“إدانة محور الشر”.. حراك ثقافي ضد الحرب ينتظم أقاليم السودان

عاين- 27 أغسطس 2023

تشهد الأقاليم السودانية المستقرة نسبياً، حراكا ثقافيا واسعا يحوي أنشطة وأعمالا تركز في مجملها على وقف الحرب المدمرة التي تعيشها البلاد منذ منتصف شهر أبريل الماضي.

وتحرك المشهد الثقافي والفني في مختلف مدن السودان بعد أن وصلها مسرحين وكتاب ومطربين غادروا جحيم الحرب المحتدمة بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، حيث عملوا على إقامة الأنشطة المختلفة وسط تفاعل جماهيري كبير.

ولم يتوقف الحراك عند إقامة الأنشطة الفنية المختلفة، بل امتد إلى احياء المراكز الثقافية ودور الشباب والعروض السينمائية بتلك المدن بعد أن واجهت التجفيف والإهمال في أوقات سابقة.

وخلال شهر أغسطس الحالي، جرى إعادة افتتاح سينما مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض بعد اغلاق استمر لمدة 27 عاماً ليعود إلى هذه المدينة واحدة من أهم مناراتها ومعالمها الثقافية ووسائلها في تشكيل الوعي.

وبحسب الكاتب المسرحي المقيم بكوستي “هارون شلتوت” الذي تحدث لـ(عاين) فإن السينما تمت إعادتها للحياة بجهد شعبي حظي افتتاحها باهتمام كبير من المجتمع المحلي، وشكل ملاذ آمن ونقطة التقاء للمثقفين الفارين من الحرب بالخرطوم وهي الآن بمثابة منتدى لمناقشة الهم العام وتشكيل الوعي لصالح السلام ونبذ الحرب.

وفي مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة التي وصلها عشرات المبدعين، تجري العديد من الأنشطة الثقافية بينها ندوات فكرية وثقافية وعروض مسرحية وأعمال فنية تشكيلية تجسد لويلات الحرب وتحض على السلام وتصوير كفاح السودانيين ضد القهر والظلم.

متاريس

ومن بين الأعمال المسرحية التي تشهدها مدني هذه الأيام، مسرحية “متاريس” التي يشارك فيها نخبة من المسرحيين السودانيين وهي من إخراج المخرج السوداني ربيع يوسف وتدور أحداثها حول النزوح من الحرب و تجسد معاناة الفارين، وتم العرض الأول بمشاركة واسعة وينتظر تقديمها في مراكز الإيواء بولاية الجزيرة.

كما تشهد عروض “مسرح العرائس” الذي تقدمه نخبة من المبدعين السودانيين للأطفال في مراكز الإيواء بغرض دعمهم نفسياً وتخفيف الأثر الكبير الذي خلفته الحرب عليهم.

ويمتد الحراك الثقافي والإبداعي إلى مدن القضارف وكسلا وبورتسودان شرقي البلاد والتي شهدت مؤخراً أنشطة واسعة من ندوات ثقافية وفكرية تخللتها دعوات ضمنية لوقف الحرب الدائرة في السودان.

الزبير سعيد: الوعي المتقدم للفنان السوداني جعله يتحرك بقوة أثناء احتدام القتال لوقفه ابتداء والتأسيس السليم لمراحل ما بعد انتهاءه.

ويقول الكاتب الصحفي المختص في شؤون الفن والمسرح الزبير سعيد، إنه جرت العادة أن يتحرك المبدعين عقب توقف الحرب لمحو آثارها، ولكن الوعي المتقدم للفنان السوداني جعله يتحرك بقوة أثناء احتدام القتال لوقفه ابتداء والتأسيس السليم لمراحل ما بعد انتهاءه.

ويشير سعيد في مقابلة مع (عاين)، إلى أن الحرب الحالية أفرزت أشكالا غير مألوفة ووجه قبيح من الجهوية والعنصرية وهو يمثل خطر حقيقي يؤدي إلى التباعد  الوجداني بين السودانيين، لذلك هذه الامور لا تعالج إلا بالفنون.

“ما يجري من حراك ثقافي يستحق الإشادة فهو عمل كبير ينبغي أن يشجع ليعم كل السودان عبر قوافل ثقافية وابداعية ترفع الوعي و تناهض حالة الاستقطاب السائدة، فالفنان الحقيقي تتجلى رسالته في هذه الظروف، وهذا العمل سوف يؤسس لتماسك مجتمعي خلال فترة ما بعد توقف الحرب”. يضيف الزبير.

وثيقة إدانة

ومع تطاول أمد الحرب في السودان ترتفع وتيرة الاستقطاب السياسي والقبلي وهو ما ترك مخاوف واسعة من انزلاق البلاد في أتون الحرب الأهلية، ويسعى المبدعون لتحجيم الخطاب العنصري بأعمال إبداعية.

ويقول الكاتب والمخرج المسرحي ربيع يوسف في مقابلة مع (عاين)، إن “حراكهم يأتي في سياق المسرح كنشاط ومنتج إبداعي يعد واحد من احتياجات ومطالب الشعوب ومجموعاتها الثقافية في الوضع الطبيعي لقدرته على التعبير عنها وكل مستوياتها واشواقها ومخوفها وتطلعاتها، وأن هذه الحاجة تتضاعف وتتعاظم في وقت الحروب والكوارث واللحظات التاريخية العظيمة”.

ربيع يوسف، كاتب ومخرج مسرحي: “المسرح يخلق ذاكرة وخطاب مغاير لخطاب الموت والتقتيل والنزوح، ويخلق ذاكرة الاحتفاء بالمقاومة وإدانة محور الشر والطغاة”.

“الحرب خاصة الأهلية هي أعلى لحظات الكوارث لأي شعوب ويظل المسرح ليس المعادل الموضوعي للموت والاقتتال والخوف فحسب، بل هو صمام أمان لهذه الشعوب في حفظ ذاكرة لحظة الاقتتال والموت، فالمسرح في مرجعية يجب أن يرتبط بالواقع ويوثق للحظة الراهنة في أحد مراحله”. يضيف يوسف.

وتابع “المسرح هو وثيقة إدانة محاور الشر في اللحظات العصيبة وهو منصة تقديم واحتفاء لعنصر المقاومة التي تقوم بها الشعوب أثناء الكوارث والأزمات وأيضا المتعة، كما يشكل متنفس وبارقة أمل للمتأثرين بالحرب ومن هنا تأتي أعمالنا”.

وأردف:”وفق هذه الرؤية أعتقد أن المسرح لن يوقف الحرب بشكل اجرائي، ولكن على الأقل يخلق ذاكرة وخطاب مغاير لخطاب الموت والتقتيل والنزوح، ويخلق ذاكرة الاحتفاء بالمقاومة وإدانة محور الشر والطغاة”.

من جهته، يقول الكاتب المسرحي هارون شلتوت لـ(عاين) أن الرسالة الحقيقة للمبدعين يجب أن تتجلى في هذه الظروف، فمن غير المستغرب أن يقوم أهل الثقافة بهذه المجهودات العظيمة رغم الموارد الشحيحة فهذه الأعمال سيكون لها مردود إيجابي على مساعي تحقيق السلام ونبذ العنف.