(البشير) إلى الجنائية.. خطوة أولى نحو سلام دارفور

(البشير) إلى الجنائية.. خطوة أولى نحو سلام دارفور
التعايشي: اتفاق كامل بين مكونات الحكومة على مثول المطلوبين للجنائية

الخرطوم- 13 فبراير2020م

تأمل النازحة بمخيم “كلمة” أحد أكبر معسكرات النازحين باقليم دارفور المضطرب غربي البلاد، مريم أبكر، ان ينهي تسليم المطلوبين للعدالة الدولية ازمة الحرب المتطاولة بالاقليم ويتحقق السلام وذلك بعد يوم من إتفاق بين الحكومة الانتقالية والجماعات المسلحة التي تقاتل في دارفور على مثول الذين صدرت في حقهم أوامر القبض أمام المحكمة الجنائية الدولية”. وقال عضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد التعايشي، في جوبا عاصمة جنوب السودان، حيث تجري مفاوضات بين الحكومة ومسلحين من الإقليم الثلاثاء، ” ان موافقة الحكومة ناتجة من مبدأ أساسي مرتبط بالعدالة”.

وتقول النازحة، مريم أبكر، لـ(عاين)، “بوصول مرتكبي الجرائم للمحكمة الجنائية تكون مشكلة دارفور قد انتهت.. وسيعود النازحين واللاجئين الى مناطقهم وقراهم تلقائياً”. وتضيف ” على قادة الحركات المسلحة والحكومة الإنتقالية التعجيل باتفاق السلام”

بينما يصف منسق معسكر دليج بولاية وسط دارفور إسماعيل احمد بره، الاتفاق بالخطوة الإيجابية في تحقيق السلام. وقال لـ(عاين)، “واثقون من مثول البشير أمام العدالة الدولية أكثر من أي وقت مضى”.

مأزق الحكومة

فور استلامها مهام الحكم في البلاد بعد إسقاط نظام الرئيس عمر البشير، كانت الحكومة الانتقالية في السودان مواجهة بتحدي تسليم المطلوبين لدى محكمة الجنايات الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في اقليم دارفور غربي البلاد. وعلى الرغم من التصريحات العديدة لرئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء المتفقة على عدم تسليم الرئيس المعزول للمحكمة الدولية واتجاهها لمحاكمته داخلياً، إلا ان دوائر الاختصاص والقانون داخل الحكومة وتحالفها الحاكم-قوى الحرية والتغيير- ترى انه لا حلول سوى تسليم البشير وقائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية.

ويعزو مصدر قانوني بالتحالف الحاكم لقوى اعلان الحرية والتغيير، بان واحداً من الأسباب إلى جانب تحقيق العدالة بدارفور، هو ان الحكومة الانتقالية قد تواجه تهمة عرقلة العدالة الدولية وهي تهمة اضافية يواجهها الرئيس المعزول عمر البشير بعد رفضه المثول امام المحكمة مع بقية المطلوبين لديها. ويضيف لـ(عاين)، “الاتفاق على مثول قائمة المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية مهم لتحقيق العدالة بدارفور ومهم ايضا لاحترام السودان للمحكمة الدولية وهو البلد الذي يحاول ان يعيد نفسه على الخارطة الدولية بعد سنوات من العزلة”.

(البشير) إلى الجنائية.. خطوة أولى نحو سلام دارفور

 نقاش حكومي

وازاء ذلك، يقول عضو المجلس السيادي الإنتقالي، محمد الفكي سليمان، ان النقاش حول مثول المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بدارفور استمر لفترة طويلة داخل اروقة الحكومة بمكوناتها المختلفة.

وقال الفكي لـ(عاين)، “هذا نقاش استمر لفترة طويلة واستصحب الجانب القانوني والسياسي والمجتمعي وهو ليس قرار وليد اللحظة، بل هناك اتفاق بين كافة مكونات الحكومة بمجلسيه السيادي والوزراء والتحالف الحاكم ( الحرية والتغيير) على الموافقة على كل مما يدعم عملية السلام ويساعد في إبراء جراح الحرب”. واضاف المسؤول السيادي” من ذلك المنطلق سيمثل امام محكمة الجنايات الدولية كل من تطلبه”.

حيثيات

(البشير) إلى الجنائية.. خطوة أولى نحو سلام دارفور

اما القانوني وعضو هيئة محامي دارفور، محجوب داؤود، يقول ان القرار متعلق بالحكومة الإنتقالية السودانية واصبح إلتزام تقوم الدولة بتنفيذه، وهو نتاج سلسلة من المجهودات في السابق على الأرض ولوبيهات ضغطت على المجتمع الدولي ومن ثم تم تكوين لجنة تحقيق دولية واثبتت الجرائم واعتبر مجلس الأمن الدولي الأمر جرائم ضد الإنسانية وتمت إحالته للمحكمة الجنائية الدولية، وبعد تسلم المحكمة الجنائية الدولية لملف الجرائم ضد الإنسانية التي إرتكبت في السودان، قامت بدورها بالتحقيق ومن ثم اصدرت قرارتها فى بداية الأمر بتوقيف شخصين وبعد ذلك توالت  القرارات الى ان وصلت القائمة الى (52) مطلوب للمحكمة الجنائية .

وأشار محجوب، إلى ان حكومة المخلوع البشير كانت تماطل وترفض تسليم المطلوبين بحجة انها غير موقعة على ميثاق المحكمة الجنائية ولكن يحق للمحكمة بموجب البند (13ب) من ميثاق الجنائية النظر فى الجرائم حتى وان لم تكن الدولة موقعة، وزاد ” اعتقد ان المحكمة الجنائية متخصصة فى جرائم الإبادة الجماعية بالنظر الى ان فى الوقت الذي صدرت فيه قرارات فى مواجهة المتهمين فى السودان لم يكن القانون الجنائي السوداني ينص على اي مادة تحاكم مثل هذه الجرائم، ولاحقاً بعد طلب المحكمة الجنائية لمتهمين سودانيين تم تعديل القانون وللأسف لايسري على المجرمين بأثر رجعي”.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، مذكرات اعتقال لعدد من المسؤولين السودانيين في النظام السابق خلال اعوام 2008، 2009، 2010، بينهم الرئيس المعزول عمر البشير، ووزير دفاعه السابق عبد الرحيم محمد حسين، والقيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول، أحمد هارون، وقائد مليشيا متعاونة مع الحكومة يدعى علي كوشيب. ورفضت حكومة البشير وقتها  الاعتراف باختصاص المحكمة.

ويواجه الرئيس المعزول، خمس تهم بارتكاب جرائم ضد الانسانية بما فيها القتل والتعذيب، وثلاث تهم بالابادة، وتهتمين بجرائم حرب. واُحيل الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1593)، الصادر في 31 مارس 2005، بموجب نظام روما الأساسي.

(البشير) إلى الجنائية.. خطوة أولى نحو سلام دارفور

جدل التسليم والمثول

وفي رده على سؤال (عاين) حول ما أثير من جدل حول تفسير تصريح عضو مجلس السيادة، محمد الحسن التعايشي، بمثول المطلوبين أمام محكمة الجنايات الدولية وما فسره البعض تسليمهم ومحاكمتهم في مقر المحكمة بمدينة لاهاي الهولندية، يؤكد داؤود ، ان المحكمة  الجنائية الدولية محكمة تكميلية للنظام القضائي فى الدول ومن اختصاصها ان تقوم بعمل محاكم داخل الدول او محكمة هجين، ولكن النظام السابق فوت على نفسه فرصة إنشاء هذه المحاكم، ولكن فى الوقت الحالي توجد إرادة حكومية لتسليم المطلوبين.

 وقال “اعتقد ان المحكمة مؤهلة وتقدم محاكمات عادلة، سيما وان هناك مؤشرات واضحة تؤكد إرتكاب السودانيين المطلوبين للجنائية لجرائم الإبادة الجماعية”. وأضاف “المحكمة ستقوم بالتحقيق معهم وسيحاكم كل من تثبت ادانته والعكس” .

ويري داؤود، ان قرار تسليم المطلوبين للجنائية الدولية مفتاح لحل المشاكل فى السودان خاصة دارفور  والنيل الأزرق وجنوب كردفان حيث يتحدث النازحين واللاجئين انه لابد ان يحدث إنصاف بمثول المتهمين امام المحكمة ومقاضاتهم .

وعلى ذات السؤال يجيب المحامي، احمد محمود ويقول لـ(عاين)، ان التهم الموجه للمطلوبين بموجب المادة 5 من ميثاق روما مرتبطة، بجريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، وجريمة العدوان، ولا تقابل هذه التهم نصوص في القانون الجنائي السوداني حتى تتم محاكمة المطلوبين بالداخل بحسب ما رى البعض. ويضيف محمود، “القضاء السوداني راغب في ان تتم المحاكمات داخليا لمن ليست هناك نصوص في القانون السوداني تتم المحاكمة على ضوئها”. وتابع رداً حول جدل التسليم والمثول وقال ” لا احد عاقل ان يفسر ذلك بغير تسليم المطلوبين على راسهم البشير لمحكمة الجنايات الدولية ومقرها لاهاي”.

فيما قال أحد محاميّ الرئيس المعزول عمر البشير، إن البشير يرفض التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية كونها “محكمة سياسية”، وإن القضاء السوداني قادر على التعامل مع أي قضية. وقال المحامي محمد الحسن الأمين لوكالة انباء رويترز”نحن نرفض دخول المحكمة الجنائية الدولية في هذا الأمر لأنها محكمة سياسية وليست عدلية كما نرفض تدويل العدالة ونعتقد أن القضاء السوداني لديه القدرة والرغبة للنظر في هذه الاتهامات”.

تباين آراء

وفي الشارع السوداني، تباينت آراء سودانيين استطلعتهم (عاين)، حول تسليم المسؤولين السودانيين المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم دارفور، ويرى، المواطن آدم محمد، انه لابد من تسليم المطلوبين فى اسرع وقت ليحاكموا على جرائم الإبادة البشعة التي تم إرتكابها خاصة فى إقليم دارفور والتي راح ضحيتها آلاف المدنيين وخلفت واقع مؤلم بمعسكرات النزوح واللجوء، وفقد المواطنون حقهم  فى الحياة الكريمة .

بينما  يقول المهندس اكرم دفع الله، ان “تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية فيه إنتقاص للسيادة الوطنية وتقليل من شأن مؤسسات القضاء السوداني”، فيما تقول الموظفة مروة بابكر، “اذا كان تسليم المطلوبين لتحقيق العدالة فهي مع القرار ولكن اذا كان لأغراض سياسية ترفضه تماماً”، ويقول ياسر ابراهيم، “اذا كان لدينا مؤسسات قضاء مستقلة تتمكن من انصاف المتضررين فى مناطق الحرب كان من الأجدي ان يحاكم المطلوبين داخل السودان ولكن نحن مضطرين  لتسليمهم بسبب عدم قدرة مؤسساتنا القضائية بإجراء محاكمات عادلة” .

(البشير) إلى الجنائية.. خطوة أولى نحو سلام دارفور

ردود جماعات دولية

وحثت منظمات حقوقية عالمية الأربعاء الخرطوم على التعجيل في تسليم الرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقالت القائمة بأعمال السكرتير العام لمنظمة العفو الدولية جولي فيرهار في بيان: “يجب على السلطات السودانية ترجمة هذه الأقوال إلى أفعال وتسليم البشير وغيره من الأفراد فوراً بموجب مذكرة الجلب الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية”. وقالت فيرهار وفقا لوكالة الانباء الفرنسية، إن “قرار تسليمه إلى المحكمة سيلقى الترحيب بصفته خطوة باتجاه إحقاق العدالة للضحايا وعائلاتهم”.

من جهتها، قالت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان غير الحكومية ومقرها في الولايات المتحدة في بيان إن “الهجمات الواسعة النطاق التي شنتها قوات الأمن السودانية على المدنيين في إطار حملة الترهيب التي قادها البشير، بما في ذلك العنف الجنسي المتفشي كسلاح من أسلحة الحرب كان لها آثار مدمرة على حياة وسبل عيش ضحاياها”. وأضافت “لقد مر وقت طويل ولم يحصل ضحاياه وعائلاتهم على العدالة”.