مشاهد وروايات مؤلمة.. حياة بائسة للآلاف على تخوم العاصمة السودانية    

الخرطوم: عاين

في الطرف الشمالي الغربي لمدينة ام درمان بالعاصمة السودانية، وتحت لافتة “مدينة الخير” تستقل آلاف العائلات السودانية مساحة شاسعة من المنطقة في سكن اضطراري منذ العام 2007 يفتقر لأدنى مقومات الحياة، في المساكن هناك شيدت من مواد محلية كالطين والخشب وبعضها من جولات الخيش الفارغة، فلا ماء ولا كهرباء ولا وسيلة مواصلات مريحة، فالدولة هنا غائبة تماماً حتى من توفير الأمن للساكنين.  

واستقر نازحون سودانيون عائدون من دولة جنوب السودان في مخططات سكنية أعدتها حكومة النظام البائد لاستيعاب مخططات سكنية لنازحين من جنوب السودان وقتها استقروا في أطراف العاصمة، وحتى قبل انفصال جنوب السودان عن السودان ظلت هذه المخططات خالية قبل ان تقطنها هذه العائلات السودانية التي هى في الاصل عدة مجموعات اهلية تنشط في الرعي على حدود السودان وجنوب السودان. 

أهمال سنين

مشاهد وروايات مؤلمة.. حياة بائسة للآلاف على تخوم العاصمة السودانية
المجموعات التي تقطن المنطقة تم ترحيلها من جوبا إلى الخرطوم في العام 2007م وتم تسكينها بأرض المعسكرات جنوب الخرطوم قبل استوطانها بغرب أم درمان 

ومنذ 13 عاماً، يشكو سكان المنطقة اهمالاً حكومياً متطاولاً في تمليكهم الاراضي التي استوطنوا عليها ومدهم بالخدمات اللازمة لحياتهم، وقول القيادي الاهلي المفوض من الاهالي في المنطقة، بابو عمر عثمان لـ(عاين) التي زات المنطقة، إن “المجموعات التي تقطن المنطقة تم ترحيلها من جوبا إلى الخرطوم في العام 2007م وتم تسكينها بأرض المعسكرات جنوب الخرطوم قبل استوطانها بغرب أم درمان والمخططات التي تسكنها الآن والتي كان من المفترض أن يسكن فيها متضرري حرب الجنوب من النازحين الجنوبيين، ويضيف أنهم منذ ذلك الوقت لم ينجحوا في استكمال إجراءات تمليكهم الأراضي “.

“منذ أن أوصلتنا الحكومة إلى هذه المنطقة الخالية من أي خدمات، لم تعاود زيارتنا مرة أخرى لمعرفة ما نحتاجه كمواطنين”، يقول بابو، ويضيف، “منذ ذلك التأريخ وحتى الوقت الراهن فإن الزيارة الوحيدة التي تمت للمنطقة تمت قبل عامين من معتمد محلية أم بدة بعد مزاحمته من قبل أهالي المنطقة وتردهم الكثيف عليه، ولم يقدم أي خدمة للمنطقة واستمر في وعوده حتى سقوط الحكومة في أبريل الماضي”.

واشار بابو، الى ان السلطات المحلية طالبتهم في وقت لاحق بدفع أموال طائلة عبارة رسوم ليتم تسهيل إجراءاتهم وبعد أن تم دفعها لم تضطلع المحلية بدورها تجاه المنطقة حتى الوقت الراهن. 

غياب الدولة

مراسل (عاين) تجول في المنطقة، ورصد غياب الخدمات الاساسية حيث تنعدم مياه الشرب الصالحة، ويضطر المواطنون إلى شراء المياه بالبراميل من أصحاب عربات تجرها الدواب “الكارو”، ويصل سعر البرميل الواحد إلى 80 جنيهاً، كما تنعدم خدمات الكهرباء بالمنطقة ويستعين الأهالي ببعض مولدات الكهرباء التقليدية التي وفروا ثمنها من مساعدات أبناء المنطقة من الخارج، كما أنه لا توجد مواصلات لتقل ساكني المنطقة من وإلى المناطق الرئيسية في العاصمة، خاصة وأن بعضهم الساكنين في المنطقة يعملون في أماكن بعيدة جداً. ويلاحظ انعدام أي دور حكومي فيما يخص أوضاع التعليم حيث لا تتوفر أي مؤسسة تعليمية في المنطقة أو بالقرب منها، في وقت يوجد بها عدد كبير من الأطفال في سن الدراسة قد يفقدون حق التعلم، الأمر الذي اضطر القادة الاهليين في المنطقة لتشييد مدرسة أساس في غرف مشيدة من الطين ليدرس فيها الطلاب، ويدرس أولئك التلاميذ في أوضاع صعبة في ظل غياب الإجلاس في المدرسة ويضطرون للجلوس على مقاعد من الحجارة. وتغيب عن المنطقة ايضاً خدمات الصرف الصحي والتخلص الآمن من النفايات، حيث يتم حرقها بعد أن تتراكم كل شهر بمكان ليس بعيد عن أماكن سكن المواطنين.

مشاهد وروايات مؤلمة.. حياة بائسة للآلاف على تخوم العاصمة السودانية

قضايا ملحة

ويشكو أبناء أهالي مدينة الخير معاناتهم من المواصلات، حيث يؤكدون أنهم يدرسون في جامعات بعيدة جدًا من المنطقة، ويضطرون في أحيان كثيرة للسكن بداخليات الطلاب بجامعاتهم، الأمر الذي لا يستطيعون دفع تكاليفه المالية. ويقول الطالب بجامعة أم درمان الإسلامية، آدم حسين عثمان لـ(عاين)، إنه في طريقه للجامعة يركب ثلاثة خطوط مواصلات حتى يصل، وكشف أنه يضطر للاستيقاظ في الثالثة من صباح كل يوم ليصل في وقت المحاضرة الصباحية، وأضاف :”نتمنى أن تكون لدينا مدارس بالمنطقة، لكي لا تعاني الأجيال القادمة من الأوضاع التي عانينا منها نحن”.

ومن جانبه يتساءل الطالب عمر بابو، عن مدى إمكانية تحقق مطالبهم بعد تحقيق إنجازات في ملفات السلام الجاري تداولها في عاصمة جنوب السودان، مشيرًا إلى أنه حتى الآن لا يوجد ضامن تمليكهم أراضي المنطقة، وقال :”نتمنى أن ننعم بخدمات مثل كل المواطنين”.

ونقل مراسل (عاين)، شكاوى المواطنين من فقدان الأمن، لجهة بعد المنطقة عن التجمعات السكانية الكبيرة، ويتعرض المواطنون لأخطار السرقات والنهب، حيث تبعد المسافة بين المنطقة والشارع الرئيسي أكثر من 2 كيلو متر ويضطرون في بعض الأحيان لقطعها سيرا على الأقدام الأمر الذي يعرضهم لأخطار النهب من بعض العصابات وقطاع الطرق في الليل، خاصة وأن المنطقة لا تخضع فعلياً لأي قوة أمنية نظامية، ولا توجد بها أقسام للشرطة أو أي جهاز حكومي للدفاع عنهم.

موت قريب

وفي سياق متصل، تروي المواطنة عائشة آدم يعقوب معاناتها لـ(عاين) من غياب الخدمات الطبية، وتشكو بعد المستشفيات، موضحةً أن ذلك يؤثر سلبا على صحة المواطنين الذين يحتاجون خدمات طبية عاجلة وخاصة النساء الحوامل، وقالت :”بعض النساء يتعرضن لنزيف حاد بسبب بعد المستشفيات وعدم وجود قابلة صحية أو مركز صحي مؤهل بالمنطقة”، وزادت :”من الوارد أن يموت أي شخص في طريقه لتلقي الخدمات العلاجية”. وأشارت عائشة التي تعمل بالميناء البري جنوبي الخرطوم، إلى أنها تذهب يوميا لمكان عملها وتضطر لدفع أموال طائلة في سبيل الوصول والعودة آخر الليل.

وبدورها تروي المواطنة حواء آدم هارون، متاعبها في الوصول للمستشفى في حالة الحوجة، وكشفت وهي حبلى وتجري متابعتها الطبية بمستشفى السلاح الطبي البعيد، أنه في أحيان عديدة، تفقد مقعدها في مقابلة الطيب وإجراء الفحوصات الدورية بسبب التأخر في الوصول واكتمال العدد الممكن للكشف، وطالبت السلطات المعنية بتوفير مركز صحي مؤهل يغطي احتياجات المواطنين وتوفير كهرباء لتمكينهم من العيش بسلام.

مشاهد وروايات مؤلمة.. حياة بائسة للآلاف على تخوم العاصمة السودانية
نازحون سودانيون عائدون من دولة جنوب السودان في مخططات سكنية أطراف العاصمة

سلام اجتماعي

ورغم الأوضاع السيئة التي ترزح فيها المنطقة، إلا أن بذرة السلام والتصالح الاجتماعي موجودة بين أهاليها، خاصة وأنهم مختلفون عرقيا ويتشكل النسيج السكاني من عدة مجموعات اهلية، يتولى إدارته القادة الاهليين من كل مجموعة، وتقول مواطنة تسكن في المنطقة لسنوات، إن هذا الاختلاف لا يؤثر على التعامل بين الأهالي، ونوهت أن جميع أهالي المنطقة تربطهم اجتماعيات عميقة بغض النظر عن الانتماء الاثني، وكشفت انتظامهم في أعمال اجتماعية للتآزر والدعم والمساندة.