قصف طيران وقتلى مدنيين بعد ساعات من “إعلان جدة”

13  مايو 2023

 بعد ساعات من توقيع الجيش وقوات الدعم السريع (إعلان جدة) القاضي بحماية المدنيين في السودان، أمضى سكان مناطق متفرقة في العاصمة لاسيما شمال أم درمان ليلة عصيبة أقلقت فيها أصوات الرصاص منامهم بعد تجدد الاشتباكات بين طرفي الصراع في محيط كبري الحلفايا، وعلى الرغم من استمرار هذه المعارك، إلا أن عدداً من المواطنين يأملون في أن يكون هذا الاتفاق خطوة في اتجاه طريق إيقاف الحرب.

وأدى قصف صاروخي إلى مقتل الفنانة السودانية، شادن حسين وشخصين آخرين بمدينة ام درمان. وقبل وفاتها كتبت العديد من التدوينات على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي تحث على وقف الحرب التي قالت انها تحصد أرواح الأبرياء.

وقال شهود عيان لـ(عاين) إن شخصين “رجل وامرأة” لقيا مصرعهما فجر السبت، في منطقة قندهار غربي أمدرمان وجرح آخرين جراء اصابتهم بـ”دانة”، حيث شهدت المنطقة قصف مكثف بواسطة الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، مستهدفاً تجمعات لقوات الدعم السريع.

وكثف الطيران الحربي السبت طلعاته مستهدفاً عدد من المواقع في العاصمة الخرطوم، وبحسب شهود، سقطت دانة في احدى المساجد بضاحية الازهري جنوبي العاصمة دون أن تحدث خسائر بشرية، كما شهدت منطقة شرق الخرطوم قصف مماثل، وسمعت أصوات المضادات الأرضية بكثافة أيضا.

وعلى الدوام، يشتكي سكان العاصمة الخرطوم من قصف عشوائي بالطائرات والمدافع على المناطق السكنية والتي تُسقط ضحايا من المدنيين، وصار دوي الطيران الأكثر رعباً للمواطنين في هذا الصراع.

وبحسب شهود (عاين) فقد دارت معارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في سوق خليفة شمالي أمدرمان، واشتباكات مماثلة قبالة جسر الحلفايا بمدينة بحري شمالي العاصمة وهي من المناطق الأكثر سخونة في الوقت الراهن، إذ تسعى قوات الدعم السريع التقدم نحو مناطق حيوية للجيش السوداني تضم مطار وادي سيدنا وقاعد حربية كبرى.

وتأتي هذه التطورات الميدانية، بعد ساعات من توقيع اتفاق إعلان مبادئ بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة بوساطة أمريكية سعودية، اختصرت بنوده على مسألة إيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين وفتح الممرات آمنة لمغادرة المدنيين في المناطق الملتهبة بشكل طوعي.

وتأمل الوساطة الامريكية – السعودية والتي تحظى بدعم الأمم المتحدة في تطوير اتفاق اعلان المبادئ الموقع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الى وقف دائم لإطلاق النار إذ ما يزال ممثلو طرفي الصراع المسلح متواجدين في مدينة جدة السعودية.

ويظهر المجتمع الدولي رغبة في إيقاف الحرب الدائرة في السودان، بعد الأثار الإنسانية الكارثية التي خلفتها، حيث سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى من المدنيين، ونزوح الآلاف من العاصمة الخرطوم الى الولايات ودول الجوار، بينما يواجه الذين آثروا البقاء تحت نيران الصراع، نقص في الغذاء والأدوية وشتى الخدمات والمعينات الحياتية.

استقبال

وجاء إعلان جدة بمبادرة وتيسير سعودي أمريكي، حيث تم توقيعه مساء الخميس، واحتوت بنوده على ضرورة الالتزام بحماية المدنيين في السودان خلال الحرب التي اندلعت منذ الخامس عشر من أبريل الماضي وحتى الآن.

واستقبل المواطنون اتفاق جدة بوجهات نظر متباينة، لكن السواد الأعظم منهم رحب بالاتفاق ويأملون أن يضع حداً لمعاناتهم المتزايدة منذ بدء القتال.

ويرى المواطن محمد فرج الله، أن الحرب لا بد أن تتوقف بأي وسيلة وذلك لتضرر المواطنين المدنيين منها، وأضاف في حديثه لـ(عاين): ”إتفاق جدة يمكن أن يكون نواة لإيجاد حلول سلمية للأزمة الحالية، لأنه من الواضح حل الحرب والحسم العسكري لم يثبت فاعليته بالنسبة لأي طرف، بل خسائر الحرب المادية والبشرية آخذة في الزيادة“.

يتضمن اتفاق جدة على سبعة بنود أساسية تتفرع منها فقرات تفصيلية، وأهم بنوده وضع سلامة الشعب السوداني كأولوية، واحترام القانون الإنساني والدولي لحقوق الإنسان.

يقول المواطن (شاويش المبارك) أنه غير متفائل بهذه الاتفاقية ويرى أن الطرفين لن يلتزما بها، ويضيف: قبل أن ينصرف الموقعون تعرضنا في أم درمان لوابل من الرصاص وسط الأحياء تسبب في مقتل مواطن بالثورة الحارة ٢١، كما أن نهب الممتلكات لا يزال مستمراً في حين أن الاتفاقية تعتبر سارية بمجرد توقيعها.

أمر آخر يثير تشاؤم شاويش، وهو عدم رضوخ قوات الدعم السريع للالتزام القاضي بالامتناع عن استحواذ واحترام وحماية كافة المرافق الطبية والمستشفيات ومنشآت المياه والكهرباء، والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية، بحسب ما ورد في الاتفاقية. ويعلِّق على ذلك قائلاً: ”لا تزال المستشفيات عبارة عن ثكنات، كذلك منازل المواطنين في عدد من أحياء العاصمة تم تحويلها لتجمعات عسكرية، فضلاً عن أن المياه لا تزال منقطعة في شمبات بسبب احتلال الدعم السريع لمحطة المياه، وهذا خرق واضح لما هو متفق عليه“.

“أثبتت لنا هذه الحرب خلال شهر من اندلاعها أن الجيش والدعم السريع لم يراعوا حقوق الإنسان في صراعهما، فالجيش استخدم سلاح الجو داخل المدن التي تحتوي على آلاف المواطنين الأبرياء، أما الدعم السريع فانتهاكاته طالت المواطنين من قتل عشوائي وسطو مسلح واحتلال المنازل والممتلكات” – المواطنة زينب مهدي

وفي البند السادس من الاتفاق التزم الطرفان باتخاذ التدابير اللازمة لجميع الأشخاص الخاضعين لتعليمات وتوجيهات الطرفين بالقانون الإنساني الدولي.

تأمل المواطنة زينب مهدي في أن يستطيع قادة الطرفين السيطرة على قواتهما ومتابعة تنفيذ الاتفاقية على أرض الواقع حتى لا تكون حبراً على ورق ـ بحسب وصفها، وتضيف: الاتفاق بالنسبة لي لم يأتِ بشيء جديد، فهو يحتوي على مواد تتعلق بشرح أخلاقيات الحرب وقوانين حقوق الإنسان أكثر من احتواءه بنود تنفيذية. وتقول: ”أثبتت لنا هذه الحرب خلال شهر من اندلاعها أن الجيش والدعم السريع لم يراعوا حقوق الإنسان في صراعهما، فالجيش استخدم سلاح الجو داخل المدن التي تحتوي على آلاف المواطنين الأبرياء، أما الدعم السريع فانتهاكاته طالت المواطنين من قتل عشوائي وسطو مسلح واحتلال المنازل والممتلكات، وهذه الممارسات مستمرة حتى الآن، وهذا يؤكد على أن أصحاب مبادرة اتفاق جدة وجدوا أنه يتعين عليهم شرح أخلاقيات الحرب لكلا الطرفين قبل البدء في أي عملية سياسية“. وتخشى زينب من خرق هذا الاتفاق مثلما خرقت الهدن التي بدأ إعلانها منذ اليوم الثالث للحرب، لكن في نفس الوقت تفصح عن أملها الكبير في أن يكون هذا الاتفاق رغم استمرار الانتهاكات بادرة خير، وتضيف في حديثها لـ (عاين): ”طالما أن الجنرالين رضخا لاتفاق مبدئي فهما بلا شك بدءا يستفيقوا من وهم الانتصارات الزائفة، ومواجهة الواقع الذي زادوه خراباً على خرابه.