اعتقال «نادر من الله» .. استهداف الناشطين في «النيل الأزرق»
عاين –11 أكتوبر 2025
في ظل تصاعد الانتهاكات ضد العاملين في الحقل الإنساني بالسودان، يبرز اعتقال المصوّر والناشط الإنساني، نادر من الله محمود بمدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق، بوصفه حلقة جديدة في سلسلة الاستهدافات التي تطال المتطوعين والعاملين المدنيين.
ويشهد السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 تدهورًا غير مسبوق في بيئة العمل الإنساني، حيث تتزايد الاعتقالات والاستدعاءات التي تطال متطوعين وناشطين وصحفيين في مناطق النزاع، ما يثير مخاوف واسعة بشأن سلامة العاملين المدنيين واستمرار تقييد الفضاء الإنساني.
ويواجه الناشطون المدنيون في السودان تحديات جسيمة تتمثل في الاعتقالات التعسفية، التهديدات الأمنية، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، حيث تستمر القوات الأمنية، بما في ذلك الجيش وقوات الدعم السريع، في استهداف الأفراد والمنظمات المدنية، مما يعيق جهودهم الإنسانية والإغاثية.
وتواصل الخلية الأمنية بمدينة الدمازين، منذ السبت الماضي، احتجاز نادر من الله محمود عقب استدعائه إلى مقرها، والذي استجاب له طواعية. وأفادت أسرته بأنها لم تتلقَ أي معلومات عن مكان أو ظروف احتجازه حتى الآن، الأمر الذي أثار قلقًا متزايدًا وسط الأوساط الحقوقية والإنسانية بشأن سلامته الجسدية والنفسية.
وفي بيان صدر الجمعة، أعلنت غرفة طوارئ النيل الأزرق للمساعدات الإنسانية تضامنها الكامل مع نادر من الله، معتبرةً أن احتجازه يمثل انتهاكًا واضحًا لحقوقه القانونية والإنسانية. وجاء في البيان: نُحمّل الجهات الأمنية المسؤولية الكاملة عن سلامته، ونطالب بإطلاق سراحه الفوري وغير المشروط، وضمان تمكينه من كافة حقوقه المكفولة بالقانون.”
وأضافت الغرفة أن استهداف العاملين في المجالين الإنساني والحقوقي يشكل تهديدًا خطيرًا لجهود المجتمع المدني في ظل الظروف القاسية التي تمر بها البلاد، مشيرةً إلى أن هذه الممارسات تقوّض قيم العدالة والحرية التي يناضل السودانيون من أجلها.
نادر من الله محمود من أبرز المصوّرين الصحفيين والناشطين الإنسانيين في النيل الأزرق، وقد عاد إلى الولاية مؤخرًا لاستئناف نشاطه
كما دعت جميع القوى المدنية والحقوقية والإنسانية إلى مواصلة الضغط من أجل إطلاق سراح المعتقلين تعسفيًا، ورفع الصوت تضامنًا مع نادر من الله وغيره من النشطاء المحتجزين، ضمانًا لوقف الانتهاكات واحترام الكرامة الإنسانية.
ويُعد نادر من الله محمود من أبرز المصوّرين الصحفيين والناشطين الإنسانيين في النيل الأزرق، وقد عاد إلى الولاية مؤخرًا لاستئناف نشاطه في توثيق الأوضاع الإنسانية والمشاركة في جهود الإغاثة، قبل أن يتلقى الاستدعاء الذي انتهى باحتجازه المستمر حتى الآن.
وقال أحد أفراد أسرة المصوّر الصحفي والناشط الإنساني نادر من الله محمود لـ(عاين)، إن نادر عاد مؤخرًا إلى مدينة الدمازين و”لم يغادر المنزل إلا مرة واحدة لتفعيل شريحة هاتفه، قبل أن يتلقى استدعاءً صباح السبت الماضي، من الخلية الأمنية في المدينة، فاستجاب على الفور وتوجه إلى مقرها، ليُعتقل منذ ذلك الحين دون أن تُوجَّه إليه أي تهمة”.
وأشار إلى أن أفراد الأسرة أنهم التزموا الصمت في الأيام الأولى على أمل إطلاق سراحه خلال فترة وجيزة، قبل أن يتضح استمرار احتجازه دون مسوّغ قانوني. وقال أحد أقربائه المقيمين في كمبالا لـ«عاين» إن العائلة أطلقت يوم الخميس حملة مناصرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة بالكشف عن وضعه القانوني، وتتابع حاليًا مع محامي طوارئ لمعرفة ما إذا كانت هناك أي تهم موجهة إليه.
وأكد أن الأسرة ليست ضد تطبيق القانون، لكنها ترفض الاعتقال التعسفي دون توجيه تهمة واضحة، مشددًا على أن استمرار احتجاز نادر لأكثر من أسبوع يمثل انتهاكًا لحقوقه القانونية والإنسانية، داعيًا إلى إطلاق سراحه الفوري أو توضيح أسباب اعتقاله.
وقال مصعب رزق الله، من غرفة طوارئ الروصيرص بولاية النيل الأزرق، إن الغرفة علمت باعتقال المصوّر الصحفي والناشط الإنساني نادر من الله محمود يوم السبت الماضي، عقب استدعائه رسميًا من قبل الخلية الأمنية بمدينة الدمازين، مشيرًا إلى أنه ما يزال رهن الاحتجاز منذ ذلك الوقت دون توضيح أسباب الاعتقال.
وأوضح رزق الله في مقابلة مع (عاين) أن نادر، الذي يعمل متطوعًا في مهام الاتصال الخارجي للغرفة، كان قد عاد إلى الدمازين قبل نحو شهر، حيث شارك في تنسيق الأنشطة الإغاثية ونقل احتياجات المتضررين إلى الجهات المعنية، فضلًا عن ضمان التواصل مع المنظمات الإنسانية لدعم العمل الميداني.
وأشار إلى أن نادر لم يتعرض سابقًا لأي تهديد أو استدعاء بسبب نشاطه، مضيفًا: “واجه بعض أعضاء غرفة الطوارئ استدعاءات في فترات سابقة، لكنها لم تؤدِّ إلى اعتقالات فعلية. نادر ظل ملتزمًا بالعمل الإنساني، مركزًا على خدمة المحتاجين ودعم جهود الإغاثة، ولم يُعرف عنه أي نشاط سياسي.”
اعتقال نادر مؤسف ومقلق للغاية، خاصة في ظل الأوضاع الإنسانية الحرجة التي تمر بها الولاية
غرفة طوارئ الروصيرص
ووصف رزق الله اعتقال نادر بأنه مؤسف ومقلق للغاية، خاصة في ظل الأوضاع الإنسانية الحرجة التي تمر بها الولاية، معتبرًا أن مثل هذه الإجراءات تضعف قدرة المتطوعين على أداء مهامهم وتبعث برسالة سلبية عن بيئة العمل المدني في النيل الأزرق.
وأكد أن الغرفة شهدت في فترات سابقة استدعاءات مشابهة استهدفت عاملين في المجال الإنساني، لكنها لم تسفر عن اعتقالات، مضيفًا أن هذا الاتجاه يعكس تضييقًا متزايدًا على العمل المدني ويثير قلقًا واسعًا بين المتطوعين.

وتابع: “مثل هذه الاعتقالات تُحدث أثرًا سلبيًا مباشرًا على العمل الإنساني، إذ تزرع الخوف والتردد بين المتطوعين، وتؤثر على انسيابية الجهود الميدانية في وقتٍ يحتاج فيه الناس إلى كل مساعدة ممكنة.”
وقال إن الغرفة تواصلت مع جهات رسمية ومنظمات حقوقية محلية ووطنية للمطالبة بإطلاق سراح نادر وضمان سلامته، لكن لم تتلقَّ ردًا رسميًا حتى الآن، مشيرًا إلى استمرار الجهود الحقوقية لمتابعة القضية.
وفي تفسيره لتصاعد الانتهاكات ضد النشطاء الإنسانيين والإعلاميين، قال رزق الله إن هناك خلطًا متزايدًا بين النشاط المدني والسياسي، إلى جانب ضعف الضمانات القانونية لحماية المتطوعين، وهو ما يجعلهم عرضة للاستدعاءات والاعتقالات التعسفية.
وكشف أن بعض الجهات الأمنية بررت اعتقال نادر بأنه “لأغراض التحري”، وأن هناك من يربط سفره السابق إلى كينيا بشبهات غير واقعية، موضحًا أن “سفر نادر إلى كينيا تم قبل نحو عام وثمانية أشهر، أي قبل الانقسامات السياسية الأخيرة التي جعلت البعض ينظر إلى كينيا بعين الشك، بعد استضافتها مؤتمرات سياسية لتحالفات معارضة”.
مطالبة بالافراج الفوري
وطالب رزق الله السلطات المختصة بالإفراج الفوري عن نادر من الله واحترام حقوقه القانونية والإنسانية، وندعوها إلى توفير بيئة آمنة للعاملين في المجال الإنساني والمدني. كما نهيب بالمنظمات الحقوقية الدولية والمحلية مواصلة التضامن والضغط لحماية المتطوعين وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.”
يشير احتجاز نادر من الله محمود إلى اختلال واضح في الالتزام بالإجراءات القانونية المعمول بها في السودان، حيث جرت عملية الاعتقال دون توجيه تهمة محددة، ودون إشعار رسمي للمحكمة أو للجهات الحقوقية المختصة. وتطرح هذه الحادثة تساؤلات جوهرية حول صلاحيات الخلايا الأمنية خارج نطاق القانون الجنائي والإجراءات القضائية الرسمية، وحماية حقوق المعتقلين المدنيين، وهو ما يعكس الحاجة الماسة لمتابعة قضائية دقيقة لضمان احترام القانون وحقوق الإنسان.
اعتقال غير قانوني
وقال المحامي والقانوني المعز حضرة إن الخلية الأمنية التي نفذت اعتقال نادر من الله محمود هي جهة غير قانونية وغير مختصة وفق قواعد الإجراءات الجنائية، إذ لا تملك أي سلطة احتجاز الأفراد بموجب القانون الجنائي لسنة 1991، حيث يختص جهاز النيابة العامة فقط بإصدار أوامر القبض والتحقيق عند وقوع جريمة محددة وتحت مواد قانونية محددة.
وأوضح في حديثه «عاين» أن أي احتجاز خارج هذا الإطار، سواء من جهات عسكرية أو غير عسكرية، يعد احتجازًا غير قانوني، لا يحق لأي جهة القيام به دون توجيه تهم واضحة، مؤكدًا أن هذا الاحتجاز يتطلب معرفة الجريمة المنسوبة للشخص والبلاغ الموجه إليه.
وأشار حضرة إلى أن الوضع في السودان الحالي يعكس غياب سيادة القانون وانهيار مؤسسات الدولة منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، حيث أصبحت الطغمة العسكرية صاحبة النفوذ الأعلى، بينما لا تُحاسب الجهات المسلحة على انتهاكات مثل القتل أو الاعتداءات، بما في ذلك جرائم ضد المدنيين.
وأكد أن اعتقال نادر من الله يمثل جزءًا من استهداف أوسع للمدنيين والنشطاء الإنسانيين، حيث يتم تلفيق البلاغات واحتجاز الأشخاص بشكل غير قانوني، كما حدث مع عدد من المحامين والناشطين في مناطق أخرى مثل سنجة وبورتسودان، ما يوضح أن هذه الممارسات تُشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون وتهديدًا لحرية المدنيين والنشطاء.