“الكومة وكبكابية”.. هدف دائم لطيران الجيش السوداني بدارفور

عاين- 19 نوفمبر 2024  

يُكثف طيران الجيش السوداني، غاراته الجوية على مدينتي الكومة وكبكابية في ولاية شمال دارفور، فالمنطقتان صارتا هدفا دائما للطيران الحربي الأمر الذي خلّف مئات القتلى والمصابين وسط المدنيين، مما وضع سكان البلدتين في حالة رعب مستمرة.

واستهدف القصف الجوي في البلدتين الأسواق والمرافق الصحية، مما أدى إلى خروجها عن الخدمة، إلى جانب تدمير محطات مياه الشرب ووضع آلاف المواطنين أمام أزمة العطش، يحدث ذلك رغم عدم وجود معارك عسكرية في المدينتين اللتين تقعان ضمن النطاق الجغرافي لسيطرة قوات الدعم السريع.

وشهدت مدينة الكومة مجازر جراء القصف العشوائي الذي ينفذه طيران الجيش، حيث تعرضت إلى 3 غارات جوية خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الجاري تسببت في مقتل 62 مواطناً وإصابة 207 آخرين، بينهم 61 قتيلاً خلال غارة واحدة جرى تنفيذها مطلع أكتوبر الماضي.

بينما تعرضت المدينة منذ بداية استهدافها بالقصف الجوي في مارس وحتى نوفمبر الجاري (8 أشهر) إلى 52 ضربة جوية، وفي كل واحدة تلقي الطائرة الحربية من 6 – 8 براميل متفجرة، وتسبب ذلك في مقتل 132 مواطنا وجرح المئات خلال الفترة الزمنية المحددة، وفق إحصائية حصلت عليها (عاين) من متطوعي غرفة الطوارئ في المدينة.

قصف مماثل

كبكابية بدورها تعرضت إلى عمليات قصف جوي مكثفة، بدأت في رمضان، أبريل من العام الجاري، ومنذ ذلك الوقت، وإلى اليوم – أي خلال 7 أشهر، نفذ الطيران العسكري 20 غارة جوية على هذه المدينة، تسببت في مقتل 30 مواطناً وجرح 70 آخرين، وتدمير عدد 2 صهريج من مصادر مياه الشرب الرئيسية، وفق إحصاء أجراه متطوعون في المنطقة تحدثوا لـ(عاين).

كما أدى القصف الجوي على كبكابية إلى خروج كامل للمستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، مخلفاً أوضاع صحية كارثية، مع ظهور وباء غامض هذه الأيام يحصد أرواح السكان خاصة فئة الشباب، مما خلق ذعرا في المدينة في ظل غياب التشخيص والعلاج، بحسب ما نقلته المصادر نفسها من البلدة.

والكومة هي واحدة محليات ولاية شمال دارفور، وتقع على نحو 76 كيلومتراً في الاتجاه الشمالي الشرقي من مدينة الفاشر، يمر بها طريق الإنقاذ الغربي الذي يربط شرق السودان مع غربه، كما تمثل نقطة التقاء لحركة السفر إلى مدن نيالا والجنينة وزالنجي، وأكسبها موقعها الجغرافي الاستراتيجي أهمية كبيرة.

قصف لطيران الجيش السوداني يخلف دمارا في منازل مدنيين بمدينة نيالا- 10 يناير 2024- الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

وما تزال محلية الكومة تدار عبر المدير التنفيذي المعين من قبل حكومة ولاية شمال دارفور التي يقودها الجيش، في ظل وجود نظام قوي من الإدارة الأهلية يتحكم في الأوضاع، كما لم تعلن قوات الدعم السريع السيطرة عليها وإدارتها.

بينما تقع كبكابية على بعد نحو 270 كيلومتر غرب مدينة الفاشر وهي ثاني أكبر محلية في ولاية شمال دارفور من الناحية العمرانية والاقتصادية، وكذلك الثقل السكاني، وتمتاز بتنوعها السكاني، وأعلنت قوات الدعم السريع السيطرة عليها في أول يوم لاندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي.

ويقول صالح حارن وهو ناشط اجتماعي في الكومة إن “منطقته خالية من أي معسكر أو قاعدة عسكرية، وأن منسوبي قوات الدعم السريع يعبرون بها كغيرهم من المسافرين؛ نظراً لمرور طريق الإنقاذ الغربي عبرها، ويديرها المدير التنفيذي التابع للحكومة، إلى جانب الإدارة الأهلية التي كونت بدورها لجنة من شباب المنطقة لمكافحة الظواهر السالبة”.

يعترض المدنيون في الكومة إلى استهداف مباشر من الطيران الحربي استنادا إلى حملات مضللة يقودها نشطاء على الإنترنت تزعم اتخاذ قوات الدعم السريع المنطقة محطة للسلاح والعتاد

ناشط مدني من الكومة

ويضيف لـ(عاين): “يعترض المدنيون في الكومة إلى استهداف مباشر من الطيران الحربي وبشكل مستمر، وذلك استنادا إلى حملات مضللة يقودها نشطاء على الإنترنت تزعم اتخاذ قوات الدعم السريع المنطقة محطة للسلاح والعتاد، لكن الحقيقية هي عدم وجود أي مقار عسكرية، كما أن كل الغارات الجوية تم تنفيذها على المناطق المدنية مثل الأسواق والمستشفيات، ومصادر مياه الشرب، والأحياء السكنية”.

مجازر الكومة

وبدأ طيران الجيش يستهدف الكومة في شهر مارس من العام الجاري، ومنذ ذلك الحين، وإلى شهر نوفمبر الحالي تعرضت المدينة إلى عدد 52 غارة جوية، قتل خلالها 132 مواطناً، وتدمير المئات من المحال التجارية ونفوق أعداد كبيرة من الماشية، وهي حصيلة كشفها لـ(عاين) متطوعين في غرفة طوارئ الكومة لـ(عاين) وأكدها الناشط صالح حارن.

وكانت غارة جوية استهدفت سوق الكومة في صبيحة الرابع من أكتوبر الماضي الأكثر دموية، حيث قتلت 61 مواطناً، وجرح 200 آخرين، ودمرت 53 محلاً تجارياً، و132 مقهى مشيدا بالمواد البلدية، وفق حصر أجراه متطوعي غرفة الطوارئ، كما حصلت (عاين) على قائمة بأسماء القتلى من المدنيين في تلك المجزرة.

وفي 8 نوفمبر الجاري قصف الطيران الحربي “دونكي” إسماعيل صديق في مدينة الكومة، وهو أحد أهم مصادر مياه الشرب في المدينة، مما أدى إلى خروجه عن الخدمة، ووضع آلاف المواطنين، والماشية كانوا يعتمدون عليه، في مواجهة العطش.

وجرى قصف مدرسة الفاروق الأساسية في مدينة الكومة التي تستخدم كمركز لإيواء نازحين قادمين من الفاشر ونيالا وعدد من المناطق، مما أدى إلى مقتل مواطن واحد وإصابة 7 آخرين.

“تزايد عمليات القصف الجوي على الكومة، والذي يحدث ليلا في أغلب الأحيان، وضع المواطنين في حالة من الرعب المستمر، بينما نزح عدد كبير إلى المناطق المحيطة بالمدينة”. يقول صالح حارن.

وتابع صالح:”بعض المواطنين يغادرون منازلهم مع مغيب شمس كل يوم، ويذهبون إلى العراء والمزارع لقضاء ساعات الليل التي تتعرض فيها المدينة للقصف الجوي خلالها، ويعودون بتوجس عند شروق الشمس بغرض الأكل والشرب وأخذ احتياجاتهم، اللبس والأغطية وغيرها. يتشرد سكان الكومة من بيوتهم، رغم عدم وجود معارك عسكرية وحرب على الأرض”.

وألقت حالة الرعب بظلالها على الأسواق الرئيسية في مدينة الكومة، إذ فقد الزخم بعد أن امتنع السكان من ارتادها خوفا من قصف الطيران، علما بأن سوق أم دورور الذي اُسْتُهْدِف بالطيران في شهر أكتوبر الماضي يمثل شريان حياة للأهالي، وغادره التجار بشكل جماعي، ولم يعد سوى 15% فقط منهم بحسب مواطن في المدينة تحدث لـ(عاين)

لا قواعد عسكرية

ويقول عبد العزيز وهو أحد قادة الإدارة الأهلية في المنطقة إن الكومة أكثر المناطق التي تعرضت لقصف بالطيران في إقليم دارفور، إذ ضُرِبَت بما يزيد عن 52 غارة جوية، وفي كل غارة يتم إلقاء من 6 – 8 براميل متفجرة، وجميعها كانت في منتصف المدينة، في حين أن الكومة تكاد تكون البلدة الوحيدة في الإقليم لم تشهد في تاريخها تأسيس معسكر عسكري للجيش أو قوات الدعم السريع أو خلافهما، فقط يوجد مركزان للشرطة وجهاز الأمن.

وشدد في مقابلة مع (عاين) أن الكومة صارت قبلة للنازحين من الفاشر وأم كدادة ومليط وبقية المناطق المجاورة التي شهدت اضطرابات أمنية، ورغم عدم الوجود العسكري يتعرض سكانها لأبشع المجازر بالطيران الذي دائما يستهدف الأعيان المدنية مثل الأسواق ومصادر مياه الشرب، وخلف مئات القتلى المدنيين معظمهم من النساء والأطفال والباعة الجائلين في الأسواق.

“تكون الضربات الجوية على الكومة بشكل متوال، خلال كل أسبوع وعشرة أيام كحد أقصى، مما تسبب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين، كذلك أضرار مادية بالغة، إذ دُمِّر السوق الرئيسي بأكمله، ونسف مصدرين أساسيين لمياه الشرب في المدينة”. يضيف عبد العزيز.

ويتابع: “نحن نتعرض لقصف ممنهج بالطيران، فما يحدث ليس له مبرر؛ لأن دولاب الدولة مستمر في محلية الكومة التي يديرها المدير التنفيذي التابع إلى حكومة ولاية شمال دارفور، يجب أن يتوقف هذا الاستهداف، وتكون الكومة منطقة معزولة وآمنة لحماية المدنيين الذي لجأوا إليها، وهي الآن بمثابة سودان مصغر يضم كل الطيف الاجتماعي”.

قصف جوي على مستشفى الضعين بولاية شرق دارفور

ويطلق مناشدة إلى المنظمات الإنسانية بضرورة الضغط من أجل وقف المجازر التي تحدث في الكومة وتوفير أكبر قدر من الحماية لسكانها، الذين يتمسكون بالبقاء فيها نظراً لعدم وجود مكان ينزحون إليه.

وتمثل الكومة شريان حياة لكل سكان دارفور فهي معبر لشاحنات البضائع القادمة من الدبة بالولاية الشمالية إلى إقليم دارفور، ويلتقي فيها طريق الإنقاذ الغربي والأربعين، وكانت الإدارة الأهلية التي تحكم المنطقة أعلنت حيادها في الحرب الحالية.

من جهته، يقول إبراهيم عمر عبيد وهو ناشط في المبادرات الطوعية بالكومة “نتعرض إلى هجمات عدوانية ومروعة من الطيران، والذي يستهدف المدنيين في الأسواق والأحياء السكنية، مما خلف مئات القتلى وسط المواطنين، ونحن نحث المنظمات الإنسانية وأصحاب الضمير الحي، والإعلام الحر للعمل على وقف هذه الانتهاكات”.

ملاذ النازحين

ويشير عبيد في مقابلة مع (عاين) إلى أن الكومة أصبحت ملاذاً للنازحين من مختلف أنحاء إقليم دارفور وكردفان، وهم يعيشون في 19 مركز إيواء تحت ظروف إنسانية سيئة، فاقمتها هجمات الطيران العسكري المتكررة على المدينة، حيث ظل السكان خاصة النساء والأطفال وكبار السن في حالة رعب مستمرة.

ويضيف: “فقدت الكومة كل مقومات الحياة نتيجة قصف الطيران، إذ تعاني العطش بعد تدمير مصدرين رئيسيين لمياه الشرب بغارات جوية، بينما تفاقمت معاناة النازحين الذين كانوا يعتمدون على المبادرات الطوعية، والتي كانت تعتمد على التبرعات من الأسواق، فهم يعيشون أوضاعاً صعبة وسط نقص الغذاء والإيواء بما في ذلك الأغطية التي تحميهم من البرد مع دخول فصل الشتاء، الأمر الذي يتطلب تدخلات عاجلة”.

تابع: “هذه حرب عبثية بين جنرالين، موجهة بشكل مباشر على المواطنين وهم من يدفعون ثمنها، ونناشد الطرفين بالكف عن القتال رأفت بالمدنيين الذين يواجهون الماسي في كل أنحاء السودان، كما ندعو إلى الوقوف مع مدينة الكومة المنكوبة وسكانها”.

وباء غامض

ولم يكن الوضع في كبكابية بأحسن حالاً، إذ تسبب القصف الجوي بالطيران الحربي في أوضاع إنسانية سيئة، لا سيما الجانب الصحي عقب خروج معظم المستشفيات والمراكز الطبية.

وتقول سمية الطيب وهو اسم مستعار لناشطة طوعية في كبكابية إن “المنطقة لم تشهد معارك عسكرية باستثناء اليوم الأول لاندلاع الحرب الذي حدثت فيه اشتباكات لوقت ساعتين فقط استولت خلالها قوات الدعم السريع على قيادة الجيش، ومنذ لحظته تعيش المدينة في أمان لدرجة أصبحت جاذبة للنازحين من الفاشر ونيالا ومناطق، لكن تدهورت الأوضاع مع بدء استهدافها بالطيران في رمضان، أبريل الماضي”.

الطيران قصف المستشفى الرئيسي في كبكابية وعدد من المراكز الصحية؛ مما أدى إلى خروجها عن الخدمة، وتبقى مركز طبي واحد فقط غير قادر على تقديم الرعاية اللازمة إلى آلاف السكان

ناشطة مدنية من كبكابية

وشددت أن الطيران الحربي للجيش قصف المستشفى الرئيسي في كبكابية وعدد من المراكز الصحية؛ مما أدى إلى خروجها عن الخدمة تماماً، وتبقى مركز طبي واحد فقط في المدينة وهو غير قادر على تقديم الرعاية اللازمة إلى آلاف السكان في المنطقة المكتظة، كما دمرت الغارات الجوية صهاريج المياه الشي الذي أدى إلى انتشار العطش.

وبحسب نشطاء في المدينة، يبرر الجيش قصفه للمنطقة باتخاذ الدعم السريع مستشفيات المدينة مركزا لعلاج جرحاه الأمر الذي لم ينفه النشطاء الذين تحدثت إليهم (عاين).

وامتدت الغارات الجوية إلى إحداث تلف في المحاصيل الزراعية بعدما استهدفت مزارع المواطنين على محيط منطقة كبكابية، مما تسبب في خسائر فادحة للمزارعين، وفق سمية.

وتكشف عن ظهور وباء غامض تسبب في وفيات مفاجئة لسكان كبكابية خاصة فئة الشباب من 20 – 30 عاماً، ولم يتعرف المركز الطبي الوحيد في المدينة على طبيعة المرض نسبة لإمكانياته الضعيفة، وفي الغالب يشير إلى أنه ملاريا، فالوضع الصحي كارثي يتطلب تدخلات عاجلة من لإنقاذ المواطنين.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *