كيف تحول سودانيون مدنيون لهدف عسكري؟
عاين- 2 أغسطس 2023
على تقاطع شارع رئيسي في حي جبرة جنوبي العاصمة الخرطوم، واجه عدد من المواطنين جنودا من قوات الدعم السريع بالحجارة والهتافات ضدهم وهم ينسحبون للتو من معركة مع الجيش السوداني دارت في مكان قريب. وبحسب رواية مراسل لـ(عاين)، فأن أحد الجنود حاول التهديد بإطلاق النار في الهواء، لكن هذا لم يكن كفاياً لنجاتهم، فكان الرد الأعنف بإطلاق النار بغرض الإصابة وهو ما حدث بالفعل عندما أصابت رصاصة “بائع الثلج” في المكان ليسقط قتيلا مضرجا بدمائه.
هذه الحادثة واحدة من عشرات الحوادث في العاصمة الخرطوم وعدد من المناطق التي ظلت تشهد قتالا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ الخامس عشر من أبريل الماضي، وسقط مدنيين ضحايا للتحشيد والخطاب الاعلام الحربي الذي ظلت تبثه أطراف القتال.
مع تقدم الحرب واستمرار المعارك، اتجه قادتها إلى منحى أكثر خطورة بتسليح المدنيين لاسيما الجيش السوداني الذي دعا في خطاب شهير لقائده عبد الفتاح البرهان المدنيين للإنضمام للقوات المسلحة والقتال في صفوفها ضد الدعم السريع.
عدد من المدنيين في العاصمة الخرطوم ودارفور وبعض المناطق الأخرى دفعوا حياتهم ثمناً للدعوات التي أطلقها الجيش السوداني الرامية لتسليح المواطنين، ما جعلهم هدفاً لانتهاكات واسعة من قبل مليشيات الدعم السريع.
ماذا حدث في (القبة)؟
وفي 20 يوليو الماضي، تعرضت منطقة الكلاكلة القبة- جنوبي العاصمة الخرطوم- لقصف بالهاونات من قبل قوات الدعم السريع استهدف حلة “توير الخور وشارع 15، مما أدى إلى إصابات بالغة وخطيرة وسط المواطنين.
قوات الدعم السريع تعاملت مع مواطني المنطقة كعدو في أعقاب “تلبية بعض المواطنين دعوات الاستنفار التي أطلقها الجيش بالخروج لحماية المنطقة أثناء عملية تمشيط جرت بمنطقة الكلاكلة، غادر الجيش بعدها دون رجعة”. وفقاً لما قال بيان تنسيقيات لجان مقاومة الكلاكلات وجنوب الحزام.
ويقول عضو في لجان مقاومة الكلاكلة القبة، فضلت (عاين) حجب اسمه، أن قضية تسليح المواطنين للدفاع عن أنفسهم بمنطقة الكلاكلة القبة بدأت بعد دعوات الجيش التي هدفت لاستنفار الشباب لمواجهة قوات الدعم السريع التي تقتل وتنهب وتسرق المواطنين العزل.
وأوضح، أن مليشيات الدعم السريع، علمت بسعي الجيش لتسليح المواطنين، لذلك سارعت بوضع ارتكازات للمواطنين المسلحين أثناء عودتهم من سلاح الذخيرة. ولفت إلى أن هؤلاء المواطنين تعرضوا للضرب بصورة انتقامية بواسطة قوات الدعم السريع بسبب تسلحهم بواسطة الجيش.
وأضاف عضو اللجنة في مقابلة مع (عاين)، “محاولة سكان المنطقة قفل الشوارع المؤدية لداخل الحي عن طريق وضع التروس وحفر الخنادق جعل المنطقة هدفاً لقوات الدعم السريع، بالرغم من أن حفر الخنادق كان يهدف لمنع اللصوص من الدخول للحي وسرقة المواطنين”.
وأكد، أن مليشيات الدعم السريع تعاملت إثر ذلك مع المواطنين بمنطقة الكلاكلة القبة كعدو.
وكان بيان لتنسيقيات لجان مقاومة الكلاكلات وجنوب الحزام، أكد قيام قوات الدعم السريع بفرض حصار على منطقة القبة وداهمت المنازل وقامت بالإعتداء على المواطنين جراء تلبيتهم دعوة الخروج في مسيرات لدعم الجيش، التي استجاب لها بعض سكان المنطقة.
والسبت الفائت، أطلق بيان صادر عن غرفة طوارئ ولجان مقاومة الكلاكلة القبة نداء إنسانياً لمنظمات المجتمع المدني والسودانيين، لإنقاذ سكان منطقة الكلاكلة القبة، الذين يعانون من نقص الغذاء والأدوية، كما يعانون من استهداف الميليشيات المسلحة. وأعلن البيان، أن الكلاكلة القبة منطقة غير صالحة للحياة، ودعا منظمات المجتمع المدني والسودانيين للمساعدة في خروج السكان إلى أماكن آمنة في ولايات السودان المختلفة حفاظاً على أرواحهم.
نيالا تسليح واستهداف
في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، وثاني أكبر المدن السودانية- أدت دعوات تسليح المواطنين إلى استهدافهم من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها.
وقال أحمد 37 عاماً، وهو أحد مواطني مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور الفارين من النزاع المسلح بين الجيش والمليشيات المسلحة مؤخراً، في مقابلة مع (عاين):”أن المليشيات التابعة للدعم السريع اجتاحت مدينة نيالا بعد يومين من اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع في العاصمة الخرطوم”.
وأوضح، أن المليشيات المدعومة بواسطة الدعم السريع قامت بعمليات قتل ونهب وتدمير واسعة النطاق للمؤسسات الحكومية والأسواق ومقرات المنظمات الدولية.
وأشار أحمد إلى أن المليشيات المسلحة، ارتكبت كل هذه الانتهاكات وسط غياب تام للأجهزة الأمنية والشرطية. ولفت إلى أن غياب الأجهزة الشرطية والأمنية أدى لبروز أصوات محسوبة على النظام البائد والفلول تنادي بضرورة تسليح المدنيين.
وأضاف: بدأت عمليات تسليح فعلية في أحياء الوادي وسط المدينة وأجزاء من حي السكة حديد. وتابع: “حسب هؤلاء المواطنين، كان الغرض من عمليات التسليح حماية المنازل والممتلكات من هجمات المليشيات المسلحة.
“في نهاية أبريل الماضي، إنتشرت قوات الشرطة بمدينة نيالا، في محاولة لتحجيم الدعوات المنادية بتسليح المواطنين”. يقول أحمد. ويشير إلى أن انتشار الشرطة في المناطق الحيوية والأسواق والأماكن العامة، قاد إلى نشر الأمن نسبياً.”
“بعد اشتداد المعارك في مدينة نيالا وتوتر الأوضاع بين الجيش والدعم السريع، عادت أصوات المنادين بتسليح المواطنين للارتفاع من جديد. أوضح أحمد. ويشير إلى أنه ومع بداية مايو الماضي، تم تشكيل لجان لغرض فرض دوريات وحماية الأحياء من هجمات المليشيات المسلحة المتتالية. ولفت إلى أن فلول النظام السابق قاموا باستغلال لجان حماية الأحياء وحثهم للجلوس مع الاستخبارات العسكرية. وبحسب أحمد، تم تكوين لجان إتصال وقتها للتواصل مع قيادة الجيش والأجهزة الأمنية والجهات الرسمية عدا الدعم السريع.
وأكد أن لجان الاتصال قامت بعقد اجتماعات ومشاورات مع قيادة الجيش بالمنطقة وطالبت بتوفير السلاح للمدنيين بهدف حماية الممتلكات والمنازل.
وبحسب أحمد، وهو شاهد عيان، فإن الاستخبارات العسكرية سلحت هذه اللجان المؤلفة من أفراد معاشيون يتبعون للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشرطية .
وأوضح أن هؤلاء المواطنون جرى تسليحهم تحت إشراف ضباط سابقين ورموز مجتمعية ورجال أعمال في مدينة نيالا.
“تعرض هؤلاء المواطنون لغضب المليشيات الذين تسللوا لهذه الأحياء المسلحة.” يقول أحمد. وأفاد بأنه بدخول الاسبوع الخامس للمعارك العسكرية، أصبح سكان الأحياء يعانون بسبب الاستهداف والتهديد المباشر من قبل مليشيات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها التي باتت تتواجد بأعداد كبيرة حول هذه الأحياء، ما جعلها عرضة للقصف المستمر بواسطة قذائف الهاون، وهو الأمر الذي أدى لفرار المواطنين ومغادرة منازلهم.
وأكد أن القصف أدى لمقتل أكثر من 100 شخص في أحياء الوادي والجبل والسكة حديد، لافتاً إلى إلى أن البعض لقي حتفه بقذائف الجيش بسبب تواجد المليشيات حول الأحياء، فيما قتل آخرون برصاص الدعم السريع المليشيات المسلحة.
قيود دولية
يضع القانون الدولي الإنساني، قيوداً صارمة بشأن تسليح المدنيين في النزاعات الدولية. ويقول رئيس المبادرة السودانية لحقوق الانسان، الشريف علي الشريف، في حديث لـ(عاين):”أن البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 ينص في المادة 43 (1) على أن “القوات المسلحة لطرف في النزاع تتألف من كل المنظمات العسكرية والمجموعات والوحدات المسلحة التي يقودها طرف في النزاع وتكون تحت أمره وهي ملزمة بالقانون الدولي الإنساني المطبق في النزاع المسلح”.
ولفت الشريف، إلى أن المادة 51 (3) من البروتوكول الأول تنص على أن “المدنيين يجب ألا يكونوا هدفا للهجوم إلا إذا كانوا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال القتالية”.
وأوضح علي، أن ذلك يعني أن المدنيين الذين يحملون السلاح أو يشاركون في الأعمال القتالية قد يتعرضون للهجوم، ولكن الفترة التي يشاركون فيها بشكل مباشر في الأعمال القتالية فقط. وإعتبر أن استخدام المدنيين كدروع بشرية ممارسة غير قانونية بحسب القانون الدولي الإنساني.
كما أشار الشريف، إلى أن تسليح المدنيين بواسطة أي طرف من الأطراف المتقاتلة يضر بالجهود التفاوضية المبذولة لوقف الاقتتال في السودان، كما أنه سيعمل على تعقيد عملية التفاوض الجارية الآن.
وأكد أن تسليح المدنيين له آثار قانونية وإنسانية متعددة، كما يمكن أن يكون تجاوزًا للقانون الدولي الإنساني في بعض الظروف. ولفت، إلى أن الصراع في السودان، وخاصة في منطقة دارفور، معقد ويشمل مجموعة متنوعة من الأطراف، بما في ذلك الميليشيات القبلية.
وأشار إلى وجود مزاعم بتسليح المليشيات المسلحة بواسطة عدة أطراف سواء كانت تابعة للجيش أو الدعم السريع أو غير حكومية “أهلية” في محاولة لتحقيق أهداف خاصة بالصراع على الأرض كما يحدث في دارفور.
وأكد الشريف، أن القانون الدولي الإنساني يجب على كل الأطراف المشاركة في النزاع المسلح، إحترام حقوق الإنسان وحماية المدنيين.
وتابع: “يجب أن تكون كل القوات، بما في ذلك قوات الدعم السريع، خاضعة للقانون الدولي الإنساني، وهو القانون الذي ينظم النزاعات المسلحة ويحمي الأفراد الذين لا يشاركون أو توقفوا عن المشاركة في الأعمال القتالية”.
كما لفت إلى أن المجتمع الدولي لديه دور يتمثل في مراقبة الوضع والضغط على الأطراف المعنية لضمان احترام القانون الدولي الإنساني. وأوضح أن الضغط الدولي يتمثل في فرض عقوبات على الأطراف التي تقوم بتسليح الميليشيات وتنتهك القانون الدولي أو تتدخل للمساعدة في التوصل إلى حل سلمي للنزاع.
دفاع عن النفس
“القانون الدولي الإنساني يتعامل مع المجموعات المسلحة و كل من يحمل السلاح أو ينخرط بشكل مباشر في العمليات الحربية، كطرف في الحرب. هذا ما يراه المدافع الحقوقي المحامي والقانوني، عبد الباسط الحاج.
ويشير عبد الباسط في مقابلة مع (عاين) إلى أن المقصود بالمجموعات المسلحة هي التي تمتلك الحد الأدنى من التنظيم و الترتيب و القيادة المعترف بها، المؤتمرة بأمرها.
ويشدد الحاج، على ضرورة التفريق بين المجموعات المنظمة التي تحارب وتعتدي بهدف القضاء على المجموعات الأخرى والسيطرة عليها وبين المجموعات المنظمة التي تعمل في حدود حماية أمنها و سلامتها دون أهداف عدوانية. ولفت إلى أن “القانون يكفل الدفاع عن النفس في حدود”.
وأشار إلى أن القانون سمح للدولة بالقيام بتجنيد المواطنين بشكل رسمي أثناء فترة الحروبات أو فتح باب التطوع للراغبين و المقتدرين وأولئك الذين تتوفر لديهم شروط الخدمة العسكرية. وهذا يجعل منهم مقاتلين رسميين وأعضاء في الجيش الرسمي.
ويؤكد الحاج، على أنه غير مسموح للدولة القيام بتوزيع السلاح للمواطنين المدنيين دون تأهيل كاف يتيح لهم معرفة قواعد القتال و الاشتباك.