ميناء ابو عمامة اراء حول مشروع الميناء – مواطني ولاية البحر الأحمر
27 ديسمبر – 2022
منذ سنوات، تسعى الإمارات للسيطرة على ميناء بورتسودان الرئيسي شرقي البلاد على رغم تعثر مسعاها في مرات عديدة، لكنها لم تمل المحاولة بدءً بعقد الخصخصة عبر الشركة الفلبينية مرورا بصفقات غير معلنة رسمياً مع العسكريين أبان شراكتهم مع المدنيين في الحكومة الانتقالية الأولى وعودتها مجدداً بعد الانقلاب العسكري بصفقة إنشاء ميناء أبو عمامة.
قادة السلطة العسكرية في السودان كانوا قاسماً مشتركا في كل المحاولات الإماراتية للاستحواذ على ميناء بالساحل السوداني، كيف خطط العسكريين لتمرير هذه الصفقة، وكيف استغلوا الاحتجاجات الأهلية التي تذرّعت بموقف سياسي لتمرير الصفقة بإبعاد المدنيين عن السلطة أولاً، وهل يرى العسكريين ان عملية إكمال الصفقة انقاذ لإقتصاد حكومة الانقلاب؟ كيف مهدوا لتمرير الصفقة عبر اختراق المجتمع المحلي، وما هو الدور المؤمل أن يلعبه القيادي السابق في حكومة البشير والمؤثر في شرق السودان محمد طاهر ايلا عبر عودته المسنودة من العسكريين؟
ضغوط اماراتية
تمارس الإمارات ضغوطا على الحكومة السودانية للموافقة على صفقة إنشاء ميناء “أبو عمامة” على ساحل البحر الأحمر شرق البلاد على بعد 230 كيلومتر من شمالي مدينة بورتسودان التي تحتضن الميناء السوداني الرئيسي. ولا تنفصل خطط أبوظبي عن حزمة مشاريع بينها مشروع زراعي عملاق شمال البلاد يُدبر تمويله مناصفة مع رجل الأعمال ورئيس مجموعة دال أسامة داؤود الشريك.
في يونيو الماضي صرح رجل الأعمال السوداني ومالك مجموعة دال أسامة داؤود لوكالة رويترز للأنباء أنه يروج لصفقة إماراتية مشتركة مع مجموعته لدى الحكومة السودانية التي يسيطر عليها الجيش وتشمل إنشاء ميناء “أبو عمامة” على ساحل البحر الأحمر.
العرض الإماراتي يضم ميناء ومطار ومنتجع سياحي ومشروع زراعي وتقدر تكلفته بـ 6 مليار دولار. وتُغري أبوظبي الخرطوم بوضع 300 مليون دولار في البنك المركزي لإنعاش العملة الوطنية. ويستهدف المقترح الإماراتي كذلك، بناء منطقة صناعية ومنطقة سياحية ومشروع زراعي بمنطقة “أبوحمد” شمال السودان بمساحة 500 ألف فدان، وتشييد طريق للربط بين الميناء والمشروع الزراعي بتكلفة تقدر بـ نصف مليار دولار.
صفقة إنقاذ الانقلاب
إصرار الامارات في التعجيل بإكمال صفقة الميناء على ساحل السودان يتأتى من ان الشركة المشغلة لموانئ دبي اتجهت في نهاية العام 2020 إلى السنغال للدخول في استثمارات لتشغيل الموانئ هناك بقيمة 1.2 مليار دولار.
وقيمة هذه الصفقة مقارنة مع العرض الإماراتي للسودان تعادلها الأخيرة أربعة مرات ما يعني أن أبوظبي تحاول إنشاء موانئ عملاقة على ساحل السودان تنهي بالكامل الموانئ المحلية التي تتعرض إلى اسوأ “تشليع في السنوات الثلاثة الأخيرة” وفق تصريح المسؤول بالميناء الشمالي لـ(عاين). وكان وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم كشف في منتصف سبتمبر الجاري عن تكوين لجنة حكومية لدراسة العرض الإماراتي بينها أعضاء في مجلس السيادة الانتقالي الانقلابي، وقال وقتها أنه “يؤيد العرض الإماراتي لامتلاك السودان ساحلًا بطول 760 كيلومترا لم يستغل بشكل كامل”.
وسبقت تصريحات الوزير السودان، زيارة وفد حكومي خلال الفترة من 28 – 30 أغسطس الماضي ضم وزير المالية، جبريل إبراهيم، ووالي ولاية نهر النيل، وممثل القوات البحرية، الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة، مدير مكتب وزير المالية، وحرس الوزير، ومدير مكتب والي نهر النيل، وسكرتارية اللجنة. بحسب وثيقة مسربة. “اللجنة الحكومية المكلفة بدراسة العرض الإماراتي قد ترحب بالعرض خاصة وأن الأموال التي ستضخها أبوظبي قد تنقذ السلطة العسكرية”. بحسب ما أفاد (عاين) مصدر من هيئة الموانئ البحرية مشترطا حجب اسمه.
ويوضح المصدر : “العرض الإماراتي طوق نجاة للحكومة السودانية في ظل موجة الاضرابات العمالية وحتى الاضطرابات الشعبية في شرق السودان جرى احتوائها بالانشقاقات الأخيرة بالتالي ليس هناك ما يمنع قبول العرض”. وأشار المصدر، إلى أن أبوظبي تحاول صنع وكالة اقتصادية لها في السودان عن طريق رجل الأعمال أسامة داؤود حليفها الأكثر تأثيرا هنا وسط جنرالات الجيش خاصة عبد الفتاح البرهان.
ورجح المصدر انحياز اللجنة الحكومية المكلفة بدراسة العرض الإماراتي لصالح الموافقة على المشروع الذي تنوي أبوظبي تنفيذه في السودان والذي يستهدف السيطرة على شرق وشمال السودان عبر “ميناء أبو عمامة” على أن تحمي ظهر هذا الميناء بمشروع زراعي عملاق في منطقة أبو حمد لتصدير المحاصيل عبر الميناء الجديد.
ويرى الخبير في قطاع الموانئ، عامر الحسن في مقابلة مع (عاين)، بأن الخرطوم قد توافق على العرض الإماراتي لأن دراسة العرض داخل اللجنة الحكومية إجراء يستهدف إزالة الموانع القانونية دوليا ومحليا. مضيفا أن بدء المشروع الإماراتي “مسألة وقت”.
موانع قانونية
في الوقت الذي تسارع فيه حكومة الانقلاب لإتمام صفقة الميناء ومشاريعه المصاحبة يرى بينما الخبير الدستوري الطيب العباس، أنه لا يمكن الموافقة على العرض الإماراتي لعدم وجود مؤسسات دستورية. ويقول في مقابلة مع (عاين)، إن “البلاد تعاني من حالة فراغ دستوري كبير لغياب مجلس الوزراء والبرلمان والمحكمة الدستورية”.
ويضيف العباس: “الحكومة الحالية غير مفوضة قانونيا لقبول العرض الإماراتي لأن الموانئ مرافق استراتيجية تمس الأمن القومي السوداني ويجب أن تحدد المؤسسات الدستورية مصلحة البلاد في إنشاء الموانئ الجديدة وأضرارها أو فوائدها على المرافق السودانية”.
عرقلة الصفقة
هناك عوامل قد تعرقل هذه الصفقة إذا ما تدخلت الصين التي تستثمر في الميناء السوداني في تصدير المنتجات الزراعية. والشهر الماضي تعمدت بكين الترويج لهذه الاستثمارات عبر نشر صور شحنات محاصيل سودانية على المنصات الإجتماعية.
ويقول الخبير في قطاع الموانئ، عامر الحسن لـ(عاين)، إن بكين تعمدت الترويج لهذه العملية حتى يعرف الرأي العام بالخط الملاحي الذي تديره على ساحل البحر الأحمر وهناك رفض صيني لإدخال أي منافس.
تحاول بكين تحصيل ديونها على السودان والبالغة ملياري دولار ولم تسفر “برامج الهيبك” في جلبها إلى تعهدات غربية لإعفاء ديون السودان في مؤتمر باريس العام الماضي.
وكان وزير النقل والبنى التحتية في حكومة الفترة الانتقالية الأولى، هاشم بن عوف في منشور نشره على حسابه الشخصي في فيسبوك في نهاية أغسطس الماضي من أن الصين قد تضغط على الخرطوم عبر ملف الديون إذا ما وافقت على العرض الإماراتي بإنشاء ميناء جديدة في “أبو عمامة”.
ابتلاع الطُعم..خدعة العسكريين
في سبتمبر 2021 وبدعم من جنرالات الجيش والدعم السريع أقدم رئيس تنسيقية نظارات البجا محمد الأمين ترك على اغلاق الموانئ الرئيسية لـ 45 يوما ورهن فتح الموانئ بإسقاط حكومة عبد الله حمدوك هذه الاحتجاجات كبدت السودان خسائر بنحو 50 مليون دولار ومغادرة شركات عملاقة للشحن والملاحة الساحل السوداني.
يشرح المسؤول السابق بمركز تخطيط البناء والبحوث في مجال البنى التحتية علي دكام، كيف أن الاضطرابات الشعبية في بورتسودان في العام الماضي أدت إلى “انحسار حركة الموانئ السودانية”.
وأردف : “لا يمكن أن ترتكب هذا الفعل إلا إذا كنت تدمر بلادك لقد خسر السودان 50 مليون دولار إلى جانب مغادرة غالبية السفن وشركات الشحن بلا عودة والاستئناف باشتراطات قاسية في مجال التأمين يقع عاتقه على السودانيين في ارتفاع أسعار الشحن والمناولة والتأمين البحري”.
ويرى دكام أن “الاضطرابات 2021 في بورتسودان”طُعم ابتلعه قادة الاحتجاجات الأهلية في شرق السودان حيث سعى جنرالات الجيش لتهيئة العرض الإماراتي والإطاحة بالمدنيين في ذات الوقت”. مشيرا إلى أن أبوظبي متعجلة للحصول على موافقة السودان قبل أن تطرأ تغييرات سياسية وصعود “جماعات مدنية” قد ترفض الصفقة.
أهداف إماراتية أخرى
“الإمارات خلال السنوات القادمة تعتزم دفع السودان إلى ربط السكك الحديدية مع تشاد واثيوبيا لتشغيل الموانئ المقترحة على ساحل البحر الأحمر بدلا من استخدام الأسواق التشادية والإثيوبية للموانئ السودانية”. يقول مصدر مسؤول بهئة المواني السوداني لـ(عاين).
وكان وزير النقل المكلف هشام أبو زيد صرح في حفل تدشين القطارات الجديدة الثلاثاء الماضي بالعاصمة السودانية أن القطاع الخاص سيشارك في مناقصة كبيرة لبناء خط سكك حديد بين بورتسودان ومنطقة “أدري التشادية” بطول 2.5 ألف كيلومتر عبر “نظام البوت”.
موانئ مهجورة:
ما هو مصير الموانئ السودانية حال قبول الحكومة التي يهيمن عليها الجيش للعرض الإماراتي؟ يرى مسؤول في الميناء الشمالي المخصص للسلع والشحن بموانئ بورتسودان أن “إنشاء ميناء جديد يعني تدمير الموانئ السودانية بالكامل”.
كي تدفع العرض نحو مرحلة المصادقة على الصفقة، وضعت الإمارات خطط تمثلت في اختراق المجتمع المحلي بولاية البحر الأحمر حسب ما يقول الناشط في منظمات المجتمع المدني شرق البلاد محمد أوبشار لـ(عاين)، ويضيف: “تم اختراق المجتمع المحلي.. هناك محاولات مستمرة للتأثير على القيادات النقابية لعمال هيئة الموانئ البحرية”.
“يتم تمرير روايات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في شرق السودان أن الميناء الجديد لن يؤثر على الموانئ الرئيسية الشمالي- والجنوبي لكن هذا حديث غير صحيح الميناء الإماراتي المقترح سينهي الموانئ بالكامل ستكون شبه مهجورة”. يتابع اوبشار.
فيما يكشف مصدر مطلع لـ(عاين)، عن اجتماع جرى بين مجموعة دال ووفد إماراتي وإسرائيلي في مدينة دبي الأسبوع الماضي لثلاثة أيام خصص جزء كبير منه لصفقة ميناء “أبو عمامة” مشيرا إلى أن أحد أشقاء أسامة داؤود قاد وفد مجموعة دال في هذه الاجتماعات.
مخاوف الإمارت من تأثير روسي-صيني على الحكومة السودانية تجعلها تمارس ضغوطا عالية لقبول وتمرير صفقة الميناء- بحسب المصدر الذي يشير إلى أن أبوظبي تحاول وضع رجلها الاقتصادي في السودان أسامة داؤود ليكون ذو تأثير كبير على هذه الصفقة وهي من الأسباب التي سهلت عودة رئيس الوزراء الأسبق والقيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول وصاحب التأثير على مكونات شرق السودان، محمد طاهر إيلا.
وكان إيلا في خطابه أمام الحشود التي استقبلته في مطار بورتسودان السبت الماضي أثنى على مجموعة دال المملوكة لاسامة داؤود- دون الإدلاء بتفاصيل.
ويؤكد المصدر أن :”إيلا سيلعب دورا كبيرا في تهيئة الشرق لقبول العرض الإماراتي وهذه مهمته ضمن مهام أخرى بالتنسيق مع العسكريين”.