السودان: الجيش يشهر سلاح اعتقال الرهائن
عاين- 18 يونيو 2024
“في اليوم الثاني من اعتقال والدي، نُقل إلى حجز منفرد مع شخص آخر الوضع كان سيئاً مع رائحة البول وعدم وجود فرش وأغطية، الظروف بالكاد كانت تبقيهم على قيد الحياة”. يروي عثمان وهو اسم مستعار لـ(عاين) قصة اعتقال والده الستيني، الذي اختطفته استخبارات الجيش بولاية سنار، واحتجزته رهينة بدلاً عنه وعن شقيقه الأصغر، اللذين كانا غائبين في ذلك الوقت.
في الساعة الثانية من صباح السابع من أبريل الماضي، تفاجأت أسرة عثمان، بأفراد من الاستخبارات داخل منزلهم، بعد أن تسلقوا الجدران الخارجية، وبدأوا بضرب الأبواب في البداية، ظنت أم عثمان وشقيقته أن المتسللين لصوص، أو أن قوات الدعم السريع قد وصلت إلى منطقتهم في سنجة.
عندما فُتحت الأبواب الداخلية، دخلت القوة وشرعت في تفتيش جميع الغرف، واستفسرت عن مكان عثمان وشقيقه الأصغر. أخبر والداهما أفراد الجيش، بأنهما غادرا السودان، إلا أن قائد القوة قرر وبدون تردد، اقتياد والدهما وزوج أختهما إلى مقر الاستخبارات العسكرية بسنجة عاصمة الولاية.
بجانب والد عثمان وزوج أخته، جرت عملية اعتقال جماعية لمائة ناشط وسياسي في سنجة في السابع من أبريل الماضي، ردًا على نشر نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي منشورات وصور وفيديوهات عن بطولات السادس من أبريل 2019 عندما وصل المتظاهرون السودانيون إلى مقر القيادة العامة.
بيئة المعتقل
زُجَّ ببعض المعتقلين في زنزانة تضم 30 شخصًا. يحكي عثمان قائلًا: “كانت المعاملة في الزنزانة سيئة للغاية. كان والدي، البالغ من العمر 66 عامًا، مع معتقل آخر في نفس عمره تقريبًا، عندما كانا يرغبان في النوم أو الاستلقاء كان بعض الشباب يضطرون للوقوف على جوانب الزنزانة لضيق المساحة”، بالإضافة إلى البعوض ودرجة الحرارة العالية، والأرضية الصلبة التي أثرت في ظهره وجسده.”
في اليوم الثاني نُقل والد عثمان إلى حجز منفرد مع رفيقه، الوضع كان سيئاً مع رائحة البول وعدم وجود فرش وأغطية، الظروف بالكاد كانت تبقيهم على قيد الحياة، كما أفاد ابنه في حديث مع (عاين). ويتابع: “لم يتعرض والدي لتحقيق فعلي، لكنهم كانوا يزعمون أنه تابع لحزب الأمة، أو أنهم يحتجزونه بسبب نشاطاتي في أوغندا وكتاباتي على فيسبوك”.
الرهينة الذي أخذ بدلا عن ابنه يبلغ من العمر 66 عامًا يعاني مرض السكري، تعرض لفترة اعتقال دام 5 أيام قبل أن يفرج عنه، وفي تعليقه على الخطوة يقول عثمان: كانوا يظنون أنني وأخي ما زلنا في سنجة، فاعتقلوا والدي لإجبارنا على الظهور، وكانوا يعاملونه كرهينة. ويتابع: التجربة كانت صعبة بالنسبة له، لا سيما مع عمره وحالته الصحية.
مداهمة وترهيب
في التوقيت نفسه، من ذات اليوم (السابع من أبريل الماضي) داهمت قوات أمنية ملثمة منزل الصحفي علي طارق عرش، واعتقلت شقيقه الأصغر، المحامي صهيب العرش، واثنين من أبناء خالتهم، كانوا مقيمين معهم منذ أكثر من عشرة أشهر بسبب الحرب، وفي حادث منفصل، اعتقل أيضا ابن عمهم محمد الواثق، بعد أن داهمته ذات القوات الأمنية.
القوة التي نفذت المداهمة ترتدي أزياء عسكرية مختلفة وملثمة، وكانوا بالمرة الأولى في مارس الماضي، يحملون عصياً وأسلحة نارية مختلفة، وفي المرة الثانية أسلحة نارية.
يحكي العرش لـ(عاين) تفاصيل ما جرى. ويتابع “القوة سألت عنه بالاسم وعن شقيقه الأصغر المحامي صهيب العرش”.
وبصورة مهينة للأعراف السودانية وحرمات البيوت، تمت المداهمة في الثانية من صباح الأحد الموافق 7 أبريل الماضي، دون مراعاة للنساء والأطفال وكبار السن.
وتعدت القوة على المنزل، وكل المتواجدين فيه ليلا، وداهمت منزل عمه بحي الفردوس في مدينة سنجة واعتقلت ابن عمي محمد الواثق.
وبعد تفتيش المنزل، وإرهاب النساء والأطفال تم اقتياد صهيب واثنين من أبناء خالتهم بعد عصب أعينهم إلى مقر الفرقة السابعة عشرة مشاة بدون مسوق قانوني أو جرم.
وقبل أكثر من شهر داهمت قوة عسكرية تتبع للاستخبارات نهارا منزل عرش، وفتشت المنزل والسؤال عنه، ولكنه كان خارج البلاد، وأُبْلِغَت القوة بذلك.
يعتبر عرش في مقابلته مع (عاين) الملاحقة والمضايقة المستمرة، ومداهمة المنازل الآمنة تكرارا تعد من الانتهاكات السافرة، كما أن قيام قوة كبيرة بتطويق المنطقة ومداهمة المنزل تكرارا يعتبر صنفا من أفعال الترويع والترهيب في كل النواحي.
وقال: القوة الأمنية المذكورة داهمت في الساعات الأولى من صباح السابع من أبريل الماضي أكثر من (25) منزلا بمدينة سنجة، واعتقلت عدد من السياسيين وكوادر غرف الطوارئ، وكان من بينهم ناشطون اُعْتُقِلُوا للمرة الثانية بعد أن أُطْلِق سراحهم بعد أكثر من شهرين،
ويؤكد عرش، أن ذلك يندرج تحت طائلة عمليات احتجاز الرهائن، حيث يجبر المستهدفون على تسليم أنفسهم دون وجود أي أساس قانوني أو أمر قضائي لتلك القوات. وهو ما يتعارض بشدة مع الأعراف والقانون والأخلاق. ويشير إلى أن هذا التصرف يظهر عبثية الأفعال المنفذة، التي ستُوَاجَه قانونيا، ورأى أن استخدام قانون الطوارئ ومداهمة المنازل بشكل تعسفي يشكل خرقا لحقوق الإنسان، ويمثل تهديدا مباشرا لمبادئ العدالة والحريات الأساسية.
متحرك مداهمة
بعدد 10 سيارات عسكرية “تاتشرات” وما لا يقل عن 100 عنصر من الاستخبارات، داهمت قوة عسكرية منزل مصعب محمد آدم عمر، المعروف (بمصعب أدروب)، عضو حزب المؤتمر السوداني وعضو لجان مقاومة أبو حجار، يوم 15 أبريل الماضي حوالي الساعة 11 ليلاً.
في تلك الليلة، لم يتوقع (ادروب) الذي كان بالشارع، مشاهدة منسوبي الاستخبارات، وهم يتسللون نحو منزله بحثًا عنه، فحينها أدرك خطورة الوضع، فقرر الفرار بسرعة. بينما كان شقيقاه، المحامي مكاوي محمد آدم (28 عامًا) والطالب الجامعي مقداد محمد آدم (22 عامًا)، إلى جانب اثنين من أبناء العائلة، الزبن إسماعيل محمد أحمد وشقيقه محمد أحمد إسماعيل محمد أحمد، وآخرين داخل المنزل.
فتشت القوة كل غرفة في المنزل، وبدأوا في التحقيق لمعرفة مكان مصعب. أفاد أفراد الأسرة بأنه كان موجوداً بالمنزل، إلا أنهم لم يكونوا على علم بمكانه لحظة المداهمة.
تلقى والد مصعب تهديداً من قائد القوة، بتسليم ابنه خلال 24 ساعة، أو سيتم اعتقال الجميع، وسرعان ما اقتيد أشقاء مصعب وأقاربه الآخرين إلى مقر الاستخبارات العسكرية بالولاية بسنجة،
أما (ادروب) فقد تمكن في اليوم الثاني من مغادرة المنطقة بمساعدة من الأهل، ووصل إلى الرنك ثم إلى جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، بالمقابل ظل أفراد أسرته (4) داخل احتجاز مكتظ وتهوية سيئة وظروف لا إنسانية حيث لم يكن هناك مكان لقضاء الحاجة سوى داخل الزنزانة نفسها، واستمر ذلك الوضع من يوم 15 أبريل حتى (1 -4) مايو. وخلال هذه الفترة ظلوا تحت تهديد مستمر بالقتل وتعذيب جسدي ونفسي، الهدف منه إجبارهم على الكشف عن مكان مصعب،
يقول أدروب لـ(عاين): أن “الهدف الرئيسي من الاعتقال هو الضغط عليه من خلال استهداف أفراد أسرته واستخدامهم رهائن”، ويشير إلى أنه مؤخرا، استهدف الجيش واستخباراته بشكل واضح الناشطين السياسيين وأعضاء لجان المقاومة بتحريض من الإخوان المسلمين الذين شاركوا في عمليات الاعتقال والمداهمة. إضافة إلى كتائب البراء والمستنفرين بالمنطقة، في توجيه القوات إلى منازل الأشخاص المستهدفين ورفع التقارير عنهم.
وأعرب ادروب عن دهشته لتخصيص 10 مركبات وما لا يقل عن 100 جندي يمثلون متحركا على أهبة الاستعداد لمعركة، بينما الهدف هو اعتقال مدني غير مسلح، ويعتبر أن هذا يوضح بأن الصراع ليس بين طرفين، بل هو محاولة لتصفية الثورة والفاعلين السياسيين وناشطي المجتمع المدني ولجان المقاومة، كما أكدت المداهمات التي تمت بانتهاكات صارخة لحقوق الأسر والأفراد والنساء.
أُطلق سراح اثنين من المعتقلين في 1 مايو واثنين آخرين في 4 مايو الماضي بعد تدخلات قيادات أهلية في المنطقة.
اعتقال غير مشروع
قانونيا، يرى المحامي عثمان البصري، إن الاعتقالات التي تقوم بها الاستخبارات العسكرية حاليًا تمثل استمرارًا للاعتقالات غير القانونية التي كان يتبعها جهاز الأمن، وهذه العمليات تنفذ عادةً عبر مداهمات دون أمر قضائي صادر من النيابة، مما يتنافى مع الإجراءات القانونية التي يجب أن تتم بموجبها الاعتقالات الشرعية.. ويضيف: القانون يمنع استبدال شخص ما بآخر في عمليات الاعتقال، أو استخدامه رهينة لإجبار الشخص المقصود على تسليم نفسه للسلطان حتى ولو كان الشخص المستهدف مدانًا رسميًا.، وحال قُبِض على شخص بدلا من الشخص المطلوب، فإن ذلك يُعد جريمة قانونية ترتكبها السلطات.
الباب الثاني المادة (8) الفقرة (1) من قانون الإجراءات الجنائية تتحدث عن أساس المسؤولية الجنائية، حيث تشير إلى أن الشخص المكلف الذي ارتكب فعل مجرم قانونا، فإن أساس المسؤولية شخصية أي أن مرتكب الجريمة يعاقب عليها، ولا تتخطاه إلى شخص آخر ما لم يكن واقعاً تحت طائلة الاشتراك الجنائي في المادة (21) التي تنص على اتفاق شخصين على ارتكاب جريمة واحدة، لكن طالما ارتكب شخص واحد الجريمة، فإن أساس المسؤولية. الجنائية بقع عليه هو، ولا يتجاوزه إلى غيره، وإن اعتقال أي شخص بدلا عنه، تقع تحت طائلة الاعتقال غير المشروع.
وفقا لبصري في حديثه مع (عاين) فقد تزايدت هذه الحالات في عدة مناطق من بينها سنجة لافتا إلى انقطاع التواصل، بسبب انقطاع الاتصالات. جعل العمليات أكثر غموضًا وصعوبةً في المراقبة.