الحكومة السودانية تقاتل شعبها اينما كان

تقرير عاين :12 فبراير 2019

ارتفعت أصوات كثيرة منذ اندلاع التظاهرات الحالية في السودان، تنادي بدعوة القوات المسلحة للتدخل واستلام السلطة في البلاد – -حسب ما يري البعض- بينما يحذر آخرون من الثوار الحاليين من الوقوع في فخ التمهيد لسيطرة الجيش على السلطة وإعادة تجارب الانقلاب على الانتفاضات المدنية في البلاد مثلما حدث عقب انتفاضة أبريل 1985.

ويدلل الرافضين لتدخل الجيش على موقفهم بعدم اتخاذ القوات المسلحة موقف واضح ضد استخدام القوة المفرطة من قبل الأجهزة الامنية، بل ان قيادة القوات المسلحة أعلنت تأييدها وانحيازها للرئيس البشير.

تجييش اسلامي

الحكومة السودانية تقاتل شعبها اينما كان

فور وصولها السلطة في العام 1989 بدأت  حكومة الانقاذ في تجييش الشعب السوداني  ليحارب ضد بعضه البعض في حرب كان عمادها الرئيسي هو الخطاب الديني  كل من جنوب السودان، النيل الأزرق، جنوب كردفان. هذا على صعيد الحرب المباشرة. وبذات القدر قامت الحكومة بحرب غير مباشرة ضد مُناوئيها في التيارات السياسية الأخرى داخل العاصمة القومية والعواصم الكبيرة في الأقاليم الستة حينذاك. استخدمت في هذه  الحرب أبشع وسائل القمع ومصادرة حق الإنسان في الحياة الكريمة. عوامل أدت الى تفريق السودانيين زرفناً ووحداناً، فحمل من حمل السلاح، وهرب من هرب خارج حدود البلاد.

إنفصال الجنوب جراء تلك السياسات كما تجددت الحرب، وتدهور الاقتصاد. ومع بداية العشرية الثانية من هذه الالفية ضاقت الارض على بنيها بما رحبت فضرب أبناء السودان عمق البحر فكانوا لقمة سائغة لحيتان البحر. وبار الخطاب السياسي واتضحت هشاشته فبحث الجيل الجديد عن  ملء فراغات التعبئة الدينية الفضفاضة فذهب بني قادة الحكومة وتيارات الاسلام السياسي الى الجماعات المتطرفة.  وخرج الناس ضد الحكومة  لكنها واجهتهم بذات العسف واستخدمت ضدهم ذات الالة التي ظلت تستخدمها في مناطق الحرب المقصودة، فسقطوا مئات القتلى والجرحى  في مدن السلم، وأكدت الانقاذ انها عدو كل من يقف ضدها وأن الحرب هي سبيلها الأوحد لحكم البلاد.

حرب ضروس

اعتلت الحركة الاسلامية دفة الحكم عبر انقلاب عسكري، بقيادة القوات المسلحة، انقلاب كان ظاهره الديمقراطية  العدالة والمساواة، وباطنه الديكتاتورية الفساد والظلم. في اولى سنوات حكمها قامت الحكومة بقتل 28 ضابط من القوات المسلحة بحجة الانقلاب عليها في ظهر شهر رمضان المعظم دون مراعاة لحرمة الموت، او حرمة الشهر.

ولم تمضي أيام حتى وقامت الحكومة بتدشين اكبر حرب على أساس ديني وعرقي ضد مواطنيها  في جنوب السودان، جنوب كردفان، النيل الازرق تحت رايات ظاهرها هي لله وباطنها حرب عنصرية، اصطحب ذلك تغطية اعلامية شعواء منهاجها استدرار عاطفة الشباب ووسائل الإعلام المملوك للدولة. واصطف الناس للموت جيئة وذهابا ووقعت انتهاكات انسانية جسمية.

لكن انفضت بعد ان حصدت أرواح الشباب  و أهدرت أموال البلاد وشجعت المواطن على الانزواء ناحية العرق والدين وبذلك ضربت الحكومة اسفين الشتات. وقعت الحكومة اتفاقية سلام مع الحركة الشعبية. اتفاقية تبددت فيها اوهام السودانيين فخرجوا كما يوم الحشر لاستقبال قرنق الذي كان بعبع مخيف لكنه سرعان ما تحول الى ملهم  التف بحب عموم الشعب. اتفاقية كانت وضعت لبنات اساسية لبناء سودان يحمل بنيه الى مُزن التقدم والرقي، ولكن انانية قادة الطرفين وحب  استدامة الحكم قادهم إلى تفكيك السودان إلى بلدين محتريبتين ضد شعوبهم وضد بعضهما البعض.

الحكومة السودانية تقاتل شعبها اينما كان

دارفور والمنطقتين

قبل ان يجف المداد الذي مهر اتفاقية سلام  في المناطق الاربع جنوب السودان، جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، وأبيي. حتى ودخلت حكومة السودان حرب اهلية جديدة هذه المرة ضد مواطن إقليم دارفور. حرب قصيرة المدى باهظة التكاليف، استخدمت فيها كافة فنون واشكال الابادة  قتل فيها ما يربو عن الـ300 ألف مواطن!.

تشرد ما يزيد عن المليونين فضلاً عن الوسائل الاخرى من تعذيب. حرب عرف فيها الشعب السوداني ظاهرة جديدة وهي الاغتصاب. حرب كان بطلها هذه المرة عصابات قبلية نظمتها الحكومة بعناية وخلقت لها الغطاء اللازم لارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية حتى طالت قادتها يد محكمة العدل الدولية باتهام رئيس الجمهورية بارتكاب جرائم ضد شعبه كاول بادرة لتوقيف رئيس مازال في سدة الحكم  على مر التاريخ. حرب كانت تكلفتها المالية تعادل 32 مليار دولار  خصماً على موارد البلاد.

ما ان انفصل الجنوب وذهب بثلاث ارباع الاقتصاد السوداني بدأت حرب اخرى في جنوب  كردفان وجنوب النيل الازرق فصارت مساحة حدود السودان من الدولة الحديثة.  هذه المساحة تمثل أكبر مناطق الإنتاج في السودان، وهي الاغنى موارداً للحبوب  الفاكهة، الذهب… الصمغ العربي… اليورانيوم… النحاس…فضلاً عن خصوبة تربتها الزراعية. فقد السودان احدى اعمدة رئيسية في تقويم الاقتصاد بسبب حرب أخرى. وتراجع الاقتصاد وضاقت سبل العيش. وشجعت الحكومة قبضتها الأمنية وتفعيل قوانيين مصادرة الحريات وكبت الحقوق حتى صار الشعب السوداني هو الأكثر احباطاً ويئساً في العالم.

ضد الشعب

الحكومة السودانية تقاتل شعبها اينما كان

بعد التراجع المستمر خرج على الحكومة السودانية شباب في ريعان الشباب كانت امامهم خيارين اما مواجهة الحكومة للبحث عن حياة افضل، او الهجرة للبحث عن احلام قلما ماتتحقق او الاستسلام للاوضاع الكائنة فيهم، فخرج الشباب دون الشيب في هبة سبتمبر 2013  ولكن لم تمكنت الحكومة من السيطرة على زمام الامور، فأطلقت أيدي  قناصة لإقتناص أرواح شباب غض، في أكبر مجزرة تشهدها العاصمة الخرطوم راح ضحيتها ما لايقل عن 200 مواطن سوداني  اعمارهم تقل عن الأربعين عاما.

ولم تقم الحكومة أي تحقيق شفاف رقم مطالبة أسر الضحايا والمنظمات بالتحقيق الشفاف فراح دمائهم هباءً منثورا. وبدأت الحكومة في ترتيب بيتها الداخلي تارة بالحوار الوطني وأخرى بالمفاوضات  وفي ذات الاثناء واصلت الحرب ووسعت من قبضتها الامنية على مناطق السلم. وجدد الرئيس دورة جديدة وسط مقاطعة واسعة للاقتراع، وظل الاقتصاد في تراجع حتى وصل مرحلة الانهيار الكامل بفضل العوامل أعلاه.

فخرج المواطن في مطلع 2018 إلا أن القمع اخمد ثورته وهي في خدرها، لكن لم تخمد جذوتها ولم تقتلع أسبابها. وفي نهاية ذات العام خرجت عليه ارض السودان بما رحبت، هذه المرة من الولايات فأحرقت دور الحزب الحاكم وطرد قادته في هبة أرعدت الصف الأول في الحكومة. فهاج وماج قصر غابة!.  خرج بتهديدات إطلاق أيدي كتائب الظل. وما ان عمت جزوع الثورة معظم مناطق السودان حتى سقط الشهيد تلو الشهيد بقنص محترف راح ضحيته ما يزيد عن 40  قتلاً بالرصاص و  اربعة اخرون قتلاً بالتعذيب واحدهم تجاوز  التعذيب إذ تم اغتصابه بآلة ادمت دبره وقتلت كرامته وانهكت شرف السودانوية  قبل ان تزهق روحه. وبذلك قالت الحكومة السودانية قولتها بأنها ضد شعبها من حمل السلاح تحاربه، ومن قال حق في وجهها شردته، ومن خرج عليها قتلته.