“خطاب البرهان”.. إرباك المشهد السياسي والحرية والتغيير تصفه بـ(الخديعة)

5 يوليو 2022

مرة أخرى تجاهل القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في الخطاب الذي قدمه مساء أمس الاثنين، مطالبات الشارع السوداني التي تنادي بإعادة بناء الدولة السودانية وإقامة الحكم المدني وإبتعاد المؤسسة العسكرية عن ممارسة السياسة وخضوعها لقرارات الحكومة المدنية في ظل النظام الديمقراطي.

وأعلن القائد العام للجيش السوداني خلال خطابه عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في المفاوضات التي تسهلها الآلية الثلاثية لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية والمكونات الوطنية للجلوس وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة لتولى مطلوبات الفترة الانتقال.

وأشار إلى أنه وبعد تشكيل الحكومة التنفيذية سيتم حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة من القوات المسلحة والدعم السريع لتولي القيادة العليا للقوات النظامية ويكون مسئولاً عن مهام الأمن والدفاع.

ومنذ صبيحة الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، قتلت الأجهزة الأمنية بحسب لجنة أطباء السودان المركزية 114 من المتظاهرين السلميين. ويقاوم السودانيين حكومة الأمر الواقع التي يسعى لفرضها القائد العام للجيش السوداني وشريكه قائد الدعم السريع ، عبر المواكب والاعتصامات السلمية.

تجاهل

ويلاحظ أن خطاب “البرهان” لم يتراجع عن القرارات التي ترتب عليها إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، التي أتاحت لعناصر النظام البائد العودة إلى مفاصل الدولة. كما أن البرهان لم يستثن حزب المؤتمر الوطني المحلول من الحوار بين الأحزاب السياسية وصولاً لتشكيل حكومة كفاءات.

كما أن الخطاب لم يلتزم بإنشاء جيش وطني موحد، خاصة عندما أكد على تكوين المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يضم الجيش وقوات الدعم السريع. إلى جانب تحديد أي آلية لتحقيق العدالة ومحاسبة الجناة في جرائم قتل المتظاهرين، كما أنه لم يتطرق لمصير اتفاقية جوبا لسلام السودان التي جرى توقيعها بين الحكومة السودانية وبعض حركات الكفاح المسلح.

وسارعت لجان المقاومة مدينة الخرطوم لرفض خطاب “البرهان” وإتهمته بالخطاب المراوغ.

وقالت في تصريح صحفي أن الشعب السوداني عصي على التركيع والانهزام وأكدت على أن الثورة السودانية ستبلغ غاياتها، مشيرة إلى الحراك الجماهيري الواسع في الثلاثين من يونيو الذي توج باعتصامات المدن دليل على ذلك.

وأشارت إلى أن “البرهان” ليس وصياً على مستقبل السودان مؤكدة على أن مستقبل الدولة السودانية يرسمه الشهداء والجرحى والمفقودين والمغتصبات والمعتقلين والنازحين واللاجئين والغالبية العظمى من السودانيين والسودانيات الذين قرروا لهذه البلاد طريق الحرية والسلام والعدالة والتحول المدني الديمقراطي.

ولفتت لجان مقاومة مدينة الخرطوم إلى أن أحد أهداف الثورة هو رد الإعتبار للمؤسسة العسكرية السودانية التي عبثت بها أصابع الجبهة الاسلامية، مشيرة إلى أن المؤسسة العسكرية يجب أن تصون ولا تبدد وتحمي ولا تهدد. وقالت أن عملية إصلاح المؤسسة العسكرية وبناء جيش وطني موحد ينأى عن العمل السياسي والتجاري هي مهمة وواجب كل السودانيين. كما رفضت لجان مقاومة مدينة الخرطوم إعلان القائد العام للجيش تكوين مجلس أعلى للقوات المسلحة وقالت أنه محاولة للتموضع في مستقبل الدولة السودانية.

وتتبنى لجان المقاومة اللاءات الثلاثة (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية) وتنادي بإصلاح المؤسسة العسكرية وبناء جيش قومي موحد وحل مليشيات قوات الدعم السريع.

متظاهرون في الخرطوم 30 يونيو 2022

وفي الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، أطاح القائد العام بشركائه المدنيين في الحكومة الانتقالية، وجمد العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية، وأبقى على أطراف إتفاق جوبا لسلام السودان، الذين شكلوا مع بعض القوى السياسية الأخرى الحاضنة السياسية للانقلاب العسكري.

التفاف

من جهته اعتبر المتحدث بتجمع المهنيين السودانيين، الوليد علي، أن خطاب “البرهان” “لا يساوي الحبر الذي كُتب به” وعدّه محاولة للالتفاف على مطالب الثورة والثوار.

وأشار في حديث لـ(عاين) إلى أن الخطاب يدعي خروج  العسكريين من العملية السياسية مع أن الإجراءات التي يقترحها تُعد تكريساً لسيطرة العسكريين على العملية السياسية بالكامل. ولفت إلى أن خطاب “البرهان” يضع نفسه كمرجعية لأي حكومة مدنية يمكن تكوينها عن طريق الرفض أو القبول .

وأوضح أن الخطاب يتحدث عن جمع القوى السياسية بما فيها القوى السياسية التي دعمت الانقلاب، في الوقت الذي غفل عن ذكر النظام المباد، الأمر الذي ينذر بأنه  يحاول إيجاد موطئ قدم  للنظام المباد وأنصاره في المرحلة السياسية القادمة.

وأكد المتحدث الرسمي لتجمع المهنيين السودانيين على أن “البرهان” يعمل على المحافظة على وضعيته في رأس الدولة سواء عن طريق مجلس عسكري أو مجلس أعلى للقوات المسلحة مما يشير إلى أن الحكومة الجديدة ستكون مستباحة بلا سلطة أو صلاحيات خاصة فيما يتعلق بالأمن والاقتصاد.

ولفت الوليد، إلى أن أحدي مطالب الثوار هي حل “مليشيا الجنجويد” مشيراً إلى أن  وضع هذه المليشيا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة أمر يخالف رغبة الثورة والثوار. وأشار إلى أن “البرهان” يسعى لايجاد ترتيب جديد يتيح له الخروج الآمن والإفلات من الجرائم التي إرتكبها، لافتاً إلى أن محاسبة الانقلابيين وعناصر النظام البائد على الجرائم التي أُرتكبت في حق الشعب السوداني تتصدر أجندة الثوار، مؤكداً على أن خطاب “البرهان” يسعى لضمان إفلات عناصر النظام المباد والانقلابيين من المحاسبة والعقاب.

واعتبر المتحدث الرسمي لتجمع المهنيين السودانيين، أن خطاب البرهان مرفوض مشيراً إلى أن الطريق الوحيد أمام الثوار هو مواصلة التصعيد والاسراع في توحيد المواثيق الثورية صاحبة اللاءات الثلاثة المُؤكدة على مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.

وصاية  

من جهتها وصفت قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي- خطاب البرهان بـ”الخديعة والالتفاف على أهداف الثورة” وفق ما قال متحدثون باسم التحالف في مؤتمر صحفي الثلاثاء. وإعتبر المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير أن قرارات البرهان مناورة وتراجع تكتيكي َيَقبل ظاهرياً بمبدأ عودة الجيش للثكنات إلا أنه يفرغه من محتواه، معتبراً أن التراجع من قبل السلطات الانقلابية جاء للمقاومة الجماهيرية المتواصلة التي بلغت أشدها في الثلاثين من يونيو الماضي.

مؤتمر صحفي لقوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي- الثلاثاء 5 يوليو 2022- عاين

وقال المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير في بيان، أن عودة الجيش للثكنات لا تتم بفرض وصايةٍ من قائده على شكل الحكومة المدنية وآليات تشكيلها.

كما أكد على أن قرارات القائد العام للجيش لا تُسقط قضايا الإصلاح الأمني والعسكري، الذي يقود لجيش واحد مهني وقومي تدمج فيه قوات الدعم السريع والحركات المسلحة، وفق إطار زمني وإجراءات معلومة تقود إلى خروج المؤسسة العسكرية والأمنية من النشاط الاقتصادي والسياسي، واقتصار مهامها على الدفاع عن أمن البلاد تحت القيادة المدنية.

وأشار البيان إلى أن محاولة السلطة الانقلابية تصوير الأزمة كصراع بين المدنيين ما هي إلا ذَر للرماد في العيون، كما أن تعميم تعبير المدنيين يخلط بين قوى الثورة التي قاومت الانقلاب وتلك الأطراف المدنية التي دعمت الانقلاب أو كانت ضمن منظومة النظام البائد.

ودعا البيان، السلطة الانقلابية بالتنحي عن سدة السلطة ومن ثم تشكيل قوى الثورة لسلطة مدنية انتقالية كاملة وفق إعلان دستوري يحدد هياكل الانتقال وقضاياه بما فيها قضية دور المؤسسة العسكرية ومهامها.

ولفت البيان إلى أن قوى الحرية والتغيير قطعت أشواطاً مهمة مع قوى الثورة في بناء الجبهة المدنية الموحدة. كما دعا إلى مواصلة التصعيد الجماهيري بكافة طرقه السلمية من اعتصامات ومواكب  والاضراب السياسي وصولاً للعصيان المدني الذي يجبر السلطة الانقلابية على التنحي لتقوم على أنقاضها سلطة مدنية ديمقراطية كاملة تعبر عن قضايا الثورة.

وأوضح البيان أن  المقاومة السلمية  سيصحبها عمل سياسي دؤوب يفضي إلى إتفاق قوى الثورة على إعلان دستوري يحدد قضايا المرحلة الانتقالية وهياكلها وكيفية تشكيلها ويشرع في بناء البديل المدني الديمقراطي.

صلاحيات عليا

وبدأ جلياً أن القائد العام يحاول عبر الانسحاب من المباحثات التي تديرها الآلية الثلاثية، يسعى لوضع المسئولية على عاتق القوى السياسية. وأرجع قائد الجيش قرار عدم المشاركة في العملية السياسية التي تيسرها الآلية الثلاثية التي تتكون من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد لإتاحة الفرصة أمام القوى السياسية والثورية للتحاور وإعادة مسار الانتقال بالاتفاق على حكومة كفاءات حسب تعبيره، يتم بعدها حل مجلس السيادة والاستعاضة عنه بمجلس أعلى مشترك يتكون من القوات المسلحة والدعم السريع، ليتولى مهام قيادة القوات النظامية والأمن والدفاع.

ويرى المحلل السياسي صلاح الدومة، أن الانقلابيين يحاولون قيادة المشهد السياسي للوصول إلى نقطة معينة بناءً على مخطط موضوع مسبقاً. ولفت إلى إن خطاب القائد العام للجيش أكد على عدم المشاركة في المحادثات السياسية التي تيسرها الآلية الثلاثية، مشيراً إلى أنهم  يريدون القول أنهم تركوا العملية السياسية مفسحين المجال للقوى المدنية من أجل أن تتوافق.

وأشار الدومة، إلى أن توافق القوى السياسية أمر مستحيل الحدوث وهو الأمر الذي يعول عليه القائد العام للجيش، من أجل الوصول إلى إعلان قيام إنتخابات مبكرة، مشيراً إلى أن العسكريين يسيطرون على كل مقاليد الدولة، كما أنهم عُرفوا بالقدرة على تزوير الارادة الشعبية. موضحاً أن العسكريين يفعلون ذلك بهدف شرعنة وتقنين الانقلاب.

محلل سياسي: المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يعتزم القائد العام للجيش تشكيله سيكون له صلاحيات أعلى من صلاحيات رئيس الوزراء، كما سيكون هو أعلى سلطة سيادية.

منصة تأسيس

وتعتبر القوى الثورية في السودان أن أي تدابير سياسية لا تضع المؤسسة العسكرية والأمنية تحت سيطرة المدنيين غير مُجدية.

من جهتها اعتبرت حركة/جيش تحرير السودان أن خطاب “البرهان” لا يعدو أن يكون حديثاً إنشائياً. وقالت الحركة في بيان أن السبيل للعبور بالسودان نحو التغيير الجذري الشامل والتحول المدني الديمقراطي هو إسقاط الانقلاب وكافة ما ترتب على “شراكة الدم” والعودة إلى منصة تأسيس الثورة.

ودعت الحركة العسكريين إلى تسليم السلطة للشعب دون قيد أو شرط وتكوين حكومة إنتقالية مدنية بالكامل من شخصيات مستقلة مشهود لها بمقاومة النظام البائد. وقالت الحركة أن خطاب البرهان يهدف إلى كبح جماح الثورة المتصاعدة التي هزت أركان عرشه المتهاوي.

مقاومة ميدانية

ومع توقعات بإتساع رقعة الاعتصامات في مدن السودان المختلفة، تستمر إعتصامات الخرطوم وبحري وامدرمان المنددة بالانقلاب العسكري والتي تطالب بالحكم المدني.

وقال متحدث لجان مقاومة مدينة الخرطوم عمر زهران في حديث لـ(عاين): “أن خطاب “البرهان” يعد إلتفافاً على مطالب الشارع السوداني، وهي محاولة لتسويق الانقلاب بشكل آخر.

وأشار زهران، إلى أن تكوين مجلس أعلى للقوات المسلحة من الجيش والدعم السريع أمر يناقض مطالبات الشعب الذي ينادي بحل قوات الدعم السريع.

ولفت إلى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يعتزم “البرهان” تكوينه سيكون بيده كل موارد الدولة، مع امتلاكه للسلاح وصلاحية إستخدامه ضد الشعب، وهو أمر مرفوض. وأكد على أن الشعب السوداني يعي مطالبه وسيواصل في تصعيده السلمي ضد الانقلابيين حتى إسقاط الانقلاب وتحقيق مطالبه كاملة.