المُستنفرون.. رصاص بلا قيود ضد المدنيين في السودان
عاين- 7 فبراير 2024
مع تصاعد حملة التسليح في السودان وحشد طرفي القتال “الجيش والدعم السريع” المُستنفرين للقتال في صفوفهما، تشهد مناطق واسعة في البلاد انتهاكات واسعة بحق المدنيين من قبل مُستنفري الطرفين.
وقبل اندلاع الحرب بوقت قصير دخل الطرفان في سباق تجنيد لاسيما في اقليم دارفور، وسبقت قوات الدعم السريع استنفار الجيش بحشد مقاتلي القبائل أو بما يعرف بـ”الفزع” الأمر الذي اقر به قائدها محمد حمدان دقلو في يناير الفائت وكشف عن ارتكاب هذه المجموعات انتهاكات واسعة بحق المدنيين.
وتبنى الجيش السوداني خطة لتسليح المواطنين تحت مسمى المقاومة الشعبية في مسعى لتعزيز موقفه العسكري في حربه المحتدمة مع قوات الدعم السريع منذ منتصف ابريل الماضي.
ويقود الجيش بمعاونة الحكومات المحلية في هذه الولايات وانصار التيار الإسلامي المساند للقوات المسلحة في حربها ضد الدعم السريع عملية المقاومة والتسليح الشعبي وسط شكاوى من انتهاكات بحق المدنيين وكل الاصوات التي تدعو إلى السلام ووقف الحرب من قبل المستنفرين.
سلطات مطلقة
وعلى مرأى القوات العسكرية النظامية في الولايات الآمنة، يُمارس المستنفرين سلطات وصلاحيات مطلقة تشمل تفتيش المواطنين واحتجازهم واعتقالهم بشكل تعسفي، بجانب انتهاكات عديدة متمثلة في الاعتداءات المباشرة لحد اطلاق النار على المواطنين. بحسب ما وثقته (عاين) من ضحايا وشهود.
ولاية نهر النيل شمالي البلاد، تشهد وبشكل يومي حوادث متكررة لاعتداء مستنفري الجيش على المواطنين واحتجازهم بشكل تعسفي وذلك بمبررات أبرزها التخابر مع قوات الدعم السريع، بجانب مخالفة مواعيد حظر التجوال المفروضة من جانب السلطات الحكومية في الولاية- وفقا لما أفاد سكان في الولاية (عاين)، مشيرين إلى ان الانتهاكات التي يقوم بها اللمستنفرين تعيد إلى الأذهان ممارسات جهاز الأمن والمخابرات وشرطة النظام العام في عهد حكم الرئيس المخلوع عمر البشير.
وتفرض الولايات السودانية الآمنة مثل القضارف، نهر النيل، كسلا، بورتسودان حظر تجوال ليلاً ويتولى المستنفرين في اغلب المناطق مهمة تنفيذ الأوامر الطارئة مع وجود تعسف كبيرة مع المدنيين الذين يعتقد أنهم مخالفين.
اطلاق نار
أدت حملة الاستنفار التي أطلقها الجيش لجمع مقاتلين من المدنيين لمساندته في حربه ضد قوات الدعم السريع إلى انتشار السلاح بصورة غير مسبوقة في ولاية نهر النيل حيث تسمح السلطات الرسمية للمواطنين بحمل البنادق علانية في الأسواق والأماكن العامة، كما سمح للمستنفرين بإقامة ارتكازات عسكرية على الطرق وفي الأحياء السكنية وتفتيش المواطنين، ويمتد ذلك الى اقتحام المنازل واعتقال نشطاء العمل الإنساني والأشخاص الداعين إلى وقف الحرب.
ويقول محمد أحمد السر، وهو ناشط مدني بولاية نهر النيل، أن “مستنفرين للجيش قاموا مؤخراً بإطلاق الرصاص الحي على أحد المواطنين بمنطقة العبيدية الهادباب يدعى فتح الرحمن ضو القبس أثناء قيادته لسيارته في مزلقان خور الطاشاب على طريق الاسفلت وهو قادماً من مدينة عطبرة، حيث وصل نقطة التفتيش الرئيسية التي يقيمها مستنفرين وسُمح له بالعبور وبعد بضع مترات تفاجأ بهم يلاحقونه ويفتحون عليه الرصاص الحي الذي اصاب سيارته”.
وبحسب ناشط في منظمات المجتمع المدني في منطقة العبيدية بولاية نهر النيل تحدث مع (عاين) وطلب حجب اسمه لمخاطر أمنية، فأن المستنفرين تحولوا إلى قوات واسعة الاختصاصات وتتدخل في المسائل المرورية وأماكن ومحاربة الخمور البلدية وملاحقة شاحنات البضائع وشركات التعدين وهي مهام ليس من صلاحياتها، وكانت مهمتها مراقبة تسلل عناصر الدعم السريع فقط.
ويقول:”غالبية المستنفرين أعمارهم صغيرة وليس لديهم خبرة في التعامل مع المواطنين، لذلك من المتوقع أن تتوسع تجاوزاتهم تجاه المدنيين ومن الممكن ان يصبحوا مرتشيين، فهم الآن بمثابة مليشيا جديدة يتلقون تعليماتهم من لجنة أمن الولاية وهي قوامها من عناصر النظام البائد”.
تهديد بالقتل
يروي عثمان عبد اللطيف-أسم مستعار- لـ(عاين)، أن قوة مكونة من ثلاثة مستنفرين وأثنين من جهاز المخابرات وآخر من الاستخبارات العسكرية قامت باعتقاله من منزله في احدى المناطق بولاية نهر النيل هذا الأسبوع واقتادته الى مكتب “كبسولة” خاصة بالمستنفرين، ومن ثم انهالوا عليه بالضرب المبرح والشتائم.
ويقول:”ظلوا يضربوني باستمرار لأكثر من ثلاث ساعات، وكانوا يقولون لي انني متعاون مع قوات الدعم السريع، وذلك بسبب منشورات لي على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك مناهضة لقيادة الجيش وتدعو الى وقف الحرب وتحقيق السلام، فالمستنفرين يعتبرون أي شخص يرفع شعار لا للحرب متعاون مع الدعم السريع”.
وظل عبد اللطيف، محتجزاً الى حين تدخل افراد من الإدارات الأهلية وزعماء من عشيرته وطلبوا من المستنفرين الإفراج عنه، فأطلقوا سراحه مع تحذيرات شديدة اللهجة بأن يتخلى عن دعاوى وقف الحرب، والا وسيكون مصيره القتل رمياً بالرصاص حال أصر على مواصلة النشاط الداعي لوقف الصراع، حسب وصفه.
حادثة أخرى تؤكد توسع نطاق التضييق الذي يمارسه مستنفري الجيش بحق المدنيين، ففي يوم 10 يناير الفائت، تعرض المواطن بريمة حسن للاعتقال بواسطة قوة من المستنفرين والاستخبارات العسكرية في مدينة أمدرمان عند نقطة تفتيش وهو كان من بين ركاب باص سفري متجه الى مدينة بورتسودان شرقي البلاد.
ويقول حسن في مقابلة مع (عاين): “تم انزالي من البص السفري واخضاعي لتفتيش دقيق وسؤالي عن قبيلتي والمنطقة التي انحدر منها، وبعد أن قدمت كافة المستندات الأوراق التي تثبت أنني مواطن ولا علاقة لي بأي قوات او فصائل عسكرية قاموا برفعي على سيارة بوكس وعصبوا عيناي واقتادوني الى داخل مبنى ومن ثم انهالوا عليّ بالضرب والشتائم والاتهام، من شاكلة كلكم متعاونين مع المليشيا، في إشارة لقوات الدعم السريع”.
ويروي بريمة: “ظللت في ذلك المبنى طوال اليوم وتم إطلاق سراحي في المساء، لقد فاتت رحلتي السفرية وأنهك جسدي بالضرب المبرح، لكن بعد عناء تمكنت من المغادرة الى بورتسودان ومنها الى خارج البلاد ولن أعود مطلقاً الى هذا الإذلال”.
ومن القضارف شرقي السودان، ينقل الناشط في العمل الطوعي آدم سليمان لـ(عاين) جملة انتهاكات يمارسها مستنفري الجيش بحق السكان المدنيين، فقد صارت المدينة مستباحة بشكل كامل للمستنفرين وسط صمت من الجيش والقوات النظامية الأخرى.
ويقول آدم: “اقام المستنفرون نقاط تفتيش في الشوارع الرئيسية وحتى داخل الاحياء السكنية مع إطلاق نار مستمر وذلك لإرهاب المواطنين واذلالهم، ونتج عن ذلك إصابة أحد المواطنين في حي دار النعيم برصاص عشوائي، كما يقومون بابتزاز المواطنين خلال دخول ساعات حظر التجوال بغرض التكسب المادي، أيضاً تم تسجيل حادثة نهب صاحب بقالة في حي الاسرى من قبل مسلحين مستنفرين”.
ابتزاز وتعسف
ويضيف: “يمارسون تعسف كبير بحق التجار والباعة المتجولين وابتزازهم خاصة عند دخول ساعة حظر التجوال الذي يبدأ من السادسة مساء الى السادسة صباحا، لقد شاهدتهم وهم يقومون بإغلاق المحال التجارية بصورة مذلة وقهرية دون مراعاة كبار السن وغيرهم، ويبدو ان الجيش لا يريد أن يخسرهم لذلك لا يتدخل في ما يقومون به أيضا ليس لهم رواتب فربما تركهم يتكسبون من ذلك”.
من جانبه، أبدى عضو محامو الطواري محمد صلاح بناوي قلقه من التقارير بشأن تكرار حوادث الاعتداء من قبل مستنفرين تابعين للجيش السوداني على المدنيين في بعض الولايات مثل نهر النيل والقضارف، حيث وصلت هذه الاعتداءات الى حدود القتل مما يستوجب معه التحقيق الجاد والتصدي لهذه الظواهر الخطيرة.
ويرى بناوي الذي تحدث لـ(عاين) أن الخطورة تكمن في الصلاحيات الممنوحة للمستنفرين في انها تشبه تلك التي يتمتع بها رجال القوات النظامية، وهذا دليل على فقدان السيطرة والتحكم الفعال في هؤلاء الأفراد مما يزيد من خطر انتهاكات حقوق الانسان والاستخدام السيء للقوة من قبل المستنفرين. وتعد هذه الصلاحيات شبه المطلقة في التفتيش واعتقال المدنيين انتهاكاً صارخاً لحقوقهم مما يجب معه تقييم الآثار السلبية على الأمن والاستقرار في المناطق المتأثرة.
ويضيف: “يصمت الجيش عن هذه الانتهاكات وهذا يعد شيئاً مثيراً للقلق، ويجب أن يعبر عن التواطؤ في تلك الحالات بمثابة شراكة في جرائم الاعتداء. وينبغي على الجيش أن يتخذ إجراءات فورية للكشف عن المسؤولين وتقديمهم للعدالة”.
ويشدد بناوي، على ضرورة اجراء تحقيق فوري وشفاف في تلك الحوادث لتحديد المسؤولين ومحاسبتهم عن هذه الانتهاكات وتعزيز نظام العدالة لمنع حدوث مثل هذه الحوادث في المستقبل.
وبمقابل انتهاكات مستنفرى الجيش وثقت تقارير انتهاكات وعمليات قتل واسعة للمجموعات التي تقاتل مع قوات الدعم السريع.