حصار الحرب يشتد على ضاحية الكلاكلة جنوب الخرطوم
عاين- 15 نوفمبر 2023
تشتد وتيرة الحصار المضروب على آلاف المواطنين المنسيين بأمر الحرب المندلعة بين الجيش والدعم السريع في الخرطوم العاصمة لاسيما ضاحية الكلاكلة التي يقول أحد سكانها أحمد سالم لـ(عاين): “الوضع في الكلاكلة لا يطاق لكن ليس لدينا خيار عدا محاولة التعايش مع واقع الحرب الذي فُرض علينا”.
يشعر سالم مع عائلته والآلاف من سكان أحياء “الكلاكلاكات” المجبرين على البقاء بـ “الحصار الشديد”. ويقول: “أكبر مخاوف المواطنين هناك تتمثل في قصف الطيران والصراع بين أفراد الدعم السريع”.
كغيره من سكان الضاحية المكتظة والتي تقع جنوبي العاصمة الخرطوم، يشتري “سالم” أغراض حياتهم اليومية من سوق “اللفة” في المنطقة خلال الفترة الصباحية فقط نسبة لصعوبة التحرك في الأوقات الأخرى. فيما يحصلون على مياه الشرب من الآبار بصعوبة بالغة.
تحذيرات
تحذر غرفة طوارئ الكلاكلات بكارثة إنسانية مرتقبة؛ بسبب انقطاع أو عدم استقرار الإمداد الكهربائي مع عدم توفر المياه الصحية وبدء انتشار بعض الأمراض الوبائية مثل الكوليرا.
والسبت، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف): إن “أكثر من 3 ملايين شخص في السودان معرضين لخطر الإصابة بالإسهال المائي الحاد والكوليرا”.
وأوضحت في تصريح نشرته على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أن في السودان ما لا يقل عن (1,600) حالة مشتبه بها بالإسهال المائي الحاد والكوليرا، بالإضافة إلى (67) حالة وفاة.
ويعاني سكان الكلاكلات من انقطاع الإمداد الكهربائي؛ بسبب الأعطال التي نتج عنها إظلام كامل لأكثر من خمسة أشهر في مناطق مثل القلعة والمنورة وأبو آدم والقطعية والقبة شمال وأجزاء من منطقتي صنقعت والأندلس.
مع وجود إمداد جزئي غير مستمر للإمداد الكهربائي وقطوعات تستمر لعدة أيام في مناطق مثل الدخينات والفتيح والشقيلاب والوحدة وأجزاء من منطقتي صنقعت والأندلس.
وبحسب غرفة طوارئ الكلاكلة لا توجد مشكلات في الكادر العامل ومواد العمل من جانب شركة الكهرباء، لكن المشكلات تتمثل في عدم وجود وسائل نقل للوصول إلى محطات الكهرباء من أجل تحديد الأعطال والقيام بعمليات الصيانة، وهو الأمر الذي يتطلب مسارات آمنة.
وتعمل جميع إمدادات المياه الرئيسية والفرعية بالمضخات الكهربائية وترتبط بشكل تام بحالة الكهرباء بالمنطقة المعينة وهو الأمر الذي أدى إلى قطوعات كاملة وجزئية لمياه.
وبحسب لجنة الطوارئ، فإن مصادر المياه الحالية لمعظم السكان هي الآبار الجوفية المحفورة حديثاً أو عن طريق شراء المياه من عربات “الكارو” التي تُجْلَب من الآبار الجوفية المركزية التي تعد من الوسائل المعرضة للتلوث ولجميع المخاطر البيئية والصحية.
وفي الجانب الصحي، فإن غرفة طوارئ الكلاكلات تدق ناقوس الخطر الكارثي الوشيك وفق لإحصاءات إصابة المواطنين بالأمراض التي من بينها الكوليرا.
وفي الثامن من فبراير الجاري، التزم طرفا النزاع في السودان ضمن مباحثات جدة بضمان سلامة وصول المساعدات الإنسانية والعاملين في المجال الإنساني.
ووافق الطرفان على تشكيل مشترك للقضايا الإنسانية بقيادة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة يهدف إلى إزالة العوائق التي تعترض انسياب العون الإنساني.
نذر الخطر
“إن الوضع الصحي في منطقة الكلاكلات ينذر بالخطر بسبب القصور الذي لازم تقديم الخدمات الصحية للمواطنين” يقول مصدر طبي بغرفة طوارئ الكلاكلة”. ويوضح بأن أغلب المرافق الصحية مثل المستشفيات والمراكز الصحية والصيدليات خرجت من الخدمة بسبب الاشتباكات المندلعة بين الجيش والدعم السريع.
المصدر الطبي الذي تحدث لـ(عاين) أشار إلى أن بعض المراكز الصحية عادت إلى الخدمة تدريجياً مثل مركز الشهيد وداعة الله بالكلاكلة القطعية، كما بدأ العمل في مركز صحي آخر أُنْشِئ بجهود المواطنين.
ولا يزال المستشفى التركي بالكلاكلة يعمل على تقديم خدماته للمواطنين، مع وجود قصور في أدائه؛ بسبب نقص المعينات الطبية، وفقا للمصدر الطبي.
وبدأت الأوبئة والأمراض في الانتشار بمنطقة الكلاكلات، ويشير المصدر إلى أن غرفة الطوارئ نبهت المنظمات الوطنية والدولية بضرورة التدخل السريع للحد من انتشار هذه الأوبئة التي على رأسها الكوليرا والحصبة والجرب والتهابات البول، إلى جانب ظهور بعض الإصابات بالاسهالات.
وتعتبر المياه غير الصالحة للشرب أحد الأسباب الأساسية التي أدت إلى الإصابة بهذه الأمراض.
وبحسب المصدر الطبي، فإن منطقة الكلاكلات ظلت تعاني عدم وجود المياه النقية؛ بسبب عدم استقرار الإمداد الكهربائي.
ويأتي سكان منطقة الكلاكلة من مناطق مختلفة لتلقي الرعاية الطبية في مركز الشهيد وداعة الله الذي يقدم خدمات علاجية مجانية، توفرها إحدى المنظمات للمرضى. وفقاً للمصدر الطبي.
ويحتوي المركز الصحي على عدة أقسام من بينها قسم الولادة الطبيعية ومتابعة الحوامل وعيادات لأطباء عموميين وقسم الأسنان وقسم الصيدلة والتحصين، بالإضافة لخدمات علاجية أخرى.
ورصدت غرفة طوارئ الكلاكلات (12) حالة إصابة بالكوليرا توفيت منها (5) حالات.
وتعد هذه الأرقام المسجلة بحسب المصدر الطبي مخيفة خاصة مع عدم وجود أماكن لحجز هؤلاء المرضى من أجل توفير الرعاية الطبية لهم.
المصدر الطبي يعتبر أن وجود إصابات بمرض الكوليرا في المنطقة مؤشر خطير ينذر بوقوع كارثة صحية.
وتعاني منطقة الكلاكلة من وقوع عدد الإصابات بمرض الحصبة في مناطق سكنية مختلفة، فضلاً عن وجود أمراض أخرى مثل الملاريا والتهابات البول.
وبالنسبة لأمراض المسالك البولية، فإن سببها عدم وجود مياه صحية. فالمياه القليلة التي تصل للمنازل هي مياه غير صالحة للشرب. وهو ما يراه المصدر الطبي، الذي أكد أن المواطنين يضطرون لاستخدام مياه الآبار أو مياه منقولة بـ”الكارو” ما أدى إلى انتشار أمراض من بينها التهابات المسالك البولية.
وأغلقت الصيدليات كلها في منطقة الكلاكلة عدا صيدليتين فقط بعد أن توقفت بقية الصيدليات عن العمل.
وبحسب المصدر الطبي، فإن الصيدليتين اللتين تعملان تكاد تكونان خاليتين من الأدوية بسبب عدم دخول أدوية جديدة منذ فترات طويلة. وأردف بأن القدر المتوفر من الأدوية توفره غرفة طوارئ الكلاكلة إلى جانب المنظمة التي تدعم مركز الشهيد وداعة الله وعملت على توفير كمية مقدرة من الأدوية. كما أن المصدر أكد وجود نقص حاد في الأدوية المنقذة للحياة فضلاً عن النقص في المحاليل الوريدية.
إحدى الطبيبات بأحد مراكز الطوارئ بمنطقة الكلاكلة رأت أن الوضع الصحي هناك سيئ ويتدهور بسرعة.
“تُقَدَّم الرعاية الصحية للمرضى عن طريق متطوعين بغرفة الطوارئ الذين من جانبهم يتواصلون مع المنظمات ومع الداعمين المحتملين، وأولئك المستطيعين مالياً من أبناء الوطن”. تقول الطبيبة لـ(عاين).
وبحسب هذه الطبيبة، فإن انقطاع التيار الكهربائي في الكلاكلات لأكثر من 5 أشهر أدى إلى تلف الأدوية وتوقف مضخات مياه الشرب الرئيسية؛ مما قاد إلى لجوء المواطنين لاستهلاك مياه شرب غير نظيفة وغير معقمة يتم جلبها من النيل الأبيض مباشرة.
وطبقا لهذا المصدر، فإن ذلك عمل على زيادة ظهور أمراض الجهاز الهضمي مثل الدسنتاريا والإسهالات المعوية والديدان، إلى جانب أمراض أخرى مثل التهاب البول ومشكلات الكلى والحصاوي، فضلاً عن ظهور الأمراض الجلدية مثل الجرب و”القوب”.
ووفقا لذات المصدر، فإن منع دخول تطعيمات الأطفال منذ بداية الحرب لمنطقة الكلاكلات أدى إلى ظهور أمراض الطفولة.
مسارات آمنة
“بسبب الحرب المندلعة بين الجيش والدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي تأثرت شبكات الضغط العالي؛ مما أدى إلى فصل الشبكة القومية عن بعضها البعض، وتحولت إلى أجزاء بعد أن كانت موحدة”. يوضح مصدر رفيع يعمل بقطاع الكهرباء. ويشير إلى أن تأثر شبكات الضغط المتوسط والمنخفض بسقوط أعداد كبيرة من الأعمدة والأبراج الكهربائية.
الشبكة الموحدة بحسب هذا المصدر، تجعل كل محطات التوليد تعمل كوحدة واحدة يُتَحَكَّم فيها عبر مركز التحكم القومي، إلا أن شبكة الكهرباء فقدت هذه الخاصية بسبب الحرب.
وتأثرت المحطات التحويلية بداخل أحياء ولاية الخرطوم نتيجة للقصف المتبادل بين طرفي الصراع وفقا للمصدر، مما سبب أعطالا في عدد منها. وبحسب المصدر فإن خروج المحطات التحويلية هو السبب الأساسي في أزمة الكهرباء بولاية الخرطوم.
كما أشار إلى أن عدم أو انقطاع التيار الكهربائي مرده سقوط عدد من الأعمدة الكهربائية؛ بسبب المعارك العسكرية مع عدم مقدرة العاملين من الوصول إليها وتغييرها، فضلاً عن عدم تمكن العاملين من الوصول للمحطات والمحطات التحويلية وإصلاحها نسبة لعدم وجود مسارات آمنة.
وحسب المصدر، فإن الأعطال التي حدثت في محطات التوزيع أدت إلى توقفها وخروجها من الخدمة، مما يجعلها بحاجة إلى قطع غيار لأغراض الصيانة، وأكد أن محطات المياه تعتمد على شبكة الكهرباء في تشغيلها لعدم توفر مولدات احتياطية بها.
وبحسب المصدر، فقد توقفت محطات التوليد بداخل ولاية الخرطوم مثل محطة توليد بحري الحرارية ومجمع محطات قرّي عن الخدمة؛ بسبب الحرب ما أدى إلى النقص في التوليد.
المصدر بقطاع الكهرباء يوضح بأن نقص التوليد وانفصال الشبكة عن بعضها البعض يجعل الطلب أكبر على الطاقة المتاحة، وهذا بدوره يؤدي إلى برمجة الكهرباء وتوزيعها في الأحياء السكنية حسب المتاح. ويشير إلى أن عودة شبكة الكهرباء للعمل بصورة موحدة مثلما كانت قبل الحرب ستتيح الاستفادة من كل محطات التوليد في وقت واحد. وتابع: “حالة حدوث عطل في أحد الخطوط بإحدى المحطات التحويلية يمكن التغيير إلى حين اصلاحه، حتى لا تستمر القطوعات لفترة طويلة”.