إتفاق “جوبا”..السلام الشامل في السودان مازال بعيداً
14 أكتوبر 2020
أثار سلام جوبا الأخير بين تحالف الجبهة الثورية مع حكومة الفترة الانتقالية،تحفظ اطراف اخرى حاملة للسلاح ضد حكومة المركز في الخرطوم، تعتقد عملية السلام لم تخاطب جذور الازمة السودانية التي أدت إلى نشوب الحروب الأهلية
ووصفه البعض بانه سلام يهدف إلى توفير محاصصات سياسية للأطراف الموقعة عليه، من دون الوصول إلى إجابات شافية لجوهر الصراع في السودان.
تفكيك المظالم التاريخية
القيادي في قوى الحرية والتغيير، خالد بحر، يقول ان أسباب متباينة لرفض الإتفاق بين بعض الكيانات السياسية في شرق السودان ودارفور، ويدفعون بحُجج موضوعية حول أن الممثلين في الجبهة الثورية، ليس لهم قواعد سياسية حقيقة على الأرض، لذا لا يعبرون عن الضمير الجمعي السياسي للشرق، يضيف هناك شكوك حول علاقتهم بالنظام السابق، أما في دارفور، ان الرفض يتمحور حول أن معظم حركات الكفاح المسلح الموقعة على إتفاقية جوبا تُعبر عن طيف إثني وقبلي معين، يمكن قراءته، في الغياب المؤثر لحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد النور، الذي كان يمكن أن يعيد التوازن السياسي و الإجتماعي المفقود في إتفاقية جوبا، لناحية أن له ثقل سياسي واجتماعي وسط مكونات إثنية/وقبلية في الإقليم، وكذلك ينطبق ذلك أيضا على مسار المنطقتين الذي غابت عنه الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو.
ويشير خالد، في مقابلة مع (عاين)، إلى أن ضمان نجاح أي اتفاق هو إرادة الأطراف الموقعة عليه، هذا في المقام الأول، وثانيآ الإلتزام بالمصفوفة الزمنية لتنفيذ بنود الإتفاق، وثالثآ إيفاء المانحين بالدعم السياسي والمالي لنجاح الإتفاق، يوضح أن النقطة الأخيرة تمثل مُعطى جوهري، خاصة في ما يتعلق بالجانب المالي، وتكتسب أهميتها بشكل خاص في الظرف الإقتصادي الحرج الذي تمر به البلاد بعد ثورة ديسمبر، ويشرح أن حكومة الفترة الانتقالية لا تمتلك الموارد المالية اللازمة لتنفيذ العديد من النقاط التي تم الإتفاق عليها، مثل مشاريع التنمية وعودة النازحين واللاجئين، وتكاليف المفوضيات التي نصت عليها إتفاقية جوبا، والتعويضات المالية لضحايا النزاعات في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، يؤكد خالد أن إتفاقية جوبا على المستوى النظري خاطبت قضايا مُلحة ومهمة عبر اتفاقياتها وبروتوكولاتها، ويمكن أن تكون أساس مقبول لتفكيك المظالم التاريخية، بيد أن هنالك نقص في بعض الجوانب، على سبيل المثال اتفاقية الترتيبات الأمنية لم تضع إطار زمنى لتنفيذ إعادة بناء العقيدة العسكرية للمؤسسات الأمنية.
مواقف سلبية
بينما يضيف المتحدث باسم الجبهة الثورية، دكتور محمد زكريا، السلام يجب أن يدعمه كافة المناصرين للثورة السودانية المجيدة، اما الرافضين لعملية السلام، إنما يفتحون أبواب للحرب، وعلى قوات الكفاح المسلح أن تجنح للسلام، وينصح القوى السياسية أن تدعم كل خطوة تحقق الاستقرار، يشير إلى أن المواقف الرافضة والمتحفظة علي العملية السلمية في جوبا، إنها مواقف لا تتسق مع أهداف ثورة ديسمبر المجيدة، يقول محمد لـ(عاين) ان السلام الذي وقع في جوبا، انه سلام شامل من حيث القضايا، تناول قضايا الشرق والشمال والغرب، المنطقتين، أن الرافضين لعملية السلام من الأطراف الحاملة للسلاح، الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور، يوجه رسالة إلى القائدين ’’ان السلام يخاطب جذور الأزمات، والاسباب التي ادت الى اندلاع الحروب والاقتتال، انه جهد مقدر قامت به الجبهة الثورية، اما اذا كان هناك من نقص، يطالب الاطراف الاخرى بالجلوس إلى طاولة التفاوض، ويضيفون ما يرونه مناسبا، ان الجبهة الثورية تمد يدها لكل الأطراف الحاملة للسلاح‘‘.
يوضح زكريا ان الجبهة الثورية ترى، أن فرد حامل للسلاح له دور يلعب في عملية تحقيق السلام، حتى اذا كان فردا واحدا، وينصح بوضع السلاح أرضا، وننطلق جميعا نحو الوحدة، البناء، الاعمار، الانجاز، وتحقيق متطلبات الفترة الانتقالية، أن شمولية الاتفاق من حيث القضايا والأطراف الموقعة عليه، وايضا التأييد الشعبي للاتفاق، والثقة المتوفرة بين جميع الأطراف، ثم الارادة القوية ، كلها عوامل تؤكد أن الاتفاق سوف ينفذ، وينصح الرافضين للاتفاق، بمراجعة مواقفهم، لأن الثورة السودانية، هي ثورة الوعي، لانها انتجت جمهور واعي، سوف يشكل ضغط على كافة الأطراف الموقعة، والأطراف الفاعلة في المشهد السياسي، ان الشعب السوداني، انه الضامن لتنفيذ الاتفاق، يؤكد ان المواقف السلبية للاتفاق لن يكون لها أثر فعال على تنفيذ السلام، يشير إلى الجهود الواعية التي تقوم بها حكومة الفترة الانتقالية، متمثلة في المجلس السيادي ومجلس الوزراء، يتوقع زكريا أن تنضم الاطراف الرافضة للسلام في جوبا، بالانضمام إلى ركب السلام في اقرب وقت.
تجاهل جذور الأزمة
يقول جمال احمد كوكو المحاضر في جامعة الدلنج بولاية جنوب كردفان ان كل اتفاق يجب ان يعالج جذور الازمة، بدلا من معالجة الآثار، وتعمد تجاهل جذور الأزمة، أن الحركة الشعبية تعتقد أن المجموعات الطائفية وجماعات الإسلام السياسي، تستخدم الدين لاستعطاف الناس، وغسل الادمغة، ان الحركة الشعبية ترفض استغلال الدين في السياسة، انها تريد إزالته، لذا اقترحت موضوع العلمانية، وفصل الدين عن المؤسسات، أن الحركة الشعبية اقترحت المبادئ فوق الدستورية، باعتباره مقترحات موضوعية تقطع الطريق أمام الانقلابات التي تقودها الأحزاب، أي اتفاق اذا لم يخاطب جذور الازمة واسبابها، لن تساهم في نجاح اتفاق السلام الموقع، والحركة الشعبية ترفض فكرة المحاصصات والمناصب السياسية.
يطالب جمال باتفاق شامل، ان اتفاق سلام جوبا لم يخاطب الجذور، على الرغم من طرح قضايا قومية، لكن العبرة في التنفيذ، اما الجانب الأهم، هذه الحكومة وقعت اتفاق، مع أطراف لا تملك قوات فعلية على الارض، ان الحركة الشعبية تسيطر على جنوب كردفان (جبال النوبة) لا توجد اي مظاهر للاحتفال، اما جوزيف تكه يسيطر على مناطق كبيرة في النيل الأزرق، يؤكد أن لديه قوات تفوق قوات مالك عقار، يرفض توقيع اتفاق مع مجموعات ليس لها وجود عسكري وسياسي، ولا يسيطرون على مناطق، تنبأ جمال أن يحدث نزاع بين مجموعة عبد العزيز الحلو ومالك عقار في شكل مواجهات على مستوى المدن.
يضيف جمال ان الاتفاق لم يتناول موضوع فصل الدين الدولة، والتطرق إلى العلمانية المعنية بفصل الدين عن المؤسسات، أن الوقوف مع كل الأديان بمسافة واحدة، ويرى أنها هذه كلمة فضفاضة، لم تتناول الاتفاقية فكرة المؤتمر الدستوري، يطالب أن يصاغ الدستور من اتفاقية السلام، ويحصن الدستور من اتفاقية السلام ذاتها، سواء بالمبادئ فوق الدستورية، ينصح بكتابة دستور دائم للسودان، يطرح تساؤل، هل ستكون بنفس ما جاء في اتفاقية السلام الشامل، والصراع الحقيقي انه صراع الهامش والمركز، وتفكيك بنية الجيش السوداني، ويطالب ان يكون الجيش القومي يشمل قيادات الكفاح المسلح، وتأهيل الجيش السوداني، يوضح ان موضوع الترتيبات الأمنية فضفاض، والجيش ينفذ اجندة لصالح الوسط والشمال النيلي، باعتبارهم المستفيدون من الجيش منذ استقلال البلاد.
بيئة صالحة للحوار
يضيف المتحدث باسم حركة جيش تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور، محمد عبدالرحمن الناير بوتشر، إن الاتفاق الذي وقع في جوبا لن يحقق سلاما بالسودان، وانه لا يختلف عن عشرات الاتفاقيات الثنائية والجزئية التي وقعت من قبل وانتهت بمناصب للموقعين وظلت الأزمة قائمة، ان تجارب السلام الزائف تكرر نفسها في جوبا، يقول الناير لـ(عاين) ان غالبية الشعب السوداني والقوى الفاعلة لم يحتفلوا بما جرى في جنوب السودان، القوى الحية والفاعلة تريد سلام يطوي صفحة الحرب، ويحقق الاستقرار بالبلاد، يؤكد أن معظم الموقعين في جوبا، كانوا في السابق جزءا من النظام البائد، و تبوأوا مناصب رفيعة، رغم ذلك لم يحققوا سلاما واستقرارا، ويتسائل كيف لهم أن يحققوه الان؟.
ويضيف الناير، إن الحركة تري أن ثورة ديسمبر ورغم التغيير الجزئ الذي حدث، إلا أن هنالك امكانية لعقد حوار سوداني سوداني لمخاطبة قضايا الوطن، أن الحركة بصدد إعلان مبادرة للسلام الشامل بالسودان، كشف انه تأخر إعلانها بسبب جائحة كورونا، يؤكد ان الحركة سوف تعقد عقد مؤتمر للحوار السوداني السوداني داخل السودان، يطالب ان تشارك فيه كافة مكونات السودان السياسية والمدنية والشعبية وغيرها، ويرفض الناير مشاركة النظام البائد في هذا الحوار، ويهدف المؤتمر مخاطبة جذور الازمة التاريخية، وإيجاد الحلول الناجعة لها، ثم التوافق على حكومة مدنية بالكامل من شخصيات مستقلة مشهود لها بمقاومة النظام البائد، ثم الوصول إلى ترتيبات امنية نهائية بموجبها يتشكل جيش قومي واحد بعقيدة قتالية جديدة.
ويؤكد الناير، انه للمضي قدماً في هذه المبادرة، يقع على عاتق الحكومة الحالية إثبات جديتها، والتزامها بالتنفيذ الفوري لكافة القرارات الدولية بحق حكومة البشير، والتسليم الفوري لكافة المطلوبين لدي المحكمة الجنائية دون قيد أو شرط، والسماح بعودة كافة المنظمات الدولية التي طردها البشير لتقدم خدماتها للنازحين والمتضررين، وإطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين وكشف مصير المجهولين، ووقف قتل المدنيين ونزع السلاح من أيدي المليشيات الحكومية ، حتى تكون هنالك بيئة صالحة للحوار.