انقلاب السودان يشل اقتصاد البلاد وتوقعات بموازنة كارثية 

18 ديسمبر 2021  

تبخرت الطموحات التي وضعتها الحكومة الانتقالية في السودان بتحسين الاقتصاد في العام 2022 بوضع موازنة تمضي خطوة إلى الأمام ببناء التنمية في حدود 3% بعدما استولى الجيش على السلطة بالانقلاب العسكري في 25 أكتوبر في وقت لجأت الحكومة إلى وضع زيادة تشكل نسبة 150% على اسعار طحين القمح والكهرباء في موازنة العام القادم.

ويسود الارتباك المؤسسات الحكومية المعنية بوضع الموازنة المالية للعام 2022 قبل أيام قليلة من العام الجديد على خلفية الفراغ الحكومي وتأخر تعيين الحكومة الجديدة التي وعد بها رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بعد اتفاقه مع الجيش في 21 نوفمبر الماضي. ويتوقع خبراء اقتصاديون أن تكون موازنة العام القادم كارثية وأكثر افقارا للسودانيين إذ قفز نهاية العام عدد المتأثرين بانعدام الغذاء إلى تسعة ملايين ويتوقع عاملون في القطاع الإنساني أن يتضاعف العدد إلى 10.5ملايين شخص جراء الاقتصاد الذي يهدد بتوسيع نطاق الفقر .

مسؤول بالبنك المركزي: احتياطي عملات صعبة فاق الـ1.2 مليار دولار جرى سحبه والاعتماد عليه في استيراد السلع خلال فترة الانقلاب.

ويؤكد أحمد حسن، وهو محلل بيانات مالية في مقابلة مع (عاين)، أن موازنة 2022 غير واضحة حتى الآن بل تعذر الحصول على البيانات الخاصة بها من وزارة المالية لأن الاضطراب السياسي يحجب كل شيء”. وسجل العجز في الميزان التجاري لهذا العام 2.5مليار دولار بينما يبدأ السودان العام الجديد بخزينة خاوية وشلل يحاصر المؤسسات الحكومية إلى جانب صعوبة الحصول على قروض دولية ومنح مالية.

ويسيطر الغموض على عائدات تصدير القطن الذي زرعه السودان في حوالي مليون فدان لأول مرة منذ سنوات إذ إن الحكومة الانتقالية قبل الانقلاب العسكري الأخير كانت تأمل أن تشكل حصائل صادر هذا المحصول دافعا قويا لبناء احتياطي العملات الصعبة في البنك المركزي.

انقلاب السودان يشل اقتصاد البلاد وتوقعات بموازنة كارثية

انهيار الاحتياطات 

مسؤول بالبنك المركزي: احتياطي عملات صعبة فاق الـ1.2 مليار دولار جرى سحبه والاعتماد عليه في استيراد السلع خلال فترة الانقلاب. ويقول مسؤول سابق في البنك المركزي مشترطا حجب اسمه في مقابلة مع (عاين)،  “كل شيء إنهار.. ما تم بنائه من احتياطي عملات صعبة فاقت الـ1.2 مليار دولار جرى سحبه والاعتماد عليه في الاستيراد في هذه الفترة للسلع الأساسية لقد عرقل الانقلابيون الطريق إلى الاستقرار الاقتصادي الذي بدأت مؤشراته نهاية العام الجاري بتقليص العجز في الميزان التجاري”.

ويرجح المسؤول في البنك المركزي، دخول الاقتصاد مرحلة أخطر مما كان عليه في عهد المخلوع من نقص في العملات المحلية و طوابير الوقود والخبز وزيادة أسعار السلع الأساسية خاصة القمح والكهرباء إذا لم تحدث معجزة”.

وتابع: “زيادة الكتلة النقدية في الأسواق تدل على عودة الحكومة الى طباعة النقود وهذا إجراء لم تتخذه الحكومة قبل الانقلاب قرابة العام بسبب تحسن الأداء المالي.” ولم تتلق موازنة العام 2021 أية قروض خارجية ذات تأثير على الوضع الاقتصادي في البلاد بعد الاطاحة بنظام المخلوع إذ بدت تعهدات المجتمع الدولي وكأنها مرتبطة بالاستجابة لاشتراطات صندوق النقد الدولي بتقليص الدعم الحكومي عن الوقود والطاقة والقمح والادوية.

ويقول المحلل الاقتصادي خالد التجاني في مقابلة مع (عاين)، إن الاقتصاد قبل الإنقلاب العسكري يتحرك في وضع واحد وهو الاعتماد على مسار الإصلاح القادم من صندوق النقد الدولي دون أن يتحمل المجتمع  الدولي تبعات هذه الوصفة القاسية والتي تحملها السودانيون وانعكس سلبا على معيشتهم. ويقول النور، إن التضخم في نهاية العام 2019 عندما تسلمت حكومة حمدوك مهامها كان 53% وعندما نفذت الحكومة وصفة صندوق النقد الدولي قفز إلى أكثر من 400%.

مسؤولة حكومية: لا اتجاه لرفع أسعار الطاقة والقمح، وربما يتم اتخاذ هذه الخطوات في وقت لاحق من العام الجاري.

ويعتقد خالد التجاني النور، ان موازنة العام 2022 يمكن تسميتها بـ”عام الرمادة” متوقعا بلوغ الأزمة ذروتها بارتفاع التضخم جراء ارتفاع سعر الصرف وارتفاع تكلفة المعيشة. قائلا إن :”غالبية السودانيين تخلوا عن شراء الاحتياجات اليومية”. وشهدت أسعار صرف العملات الأجنبية زيادات ملحوظة خلال الأيام الماضية في السوق الموازية، ويشتري تجار العملة الدولار الواحد بحوالي 452 جنيها بمقابل 447 بعدد من البنوك التجارية. 

ويرجح النور، لجوء الحكومة الى طباعة النقود لمقابلة المصروفات الأمنية والعسكرية والحكومية المتزايدة على حساب المواطن. وقال إن التصريحات الحكومية بتوقف الدعم الخارجي ذر للرماد على العيون لأن الخارج لم يدعم الموازنة قبل الانقلاب. وأضاف: “مشكلة الاقتصادي هيكلية هناك صرف متزايد على القطاع الأمني والعسكري والحكومي على حساب الخدمات الضرورية مثل الصحة والتعليم”.

انقلاب السودان يشل اقتصاد البلاد وتوقعات بموازنة كارثية

موازنة بلا قروض

وبدأت وزارة المالية اعداد موازنة العام 2022 لعرضها على وكلاء الوزارات “المستوى الفني” قبل أن تنتقل إلى مجلس الوزراء ومجلس السيادة لاجازتها بينما اعتمدت الموازنة بحسب تصريحات وزير المالية جبريل المالية ابراهيم لوكالة بلومبيرغ الاميركية على الموارد الداخلية وزيادة أسعار الكهرباء والقمح. وتقول مسؤولة بوزارة المالية مشترطة حجب اسمها لـ(عاين)، إن اللجان الفنية بدأت اعداد موازنة العام 2022 وينتظر أن تقدمها على المستوى الفني لوكلاء الوزارات. مشيرة إلى أن “الاضطراب السياسي اجبر وزارة المالية على بناء موازنة خالية من القروض الخارجية او المنح من المؤسسات الدولية”.

مسؤولة حكومية: لا اتجاه لرفع أسعار الطاقة والقمح، وربما يتم اتخاذ هذه الخطوات في وقت لاحق من العام الجاري. وتقول المسؤولة الحكومية، إن الموازنة تعتمد على الموارد الداخلية ونفت وجود اتجاه لرفع أسعار الطاقة والقمح. وقالت : “ربما يتم اتخاذ هذه الخطوات في وقت لاحق من العام الجاري لكن حاليا اللجان لم تضع هذه البنود في موازنة 2022”.

وزارة المالية: مصادر الموازنة تعتمد على ضرائب جديدة أقرت سياساتها منذ العام 2021 مثل زيادة سعر صرف الدولار الجمركي ووضع ضرائب جديدة.

وأشارت إلى أن مصادر الموازنة تعتمد على ضرائب جديدة أقرت سياساتها منذ العام 2021 مثل زيادة سعر صرف الدولار الجمركي ووضع ضرائب جديدة. وقالت إن الموازنة اعتمدت على إيرادات الذهب والإنتاج الزراعي في جلب العملات الصعبة موضحًة أن العام 2021 انتهى بموازنة لم تعتمد على الدعم الخارجي بشكل كبير.

وتابعت: “ربما العام 2022 كانت ستبدأ بعض القروض في التدفق مثل اقراض بقيمة نصف مليار دولار للموازنة هذا مؤثر جدا لكن لا حل سوى البحث عن البدائل أخرى من الموارد الداخلية”. ولم تحصل موازنة العام 2021 على قروض خارجية وزادت الحكومة في يونيو أسعار الوقود إلى ضعفين كما زادت أسعار الكهرباء في يناير بنسبة 500% وانعكست هذه الإجراءات على زيادة أسعار الخدمات والسلع والنقل وقفز التضخم إلى فوق الـ 400%.

الانفاق العسكري

وخصصت موازنة العام 2021 نحو 60% للإنفاق العسكري والأمني والسيادي وبلغت القيمة للموازنة نحو 900 مليار جنيه بحساب الإيرادات اي ان قطاع الامن والدفاع استحوذ على نحو 500 مليار جنيه بينما حصل التعليم على 137 مليار جنيه

لكن مؤتمر عن التعليم عقد في الخرطوم الشهرين الماضيين، حذر من ان الموازنة للعام 2021 لم تلتزم بتعهداتها وسددت اقل من المتوقع لم تتجاوز الـ10% للمبالغ المرصودة.

ويرى المحلل الاقتصادي وائل فهمي في تصريحات لـ(عاين)، أن الموازنة التي تحاول وزارة المالية اعدادها توطئة لتمريرها الى مجلس السيادة غير واضحة ويسود الارتباك أروقة وزارة المالية.

يشير وائل فهمي إلى أن الموازنة خسرت نحو 650مليون دولار وهي كالآتي 500 مليون دولار من البنك الدولي و150 مليون دولار من صندوق النقد الدولي.

انقلاب السودان يشل اقتصاد البلاد وتوقعات بموازنة كارثية

فشل ثمرات

يقلل فهمي من غياب الدعم الخارجي ويقول إن الارادة الداخلية غير متوفرة لخلق موازنة رحيمة بالمواطن لان السودان غني بالموارد ولا يتم توظيفها لتحسين الوضع المعيشي للسودانيين بل يتزايد الصرف على الاجهزة الامنية والعسكرية وبعد توقيع السلام يتم الصرف على الحركات المسلحة.

ولم تتمكن الحكومة السودانية من وضع خطة لبرنامج ثمرات إذ ان هذا البرنامج الممول من المانحين الدوليين بقيمة 820 مليون دولار لفترة نصف عام لا زال يعاني من شح البيانات ووصل إلى ثمانية مليون مواطن من جملة 35 مليون شخص يستهدفها البرنامج كما أن التمويل الدولي تناقص من 1.9مليار دولار إلى 820 مليون دولار بشكل مفاجئ.

ويقول المحلل الاقتصادي خالد التجاني النور، إن : “برنامج ثمرات فاشل لسببين الأول عدم قدرة الحكومة على تسجيل البيانات والوصول الى المستهدفين والثاني عدم التزام المانحين بالتعهدات المالية”. أما في القطاع الزراعي فإن التعثر ينتظر الموسم الشتوي للقمح والمحاصيل الأخرى بسبب شح التمويل وعدم استيراد الاسمدة إلى جانب تقلص الصادرات السودانية وقال تقرير عن البنك المركزي أن الصادرات السودانية خلال تسعة أشهر بلغت 3.3مليار دولار نصفها صادرات الذهب.

ويؤكد المحلل في البيانات المالية للقطاع العام احمد حسن، في مقابلة مع (عاين)، أن الصادرات السودانية تعرضت الى اضطرابات هذا العام بسبب إغلاق الطرق والموانئ شرق البلاد”. ورجح حسن لجوء الحكومة الى زيادة اسعار الوقود والقمح والكهرباء لتغطية المصروفات الحكومية المتزايدة والتي تعادل 70% من القيمة الكلية للموازنة وقال إن الصرف الأمني والحكومي يبلغ حوالي 3.5مليار دولار بينما الصرف على التعليم والصحة لا يتعدى 200 مليون دولار وهي بنود متعلقة بالفصل الأول “الاجور” للعاملين في هذين القطاعين.