني مدينة الجنينة التي وصفها بأنها مستباحة من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات، أظهرت مقاطع مصورة والي غرب دارفور وهو وسط مجموعة من المسلحين يعلنون اعتقاله. ولم يمض طويل حتى جرى بث فيديوهات لعملية اغتياله وهو يسبح في دمائه، في مشهد يعمق جراحات الإقليم المضطرب.
وسارع كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع باتهام الآخر بالتورط في عملية اغتيال خميس، وقالت القوات المسلحة في بيان صحفي إنها “تدين التصرف الغادر الذي قامت به قوات الدعم السريع، باختطاف واغتيال والي غرب دارفور في تصرف وحشي يضاف لجرائمها”.
فيما قالت قوات الدعم السريع في بيان إنها “تدين اغتيال والي غرب دارفور على أيدي متفلتين على خلفية الصراع القبلي المحتدم بولاية غرب دارفور، ونوجه أصابع الاتهام وبشكل مباشر الى الاستخبارات العسكرية للجيش بالتورط في إشعال الحرب القبلية وتغذيتها بتسليح القبائل وتجنيد العناصر القبلية”.
لكن التحالف السوداني الذي يقوده الوالي الراحل قال في بيان صحفي اطلعت عليه (عاين) إنه “يحمل مسؤولية الجريمة البشعة باغتيال خميس عبد الله والتمثيل بجثمانه الى المليشيات المسلحة من القبائل العربية المتحالفة مع فلول نظام الإخوان المسلمين البائد التي اقتحمت مقر إقامته واغتياله في الحال ثم قامت بتصويره”.
وقالت بعثة الأمم المتحدة في السودان “يونتامس”انها تشعر بـ “الفزع والصدمة العميقة” لمقتل والي (والي) غرب دارفور في الجنينة، خميس عبد الله أبكر.
ولفت بيان للبعثة اطلعت عليه (عاين)، إلى أن روايات شهود عيان مقنعة تنسب هذا العمل إلى الميليشيات وقوات الدعم السريع، على الرغم من أن قوات الدعم السريع أبلغت البعثة بإنكار مشاركتها.
فوضى
وبعيداً عن روايات الأطراف للواقعة وملابساتها، فإن عملية اغتيال والي ولاية غرب دارفور ستقود – وفق أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، صلاح الدومة إلى مزيد من الفوضى في الإقليم على وجه الخصوص، ويرى أن ما يحدث يأتي في سياق مخطط بدأه نظام الإخوان السابق لتصفية المكون الإفريقي في إقليم دارفور.
ويقول الدومة في مقابلة مع (عاين) إن “أيادي النظام البائد هي من تقف بشكل أساسي وراء هذه الفظائع، فهي تستخدم سلاح التطهير العرقي لتنفيذ أجندات محددة وفي مراحل زمنية بعينها، وإن كان هدفها في السابق تصفية جذور الحركات المسلحة، فإن هدفها من إشعال الفتنة الحالية في مدينة الجنينة هو شد الأطراف حتى ينفك حصارها في العاصمة الخرطوم”.
ويضيف :”لقد اختطف فلول النظام المخلوع الجيش السوداني وحولوه إلى ميليشيا خاصة بهم لخدمة أجندتهم، وهم يخططون لحرب شاملة في الوقت الراهن وإثارة الفتن بين مكونات الشعب ويسعون لعمليات تطهير عرقي، لكن ستفشل في ذلك كما فشلت من قبل في القضاء على المكونات السكانية غير العربية”.
وعاشت مدينة الجنينة أسابيع من المعارك الدامية بين الجيش والدعم السريع والتي أخذت طابعا قبليا وقتل وجرح على إثرها العديد، الى جانب موجة نزوح واسع وسط السكان وتدهور مريع في الأوضاع الإنسانية في مشاهد روى ناشطون أنها تفوق فظائع الحرب الأهلية والتصفية العرقية التي شهدتها دولة رواندا قبل عقود.
تقاعس الجيش
وكان والي غرب دارفور القتيل رفض خلال مقابلة مع فضائية “الحدث” توصيف ما يجري في مدينة الجنينة بأنه صراع قبلي بل هي مواجهات بدأت بين الجيش وقوات الدعم السريع، لافتاً الى أن حكومة إقليم دارفور والسلطة المركزية في الخرطوم لم تستجيبا لنداءاته المتكررة بشأن تطورات الأوضاع، وأن الجيش التزم بالبقاء داخل ثكناته في الفرقة 16 مشاة ولم يتحرك لحماية المدنيين.
محلل سياسي: عملية اغتيال والي غرب دارفور تنذر بمرحلة جديدة من تطورات الصراع المسلح في البلاد ودارفور بشكل خاص
ويرى المحلل السياسي عبدالله آدم خاطر، خلال مقابلة مع (عاين) أن عملية إغتيال والي غرب دارفور تنذر بمرحلة جديدة من تطورات الصراع المسلح في البلاد ودارفور بشكل خاص، فهي مؤسفة بكل المقاييس وتؤسس لمزيد من العنف والعنف المضاد وينبغي على كل المكونات العسكرية والسياسية المسارعة في إيجاد مخرج للحيلولة دون انزلاق الأوضاع لمزيد من الفوضى.
“تحظ الجنينة بأهمية استراتيجية عالية نتيجة لتداخلها الاقليمي، فإستمرار الصراع المسلح فيها سيكون له تداعيات إقليمية ودولية، فهناك أنباء عن توترات بإفريقيا الوسطى ونشر قوات فرنسية على الحدود السودانية التشادية، فهذه التقاطعات ربما تدفع لعلاج أزمة المنطقة ضمن مساعي لوقف دائم لإطلاق النار في السودان تقودها منظمة الإيغاد ودول أخرى”. يضيف خاطر.
إحتمالات
وبحسب الصحفي السوداني المهتم بتغطية النزاع في إقليم دارفور إدريس عبد الله فإن عملية اغتيال الوالي لن تخرج عن تفسيرات بينها أن القوى القديمة التي قادت عمليات التطهير العرقي في الإقليم ترغب في استئناف مخططها الذي توقف نسبيا بعد اندلاع الثورة الشعبية. ومقتل شخصية بهذا الثقل سيقود الى مزيد من الغضب وسط عشيرته وتنظيمه الشيء الذي يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع المسلح.
أما التفسير الثاني بالنسبة إلى عبد الله الذي تحدث لـ(عاين)، فهو فقدان قيادة الدعم السريع السيطرة على منسوبيها الذين لديهم رغبة تاريخية في السيطرة على ولاية غرب دارفور، كما أنها مهمة نسبة لموقعها الاستراتيجي ومحاذاتها لدول تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا فهي مهمة بحسابات الحرب التي يقودونها ضد الجيش السوداني منذ منتصف أبريل الماضي.
ويشير أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، صلاح الدومة، إلى أهل اقليم دارفور بشكل عام أصبحوا في حاجة ماسة إلى عدالة آنية تجبر ضررهم عن المذابح السابقة والحالية، وقبل كل ذلك إيقاف الدماء التي تسيل في كل يوم.