هل يعتزم (البرهان) إكمال حلقات انقلاب الجيش؟

14 فبراير 2022

 بعد مرور نحو 4 أشهر على الانقلاب، ما يزال قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، يعيد ترديد نفس العبارات المتعلقة بالتوافق والحوار الوطني، بالتوازي مع استمرار انتهاكات سلطته العسكرية.

وبعد أقل من 24 ساعة على دعوته للحوار والتوافق التي أعاد تردديها خلال مقابلة مع تلفزيون السودان، يوم السبت، اعتقلت قوات مشتركة عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق محمد الفكي.

عملياً، يبدو أن البرهان، يريد المضي قدماً في استكمال حلقات انقلاب 25 أكتوبر، رغم إدعائه عكس ذلك، لكن عليه مواجهة لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين، وقوى الحرية والتغيير ومنظمات مدنية ومهنية، التي تقود مقاومة شرسة تهدف لإسقاط الإنقلاب وإقامة حكومة مدنية كاملة.

وينخرط الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة يونيتامس فولكر بيرتس في مشاورات مستمرة مع فاعلين أساسيين، سياسسين ومهنيين ومنظمات مجتمع مدني، بهدف إحداث إختراق في المشهد السياسي المحتقن في السودان.

وفي العاشر من يناير الماضي، أعلنت البعثة الأممية  بدء مشاورات بغرض تسهيل التفاوض بين الفرقاء السودانيين.

تراجع عن مبادرة فولكر

من جهته، رحب وقتها، مجلس السيادة الانقلابي بالمبادرة الأممية، لكن البرهان، عاد وقال في مقابلة مع تلفزيون السودان بُثت السبت، إن مبعوث الامين العام للامم المتحدة فولكر بيرتس وسيط يدعو الجميع للحوار ولا يحق له تقديم مبادرة، وعليه العمل على تهيئة البيئة للانتخابات وهذه مهمته الاساسية، مؤكداً التطلع لجهة سودانية تتولى جمع المبادرات وتخرج بها في مبادرة واحدة .

وفد الحرية والتغيير في لقاء مع فولكر 8 فبراير 2022- الصورة: يونتامس

وعلى الرغم من التباين بين الترحيب الذي أبداه مجلس السيادة الإنقلابي في بداية إطلاق المبادرة الأممية وبين حديث البرهان الأخير، فإن أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية مصعب محمد علي يرى أن حديث البرهان حول المبادرة الأممية يمكن ان يكون رأياً آخر غير الذي رحب بالمبادرة في البداية، في إشارة للتناقضات متوقعة الحدوث في مجلس السيادة الإنقلابي.

ولفت “علي” في حديث لـ(عاين) إلى أن العسكريين لم يقوموا بالجلوس مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة حتى الآن.

كما لا يعتقد أستاذ العلوم السياسية أن حديث “البرهان” يعتبر رفضاً للمبادرة الأممية، مشيراً إلى البعثة الأممية مهمتها تقتصر على تيسيير الحوار فقط ولا تُقدم حلاً سياسياً للفاعلين السودانيين.

وفي الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة الأمريكية إمكانية فرض عقوبات على قادة إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، قلل البرهان من جدوى التهديد بفرض العقوبات.

وقال الناطق الرسمي لتجمع المهنيين السودانيين الوليد علي، في حديث لـ(عاين) إن السلطة القائمة في السودان تعد سلطة إنقلابية، لذا فليس من المتوقع أن تتنازل عنها عن طريق التفاوض، مشيراً إلى أن الإنقلابيين لن يتخلوا عن السلطة إلا بهزيمتهم بواسطة قوى الثورة الحية.

قوى التغيير:تضع المجلس العسكري وخطواته ناحية السلطة أمام خيارات صعبة
قادة المجلس العسكري- الصورة- ارشيف

وأوضح علي، أن الإنقلابيين نفذوا إنقلابهم لهدفين، الأول هو المحافظة على النظام القديم الذي يضمن إستمرار مكتسباتهم الاقتصادية والإجتماعية التي تم تحقيقها خلال العهد البائد. لافتاً إلى أنهم يمثلون قوى إجتماعية محددة أثرَت مالياً خلال سنوات العهد البائد، مشيراً إلى أنهم يسعون  لحماية هذه المصالح عن طريق السلطة.

وبين علي، أن الهدف الثاني هو تخوف الإنقلابيين من المحاسبة والعقاب، مشيراً إلى أن الجنرالات الذين نفذوا الانقلاب متهمين بإراقة الكثير من الدماء، موضحاً أنهم يحاولون التمسك بالسلطة التي يعتقدون أنها توفر لهم الأمان وتتيح لهم الإفلات من العدالة.

وبالعودة للمقابلة التلفزيونية مع القائد العام للجيش السوداني، قال البرهان ان الجيش سيخرج من كافة الاطر السياسية اذا ما تم توافق وطني او عبر الانتخابات.

كما أبدى رفضه إجراء إي إصلاحات للمؤسسة العسكرية خلال الفترة الانتقالية، مشيراً إلى أن الإنقلاب هدف إلى توسيع دائرة المشاركة والتوصل إلى توافق وطني.

ويرى الناطق الرسمي لتجمع المهنيين السودانيين الوليد علي، أن حديث البرهان عن تسليم السلطة للمدنيين حالة وجود توافق وطني حديث لا قيمة له ويراد به الإستهلاك السياسي.

وأشار  إلى أن المكون العسكري عندما قام بالتوقيع على الوثيقة الدستورية كان واضحاً عدم رغبته في تسليم السلطة للمدنيين. ودلل على ذلك بالقول أن الحكومة الإنتقالية التي أفضت الوثيقة الدستورية لتكوينها كانت منزوعة السلطات في أهم ملفين هما الأمن والاقتصاد، مشيراً إلى أن البرهان يسعى إلى تكوين حكومة منزوعة السلطات.

وقال البرهان إن القصد من انقلابه على المكون المدني في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي أن يقود الإجراء إلى توسيع القاعدة السياسية للفترة الانتقالية عبر انضمام مكونات أخرى حُرمت من المشاركة في إعادة صياغة مستقبل الحكم في السودان.

ولطالما أُتهم المكون العسكري بأنه يريد عن عبر دعوات توسيع دائرة المشاركة السياسية والتوافق الوطني مشاركة أطراف سياسية موالية للمؤتمر الوطني المحلول.

وعاد “البرهان” ليردد في المقابلة التلفزيونية للقول أن الفترة الانتقالية لا يزال يمكنها أن تسع إجراء حوارات لكافة المكونات السياسية وأن يتم التوافق بين الجميع.

قفز على الاتفاقيات

وحول إصلاح المؤسسة العسكرية قال “البرهان” ليس هناك أي جهة تملك تفويضاً يخولها التدخل فيها وليس لأي جهة الحديث عن إصلاح المؤسسة العسكرية او أعادة هيكلتها إلا أن تكون هذه القوى منتخبة اختارها الشعب عن طريق الانتخابات”.

يأتي هذا الحديث في الوقت الذي أكد فيه “البرهان” في ذات المقابلة التلفزيونية، تمسكه بضرورة تنفيذ كل ما ورد في الوثيقة الدستورية على الرغم من أن التوقيع عليها اقتصر على المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير، حسب قوله.

وتنص الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها بين المكون العسكري و قوى الحرية والتغيير في السابع عشر أغسطس 2019 على ضرورة إصلاح أجهزة الدولة وأن تعمل قيادة الجيش على القيام بالإصلاحات الخاصة بالأجهزة العسكرية.

كتائب الظل… مجموعات اسلامية ام منظومة متكاملة
قوات تتبع للدعم السريع في الخرطوم-2019- الصورة عاين

كما أكدت اتفاقية السلام الموقعة في جوبا على تكوين جيش قومي واحد بعقيدة عسكرية جديدة، على أن تشتمل عملية الدمج كل التشكيلات العسكرية بما فيها قوات الدعم السريع.

ويرى أستاذ العلوم السياسية، مصعب محمد علي، أن تصريح البرهان الرافض لأي إصلاح للمؤسسة العسكرية خلال الفترة الانتقالية يعني ترك الأمر لحكومة منتخبة  بعد الفترة الإنتقالية وهو ما يؤكد الرفض السابق لأي عملية تنادي بإصلاح المؤسسة في الفترة الإنتقالية.

من جهة أخرى فإن ” البرهان” كان قد أشار أيضاً إلى أن إنقلابه هدف إلى توسيع دائرة المشاركة والتوصل إلى توافق وطني.

توافق مستحيل

لكن القيادي بقوى الحرية والتغيير ــــ المجلس المركزي ــــ عادل خلف الله يقول في تصريحات لـ(عاين) إن التوافق الوطني بالمعنى الذي يقصده قائد الانقلاب العسكري في السودان غير قابل للتحقق، نسبة لوجود معسكرين سياسيين متناقضين، أحدهما يؤمن بالانتقال الديمقراطي والوحدة والسيادة والسلام المستدام، وهي القوى السياسية التي نفذ “البرهان” إنقلابه عليها، بدعم من قوى الردة وقوى إقليمية ودولية لمصلحة القوى الأخرى التي تمثل التسلط والاستبداد والفساد والراسمالية الطفيلية والتبعية، لافتاً إلى إستحالة وجود توافق بين هاتين القوتين.

ولفت خلف الله، إلى  أن قائد الإنقلاب بعد أن كان يرهن إنتقال السلطة للمدنيين عبر الإنتخابات، يتحدث الآن عن إنتقالها بعد حدوث توافق بين القوى السياسية.

“وعلى الرغم من أن البعض عد موقفه الأخير تراجعاً عن الموقف الأول إلا أنه يؤكد تمسك قائد الانقلاب بالسلطة”. يقول خلف الله ويشير إلى أن البرهان يريد القول أنه سيستمر في الانفراد بالسلطة لعدم وجود توافق.

فيما يعتبر أستاذ العلوم السياسية مصعب محمد علي، أن إنفراد أي مكون بالسلطة لا  يعمل على تحقيق الاستقرار في البلاد، مشيراً إلى  أنه سيؤدي إلى تعميق الازمة  السياسية بها.

ويقول أستاذ االعلوم السياسية، تعليقاً على حديث “البرهان” الذي أشار فيه لعدم جدوى العقوبات التي تعتزم واشنطون فرضها على منفذي الانقلاب: “أنهم يرفضون التهديد بالعقوبات ويمضون في قراراتهم.

بقاء الجيش

“وبعد أن كان الحديث عن الانتخابات هو الذي يسيطر على تصريحات وخطابات “البرهان” بعد الخامس والعشرين من أكتوبر أصبح الآن يتحدث عن عن التوافق الوطني عبر الانتخابات يقول أستاذ العلوم السياسية معلقاً بأنه أي ــ التوافق ــ بهذه الكيفية “أمر يصعب حدوثه” بسبب التناقضات بين القوى السياسية، مشيراً إلى أن هذا التلويح يقرأ في سياق عدم نية الجيش الإبتعاد عن السلطة في الفترة الحالية و في المستقبل، حالة عدم حدوث التوافق السياسي.

وبالعودة للجهود التي تقوم بها البعثة الأممية في السودان، يشير القيادي بقوى الحرية والتغيير، عادل خلف الله إلى أن الانقلابيين، سبق ورفضوا الدور الذي تقوم به البعثة الأممية، الأمر الذي جدده قائد الإنقلاب في المقابلة التلفزيونية السبت الماضي. مشيراً إلى أن رئيس البعثة الأممية لم يقل أن له مبادرة حتى يرفضها “البرهان” لافتاً إلى أنه يقوم بدور إستشاري يهدف لجمع وجهات نظر لقوى سياسية متباينة ليحدد من خلالها أوجه الاتفاق والاختلاف.

السودان يعتزم تشكيل القوات المشتركة في مناطق السلم بعد توفر ضمانات مالية
رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس

“الذي يزعج قائد الانقلاب والقوى المتحالفة معه أن القوى السياسية والمهنية والمدنية التي إلتقى بها رئيس البعثة الأممية ناقشت ما حدث في الخامس والعشرين من أكتوبر والموقف منه والمخرج من الأزمة السياسية التي نتجت عن الانقلاب، لافتاً إلى أن أغلب التصريحات التي أعقبت لقاءات البعثة الأممية أكدت على أن العسكريين نفذوا إنقلاباً ضد الحكومة الانتقالية ودعوا لإسقاطه.

وأشار إلى أنهم في قوى الحرية والتغيير قاموا بتقديم رؤية سياسية للبعثة الأممية تضمنت تأسيس دستوري جديد، قائم على سلطة مدنية كاملة تُنهي إستخدام بعض النخب العسكرية للجيش سياسياً.

ولفت إلى أن قوى الحرية والتغيير دعت لأن يلتزم الجيش بمهامه المتمثلة في حماية ووحدة البلاد وأمنها وسيادتها. مع ضرورة التصدي للأزمة السياسية وتوفير المتطلبات اللازمة لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة.

وأوضح خلف الله إلى أن  رؤية قوى الحرية والتغيير ــ المجلس المركزي ـــ تضمنت إستئناف لجنة عمل إزالة التمكين  لنشاطها بعد إستكمال هياكلها، خاصة فيما يتعلق بلجنة الاستحقاقات التي قام بتعطيلها “البرهان” لافتاً إلى أن الرؤية السياسية التي قدمتها قوى الحرية والتغيير للبعثة الأممية، أزعجت الانقلابيين.

تصريحات لا تهم الشارع

من جهتها، أبدت لجان المقاومة عدم إكتراثها لتصريحات رئيس مجلس السيادة الإنقلابي لجهة فقدان الثقة بينه وبين الشارع السوداني.

وقال المتحدث الرسمي بإسم تنسيقية لجان الخرطوم، محمد أنور، أن قائد الإنقلاب سبق وتعهد بعدد من الالتزامات الجماهيرية التي تم طرحها في الإعلام قبل تنفيذه لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر إلا أنه لم يلتزم بها. مشيراً إلى أن الشارع لن يصدق ما يقوم بطرحه بناء على تجربته معه.

متظاهرين ضد الانقلاب العسكري في العاصمة الخرطوم 13 يناير 2022

وأوضح أنور أن لجان المقاومة عندما طرحت ضرورة إقالة ومحاسبة اللجنة الأمنية للمؤتمر الوطني التي يمثلها أعضاء المجلس العسكري بمجلس السيادة، كان طلباً منطقي وبديهي، كما كان ضرورة لازمة لفتح الباب لأي حل سياسي، لافتاً إلى أن الوصول لأي حل سياسي غير ممكن إلا بعد محاكمة ومحاسبة اللجنة الأمنية للمؤتمر الوطني.

وأشار إلى أن لجان المقاومة وقوى الثورة الحية تتمسك بشعار لا تفاوض لا حوار، وهذا الشعار يستهدف بشكل أساسي الانقلابيين، نسبة لإنعدام الثقة.