كشوفات “المتعاونين” مع الدعم السريع تقود لأحكام بالإعدام والسجن

 عاين- 4 أكتوبر 2025

خاضت السودانية فاطمة عبد الرحمن27 عاما ، تجربة قاسية ما بين السجون والمحاكم للتحقيق في الاتهام الصادر بحقها بالتعاون مع قوات الدعم السريع.

فاطمة التي نشأت في أطراف العاصمة السودانية، اضطرت للعمل في سوق صغير أثناء سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من مدينة الخرطوم. وتحت ضغوط المدافعين الحقوقيين نجت من حكم الإعدام والسجن، وقررت مغادرة البلاد جراء الانتهاكات التي تعرضت لها أثناء فترات التقاضي والتحقيقات.

قوائم التعاون

“كشوفات المتعاونين”، العبارة الأكثر تداولا فور وصول الجيش إلى أي منطقة كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب قادت هذه الحملات آلاف السودانيين بما في ذلك النساء إلى السجون منهم من ينتظر تنفيذ حكم الإعدام وآخرين يُوضَعُون في سجون تفتقر لأدنى مقومات الحياة في مراكز الخلية الأمنية وهي تشكيلات متعددة من قوات الأمن السودانية.

عندما اقتحم الجيش السوداني منطقة الصالحة وجنوب أم درمان الصيف الماضي شملت الملاحقة الأمنية قيادات في قرى الجموعية التي تتبع إداريا إلى محلية أم درمان، والتي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع قرابة 22 شهرا.

 وذكر مواطنون من قرى “جبيل الطينة” و”السلمانية” جنوب مدينة أم درمان بالعاصمة السودانية إن الخلية الأمنية اقتادت ستة من القيادات الأهلية من المنطقة بحجة التعاون مع قوات الدعم السريع منذ مايو 2025. وأشاروا إلى أن المتهمين الستة اضطروا للتواصل مع قوات الدعم السريع إبان سيطرتها على المنطقة للحصول على الممرات الآمنة لإدخال الغذاء والدواء من أسواق أم درمان والنيل الأبيض.

وقال أحد أعضاء اللجنة التي شكلها الأهالي لمتابعة قضية المعتقلين بطرف الخلية الأمنية في أم درمان غربي العاصمة السودانية لـ(عاين): “ترك الجيش عشرات الآلاف من المدنيين في مواجهة قوات الدعم السريع، وللتعامل مع الأمر الواقع، اضطرت قيادات أهلية من هذه القرى لتأمين تصاريح المرور من الدعم السريع والعثور على الممرات الآمنة لإدخال السلع والدواء ونقل المرضى إلى المستشفيات.

وأضاف: “الخلية الأمنية بوشاية من قيادي في حزب المؤتمر الوطني جنوب العاصمة السودانية اعتقلت ستة من قيادات قرى الجموعية منذ مايو 2025، وعرضتهم حياتهم للخطر”.

أبرز التحديات التي تواجه المتهمين غياب العون القانوني وجماعات الضغط أمام المحاكم والنيابات وأقسام الشرطة وقوات الأمن “الخلية الأمنية” بفعل تواجد مجموعات كبيرة خارج البلاد؛ بسبب الملاحقة الأمنية، وفي هذا الصدد يقول أحمد عثمان المدافع الحقوقي لـ(عاين): إن” المعتقلات في مناطق الجيش السوداني شمال وشرق ووسط البلاد تعج بالنساء والرجال وحتى الأطفال، ولا يحصلون على العون القانوني في أغلب الفترات، أو تضطر العائلات إلى الاستعانة بمحام يعمل في السودان في ظروف صعبة، ولفت إلى أن عدم وجود جماعات الضغط التي تشمل مدافعي حقوق الإنسان في السودان يضر بالمتهمين؛ لأن المحاكم والنيابات والقوات الأمنية تفعل ما تشاء دون أي ضغوط.

معتقلون في انتظار العدالة

ويرى المدافع الحقوقي أحمد عثمان، أن المحاكم والنيابات تنظر في قضايا التعاون والتخابر والمشاركة مع قوات الدعم السريع في ودمدني وسنار والعاصمة السودانية، وتصل إلى حوالي 10 آلاف قضية.

ويصف عثمان وتيرة المحاكمات بـ “المتعجلة” لتحقيق مكاسب سياسية دون إتاحة البيئة القانونية السليمة للمتهمين كما يقضي مئات المعتقلين فترات عصيبة في سجون لا تلائم الحياة الكريمة، ولا تكفل الحقوق الأساسية مثل الحصول على مرافق أساسية إلى جانب ذلك فإن عشرات النساء يواجهن خطر فقدان حياتهن بسبب الضغوط النفسية والصحية والتعرض إلى العنف اللفظي.

تقول المدافعة الحقوقية منال إبراهيم لـ(عاين)، إنها تتابع عن كثب قضايا الاتهامات المتعلقة بالتعاون مع قوات الدعم السريع في مدينة سنجة، ورصدت أحكاما تتعلق بالإعدام والمؤبد للعشرات من بينهم نساء في مراحل تقاض لم تستغرق سوى أسابيع معدودة، ولم يتح للمتهمين الحصول على شهود عيان أو تمكين هيئة الدفاع من تقديم بينات تعتمد على شهود يتواجدون خارج البلاد.

متظاهرون في العاصمة الخرطوم يحملون لافتة تطالب بعدم عسكرة القضاء 13 أكتوبر 2022

وتابعت: “تجلس النساء طوال الوقت في المعتقل وهن في وضع نفسي وجسدي مؤلم لا تتاح لهن مقابلة الأقرباء والعائلة أو أطفالهن، ويقضين فترة السجن في حجرات ضيقة تفتقر للتهوية والطعام الجيد”.

وتصف منال إبراهيم أوضاع السجون الخاصة بفئة من تطلق عليهم السلطات السودانية بـ”المتعاونين” في مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة بالسيئة مشيرة إلى أن قرابة 40 شخصا يحبسون في بعض الأحيان في أقبية ضيقة لا تتسع لخمسة أشخاص.

وتتابع: “الأزمة تكمن أن ملف المتعاونين مع الدعم السريع يهيمن عليه وكلاء نيابات ومسؤولون أمنيون موالون لنظام البشير ولديهم اعتقاد أن الجميع متورطون في التعاون مع الدعم السريع نتيجة سيطرة هذه القوات على ثلثي مناطق البلاد طوال العامين الماضيين”.

أوامر القبض عبر الخلية الأمنية

في توقيف أغلب المتهمين لم تُنفذ الإجراءات عبر الشرطة، بل عبر قوات أمنية مدججة بالسلاح ونقل الغالبية إلى مراكز أمنية قبل أن ينقلوا إلى النيابات وأقسام الشرطة والمحاكم من بين من تابعوا هذه الإجراءات مهيد نور الدين الناشط السياسي وأحد العاملين في حملات وقف الحرب في السودان الذي نقل مشاهد رصدها حول الاعتقالات بحق الأشخاص المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع مشيرا في حديث لـ(عاين) إلى أن تنفيذ أوامر القبض في الغالب تأتي عن طريق هيئة الاستخبارات العسكرية أو قوات العمل الخاص أو الخلية الأمنية أو الكتائب الموالية للإسلاميين.

ويضيف: “طريقة الاعتقال تثير الرعب، وتطلق العناصر الأمنية ألفاظ نابية في وجوه المتهمين، سواء كانوا رجالاً أو نساء، ويصرخون في وجوههم بـ “يا دعامي” أي الانتماء إلى الدعم السريع”.

ويشير نور الدين، إلى أن قضايا الاعتقالات التي تطال المدنيين بحجة التعاون مع الدعم السريع تنفذ وراء ستار وتعتيم إعلامي متعمد، ولا تصدر سوى نشرات محدودة من المحاكم إلى وكالة الأنباء الرسمية والمؤسسات الإعلامية الحكومية تتعلق بأحكام الإعدام والسجن المؤبد.

أحكام قضائية تتراوح بين الإعدام والسجن المؤبد بحق 45 متهما بالتعاون مع الدعم السريع خلال شهري يوليو وأغسطس الماضيين 

وتابع: “قضت المحاكم بالإعدام والمؤبد والسجن لفترات تتراوح بين عامين إلى خمس سنوات بحق 45 متهما بين يوليو وأغسطس 2025 في العاصمة والجزيرة وعطبرة وسنار وود مدني والقضارف”.

رفض مصدر من النيابة العامة التعليق على سؤال من (عاين) حول مدى توفر البيئة القانونية خلال محاكمة المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع بالمحاكم والنيابات وأقسام الشرطة بما في ذلك المراكز الأمنية.

النيابة توفر البيئة القانونية

وقال مصدر من النيابة العامة في بورتسودان العاصمة المؤقتة للحكومة المدعومة من الجيش السوداني، إن المحاكمات تُعقد في أجواء تسودها الشفافية وحرية الحصول على العون القانوني مشيرا إلى أن هناك دعاوى تم شطبها بحق بعض المتهمين، وهذا الإجراء يعني توفر البيئة القانونية.

وأردف قائلا: “تم مؤخرا إعلان رئيس قضاة المحكمة الدستورية، وهذه المؤسسات تكفل الحصول على العدالة في أعلى مراحل التقاضي بالنسبة للمتهمين الذين أُدينوا بالأحكام الصادرة من محاكم الموضوع والعليا”.

وكانت النائب العام لجمهورية السودان انتصار عبد العال، شددت في تصريحات خلال سبتمبر 2025 على أن النيابة ستعمل على كفالة الحقوق الأساسية للفئات المهمشة خاصة النساء والأطفال. ودافعت عبد العال التي تتهمهما جماعات مدنية مناهضة للحرب والإسلاميين بالانتماء إلى حزب المؤتمر الوطني “المحلول” دافعت عن مؤسسات العدالة الموجودة في السودان وقالت إنها أجرت إصلاحات شاملة على القوانين وحماية المدنيين.

ويقول المحامي والمدافع الحقوقي عثمان البصري لـ(عاين) إن صفة “متعاون” لا توجد في شكل من أشكال القانون من خلال مواد بعينها، بل تلجأ النيابة إلى استخدام المادتين 50 الخاصة بتقويض النظام الدستوري والمادة 51 المتعلقة بإثارة الحرب ضد الدولة وجمع الجنود.

وتابع: “تستخدم السلطات السودانية هاتين المادتين لمحاكمة من تطلق عليهم المتعاونين والمحاكم ذات طابع سياسي تفتقر للبيئة القانونية السليمة كما تنفذ الخلية الأمنية أوامر القبض، وتحتجز المتهمين لفترات طويلة، وفي الوقت ذاته هي الجهة التي تتحرى مع المتهمين بدلا عن قسم الشرطة تحت إشراف النيابة”.

ويشير البصري، إلى أن أعداد المتهمين، ومن صدرت بحقهم الأحكام كبيرة، وتشمل النساء اللائي يقضين فترات الاعتقال في مراكز الخلية الأمنية باستخدام أدلة في الغالب معلوماتية من خلال تفتيش الهاتف النقال.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *