حوار | وزير الري الأسبق لـ(عاين): مخاطر سد النهضة على السودان كبيرة
عاين- 27 يوليو 2025
في الوقت الذي تستعد إثيوبيا لافتتاح سد النهضة على النيل الأزرق، رسميًا في سبتمبر المقبل، تزداد المخاوف في دولتي مصب النهر السودان ومصر بشأن تأثيراته المحتملة على الأمن المائي، لاسيما بالسودان في ظل غياب التنسيق الفني وتبادل البيانات بين سد النهضة وخزان الروصيرص، الذي لا يبعد سوى 110 كيلومترات.
في هذا الحوار الخاص مع (عاين)، يكشف وزير الري والموارد المائية الأسبق، ياسر عباس، وأحد أبرز الوجوه التي أدارت ملف سد النهضة خلال حكومة الفترة الانتقالية، عن رؤيته الفنية والسياسية لمآلات المشروع، والمخاطر الحقيقية التي تواجه السودان، خاصة في ظل تقارب المسافة بين سد النهضة وخزان الروصيرص، وغياب تبادل المعلومات التشغيلية.
يتناول الحوار أسباب تعثّر الوصول إلى اتفاق ملزم، ودور الاتحاد الأفريقي والوساطات الدولية، مرورًا بالأثر البيئي والاجتماعي. إلى جانب الفرص المهدرة، ويقيّم موقف السودان اليوم من وجهة نظره في ظل الحرب الداخلية وانسداد أفق التفاوض، ويوجّه رسالة واضحة لصنّاع القرار في الخرطوم وأديس أبابا.
___________________________
* كيف تقرأ إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن افتتاح سد النهضة في سبتمبر المقبل؟
كمواطن سوداني، يعني أن السد أصبح واقعاً من دون اتفاق قانوني ملزم بشأن الملء والتشغيل، أو حتى لتبادل المعلومات، وهو ما يشكّل تهديداً مباشراً لسد الروصيرص، وبالتالي للسكان شمالاً، وذلك رغم الفوائد المتوقعة.
* ما مدى مصداقية تعهد إثيوبيا بعدم إلحاق ضرر بمصر والسودان في ظل غياب اتفاق قانوني ملزم؟
في إطار العلاقات الدولية، لا بد من إبرام الاتفاقيات القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول، وليس التعهدات الكلامية. السودان هو المعني بالضرر لقرب المسافة بين سدي النهضة والروصيرص. سبق أن تضرر السودان في السنة الأولى للملء في عام 2020، عندما خرجت بعض محطات مياه الشرب في الخرطوم عن الخدمة لعدة أيام، لعدم الإخطار بالتخزين في ذلك الوقت، رغم ضآلة الكمية المخزنة (حوالي 4 مليارات متر مكعب فقط). بعد هذه الحادثة، عمل السودان على إجراء تحوطات فنية (mitigation measures) لتلافي مثل هذه المفاجآت. لذا، فإن وجود اتفاق قانوني ملزم حول الملء والتشغيل، أو على الأقل تبادل المعلومات، شرط أساسي لإثبات المصداقية.
* هل ما زال هناك أمل في الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم؟ أم فات الأوان؟
لم يفت الأوان، فالاتفاق القانوني هو الطريق الوحيد الذي يحفظ حقوق الجميع وفق القانون الدولي، للاستفادة من مياه النيل الأزرق باعتباره نهراً مشتركاً بين ثلاث دول. القاعدة القانونية هي: “الاستخدام المنصف والمعقول من غير إحداث ضرر”.
يؤمن السودان بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة للاستفادة من مياه النيل الأزرق، ويؤمن أيضاً بحقه في حماية أمنه المائي المتمثل في سلامة وتشغيل سد الروصيرص.
الاتفاق يعظّم الفوائد المتوقعة من سد النهضة للدول الثلاث، كما أن عدم الاتفاق يزيد عدم الثقة، ويؤثر سلباً على العلاقات بين الدول المتجاورة في مجالات أخرى كان يمكن أن تكون مصدراً للتعاون والاستقرار وتبادل المنافع بين الشعوب.
* ما أبرز المخاطر التي يواجهها السودان من سد النهضة؟
لقرب المسافة بين سدي النهضة والروصيرص (110 كلم)، فإن عدم تبادل المعلومات اليومية عن كميات المياه، وكذلك (dam safety measures ) لسد النهضة مع سد الروصيرص، لا يسمح بالتشغيل الآمن للأخير، وبالتالي لا يمكن التحسب لأي مفاجآت، سواء كانت كميات المياه كبيرة أو قليلة.
كما أسلفت، حدث هذا في يوليو 2020، عندما خرجت بعض محطات مياه الشرب عن الخدمة في الصالحة وسوبا، رغم قلة المياه المخزنة في ذلك الوقت. كان يمكن تفادي ذلك بكل سهولة لو كان هناك تبادل للمعلومات وفق اتفاق قانوني – علماً بأن تبادل المعلومات لا ينقص شيئاً من فوائد سد النهضة بالنسبة لإثيوبيا.
* هل يمثل سد النهضة تهديداً للأمن القومي السوداني؟ وكيف؟
نعم في حالة عدم وجود اتفاق قانوني ملزم للملء والتشغيل، أو على الأقل لتبادل المعلومات بين سدي النهضة والروصيرص، فإن تشغيل سد الروصيرص ليس آمناً، وبالتالي فإن التهديد لا يقتصر على سد الروصيرص وحده، بل يمتد ليشمل كل السكان شمالاً على النيل الأزرق والنيل الرئيسي. ويشمل ذلك الحالتين: سواء كانت كميات المياه كبيرة تؤدي إلى فيضانات، أو قليلة تؤدي إلى عطش.
* ما التأثيرات المحتملة على المجتمعات الزراعية والرعوية في ولايات النيل الأزرق وسنار والجزيرة؟
أولاً، يجب التأكيد على أن لسد النهضة فوائد كثيرة للسودان في حالة تبادل المعلومات مع سد الروصيرص، وتشمل انتظام جريان النيل الأزرق، مما يزيد التوليد الكهربائي في الروصيرص ومروي، وتخفيف أو زوال الفيضانات المدمرة مثل فيضانات أعوام 1946 و1988 و2020.
كما يعمل سد النهضة على حجز الإطماء، مما يقلل من تكلفة صيانة قنوات الري في مشروع الجزيرة والرهد وغيرها.
أما من الناحية السلبية، فتتأثر زراعة الجروف (الري الفيضي)، والتي يمكن تحويلها إلى ري مستديم في حالة وجود اتفاق (أو علم مسبق) بقواعد التشغيل السنوية لسد النهضة.
كذلك هناك آثار بيئية سالبة، لكن جلّ هذه الفوائد يصعب تحقيقها في ظل غياب اتفاق لتبادل المعلومات، لأن مهندس التشغيل في سد الروصيرص سيظل دائماً يعمل على التحوط، تحسباً لأي مفاجآت محتملة من سد النهضة.
* هل توجد أي فوائد فنية أو اقتصادية يمكن أن يجنيها السودان من سد النهضة رغم الخلافات الجارية، لا سيما فيما يتعلق بتنظيم الجريان، تقليل الفيضانات، أو تحسين إنتاج الكهرباء؟
نعم، الفوائد الحالية لسد النهضة – رغم عدم وجود اتفاق – تتمثل في زيادة التوليد الكهربائي، وتقليل الإطماء، وانخفاض معدلات الفيضانات.
لكن في المقابل، هناك مخاطر في حال عدم وجود اتفاق. وعندما نقول “مخاطر”، لا يعني ذلك بالضرورة أنها ستقع في العام المقبل أو الذي يليه، لكنها تبقى قائمة، واحتمال حدوثها يظل قائماً باستمرار. فلا يوجد في العالم سد سعته لا تتجاوز 10% من سعة السد الذي أمامه، وعلى مسافة قريبة منه، ولا يتم تبادل معلومات تتعلق بالمخاطر وبيانات كميات المياه بينهما.
* ما تقييمكم لسلامة تصميم سد النهضة في ظل غياب دراسات مشتركة مع السودان؟
الحق يُقال إن الدول الثلاث شاركت في تعديل تصميمات سد النهضة أثناء مرحلة الإنشاء ما بين عامي 2011 و2014، وقد أُشيد بذلك في “إعلان المبادئ” الذي تم توقيعه عام 2015. لكن، أيضًا، من الحق أن يُقال إن عدم وجود اتفاق حول الملء والتشغيل، أو على الأقل بشأن تبادل المعلومات مع سد الروصيرص، يُهدد سلامة هذا الأخير، ليس بالضرورة بسبب احتمال انهيار سد النهضة، وإنما نتيجة غياب معلومات تشغيله.
كذلك، هناك الدراسات البيئية والاجتماعية التي كان من المفترض أن تكتمل خلال 15 شهرًا من توقيع إعلان المبادئ في عام 2015، لكنها لم تكتمل حتى الآن. ومن الضروري إكمال هذه الدراسات والعمل بالتوصيات التي ستصدر عنها.
* هل لدى السودان القدرة الفنية لرصد وتوقع تأثيرات السد على خزان الروصيرص وبقية منشآته المائية؟
نعم، إلى حدٍّ ما، يعمل السودان على متابعة تشغيل سد النهضة عبر الأقمار الصناعية والنماذج الرياضية، بهدف توقّع أسلوب تشغيل السد، ومن ثم مواءمة تشغيل سد الروصيرص بناءً على ذلك. لكن هذا لا يمنع من حدوث مفاجآت في ظل غياب اتفاق قانوني بشأن الملء والتشغيل، أو كما أسلفنا، على الأقل اتفاق لتبادل المعلومات.
* هل هناك دراسات حكومية تتنبأ بتأثير السد على البيئة والمياه الجوفية في السودان؟
طبعًا، إجابتي تستند إلى المعلومات المتاحة حتى عام 2021، ولا علم لي بما جرى بعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021.
نعم، كانت هناك دراسات تناولت الآثار المختلفة لسد النهضة على السودان، بما في ذلك الآثار البيئية (وإن كانت محدودة إلى حدٍّ ما)، إلى جانب آثار السد على المياه الجوفية، والتوليد الكهربائي، ومياه الري، والفيضانات، والاطماء، وغيرها.
وقد أُجريت هذه الدراسات لتنوير الوفد التفاوضي، وكانت الخلاصة أن الفوائد الكلية للسد تفوق آثاره السلبية، شريطة أن يتم التوصل إلى اتفاق حول الملء والتشغيل، أو على الأقل اتفاقاً لتبادل المعلومات مع سد الروصيرص.
* هل تم تزويد السودان بأي بيانات تشغيلية من الجانب الإثيوبي خلال مراحل الملء السابقة؟
حتى فترة وجودي في الوزارة، وحتى أكتوبر 2021، لم يتم تبادل أي معلومات تشغيلية. ولا علم لي إن كان قد تم ذلك بعد هذا التاريخ.
*ما خطة الطوارئ حال حدوث انهيار مفاجئ أو تسرّب في جسم السد؟
لهذا السبب، يجب تبادل معلومات خطط الطوارئ (dam safety measures) بين سدي النهضة والروصيرص، بالإضافة إلى بيانات المناسيب وتصريفات المياه، بموجب اتفاق قانوني، حتى يتمكّن الجانب السوداني من وضع خطة طوارئ لسد الروصيرص. أما ما يتم الآن، فهو اجتهادات من الجانب السوداني لتقليل المخاطر.
*هل تعتقد أن إثيوبيا ستستخدم المياه كورقة ضغط سياسي على السودان في المستقبل؟
نعم. فقد سبق أن صرّح السفير دينا مفتي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، في لقاء تلفزيوني مع قناة الجزيرة عام 2021، بأن إثيوبيا لا تمانع في بيع المياه إلى السودان ومصر إذا توفّر فائض.
عدم توقيع اتفاق حول الملء والتشغيل، أو حتى لتبادل المعلومات مع السودان، يعزز الشكوك المتبادلة، ويلقي بظلال سلبية على العلاقات بين الدول المتجاورة.
* ما السيناريوهات المتوقعة بعد افتتاح السد رسميًا دون اتفاق؟
لا أتوقع مفاجأة، لكن ربما نشهد زيادة في الاحتقان والشكوك بين دول حوض النيل، خاصة في ظل عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، والحرب الدائرة حاليًا في السودان.
* ما الخيارات الدبلوماسية أو القانونية التي يمكن أن يلجأ إليها السودان حال استمرار الوضع الراهن؟
في رأيي، لا يوجد حل سوى التفاوض والوصول إلى اتفاق لتبادل المنافع بين الدول.
علينا أن نستلهم تجارب الأنهار الأخرى في إفريقيا مثل نهر السنغال والنيجر، وخارج أفريقيا مثل نهر السند، والراين، وكولومبيا، من أجل التوصل إلى اتفاق قانوني بشأن الملء والتشغيل، أو على الأقل لتبادل المعلومات مع سد الروصيرص.
كما يجب البناء على ما تم التوافق عليه سابقًا، مثل إعلان المبادئ في 2015 (رغم اختلاف التفسيرات)، وتقرير خبراء الاتحاد الأفريقي عام 2020.
* كيف تقيّم دور الاتحاد الإفريقي كوسيط؟ وهل فقد السودان الثقة بآليات الوساطة الإقليمية؟
لقد أهدر الاتحاد الإفريقي فرصة ثمينة لتجسيد مبدأ “الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية”، عندما لم يمنح الخبراء الأفارقة، الذين اختارهم بنفسه، دورًا فاعلًا كوسطاء في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، واكتفى بحصر دورهم كمراقبين دون صلاحية التدخل في سير المفاوضات.
وقد قُوبل مقترح السودان في 2020، بمنح هؤلاء الخبراء دور المسهّلين للتفاوض، برفض مصري وإثيوبي. وكان من المتوقع أن يمارس الاتحاد الإفريقي بعض الضغوط لإقناعهما بقبول رأي الخبراء، لكنه لم يفعل.
لذلك، اقترح السودان في مطلع عام 2021 تشكيل لجنة رباعية برئاسة الاتحاد الإفريقي، تضم كلًا من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، لكن هذا المقترح أيضًا رُفض من قبل إثيوبيا.
* هل فشلت الوساطات الدولية السابقة بسبب تعنت إثيوبيا، أم لعدم وجود ضغوط فعليّة؟
الأمر يعود إلى السببين معًا، بالإضافة إلى غياب التركيز على مصلحة شعوب الدول الثلاث. وطغى الجانب السياسي على الجوانب الاقتصادية ومبدأ تبادل المنافع.
* كيف تنظر إلى تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ووصفه “تمويل واشنطن لسد النهضة بالغباء”؟
سد النهضة أصبح ورقة استراتيجية مهمة، ليس فقط بيد الدول الثلاث، بل أصبح جزءًا من تقاطعات المصالح الإقليمية والدولية في حوض النيل، والبحر الأحمر، والقرن الأفريقي، والشرق الأوسط. بمعنى آخر، أصبح مشروعًا سياسيًا بامتياز، أكثر من كونه فنيًا أو اقتصاديًا.
* هل يمكن البناء على هذه التصريحات لتشكيل ضغط دولي على إثيوبيا؟
الحق يُقال إن الولايات المتحدة بذلت جهدًا كبيرًا للتوصل إلى اتفاق في بدايات عام 2020، قبل أن تنهار المفاوضات بسبب غياب الجانب الإثيوبي عن الاجتماع الأخير في فبراير 2020. في رأيي، بمزيد من الصبر كان يمكن الوصول إلى اتفاق في ذلك الوقت.
* على صعيد آخر، كيف ترى الأمن المائي في السودان بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023؟
حرب 15 أبريل خلقت واقعًا جيوسياسيًا معقدًا، بتحالفات متعددة ومتباينة بين دول حوض النيل وأطراف النزاع في السودان.
لكنني أعتقد — وأتمنى أن أكون محقًا — أن السودان سيتجاوز هذه الحرب، وسيعود أكثر استقرارًا وقوة، وهو الدولة الوحيدة المؤهلة للعب دور رئيسي في الوصول إلى اتفاقات داخل حوض النيل، بحكم موقعه الجغرافي الوسيط بين دول المنبع والمصب، إذا اعتبرناه دولة معبر (mid-stream).
يجب أيضًا التأكيد على أن سد النهضة لا يشكل تهديدًا فنيًا مباشرًا على مصر، نظرًا لبعد المسافة، ووجود السد العالي ذي السعة التخزينية الضخمة (التي تعادل ضعف سعة سد النهضة)، ما يمكّنه من امتصاص أي صدمات هيدرولوجية مستقبلية.
ما يجب التأكيد عليه، هو أن مياه النيل كافية لتلبية احتياجات شعوب حوض النيل، شريطة التعاون لا الصراع.
تبادل المنافع، كما نصّت عليه فلسفة مبادرة حوض النيل — قبل أن تنجرف في التجاذبات السياسية — هو الطريق الوحيد لضمان مصالح الشعوب، وليس أي خيار آخر.