سلاح خارج القانون.. هل السودان على شفا الحريق الكامل؟
عاين– 18 يناير 2024
خطوات متسارعة تمضي بالسودان نحو الحرب الأهلية الشاملة، وذلك إثر عمليات واسعة لتسليح المواطنين في المناطق التي يسيطر عليها الجيش في محاولة لتعزيز موقفه العسكري الميداني في القتال المحتدم بينه وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي.
وتجري عمليات التسليح في ولايات، القضارف، كسلا، نهر النيل، الشمالية، غرب كردفان، سنار، تحت مسمى “المقاومة الشعبية“، وشهدت هذه المناطق خلال الأيام القليلة الماضية مسيرات لمسلحين مدنيين، وهم يستعرضون قوتهم، ويرفعون شعارات تندد بالتفاوض مع قوات الدعم السريع والمضي في حسمها عسكرياً.
ومع تصاعد وتيرة تجييش المواطنين، فشلت مساعي الهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا “إيغاد” في عقد لقاء مباشر بين قائدي الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي” كان يهدف للوصول إلى تسوية سلمية للصراع المسلح في السودان، لكن ما تزال المساعي مستمرة لجمع جنرالي الحرب.
وبحسب مصادر أهلية ذات صلة تحدثت مع (عاين) فإن عمليات التسليح في ولاية كسلا تقودها غرفة متكاملة جميع عناصرها من حزب المؤتمر الوطني الذارع السياسي للحركة الإسلامية، بينهم نزار البدوي، والسر القصاص وآخرون، وطلبت الغرفة من شيوخ القرى والمناطق المختلفة في ولاية كسلا مدها بقوائم الشباب المتطوعين للانخراط في المقاومة الشعبية وهي ستزودهم بالأسلحة اللازمة، وفق المصادر نفسها.
وفي مدينة النهود بولاية غرب كردفان حشد حمد الصافي، وهو قيادي بارز في حزب المؤتمر الوطني وفق مصادر (عاين) آلاف الشباب من مجموعة الحمر الأهلية، وإلى جانب استخدم العاطفة الأهلية في عملية الاستقطاب يجرى كذلك استغلال التناقضات الموجودة في المنطقة؛ نظراً لوجود التوترات بين الحمر ومجموعة المسيرية التي يشكل أبناؤها أعمدة رئيسية في قوات الدعم السريع.
ويقود الشباب المستنفرون في النهود -بحسب المصاد الأهلية- عناصر ما يعرف بالمجاهدين التابعين لتنظيم الحركة الإسلامية، ومن بينهم عبد المنان سليمان الشريف الذي كان ضمن كتائب المؤتمر الوطني التي شاركت في استعادة منطقة ابوكرشولا بولاية جنوب كردفان في العام 2013م من الحركة الشعبية – قطاع الشمال.
مخاوف تمدد العنف
ومع تأييد بعض الدوائر خاصة القريبة من حزب المؤتمر الوطني المعزول من السلطة في السودان لعملية تسليح المدنيين بحجة الدفاع عن أنفسهم من انتهاكات قوات الدعم السريع، فإن سودانيين استطلعتهم (عاين) يرون في الخطوة مزيداً من صب الزيت على النار، وأنها ستقود إلى إطالة أمد الحرب وتقليل فرص التسوية السلمية للحرب.
ويقول الناشط في منظمات المجتمع المدني في ولاية غرب كردفان عز الدين أحمد دفع الله في مقابلة مع (عاين) إن “انتشار السلاح في ولايتي غرب وجنوب كردفان يعتبر أمراً خطيراً للغاية ربما يغرق المنطقة في حرب أهلية، وذلك نسبة لوجود فتنة افتعلتها بعض الجهات وسط المكونات القبلية هناك”.
“أي جهة توزع السلاح على المدنيين، فهي تتعمد جر مناطق واسعة في إقليم كردفان إلى الحرب الأهلية الشاملة، فالصراع عميق بتلك المنطقة، وربما نشهد إبادة جماعية وتطهير عرقي إذا استمرت عملية تجييش المواطنين بهذه الوتيرة، فالحل الوحيد لهذه المشكلة هو المسارعة بتسوية الحرب سلميا عبر التفاوض”. يضيف عزالدين دفع الله.
وبعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل الماضي، ارتفعت وتيرة العنف القبلي في كردفان، ففي غرب كردفان يحتدم الصراع بين الحمر والمسيرية، بينما يوجد صراع بين مجموعة النوبة الأهلية ومجموعات عربية في ولاية جنوب كردفان، وهو ما زاد المخاوف من أن يقود تسليح المدنيين إلى مزيد من العنف في المنطقة.
ويقول عبد المنان سليمان الشريف الذي عرف نفسه بأنه قائد كتيبة الشهيد عثمان مكاوي خلال مقابلة مع (عاين) إنهم في النهود جهزوا 14 ألف مقاتل لمساندة القوات المسلحة في حربها ضد الدعم السريع، وكانت خطوتهم سابقة بوقت طويل لإعلان المقاومة الشعبية من قبل قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
ويضيف “نشتري الأسلحة والذخائر والسيارات القتالية من حر مالنا، من أجل مساندة القوات المسلحة والدفاع عن منطقتنا، وقد خضنا العديد من المعارك مع قوات الدعم السريع، وكبدناهم خسائر فادحة، واستولينا على بعض من عتادهم العسكري، وذلك خلال معارك في الجزء الغربي من ولاية غرب كردفان، في مناطق أرمل وغبيش وغيرها”.
وتابع “الحديث حول نشوب حرب أهلية؛ بسبب امتلاكنا للسلاح مجرد فزاعة؛ لأننا نعمل بتعليمات القوات المسلحة ونحن في وضعية استثنائية ومؤقتة، وسوف نسلم أسلحتنا، وعتادنا العسكري إلى الجيش بمجرد انتهاء المعركة مع مليشيا الدعم السريع”.
نهر النيل.. عمليات تسليح مكثفة
وارتفعت وتيرة الاستنفار الشعبي في ولاية نهر النيل شمالي البلاد بعد سقوط مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في يد قوات الدعم السريع في شهر ديسمبر الماضي، ورغم تحول المقاومة إلى مزاج عام لسكان المنطقة كتداع عفوي، إلا أن عملية التسليح في تلك المنطقة يقف عليها عناصر بارزين من حزب المؤتمر الوطني وجهاز المخابرات وبالاستناد إلى خطاب تعبوي جهوي.
وبحسب شاهد من (عاين) تشهد مدينتي عطبرة وشندي عمليات تسليح مكثفة للمواطنين والسماح لهم باقتناء شتى أنواع الأسلحة وحملها في الأسواق والمرافق العام، كما شهدت مناطق واسعة بولاية نهر النيل مسيرات لمدنيين مسلحين، وهم يستعرضون القوة العسكرية، وترافقهم سيارات من الجيش وجهاز الأمن.
وكان إمام وخطيب مسجد الميناء البري بمدينة عطبرة شمال السودان، عادل عبد اللطيف الذي يدين بالولاء لنظام الإخوان المسلمين صعد إلى المنبر في خطبة الجمعة في 22 ديسمبر الماضي مرتديا زيا عسكريا كاملا، ويحمل سلاحا على كتفه، ولم يكف طوال الخطبة عن دعوة المواطنين إلى حمل السلاح.
ويتزامن مع عملية التسليح في ولاية نهر النيل، تضييق واسع على المواطنين من السلطات الأمنية، ويصاحب ذلك اعتقالات واحتجاز تعسفي، ويحدث ذلك مع منسوبي لجان المقاومة الثورية وغرف الطوارئ التي أصدر والي الولاية قرار قضى بحلها وحظر نشاطها، وفق الشاهد.
ويرى المواطن طارق نور الدين من سكان مدينة الدامر تحدث مع (عاين) أن وجود سلاح في المنزل أصبح فرض عين للدفاع عن النفس في حال تعرضت الولاية لهجوم من قبل قوات الدعم السريع، لكن المواطن محمد يوسف الذي تحدث لـ(عاين) يرى أن ما يحدث في ولاية نهر النيل ليس مقاومة شعبية، بل تجييش وتجنيداً وتشكيلاً لمليشيات جديدة، لأن جزءاً كبيراً من الحشود ينضم إلى القتال مع كتائب البراء بن مالك أحد أذرع الحركة الإسلامية، كما أن المواطنين يمكن أن يستخدموا السلاح بدافع قبلي.
تاجر أسلحة: السلاح يباع على نحو غير مشروع وهناك إقبال متزايد
ويشير صاحب محل لبيع السلاح المرخص في عطبرة تحدث لـ(عاين) وطلب عدم ذكر اسمه، أن تقنين السلاح توقف منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأن السلاح الآن يباع على نحو غير مشروع، وفي العلن مع زيادة الطلب عليه وارتفاع أسعاره، حيث تتراوح أسعار قطعة السلاح الشخصي من 500 ألف إلى مليون ونصف.
ويقول “حسب المعلومات المتوفرة لدي، فإن السلاح يدخل إلى ولاية نهر النيل عن طريق المثلث الحدودي الذي يربط السودان بمصر وليبيا، وطريق العقبة عبر وادي العلاقي، بالإضافة إلى الحدود الإرترية والإثيوبية”.
أما في ولاية الجزيرة وسط السودان لم تجد حملة التسليح القبول عند السكان، على الرغم من أن قوات الدعم السريع عرضت على سكان القرى مدهم بالسلاح لحماية أنفسهم من المتفلتين الذين ينفذون حملات نهب وترويع من وقت لآخر.
ويقول أبو بكر عبد الجبار من سكان غرب الجزيرة إن قوات الدعم السريع حاولت إقناع سكان المناطق التي تسيطر عليها بالتطوع، ومنحهم السلاح بغرض حماية مناطقهم، ولكن لم يستجب أحد، وإلى الآن يعتمدون على وسائل سلمية، ويواصل السكان الحديث إلى القوات التي توجَد بالمناطق بعدم الاعتداء على الممتلكات، ولكنهم لا يلتزمون في بعض الأحيان.
تجارب تسليح سابقة
“من العبث انسحاب الجيش من المعركة المباشرة مع الدعم السريع وطلبه من المواطنين مواجهته”. يقول الباحث في قضايا الأرض والسلام والتنمية، دكتور جمعة كندة لـ(عاين).
ويتابع: “من خلال تجارب المليشيات سابقا بما فيها تجربة الدعم السريع نفسها والدفاع الشعبي، فإنه لا يمكن التحكم في السلاح بعد انتشاره في أيدي المواطنين”. ويرى أن ما يحدث الآن من تسليح للمواطنين هو مشروع لمليشيا جديدة لن تقدر الدولة على التحكم فيه لاحقا ولا الجيش.
ونوه كندة، إلى أن خطة تسليح وتجييش وتمليش المواطنين هي فكرة إسلاميون كمدخل للانتقال إلى المرحلة الثانية وهي الحرب الأهلية في محاولة أخيرة للعودة إلى السلطة.
“السودان لم يصل إلى مرحلة الدولة الحديثة حيث لا تزال القبيلة هي مصدر الأمن والحماية في ظل غياب وضعف آليات احتكار العنف، وأن انتشار السلاح سيتم استغلاله في تصفية حسابات قبلية وسياسية، وستحول السودان إلى جحيم، وأن المستفيد الأساسي من هذا الوضع هم الإسلاميون المتطرفون خاصة مع سهولة انتشار خطاب الكراهية بصورة منظمة في ظل هذه الأجواء؛ مما يساهم في زيادة الانقسامات المجتمعية والسياسية بصورة تهدد وجود وبقاء السودان كدولة”. يضيف كندة.
وبحسب الخبير العسكري عمر أرباب، فإن ما يعرف بالمقاومة الشعبية هي نتاج لعاملين وهما عدم قدر الجيش على كسب الحرب، والانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين من سلب ونهب واغتصاب، فالنظر إلى عملية التسليح ينبغي أن يكون من ناحية الأسباب التي قادت إليها فهي لن تتوقف إلا بجلوس طرفي الحرب على طاولة مفاوضات وتقديم التنازلات اللازمة لتحقيق السلام.
ويقول أرباب في مقابلة مع (عاين) إن الخطوة تنضوي عليها مخاطر كبير على حياة المواطنين، حيث يُسَلَّح المدنيون بأسلحة شخصية مثل الكلاشنكوف، والتي لن تصمد أمام التسليح الكبير لقوات الدعم السريع، كذلك تمثل خطراً مستقبلياً في مسألة انتشار السلاح والقدرة على جمعه من أيدي المواطنين.
ويرى أن حل النزاع في السودان في ظل هذا التحشيد سيكون عملية معقدة، بل سيسهم ذلك في تصعيد الصراع، وتزيد تأثير الأشخاص الداعين لاستمرار الحرب لاعتقادهم بأن المقاومة الشعبية يمكن أن تحدث تغيير في موازين القوى لصالح الجيش، وهذا يضعف أي محاولة لحل سياسي للحرب.
ويشير الخبير العسكري إلى أن المقاومة الشعبية يمكن أن تقود إلى تسليح مضاد لمواطنين آخرين، وهذا سيمضي بالأوضاع في السودان إلى حرب أهلية شاملة دون أي عوامل إضافية وهو أمر متوقع سيزيد تسليح المدنيين من فرصة.