“نفي واعتقال”.. أسلحة الجيش لترهيب مناهضي حرب السودان
عاين- 5 يناير 2024
الاعتقال والنفي، هي آخر عمليات الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني بمعاونة سلطة أجهزة حكومة الانقلاب في مواجهة السياسيين والنشطاء والناشطات المدنيين الرافضين للحرب في مقابل عمليات تحشيد واستنفار واسعة لحمل السلاح ومواجهة قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش منذ الخامس عشر من أبريل الماضي.
في 25 ديسمبر المنصرم، جرى توقيف الناشطتين المدنيتين “هيام وآلاء” في نقطة تفتيش سنجة/سنار، وإبقائهن قيد الاحتجاز نحو 48 ساعة، تعرضن فيها للتعذيب النفسي، وسوء المعاملة والتهديد والتحرش الجنسي في أثناء التحقيقات.
اقتيدت السيدتان إلى مقر القيادة العامة للجيش بسنجة، وخضعن لتحقيق استغرق ساعتين مع “هيام” وست ساعات مع “آلاء”، بتهمة التبعية للدعم السريع.
“التحقيق كان عبارة عن تحر وتحرش من ضابط صف برتبة مساعد في الجيش”. تقول آلاء لـ(عاين). وتضيف: “يحاول استدراجي وإخراجي عن موضوع التحري، مرة بتلاوة القرآن بحجة تحصيني، ومرة أخرى، يحدثني عن إعجابه بي، ويحاول لمس يدي عنوة”.
وذات الأسلوب اتبع مع هيام بمحاولة تحصينها برقية شرعية، رغم أنها استوقفته أكثر من مرة، وأكدت له مسيحيتها.
أُعتقلت آلاء وهيام في غرفة قذرة، ضيقة لا تتجاوز مساحتها ( 2.5×2 متراً) تفوح منها رائحة كريهة، بها سرير واحد مكسور، ومنفذ وحيد للتهوية، وبدون مرحاض.
تقول هيام في مقابلة مع (عاين): “في تلك الليلة لم نستطع النوم أو الراحة بسبب أصوات وصرخات المعتقلين من شدة التعذيب، والتي كانت تصلنا من الغرفة المجاورة”. وأضافت: “لم نتعرض للضرب، لكن مورس ضدنا تعذيب نفسي قاسي”.
ووصلت هيام إلى معسكر ألون بمنطقة الرنك في دولة جنوب السودان، بعد إجبارهن على كتابة تعهد بعدم دخول ولاية سنار طيلة فترة الحرب، واعترضن في البداية على الخطوة؛ لأن ذلك يعني حرمانهن من عائلاتهن، إلا أنهن خيرن بين الرجوع إلى الحراسة اوالمغادرة، وبعد التوقيع على التعهد، حذرهن الضابط المسؤول من مغبة دخول سنار، حتى لا يتعرضن للمساءلة القانونية وإطلاق الرصاص. وفقا لتهديده.
ومع أن الاعتقالات التعسفية كانت أمرا شائعا في السودان قبل حرب منتصف أبريل، غير أن ما يلفت النظر هذه المرة هو تبني حكومة الأمر الواقع، سياسة استباقية جديدة تتمثل في طرد القوى السياسية والناشطين ولجان المقاومة ومناهضي الحرب من مناطق سيطرتها.
وتأتي هذه التهديدات في ظل التخوف من تمدد رقعة المواجهات العسكرية التي دخلت شهرها التاسع بين الجيش والدعم السريع، إلى شمال وشرق البلاد، عقب دعوات الاستنفار والتسليح التي انتظمت بعض الولايات.
تهديدات جدية
في نهر النيل شمال السودان، قال شاهد، أن “الولاية تشهد حالة احتقان اجتماعي، بعد إمهال الوالي محمد البدوي عبدالماجد، قوى الحرية والتغيير، (72) ساعة لمغادرة أراضيها”.
وباتت تلك التهديدات أكثر جدية حيث شنت استخبارات الجيش حملة اعتقالات واسعة طالت النشطاء والسياسيين ولجان المقاومة بولاية نهر النيل، إلى جانب توقيف المسافرين في الارتكازات خاصة المنتمين لقبائل غرب السودان والتدقيق في هويتهم قبل اعتقالهم لمزيد من الاستجواب والتحقيق.
وروى شاهد العيان (معتز) وهو اسم مستعار – لدواع أمنية- التضييق الذي يتعرض له المدنيون خلال تنقلهم في المناطق الآمنة، شمال البلاد. وقال لـ(عاين):” أثناء تحركي من مدينة ابوحمد إلى عطبرة الجمعة الماضية، أوقف ارتكازاً تابعاً للقوات المسلحة، المركبة التي استغلها ضمن آخرين، حيث طلب أفراد الجيش، من المسافرين الهبوط من الحافلة قبل أن يبدأوا في تفتيش هواتفهم النقالة، وجرى توقيف أكثر من شخص؛ بسبب رسائل في الهاتف”.
وعندما حان دوري رفضت بشدة مصادرة جوالي لكوني قانوني ومحامياً، وأتمتع بحصانة تحول دون تفتيشي.
وأمام إصرار معتز لم يجد مسؤول الاستخبارات حلا سواء السماح له بالصعود إلى المركبة ومواصلة رحلته.
نداءات المساجد
ومنذ خطاب الوالي، شرعت مساجد، في بث نداءات متكررة لمواطني الولاية بالانخراط في معسكرات الاستنفار، وبدأت فعليا عمليات الحصر والتسجيل باستخدام الرقم الوطني عبر مناديب يتحدثون عن تبعيتهم للاستخبارات العسكرية.
هذا إلى جانب جولات أخرى في الأحياء يقوم بها محسوبون على النظام المخلوع تحث المواطنين على حمل السلاح بشكل واضح، والتزامهم بتوفيره حال عجزت الحكومة عن ذلك.
تلك الدعوات تجد صدى واسعاً لدى أعداد غير قليلة من المواطنين خاصة في مناطق غرب النيل ونهر عطبرة، بحسب ما رواه معتز لـ(عاين)، لكنه بالمقابل يتفهم آخرين بالمدن خطورة الوضع، ويعتقدون أن الوالي لم يكن موفقا في حديثه، ولا يقتصر ذلك على المدنيين فقط، وإنما بعض العسكريين يرون أن المسؤول الحكومي انساق وراء الفلول، وساقه الحماس لتلك التصريحات.
خروج الأمور عن السيطرة في ظل دعوات التسليح والاستنفار والتحشيد القبلي، الذي تقوم به كوادر الحركة الإسلامية واستغلال المواطنين البسطاء لم يعد مستبعدا في الولاية الآمنة حتى الآن، ولكن كما يعتقد معتز، فإن ما رآه في عطبرة عمل يمضي في تجاه خطير وحال دخل الدعم السريع، نهر النيل، فستكون “المحرقة” بعينها.
قوة ملثمة
ما يجري في نهر النيل من استهداف للقوى المدنية لا يعد الوحيد من نوعه، فبعد تغلغل الدعم السريع، في ولاية الجزيرة، تسود مدينة القضارف شرق السودان، أجواء من التوتر والقلق، مع تصاعد حركة نزوح المواطنين تحوطا من تمدد الدعم السريع، فيما رفعت السلطات درجات استعداداتها عبر فتح المعسكرات وتصاعد دعوات المقاومة الشعبية.
ونقل ناشط سياسي (لعاين) فضل حجب هويته، خوفا على سلامته، كيف نشطت قوة ملثمة من قبل الاستخبارات العسكرية وكتائب الإسلاميين بالولاية في اعتقالات وسط القوى الشبابية والفاعلة التي تتحدث عن الحلول السلمية، وتتبنى “شعار لا للحرب”، من المنازل وأماكن العمل.
وفي 21 ديسمبر، اقتحمت عناصر من الجيش منزل الناشط محمد عباس بالدروشاب شمال في الخرطوم، وحطموا أبوابه وفتشوه وبعثروا محتوياته، وقبل مغادرتهم ردوا على الجيران الذين هرعوا إلى المنزل لمعرفة ما يحدث، بأن صاحبه يتبع للدعم السريع.
ويبدو بأن تلك المداهمة لم تكن كافية بالنسبة لاستخبارات الجيش كما ذكر عباس لـ(عاين)، فقرروا اقتحام منزل أسرته بالقضارف، بعد تسعة أيام في 30 ديسمبر الماضي، رغم أن عباس، تمكن من مغادرة البلاد في وقت سابق، حيث خضع والده لاستجواب عن مكان ابنه وصديقه، وطبيعة ومكان عملهما، فكان رد بأنهما خارج البلاد.
اعتقالات ممنهجة
الاشتباكات التي دارت بين الجيش والدعم السريع في أطراف ولاية سنار، زادت المخاوف من سيطرة الدعم السريع على تلك الجبهات، فكثفت التعبئة العسكرية، ورصدت جملة من الاعتقالات حيث أعلن حزب الأمة القومي عن اعتقال الاستخبارات، عددا من منسوبيه المنخرطين في غرف الطوارئ بالولاية، وأواخر ديسمبر، اعتقلت الاستخبارات العسكرية بوحدة كركوج الإدارية التابعة لولاية سنار أكثر من 8 أشخاص بينهم سيدتين إلى جانب 4 آخرين من منطقة دونتاي من بينهم رئيس تحرير صحيفة الجوهرة الرياضية أحمد إبراهيم كبوتش، وبمنطقة السوكي طال الاعتقال المحامي والناشط الحقوقي التهامي البدوي.
ويشعر نشطاء حقوق الإنسان بالقلق إزاء تلك الاعتقالات، ووصفوها بالممنهجة والمستمرة.
ما سبق اعتبره المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير، شهاب إبراهيم، استمرار لخطاب الحرب وتأكيد أن هذا الصراع عندما أشعلته الحركة الإسلامية كانت تستهدف مشروع التغيير في السودان الذي اقتلعهم بإرادة شعبية.
واعتبر إبراهيم تهديد حكومة الأمر الواقع بولاية نهر النيل، للقوى السياسية والمناهضين لهذه الحرب، دليل عجز وعدم تأهيل الوالي لتولي الحكم وكذلك لنظامه الذي يريد العودة إلى السلطة من خلال دماء السودانيات والسودانيين.
وقال لـ(عاين): “عدم مسؤولية الوالي تضع الشعب السوداني أمام حقيقة واحدة وهي أن الحركة الإسلامية ومجموعاتها التي تقاتل لها يريدون أن يرتدوا بالشعب السوداني من جديد لحقبة القمع والترهيب. ولن يتوقف ذلك على قوى الحرية والتغيير أو المناهضين لسفك وتشريد السودانيين”.
وشدد الطيب على ضرورة، أخذ تهديدات الوالي محمل الجد؛ لأن الحركة الإسلامية لها سجل حافل بالجرائم والقتل والاغتيالات.
فيما اعتبرت المديرة الإقليمية لشبكة صيحة هالة الكارب، أن طرد ونفي النشطاء المؤيدين للديمقراطية من منازلهم ومناطقهم وسجن المتطوعين والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والنساء الذين يقدمون الخدمة في الخطوط الأمامية للمجتمعات المحلية من قبل استخبارات القوات المسلحة، بدعوى أنهم من المتعاونين مع قوات الدعم السريع هو أمر غير مبرر إطلاقا ويائس وكاذب.
“ظل المتطوعون والمدافعون والمدافعات عن حقوق الإنسان والنساء هم المستجيبون الأوائل والوحيدون لانتهاكات قوات الدعم السريع على الأرض وتقديم العون للضحايا والنازحين والناجيات والناجين من المواطنين العزل والنساء والأطفال، في الوقت الذي تخلى فيه الجيش عن واجباته في حماية المدنيين، وأصبح المواطنون والمواطنات يستخدمون كدروع بشرية من قبل الطرفين. إضافة إلى جرائم الاغتصاب المتفشية من قبل الدعم السريع”. تقول الكارب لـ(عاين).
رغم الجهود التي تقوم بها القوى المدنية في حل النزاع بين المكون العسكري وتمسكها بمسار التفاوض، إلا أن سلطات الأمر الواقع تصر على نمط ترهيب النشطاء والحقوقيين ودعاة وقف الحرب.