حكاية (سلمى) وآخرون.. وقائع اعتقالات بحجة التخابر مع الدعم السريع
عاين- 18 مارس 2024
عندما نزحت “سلمى حسن” من الخرطوم بحثاً عن مكان آمن يأويها وعائلتها كحال مئات الآلاف من السودانيين، لم تكن تتخيل أن رحلتها إلى شمال البلاد ستنتهي باعتقالها داخل زنزانة في قسم شرطة بمدينة عطبرة لأشهر بتهمة التخابر مع قوات الدعم السريع التي هربت من ويلات أفعالها شرق العاصمة الخرطوم.
أواخر ديسمبر الماضي، وبعد سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة، نفذت السلطات الأمنية في مناطق سيطرة القوات المسلحة اعتقالات على أساس اثني واتهام العشرات من المعتقلين في ولايات نهر النيل، وكسلا، والقضارف، وغيرها من المناطق بالانتماء إلى الدعم السريع.
ولاية نهر النيل شمالي البلاد، شهدت عمليات اعتقال واسعة مع تنامي خطابات كراهية تجاه إثنيات محددة، وتهديدها بمغادرة الولاية. ودفع التصعيد بالولاية، حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، إلى تكوين لجنة من أربعة أفراد لمتابعة قضايا الموقوفين في الولايتين الشمالية ونهر النيل في الثاني من يناير الماضي والأخيرة سجلت زيارة ميدانية للولاية، وقابلت السلطات لتسهيل إجراءات إطلاق سراح أبناء دارفور الموقوفين في السجون والحراسات.
حكاية سلمى
“سلمى حسن” وعائلة زوجها كن ضمن اللائي تعرضن للاعتقال، فبعد قصدهن أحد الفنادق المحيطة بميناء عطبرة البري، حضرت قوة من الاستخبارات العسكرية في يونيو الماضي، واعتقلت والدة زوجها “إنعام” وشقيقته “مليحة” وأطفالهم وبالتالي “سلمى”.
ووفقا لمتابعات (عاين)، فإن فرداً من الاستخبارات العسكرية سمع والدة زوج سلمى، إنعام خيري، والتي توفيت داخل السجن نوفمبر الماضي، تتحدث بشكل عفوي في الفندق عن الحياة في الخرطوم وعن الدعم السريع، وأحضر بعدها قوة لاعتقالها وابنتها مليحة من داخل السكن، ولاحقاً في اليوم نفسه اعتقلوا “سلمى” بعد علمهم بأنها تنتمي إلى إحدى المجموعات الأهلية غربي السودان.
أبقت السلطات على “سلمى” وأفرجت عن بقية المعتقلين معها. ويروى لـ(عاين) زوجها محمد علي، وهي المعتقلة لما يزيد عن ثمانية أشهر ما بين مباحث الفرعية عطبرة وسجن النساء، عن تفاصيل اعتقال أسرته، قائلا إنه فقد التواصل معهم منذ نهاية شهر يونيو العام الماضي، ليعلم بعد أسبوعين عبر أقاربهم في عطبرة بخبر اعتقال زوجته ووالدته وشقيقته، وبعدها أبناؤهم الأطفال الذين تم تركهم بدون مرافق أو قريب في الفندق لأسبوع؛ قبل إحضارهم للمعتقل.
وتابع محمد علي: “فُتِح بلاغ بالمادة 47 ” اشتباه في السرقة “، بحجة التحقيق في ملكية مجوهرات شقيقتي مليحة، وبعدما أرسلنا فواتير وأوراق المجوهرات أُطْلِق سراحها، لكن لم تُرْجَع المجوهرات لها مشيرين إلينا بعدم اكتمال الإجراءات لنتفاجأ بعدها بفتح بلاغ ضد زوجتي ووالدتي بالمواد 52/51 تقويض النظام الدستوري والتخابر لصالح الدعم السريع، واتهام مليحة بالهروب من البلاغ رغم إطلاق سراحها”.
منتصف فبراير الماضي، أطلقت هيئة محامي دارفور حملة لمناصرة سلمى، واعتبرت أن الاعتقال يقع ضمن حملة الاستهداف على الأساس الجهوي والقبلي، وعبرت عن رفضها الشديد استغلال الإجراءات تحت غطاء القانون والعصف به، وقالت باقتضاب إنها ستبلغ النائب العام للتدخل للإفراج الفوري عن سلمى حسن والمطالبة بفتح تحقيق حول وفاة إنعام محمد خيري بالحراسة في عطبرة.
واستنكرت استمرار تجديد حبس سلمى حسن من دون مباشرة لأي تحريات جادة معها، على الرغم من خطورة المواد الجنائية المفتوحة ضدها 51/52، الجرائم الموجهة ضد الدولة.
وفاة مأساوية داخل المعتقل:
بعد استمرار الاعتقال ورفض تحويل المتهمات للمحكمة أو الإفراج عنهما، تدهورت صحة إنعام ووفاتها بتاريخ 30 نوفمبر الماضي بسجن النساء عطبرة بعد معاناتها من أزمة في التنفس لفترة طويلة، وتم دفنها بحضور ثلاثة أفراد من المباحث واثنين من أقاربها فقط كما لم يتم تشريح الجثة، أو يُسلم تقرير واضح عن سبب الوفاة.
يوضح المحامي عن المتهمتين، خالد محمد عثمان لـ(عاين) إنه تمكن من الحصول على إذن من النيابة لزيارة سلمى وإنعام في السجن قبل وفاتها بأسبوعين، ويوضح أن صحة إنعام كانت متدهورة، وتشكو مشكلة في التنفس، وأنه أحضر لها-بخاخ أزمة – في السجن.
ووفقا لخالد، تم رفض طلبين له لاستئناف قرار تحويل المتهمة للمحكمة، كما أن البلاغ لم يشهد أي إضافة في التحري إلى الآن دون تسبيب حقيقي من المباحث المركزية. ويتابع: “رغم إصدار قاضي نيابة عطبرة قراراً بعدم تجديد الحبس لها، إلا أنهم لم يلتزموا بالقرار”. ويشير خالد، إلى أن القضية قانونياً لن تصمد أمام المحكمة ساعة واحدة؛ بسبب عدم وجود أي بينات للاتهام.
روايات معتقلون
رئيس اللجنة التي شكلها حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي لمتابعة قضايا الموقوفين من أبناء دارفور في الولايتين الشمالية ونهر النيل في الثاني من يناير الماضي، يحي حسن نيل، يرى أن الحديث عن هذه المسألة في الإعلام يدخل في إطار إثارة النعرات.
ونوه حسن نيل، إلى أن لجنته أفرجت عن جزء من المعتقلين، لكنها أيضاً تركت بعض البلاغات للقانون.
لكنه ورغم تشديد نيل، على توقف هذه الممارسات، يؤكد مراسل (عاين) في ولاية نهر النيل استمرار ارتكاب السلطات بالولاية انتهاكات الاعتقال والاحتجاز.
وثقت (عاين) شهادات بعض المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم مؤخرا، وبينهم (أ.ح) أحد الضحايا الذين تم اعتقالهم في مدينة شندي عن طريق جهاز الأمن.
ويروي لـ(عاين) عن اقتحام قوة أمنية السكن التشاركي المقيم فيه الساعة الواحدة صباحاً، واعتقاله دون بقية الشباب، ويتابع: “تم ضربي والتحقيق معي في المنزل لمدة وترحيلي بعدها مقر القيادة العامة للجيش.”
ويواصل: “أغلب الأسئلة كانت حول أسباب وجودي في الولاية، رغم تخرجي من جامعة شندي”. ويضيف:” أوضحت لهم سبب استمرار إقامتي في شندي وهو قضائي الخدمة الوطنية في إدارة الصحة والسكان، لكنهم ظلوا يوجهون الأسئلة مثل: لماذا لم تختر قضاء الخدمة في موطن نشأتك.
ويوضح أن مدة اعتقاله بلغت ثلاثة أيام، شهد فيها على طريقة تعامل الاستخبارات مع قرابة 100 معتقل في سجن القيادة أغلبهم من إثنيات محددة، بينهم معتقلين قادمين من الخرطوم، ويذكر أنهم لم يجدوا شيئاً يُحسب عليه في التحقيق خاصة في جواله المحمول؛ مما دفعهم للإفراج عنه بعد ثلاثة أيام.
معتقل آخر أُفرج عنه مؤخرا بعد اعتقال على مرتين في عطبرة، يحكي لـ(عاين): أن “الاعتقال تم من داخل منزل يقيم فيه برفقة أصدقائه التجار في سوق المدينة الكبير”. ويتابع: “تمت مداهمة منزلنا بعد تبليغ أحد جيراننا عن اشتباهه باإنتمائنا للدعم السريع”. مشيراً إلى تعرضهم لمعاملة سيئة في أثناء التحقيق، رغم محاولاتهم إقناع الضباط بعدم صلته بأي نشاط مشبوه، وأقامتهم في عطبرة منذ مدة طويلة.
ويروي عن مشاهدته عشرات الحالات المشابهة في المعتقل. ويضيف: “بعد حادثتي الاعتقال تركنا المنزل، وبيننا من سافر خارج البلاد وآخرين عادوا إلى دارفور، ويوضح أنه مازال مراقباً، ويتم تسجيل زيارات له بين الحين والأخرى من أفراد أمن في متجره بسوق عطبرة الكبير”.
“الإنتهاكات في ولايتي نهرالنيل والشمالية في مواجهة الذين وفدوا إليهما موجودة بالفعل، كذلك هنالك ممارسات بواسطة أجهزة الولايتين تندرج ضمنها قرارات الأجهزة الرسمية بوضع قيود صارمة على العاملين في المهن البسيطة كتجارة الأطعمة والباعة المتجولة”. يقول رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور، الصادق علي حسن، لـ(عاين).
ويضيف: “هنالك انتهاكات موثقة منها مقتل خريج جامعي بمدينة كريمة بالولاية الشمالية؛ بسبب التعامل بحساسية مفرطة بدواعي الاشتباه الأمني، وفي ظروف عادية، كما وردت إلينا العديد من الحالات التي نجمت عنها اعتقالات جزافية وإصابات بدنية “.