(بتر الأيادي).. حكم قضائي في السودان يثير موجة انتقادات
22 فبراير 2023
أمام مخالفات إجرائية، شابت محاكمتهم، ينتظر ثلاثة أشخاص سودانيين، صدر بحقهم حكم ببتر اليد، لقيامهم بسرقة اسطوانات غاز، قرار حكم الاستئناف بمحكمة كرري شمال بعد أن تم نقلهم إلى سجن كوبر المركزي.
وقال محامي المتهمين، سمير مكين، لـ(عاين) أن القضية وصلت إلى مرحلة الاستئناف، حيث تم إيداع ملف القضية قيد النظر، لدى محكمة إستئناف كرري شمال غرب ولاية الخرطوم.
وفي نهاية يناير العام الحالي، حكمت محكمة جنايات أمدرمان على ثلاثة أشخاص ببتر اليد اليمنى من المفصل بعد ان ادانتهم بتهمة السرقة الحدية والسجن لمدة ثلاثة سنوات بموجب المادة (170) من القانون الجنائي السوداني، بواسطة القاضي بمحكمة الدرجة الأولى بأمدرمان، أمير إبراهيم بشير.
وفي 12 فبراير 2022 نفذ ثلاثة أشخاص جريمة السرقة وأُلقى القبض عليهم في العاشر من أغسطس من نفس العام بعد نحو ستة أشهر من وقوع الجريمة.
وبحسب محامي الدفاع، فإن المتهمين اعترفوا بارتكاب جريمة سرقة 50 أنبوبة و مبلغ 63 ألف جنيه، وسجلوا إقراراً قضائياً بذلك.
وبالعودة لحيثيات القضية فإن ثلاثة متهمين أدينوا وفقا للمواد (171) جريمة السرقة الحدية مقروءة مع أحكام المادة 21 من القانون الجنائي “الاشتراك في تنفيذ اتفاق جنائي”.
وأوضح محامي المتهمين الثلاثة، سمير مكين، في مقابلة مع (عاين) أن المحاكمة شابتها العديد من المخالفات، من بينها أن المتهمين حُرموا من الحق في تعيين محامي في مرحلتى التحري والمحاكمة.
ولفت إلى أن المحكمة خالفت المادة (144) من قانون الإجراءات الجنائية التي تكفل شرح خطورة الجرائم الموجهة للمتهمين حالة الإقرار بها.
كما أن المحكمة اعتمدت على الإعترافات “الدليل الوحيد لإدانة المتهمين”، وهذا ما عده محامي الدفاع مخالفة أخرى تندرج تحت قائمة المخالفات التي شابت المحاكمة.
تتعارض عقوبة قطع اليد مع اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها السودان في العام 2021، بحسب محامي المتهمين، الذي أكد أن البينة في القضية موضوع النقاش، لم تكن كافية فيما يختص بمبلغ التعويض.
كما اعتبر مكين، أن سوء الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، تعتبر شبهة مسقطة للعقوبة الحدية حتى وإن ثبتت بالإقرار.
وحول الذي دفع القاضي لإصدار الحكم، يرى محامي الدفاع سمير مكين، أن النص الحدي موجود في القانون، وهو ما تم الاستناد عليه في القضية موضوع النظر.
من جهته يقول قانوني، فضل حجب اسمه، لـ(عاين)، أن الأصوليين داخل المحاكم السودانية، درجوا على استخدام المحاكم كأداة لدعم مواقف معينة، وهو سلوك متكرر في القضاء السوداني.
ولفت إلى واقعة صدور حكم بالقطع من خلاف في العام 2021 في مواجهة أحد الأشخاص، بالتزامن مع موافقة السودان الانضمام إلى إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة وإتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. واعتبر القانوني، أن صدور الحكم من جانب السلطة القضائية، في ذلك التوقيت جاء كرد فعل الغرض منه قطع الطريق على أي إصلاحات قانونية وتشريعية متوقعة.
وفي أغسطس 2021، وقعت حكومة السودان الانتقالية على اتفاقية الأمم المتحدة لوقف التعذيب وغيره من ضروب العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، والتي كان ينبغي أن تؤدي إلى إعادة صياغة العديد من القوانين في القانون الجنائي لتتماشى مع القوانين الدولية لحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي لم يحدث، بسبب إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.
وجرى إدراج عقوبة البتر في السودان كشكل من أشكال العقوبة البدنية، خلال سن قوانين سبتمبر في العام 1983.
إلا أن هذه القوانين تم تجميدها لمدة ثلاث سنوات في ظل حكومة الصادق المهدي المنتخبة، لكنه بوصول الحركة الاسلامية إلى السلطة بواسطة إنقلاب عسكري في العام 1989، فإن الاسلاميين عادوا للعمل بهذه القوانين، التي يرفضها السودانيين.
وعلى الرغم من أن حكومة الفترة الانتقالية، برئاسة عبد الله حمدوك سعت إلى القيام بإصلاحات على عدد من القوانين، إلا أنها لم تكن كافية، خاصة وأن عدد منها لا يتواءم مع عدة اتفاقيات سبق وصادق عليها السودان.
من جانبه، يقول المحامي والحقوقي عبد الباسط الحاج، في مقابلة مع (عاين): “أن عملية الإصلاح التشريعي تعد أحدى ركائز التحول الديمقراطي. وأشار إلى أن السودان بصدد الخروج من حقبة شمولية، إستمرت ثلاثين عاماً، أدت إلى قمع الحريات الأساسية للمواطنين بواسطة التشريعات والقوانين المقيدة للحريات.
ولفت الحاج، إلى أن العقوبات المهينة التي ينص عليها القانون الجنائي السوداني لا تتوافق مع المعايير والاتفاقيات الدولية التي وقعت وصادقت عليها حكومة السودان.
وأضاف: “من ناحية عملية فإن السودان يعد جزءاً لا يتجزأ من الأسرة الدولية، كما أنه إنضم الى بعض الاتفاقيات الدولية بشكل طوعي، وفقاً للحركة العامة لحقوق الإنسان حول العالم”.
وأكد عبد الباسط، أن هناك معايير وقياسات متفق عليها تُلزم الدول بإتباعها وفقاً لاتفاقيات حقوق الإنسان. كما أشار إلى المصادقة على هذه الاتفاقيات يُلزم الدولة بموائمة قوانينها الداخلية مثل الدستور والقانون و جميع التشريعات مع نصوص الاتفاقيات الدولية.
ولفت المحامي عبد الباسط الحاج، إلى أن السودان يقع عليه هذا الالتزام، لأنه موقع ومصادق على أمهات الاتفاقات الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وأكد الحاج، الحكومة الانتقالية حاولت قبل إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، إصلاح القوانين الداخلية لكنها لم تحاول بشكل كاف، لأنها لم تستند الى هندسة تشريعية متكاملة.
محامي: القانون الجنائي السوداني لا يزال يحتاج الى إصلاح تشريعي شامل لسلسلة من القوانين، خاصة النصوص التي تحمل عقوبات ذات طبيعة وحشية مثل عقوبة الرجم و الجلد و القطع.
وأفاد المحامي والحقوقي بإن القانون الجنائي السوداني لا يزال يحتاج الى إصلاح تشريعي شامل لسلسلة من القوانين، خاصة النصوص التي تحمل عقوبات ذات طبيعة وحشية مثل عقوبة الرجم و الجلد و القطع.
ولفت إلى أن الإصلاح التشريعي الشامل يجب أن يكون من صميم عمل السلطة الانتقالية التي يُناط بها التمهيد لدولة الحقوق والحريات الأساسية.
ومن جهة أخرى، وبحسب عبد الباسط الحاج فإن الإصلاحات التشريعية مطلوبة لتصفية آثار النظام السابق. وعدَ المحامي والحقوقي أن عودة النشاطات الاخيرة للقضاة عن طريق التعامل مع مثل هذه النصوص، تعتبر واحدة من أساليب النظام السابق الذي يتذرع دائماً بالشريعة لتمرير أجندته السياسية.
من جهته، دعا المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، السلطات السودانية إلى إلغاء عقوبة البتر، كما دعا السلطات، الأمر بإعادة محاكمة الأشخاص الثلاثة المحكوم عليهم بقطع اليد، وضمان حصولهم على محاكمة عادلة.
وقال المدير التنفيذي، للمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، مساعد محمد علي، في حديث لـ(عاين): ” أن مثل هذه الاحكام تنطوي على مخالفة واضحة للتشريعات الوطنية، كما أنها تعتبر إنتهاك واضح للمواثيق الدولية.
وأشار إلى أن السودان في 2021 وقع وصادق على إتفاقية مناهضة التعذيب وكافة أشكال المعاملة والعقوبات القاسية واللا الإنسانية.
وأوضح مساعد، أنه بموجب مصادقة السودان على هذه الاتفاقية فإن كل العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي السوداني تصبح غير سارية وغير قابلة للتطبيق.
“نسبة لعدم إجراء أي تعديلات على القانون السوداني تتسق مع المواثيق الدولية، فإن المحاكم السودانية لا زالت تطبق عقوبات مثل (قطع اليد) والإعدام عن طريق (الرجم بالحجارة). يقول مساعد محمد علي، الذي يرى أن القضاء السوداني يُصدر هذه الأحكام لأنها منصوص عليها في القانون الجنائي السوداني.
وأضاف مساعد: “ليس لدى القضاة السودانيين خيار لتطبيق عقوبات أخرى، لأن القانون لم يُعدل ليتسق مع إلتزام السودان باتفاقية مناهضة التعذيب وكافة أشكال العقوبات القاسية”.
وتابع، من ناحية أخرى، وحسب توثيق المركز الافريقي، فإن كل هذه الأحكام التي صدرت في مواجهة المتهمين، فإنه لم يُسمح أو يُوفر لهم تمثيل قانوني أو محامين، وهذا يُعد مُخالفاً لمبدأ الحصول على محاكمات عادلة.
وأوضح محمد علي، أن قانون الإجراءات الجنائية السوداني، يلزم بتكليف محامي في مثل هذه الجرائم والعقوبات.
في 19 فبراير هذا الشهر، قال ممثل مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في السودان، إنوسنت بالمبا زاهيندا، أنه يشعر بالقلق من قرار صدر من قاض بمحكمة الفتح بأم درمان بالحكم على ثلاثة رجال بالبتر لقيامهم بسرقة اسطوانات غاز في العام 2021″.
وأضاف زاهيندا في تغريدة على تويتر “أن عقوبة البتر تنتهك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي السودان طرف فيها”.
وتابع: “يشكل البتر عقوبة قاسية ولا إنسانية ويحظره العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما يشكل البتر تعذيباً وخرقاً لاتفاقية مناهضة التعذيب التي انضم إليها السودان عام 2021”.
وأضاف: “لم يتمكن الرجال من الحصول على التمثيل القانوني، أو أي متطلبات أخرى ضرورية لمحاكمة عادلة.ودعا إلى مراجعة عاجلة لهذه العقوبة القاسية وإصلاح القانون الجنائي السوداني و الامتثال لالتزامات السودان في مجال حقوق الإنسان”.
في هذه الحاله هل ستنفذ قوانين الشريعه ام قوانين المجتمع الدولي