أسرار ثورة القضارف السلمية…. كيف انتصرت
تقرير عاين :16يناير 2019
لم يتوقع الكثيرون أن تكون مدينة القضارف البعيدة نسبيا عن أعين وعدسات الإعلام، والقليلة المشاركة في التظاهرات التي انتظمت معظم مدن البلاد في 2013 وغيرها، سباقة للخروج بل وبأعداد ضخمة وغير مسبوقة في غيرها من المدن التي أشعلت الثورة الحالية. ولكن في المقابل يرى الكثيرون من الناشطين والمواطنين في الولاية ان عوامل كثيرة علي رأسها التهميش وانعدام الخدمات وانهيار المشروع الزراعي تعد عوامل ذات تأثير بالغ وسط المواطنين البسطاء.
ليس ذلك فقط بل أن الأعداد التي خرجت للتظاهر في القضارف تعد الاكبر منذ انطلاق التظاهرات في معظم مدن البلاد، الأمر الذي مكن ثوار القضارف من السيطرة على المدينة لعدة أيام في ظل انسحاب القوات الحكومية وتدخل الجيش لصالح المواطنين. كذلك كان ثوار القضارف الوحيدون الذين تمكنوا من تسليم مذكرة تنحي الرئيس إلى المجلس التشريعي للولاية، بل وجلسوا لساعات طويلة مطالبين بالرد. وفي المقابل تعاملت السلطات بعنف مفرط مع المتظاهرين الامر الذي كان حصيلته ان احتل ثوار القضارف المرتبة الأولى في أعداد القتلى.
خطة دموية
بدأت تظاهرات مواطني القضارف رافضة الغلاء ومطالبة بتحسين الوضع المعيشي في المدينة التي تعاني من إهمالاً حكوميا شديدا، لكن تعامل السلطات العنيف وسقوط القتلى دفع المتظاهرين الغاضبين إلى رفع سقف المطالب و المناداة بإسقاط النظام، والاعتداء على رموز ومؤسسات الحكومة والحركة الإسلامية السودانية.
وطالب المتظاهرون في يومي 19 و20 شهر ديسمبر بإسقاط النظام ، الأمر الذي دفع السلطات إلى تطبيق خطة دموية كان نتيجتها سقط عدد من القتلى وأعلنت السلطات حالة الطوارئ وفرضت حظر التجوال من السادسة مساءا وحتى السادسة صباحا، فيما شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة وسط قيادات القوى السياسية والناشطين وقيادات مبادرة الخلاص التي تقود الحراك الشعبي الراهن بقيادة المناضل الاستاذ جعفر خضر. وشنت حملة شرسة ضد بعض المكونات الاثنية في الولاية التي جرى استهدافها واتهامها بارتكاب عمليات تخريب وسرقة، حسب مصادر في الولاية.
ويرى ناشطون أن تظاهرات القضارف حافظت علي سلميتها لدرجة كبيرة، رغم العنف المفرط الذي استخدمته الاجهزة الامنية ضد المتظاهرين، وحملة الاعتقالات المستمرة التي أخذت طابعا اثنيا اضافة لفتح بلاغات تخريب وسرقة تجاه عدد من المواطنين يرى العديد من المواطنين أنها ملفقة.
شارع المليون ثائر
بدات التظاهرات في القضارف، بصورة شعبية وعفوية من قبل المواطنين المطالبين بتحسين الوضع المعيشي سرعان ما تطورت للمطالبة برحيل النظام. يقول الناشط السياسي قصي عبدالمنعم ل(عاين) من مدينة القضارف ان التظاهرات التي اندلعت في مدينة القضارف، لم يدعو، او ينسق لها احد، مطلب المواطنين السعي إلى تغيير شامل، الدليل على ذلك الهتافات التي تردد، الشعب يريد اسقاط النظام،. ويبين قصي ان السلطات تعاملت مع المتظاهرين بعنف مفرط. “أرقام القتلى والجرحى أكبر برهان على عنف السلطة ، ومعظم القتلى سقطوا في السوق العمومي، والمستشفى التأهيلي”.
” المسيرة تجمعت في شارع المليون ثائر بسوق القضارف، وجابت ارجاء السوق،ثم تحركوا الي حي ديم النور، ووقف المتظاهرون أمام دار المؤتمر الوطني لقرابة 10 دقائق، مرددين الهتافات التي تطالب بإسقاط النظام، وبعدها تحركوا إلى المجلس التشريعي، الا ان القوات الامنية استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين بكثافة، وادي الي تفريق المتظاهرين، واعتقلت قوات الأمن الكثيرين منهم، ومظاهرات الثامن من يناير، كانت تأكيدا أن أرواح الشهداء ستكون نقطة جديدة لتحقيق التغيير في كل ربوع البلاد.”
مشاركة نسائية وعنف أمني
ويروي الناشط ود الفاتح من ولاية القضارف ان المظاهرات بدأها طلاب مدارس الثانوي، من مدرسة ود الكبير ومدرسة القضارف ومدرسة ديم بكر والمدرسة النموذجية ومدرسة محمود شريف، وتوجهوا إلى سوق القضارف الكبير، من بعدها توسعت المظاهرة بمشاركة المواطنين في شارع الوزارات الى سوق ديم بكر، وسوق المحصول والي حي ود الكبير، وحي الأسري في جنوب حي ديم حمد وشمال ديم نور. ويمضي مبينا ان النساء شاركن في المظاهرات ليس بالزغاريد فحسب بل بالمشاركة المباشرة ، قبل ان يؤكد بان نساء القضارف هن من قمن باغلاق شارع حي ديم النور.
ويضيف ود الفاتح في حديثه لـ (عاين) جهاز الأمن تسبب في تحول التظاهرات إلى العنف بسبب قتله للمتظاهرين عمدا.
“بدأت المظاهرات سلمية في كافة الاحياء لكن واجهها جهاز الأمن بالرصاص الحي وسقط عدد من الشهداء حولها الى تظاهرات عنيفة جدا”.
ويقول ود الفاتح إن المتظاهرين الغاضبين من العنف استهدافوا المؤسسات الحكومية، وتم حرق مبني المحلية، ومنزل مدير جهاز الأمن بالمدينة، ودار المؤتمر الوطني، ثم حرق ادارة المياه، وحرق بنك الخرطوم.
يتفق يوسف رحال القيادي في تحالف قوي نداء السودان لـ(عاين) مع الناشط ود الفاتح، مبينا ان التظاهرات اندلعت بشكل سلمي من المدارس الثانوية في المدينة، وتضامن معها تجار الاسواق وبعض المواطنين في الأحياء،ولكن السلطات تعاملت معها بقمع كعادتها المعهودة، مما زاد الغبن، ووصل الامر الى اطلاق الرصاص الحي.
ويضيف نتيجة للعنف ذلك، ادي الي حدوث انفلات، وحريق بعض المؤسسات الحكومية، مثل بنك الخرطوم، ودار حزب المؤتمر الوطني، وديوان الزكاة، ووزارة المالية، باعتبارها مؤسسات الناس عندهم تجاهها مأخذ، وقامت السلطة بفرض حالة الطوارئ، ويقدر عدد المعتقلين 300 على حسب تقدير رحال، قبض عليهم بتهم التخريب.
عنصرية
وكشف يوسف رحال القيادي في تحالف قوي نداء السودان عن وجود استهداف عنصري لبعض الاثنيات في الولاية، كما حدث في ديم بكر، وحي أكتوبر، واتهامات السلطات لقبيلة الهوسا بالتورط في التخريب والسرقة.
ويرفض رحال في حديث لـ (عاين) استخدام أسلوب تشويه السمعة لبعض المكونات القبلية في الولاية، باستخدام الطابع العنصري القبلي، ويكشف أن هناك بعض المفقودين، وهم عاملين من خارج القضارف شاركوا في المظاهرات، خصوصا في موسم الحصاد، ويعمل عدد كبير من العاملين في الموسم الزراعي من مختلف مدن السودان، وآخرين قبضت عليهم السلطات، ولم يستطيعوا التأكد على هوياتهم.
وينظر رحال ان الاحتجاجات في مدينة القضارف، أنها نتاج طبيعي لحالة الاحتقان السائدة في الولاية، بسبب غياب التنمية وتردي الخدمات، خصوصا إن الولاية تعتبر من اكثر الولاية الإنتاجية، وتحصل منها الحكومة المركزية رسوما عالية، كما أنها تعد من أغنى الولايات من حيث الموارد.
“إن التنمية في الولاية تكاد تكون صفر، وتعاني من التردي في الخدمات، وهذه المدينة تعاني من العطش، واضافة الي فشل الموسم الزراعي، نتيجة للسياسات الاقتصادية، و تحجيم السيولة، والي انعدام الخدمات الاساسية من خبز وغاز، حتى وصل البعض في المدينة إلى مرحلة العدم، وزاد الطين بله أن الحكومة حولت حصة المدنية من الدقيق الي الخرطوم، الأمر الذي أدى إلى انفجار الأوضاع”.
قناصة الامن
وتضاربت الآراء حول عدد ضحايا العنف المفرط في القضارف، فيما تؤكد المصادر الحكومية أن أعداد القتلى لا يتجاوز 8 أفراد، تشير بعض المصادر المعارضة إلى وجود تسعة قتلى وربما أكثر نتيجة استخدام الرصاص الحي وانتشار القناصة التابعين لجهاز الأمن والمخابرات الوطني فوق أسطح البنايات.
من جانبه يقول النائب البرلماني مبارك النور،ان هناك تضارب في أعداد القتلى في تظاهرات القضارف الاخيرة، مشيرا الى ان بعض أقارب القتلى فشلوا في الوصول إلى جثامين ذويهم في المشرحة، نتيجة الأوضاع الحرجة.
لكن الناشط ود الفاتح يفصل ل (عاين)، عددا من أسماء شهداء القضارف الذين سقطوا في يوم 20 ديسمبر 2018
1- الطالب مهند احمد محمود عبدالقادر سليمان من حي الجناين طالب بجامعة الخرطوم
2- طارق سليمان عسكري جيش سابق وسائق ركشة من حي السيول
3- عثمان كوة عامل بالمستشفي التأهيلي طلقة في الصدر
4- النور عبدالغني عبداللطيف حي غبيشة
5- الصادق محمد من حي التضامن
6- صديق هاشم حلوف عسكري بقوات الشعب المسلحة توفي برصاص جهاز الأمن
7- حامد عبدالملك حامد مرسال حي ديم بكر توفي بطلقة في الصدر
8- طفل من حي سلامة بي، لم يذكر اسمه بعد
9- مفتو/ مفتاح اثيوبي توفي بطلقة في الحنك
ويذكر ود الفاتح أن بعض المصادر من داخل مستشفي القضارف تؤكد ان عدد الاشخاص الذين توفوا في يوم المظاهرات بلغ 8 أفراد من المتظاهرين تم استلامهم من المشرحة.
عشرات الاصابات
ويؤكد ود الفاتح وعدد من المصادر الطبية تحدثت ل (عاين) وقوع عشرات الاصابات ووصولها لتلقي العلاج في مستشفي القضارف لا سيما في يوم الجمعة 21 ديسمبر 2018، مشيرا الى وجود سبعة حالات حرجة ويتلقون العلاج في العناية المركزة.
– 1- سامر بشري طالب مدرسة محمود شريف، اصابة خطيرة
2- ستة مصابين في عنبر الجراحة أحدهم عسكري جيش
3- تسعة مصابين في عنبر أصدقاء المرضى إصابتهم خفيفة
4- الحوادث ثلاثة مصابين
وتؤكد المصادر وجود بعض حالات أكثر خطورة نقلتهم إدارة المستشفى الي مدني والخرطوم، وتورد (عاين) أسماء عشرة منهم:
محمد محمود الملقب ب(كابو) طالب بمدرسة ديم بكر الثانوية ، اصيب بطلقة في الركبة
عبدالكريم أحمد، العمر 16 عاما، سايق ركشة، يسكن حي الصداقة، أصيب بطلقة في الظهر
مضيفا ود الفاتح هنا ايضا قائمة بأسماء المصابين المعلقة أمام العلمية الكبيرة بمستشفى القضارف :
1- يسن عبيد عيسي حي الجمهورية
2- صالح محمد رابح يسكن حي الصوفي
3- انصاف موسى، تسكن حي الصداقة
4- عبدالحفيظ عمار
5- اشرف عمار
6- مزمل عبدالوهاب، يسكن حي دقنة، مصاب اصابة بالغة
7- ناصر محمد دارالسلام
8- محمد علي عمر، يسكن ديم سعد
9- اشرف الطاهر، يسكن حي التضامن
10- مزمل صالح علي النور ، يسكن حي الصوفي.
خلافات بين الجيش والأمن
تؤكد مصادر مشاركة في تظاهرات القضارف ان قناصة تابعين لجهاز الأمن والمخابرات الوطني بزي شاركوا في قمع التظاهرات ويتحملون المسئولية المباشرة في مقتل هذا العدد من المتظاهرين.
تفاقم الأوضاع في المدينة وحالة العنف المفرط، دفعت القوات المسلحة إلى التدخل وحماية المتظاهرين من بطش الاجهزة الامنية، وسادت حالة تقارب بين المتظاهرين وضباط الجيش ارعبت الاجهزة الامنية ومنسوبي المؤتمر الوطني، الامر الذي قاد إلى فرار عدد منهم خارج المدنية، وأظهرت فيديوهات نشرها ناشطون هروب نائب والي الولاية من أمام المتظاهرين الغاضبين الذين حاصروا منزله. وأضاف شاهد عيان ل (عاين ) ان المواطنين قاموا بتحية الجيش ومحاولة تحييده بل وطلبوا منه الحماية هاتفين “الجيش معانا ولا همانا”.
ووصلت المواجهة بين الطرفين ذروتها عندما قتل أحد قناصة جهاز الأمن أحد منسوبي القوات المسلحة وهو فرد بالقوات المسلحة اسمه صديق هاشم حلوف.
هذه الحادثة – حسب شهود العيان- أشعلت الموقف ودفعت الجيش الي القاء القبض على 13 من منسوبي جهاز الأمن يرتدون زي القوات المسلحة، وتم تحويلهم إلى القيادة الشرقية للقوات المسلحة ومن غير المعلوم مصيرهم حتى الآن. وتكررت مشاهد الخلافات بين الطرفين وتدخل الجيش لحماية المتظاهرين، ويروي الشهود أن الجيش تصدى لقوات الشرطة أمام المجلس التشريعي، عندما حاولت الشرطة قمع المواطنين، وارهابهم بإطلاق الرصاص الحي.
وتواصلت تدخلات الجيش إذ قام بحماية سوق المحاصيل ، وفتح الجيش بالقوة مخازن ديوان الزكاة وسمح للفقراء من المتظاهرين باخذ قوتهم .
مبادرة الخلاص … تجربة ثورية
وبرز اسم مبادرة الخلاص في القضارف كجسم ثوري قاد التظاهرات وساهم في تثوير وتنظيم المتظاهرين حتى تحقق الانتصار الكبير لثوار القضارف بالسيطرة علي المدينة وتخويف قادة الحزب الحاكم وتسليم مذكرة التنحي لاحقا للمجلس التشريعي بالولاية.
ويقول اسماعيل محمد اسماعيل، عضو مبادرة الخلاص في القضارف، انها مكون اصيل من قوى المعارضة في الولاية، وأوضح إسماعيل في مقابلة خاصة مع شبكة (عاين) تجربة مبادرة الخلاص، مبينا أنها جسم يضم تنظيمات المعارضة،مشيرا الي كونها تجربة فريدة قادت المعارضة الشعبية في الولاية منادية باسقاطة النظام منذ العام 2013.
ويؤكد اسماعيل ان أعضاء المبادرة منخرطون في الحراك الثوري الذي جرى في الولاية منذ ديسمبر الماضي، وبعض أعضائها تعرضوا للاعتقال من قبل جهاز الامن والمخابرات الوطني.
يقول احد المقربين من مبادرة القضارف للخلاص مفضلا حجب اسمه، إن المبادرة علي الدوام دوما تقوم بدورها الثقافي والسياسي في المدينة، وينتقد السلوك العنيف الذي استخدمته قوات ضد المتظاهرين السلميين، وأن تكرار السلطات لاعتقال القيادي البارز في مبادرة القضارف للخلاص، جعفر خضر، ووصفه بايقونة النضال المدني الثوري السلمي في الولاية بأكملها، ويؤكد ان الاعتقالات لم تكسر إصرار وشجاعة جعفر، كما هو معروف للجميع.